الجمعة، 25 ديسمبر 2009

عن شهاب الدين وأخيه!




قبل سنوات جرت انتخابات داخل حزب قال عن نفسه: «إنه جاء فى موعد مع القدر»!. 


اختارت قيادة الحزب يوم الجمعة لإجراء الانتخابات، وعندما حانت ساعة الصلاة قالت قيادة الحزب للأعضاء: «هيا نؤدى فرض ربنا» وعندما عاد الأعضاء من تأدية فرض ربهم، باغتتهم القيادة وعلى الطريقة السوقية «أمك فى العش أم طارت؟» وقالت لهم: «لقد انتهينا من إجراء الانتخابات»!. 

إذن «الدودة فى أصل الشجرة» كما قال الراحل الكريم «صلاح عبدالصبور» فالحكومة تزور تزويرا منهجيا لا يفلتُ منه شىء والمعارضة تزور أيضا ولكن ضد نفسها، إنها تغتال قياداتها لصالح مصالح تكاد تقترب فى غموضها من «اللهو الخفى». 

وكان بعضنا يظن أن جماعة الإخوان بعيدة عن داء التزوير العضال الذى ضرب جذور الشخصية السياسية المصرية، ولكن كما يقال فى المثل الشعبى: «شهاب الدين أسوأ من أخيه» لقد شهدت انتخابات مكتب الإرشاد الإخوانى ما وصفه قياديون إخوان بالتزوير الفج، تم إقصاء تيار بأكمله يمثله القيادى البارع الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وهو الأمر الذى يمثل صداعا فى بنيان الجماعة قد يؤدى إلى انهيارها من خلال عدة انشقاقات تلوح نذرها فى الآفاق، وهو ما سيعرى الجماعة السياسية بأكملها من ورقة التوت التى كانت تسترها. 

لأن قطاعات واسعة من الجماهير كانت تراهن على أن الإخوان الذين يتحدثون «غالبا» باسم الدين سيكونون أحرص الناس على اتباع تعاليمه الآمرة بـ«الشورى» واحترام مختلف وجهات النظر. ما وقعت فيه الجماعة العريقة يمكن الاستفادة منه على أكثر من صعيد، لأن تماثل الجماعة مع النظام (ولو على مستوى تزوير الانتخابات) يتيح لنا قراءة الصفقات المتبادلة بين النظام الحاكم والجماعة كما أنه يسقط رعب «فزاعة الإخوان» التى يخوف بها النظام الغرب. 

فقد ثبت أن الإخوان كالنظام تماما ولا فرق سوى فى الشعارات التى لا تصمد فى ساعة الاختيارات الحقيقية، لقد أعلنت الجماعة انحيازها السافر لمنهج الإقصاء بل أوغلت فى اعتناقه لأنها مارسته ضد أبرع قياداتها، وعلى ذلك فليس من حقها أن تتكلم عن الشفافية واحترام الآخر، لأنها بعد ما فعلته لن يصدقها أحد، فالجميع الآن يهتفون بصوت واحد: «شهاب الدين أسوأ من أخيه».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 18 ديسمبر 2009

حسد (البوكر)



قبل عشرة أيام من إعلان القائمة القصيرة للروايات المرشحة لنيل جائزة البوكر العربية كثرت المقالات التى تناولت بالتشكيك (الجائزة ولجنة تحكيمها) وقد قطعت عدة مقالات بأن الفائز بالجائزة هذا العام لن يكون مصريا ولن يكون سوى الروائية اللبنانية «علوية صبح» عن روايتها «اسمه الغرام» ثم حدث، أعلنت القائمة القصيرة التى ضمت الروائيين، المصرى محمد المنسى قنديل عن روايته «يوم غائم فى البر الغربى» المصرية منصورة عز الدين عن روايتها «وراء الفردوس» الأردنى جمال ناجى عن روايته «عندما تشيخ الذئاب»، الفلسطينى ربعى المدهون عن روايته «سيدة من تل أبيب»، اللبنانى ربيع جابر عن روايته «أمريكا»، السعودى عبده خال عن روايته «ترمى بشرر». 


وقد أظهرت القائمة عدة أمور وهى: 
1ـ سقوط نظرية التوزيع الجغرافى الذى نادى به البعض، فالمغرب العربى كله لم يمثله أحد، والخليج العربى كله ليس له سوى ممثل واحد. 

2ـ مصر لم تخرج من الميدان فهناك روائيان اثنان داخل السباق. 

3ـ بعض المهاجمين اعتمد طريقة (فيها أو اخفيها) بمعنى إما أن أفوز أو أهيل التراب على الجائزة ولجنة تحكيمها. 

3ـ ثمة «عصبية» مصرية فى التعامل مع الجوائز العربية وكأننا فقط من يكتب الرواية على امتداد الوطن العربى الكبير جدا والمتنوع للغاية. 

4ـ فزنا بالجائزة مرتين متتاليتين ولم يشكك كاتب عربى فى استحقاقنا للجائزة، فلماذا نبدأ نحن بالتشكيك قبل صدور النتائج النهائية. 

5ـ كيف سيبرر المشككون مواقفهم فى حالة فوز مصرى بالجائزة. 

6ـ الجوائز بصفة عامة ما هى إلا ترجمة لوجهة نظر مانحيها، وليس معنى الفوز بجائزة أن الفائز هو الأول فى مجاله، كما أن الخسارة ليس معناها إنه الأخير. 

7ـ العرب الذين يفاوضون «كيان العدو» ويرضون بنتائج مفاوضاتهم لا يرغبون فى الجلوس معا ولو على مائدة جائزة البوكر. 

8ـ الحسد الذى أخرج آدم من الجنة سيخرجنا نحن العرب من التاريخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 11 ديسمبر 2009

الليندى رئيساً للجمهورية



فى سيرته الذاتية الفاتنة « أعترف بأننى عشت ( يحكى شاعر تشيلى الأكبر بابلوا نيرودا) قصة وصول الرئيس الراحل سلفادور الليندى لرئاسة الجمهورية التشيلية فى مطلع سبعينيات القرن الماضى، يقول: « كنت أعرف المرشح، كنت قد رافقته ثلاث مرات سابقة، أقذف الأشعار والخطب عبر أراضى تشيلى الوعرة، ثلاث مرات متعاقبة، كل ست سنوات، كان صاحبى الملحاح جدا يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، هذه الرابعة الرابحة». 


صمود الليندى واحتماله وجلده جعل مرافقيه دائما وراءه، كان ينام حين يعن له النوم، أحيانا كنا نمضى عبر الأراضى القاحلة اللامنتهية فى شمال تشيلى، الليندى كان ينام نوما عميقا فى ركن من أركان السيارة، على حين غرة تبدو نقطة حمراء صغيرة فى الطريق، حين نقترب تتحول هذه النقطة إلى مجموعة مؤلفة من خمسة عشر رجلا أو عشرين مع نسائهم وأطفالهم وراياتهم، تتوقف السيارة، الليندى يفرك جفنيه كى يواجه الشمس والمجموعة الصغيرة التى كانت تنشد، يتحد معهم. 

ينشدون معا النشيد الوطنى، ثم يحدثهم حديث النشيط السريع الفصيح البليغ، ثم يعود إلى السيارة فنتابع متجولين عبر طرق تشيلى الطويلة جدا، يعود الليندى فيغرق فى نومه بدون أى جهد، كل خمس وعشرين دقيقة كان المشهد يعاد، مجموعة رايات، نشيد، خطاب.

عودة للنوم وهكذا دواليك. كان يقابل التظاهرات الهائلة المؤلفة من آلاف وآلاف من التشيليين، يبدل بالسيارة القطار وبالقطار الطائرة وبالطائرة الباخرة وبالباخرة الحصان. أتم الليندى بلا تردد أشغال تلك الأشهر المضنية المنهكة، ومن خلفه كان أعضاء موكبه منهكين مرهقين، ومن بعد حين أصبح رئيسا فعليا وشرعيا لتشيلى سببت فعاليته غير الرحيمة أربع أو خمس سكتات قلبية بين مساعديه ومعاونيه». 

انتهت حكاية نيرودا، وعلينا نحن هنا فى مصر ــ إن كنا جادين ــ أن نكتشف مرشحا رئاسيا حقيقيا وجادا مثل سلفادور الليندى، نريد مرشحا يعرف البلاد والعباد، ولا يستنكف من مخاطبة عشرين رجلا يقفون بانتظاره فى أقاصى الصعيد أو فى أطراف الدلتا. 
نريد الليندى لا اللمبى!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 4 ديسمبر 2009

السطو على الكرامة




الآن وقد هدأت شيئا فشيئا ما مدافع الحرب الكلامية التى نشبت بين فريق من الإعلاميين المصريين وفريق من الإعلاميين الجزائريين، علينا أن نلتفت بكل قوة إلى عدد من الحقائق التى يريد البعض أن يغيبها. 



أولا: الحرب الإعلامية لا ناقة ولا جمل للشعبين المصرى والجزائرى فيها، إذ إنها فى حقيقتها تخدم أهدافا مؤقتة مثل «رسائل الـ s.m.s» التى تنهال على الفضائيات التى تسعر نيران المواجهة، ومثل زيادة معدلات توزيع بعض الصحف التى تورطت فى نشر الأكاذيب من أجل زيادة التوزيع. 

وهذا حال جريدة « الشروق» الجزائرية التى كانت توزع حوالى 800 ألف نسخة يوميا ولكنها بعد قيامها بنشر قصص كاذبة ومغرضة بل وحقيرة عن القتلى الجزائريين فى القاهرة وصل توزيعها إلى مليون ونصف المليون نسخة يوميا. 

أما عن الأهداف الإستراتيجية لهذه الحرب الخطيئة، فيكفى أن ننظر إلى الشامتين لنعرف أن الحرب خدمت دولا وأنظمة كما أنها كانت فى خدمة دعاة التغريب فى البلدين وهؤلاء لم يحبوا أبدا العروبة ولم يدافعوا قط عن بلادهم لأنهم يرون المستقبل فى القفز داخل سفن التبعية. 

ثانيا: تلقف المصريون الغاضبون مصطلحين من نوعية «عدوان الجزائر على الكرامة المصرية » 
و«الدفاع عن كرامة المصريين » الغاضبون لم يلتفتوا فى حمى غضبهم إلى أن الذين روجوا المصطلحين هم أول من اعتدى ويعتدى وسيعتدى على كرامة المصريين. 

فالذى جعل المصريين يتقاتلون من أجل الحصول على رغيف خبز، هو أول من اعتدى على كرامتهم، هذا فضلا عن جرائم أصبحت من فرط تكرارها حوادث يومية لم تعد تلفت نظر أحد رغم أنها جرائم تخصم من رصيد مستقبل الأجيال المقبلة، إن جريمة مثل تلوث الماء أو سرطنة القمح هى عدوان صريح واضح على كرامة المصريين. 

ولكن الحادث أن الكرامة أصبحت «وجهة نظر» فالذين يتشنجون دفاعا عن كرامة مصر التى مستها «طوبة» جزائرية هم فى الحقيقة يسطون على معنى الكرامة ويقومون بتزويره، فالكرامة شأنها شأن الإهانة لا تقبل التجزئة، فالذى ينادى بحماية كرامة المصريين فى الخارج عليه أولا صيانتها فى الداخل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 27 نوفمبر 2009

الكرة والدستور




بداية أعتذر عن الجمع بين الكرة التى مهما علا شأنها تظل مجرد لعبة، وبين الدستور فى سياق واحد، ولكن هذا الهوس الذى تخلى عن كل منطق وأصبح يتسيد الساحة بعد مباراة مصر والجزائر، دفعنى للتذكير بمواد الدستور التى تنص على عروبة مصر بل وتنص على أن الوحدة العربية هدف رئيسى من أهداف الدستور المصرى. 


فوثيقة إعلان الدستور المصرى تؤكد، بكلمات واضحة، تعهد جماهير الشعب على تحقيق أربعة أهداف رئيسية، يهمنا هنا الإشارة إلى الهدف الثانى الذى يقول: «الوحدة أمل أمتنا العربية: عن يقين بأن الوحدة العربية نداء تاريخ، ودعوة مستقبل، وضرورة مصير.. وأنها لا يمكن أن تتحقق إلا فى حماية أمة قادرة على دفع وردع أى تهديد». 

وإذا ذهبنا إلى مواد الدستور وجدنا مادته الأولى تنص على: جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة. والشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة. 

وتنص مادته الثانية على: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى. 

هذه المواد أوضح فى دلالتها من شمس الظهيرة، وهذا الوضوح نسفه بعض الذين يطلون علينا من بين سطور الجرائد ومن على شاشات الفضائيات، فترى الواحد منهم يلعن بأعلى صوته «العرب» و«العروبة» ويتحدث نيابة عن المصريين جميعا قائلا: «من اليوم لم تعد هناك عروبة» وكأن العروبة نوع من السلع نفد من السوق، أو كأنه اكتشف لنا انتماء غير العروبة علينا أن نسارع لاعتناقه لأن سيادته يرى أن العروبة وهم من الأوهام. 

وقد سمعت لاعبا لا يستطيع التفرقة بين الفاعل «المرفوع بالضمة» و«الفاعل» الذى يعمل فى قطاع البناء يقول والغضب يعلو قسمات وجهه: «باى باى عروبة»!! 

هل يظن هذا الذى لم يمرر تمريرة سليمة لزملائه أثناء المباراة، أن العروبة فتاة ينهى معها مكالمة تليفونية؟ 

العروبة ليست كلمة تقال، يتخلى عنها من يشاء وقتما يشاء، هوية أمة ونصوص دستور، فإن كان الذى يُتهم بمحاولة قلب نظام الحكم يقوم المسئولون بإرساله إلى ما وراء الشمس، فلماذا لا «يقرص» المسئولون إذن هؤلاء المتطاولين على الأمة ويقولون لهم: «إلعب بعيد ياشاطر منك له»؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 13 نوفمبر 2009

ناجي رقم جديد





عملت سنوات مع الروائى والصحفى الكبير الأستاذ محمد ناجى.. كان خلالها خافت الصوت حريصا على التوحد مع نص يكتبه أو يفكر فيه.. رأيته مرة فى غاية الفرح، ظننت أنه عثر على بداية موفقة لرواية جديدة ولكنه باغتنى عندما قال لى: «لقد عثرت على دواء يعالج كذا وكذا من أمراضى». 



لم أكن حتى تلك المباغتة أعلم أنه يعانى من أمراض يفرح لأنه وجد دواءا لها. فجأة حاصره وحش سرطان الكبد لتبدأ مجددا دوامة المناشدات والاستغاثات، جربنا مواجع تلك الدوامة فى حالات كثيرة، يكفى أن نشير إلى قصة الصحفى والشاعر «فتحى عامر» والصحفى والروائى «يوسف أبورية» دائما يهاجم المرض الكتاب على حين غرة ودائما نسارع إلى مناشدة الجهات المسئولة، ودائما ما تتجاهلنا الجهات حتى تتساقط دموعنا على قبور الراحلين، مشكلتنا أنه لا يلوح فى الأفق حل فلا اتحاد الكتاب قادر على علاج أعضائه ولا نقابة الصحفيين قادرة ولا الكتاب أنفسهم يملكون فى غالبيتهم العظمى تكاليف علاج أمراض لا يد لهم فيها، طبعا فى حالات كهذه لا نسأل عن «التأمين الصحى» ولا عن حقوق المواطن أيا كان فى الحصول على علاج ميسر ولا نقول مجانيا، ما يهمنا فقط هو جمع أموال تكفى لعلاج إناس قدموا كل ما يستطيعون فى سبيل إسعادنا وعندما تغدر بهم الأيام يتلفتون حولهم فإذا كل «هذا الزحام لا أحد». 

هل من حقنا أن نسأل عن منحة حاكم الشارقة التى رصدها لعلاج الأدباء المصريين؟ تلك المنحة التى رفضها البعض، لأنهم يرون أن الكاتب مثل القاضى لابد أن يكون محصنا ولابد أن تنفق عليه بلاده فقط وليست أى جهة أخرى، ثم تعطلت المنحة فى دهاليز وزارة المالية، ثم أفرج عنها ولكن بعد موت «يوسف أبورية» أحد أهم مستحقيها هل من حقنا أن نسأل عن الدور النقابى لعشرات النقابات؟ هل من حقنا أن نسأل عن السيد المجتمع المدنى الذى لا نراه إلا فى قاعات الندوات مكيفة الهواء؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 6 نوفمبر 2009

عودة الغولة






قبل أشهر صحونا على شبكة جهنمية من الأخبار والتحاليل تتناول ما عرف باسم «الصكوك الشعبية» أو إدارة أصول الدولة، انخرطنا جميعا فى الاهتمام بالأمر وفتشنا قاع أدمغتنا حتى حصلنا على مرادف «سينمائى» لما يجرى. 



لذا أسرفنا جميعا فى تذكير الناس بقصة فيلم «عايز حقى» الذى قام بطله المحروم «صابر» بالحصول على توكيلات من الشعب لكى يبيع بالنيابة عنهم حصصهم فى المال العام، وبالفعل تم فتح المزاد على بيع الأهرامات والنيل، ولأن البيع فى الأفلام غير البيع فى الحياة، فإن البطل تراجع فى اللحظة قبل الأخيرة. 

لكن البطل الذى فى الحياة اكتفى فى البداية بجس النبض، طرح الفكرة وراح من خلف ستار يتأمل تداعياتها التى لم تخرج عن معارضة صحفية واحتجاج باهت هنا وآخر هناك، جرفنا تيار الأزمات المتلاحقة بداية بإنفلونزا الخنازير وصولا إلى عودة التيفود وليس نهاية بمباراة مصر والجزائر فى تصفيات كأس العالم لكرة القدم، معروف طبعا أن الأزمات فى جانب منها تشبه «الحب» جديدها يُنسى قديمها، 

فى حمى الأزمات لم نتوقف ونسأل عن مصير المشروع الذى شغلنا لأشهر، اكتفينا بالذى قالوه، عن أن فلانا من كبار المسئولين يعارضه وأن علانا يرفضه، لم نتوصل أبدا لحقيقة الأمر الذى بدا مثل «غمة وانزاحت». 

ظل السطح هادئا وكأن من طرحوا المشروع قد صرفوا النظر عنه إلى أن جاء مؤتمر حزب الحكومة فإذا بالمشروع الذى يبدو مثل أمنا الغولة يعود بقوة إلى سطح الأحداث. بعض المسئولين يقولون إن موارد المشروع ستوجه للأنفاق على الصحة والتعليم، آخرون قالوا: بل ستوجه للصرف الصحى. 

وهكذا بدأت الشبكة الجهنمية العمل من جديد لتلفنا جميعا بخيوطها القاتلة ولتدخلنا جميعا فى نفق التخمينات، دون أن نعرف سببا اقتصاديا واحدا يدعو لتفتيت ما بقى من أملاك الدولة وتحويلها إلى صكوك لم يحددوا بعد قيمتها وإن أشاروا إلى أن قيمة الصك ستكون نحو 400 جنيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأحد، 25 أكتوبر 2009

الأوت حرام





فجأة تكدست على أرصفة مواقع الانترنت دعوة مشبوهة أطلقتها حركة أو منظمة مسيحية تسمى نفسها «شركاء من أجل الوطن»، الحركة المذكورة لم تعد ترى عيوبا فى الوطن الذى تريد أن تصبح شريكة فيه سوى «دورى كرة القدم المصرى» فلا قمامة، ولا تعليم منهار ولا مياه ملوثة ولا طعام بمذاق الصرف الصحفى ولا انتخابات مزورة ولا قمح مسرطن، ولا استبداد سياسى، فقط هو دورى كرة القدم الذى وقف مثل الشوكة فى حلق المنظمة، الإخوة الشركاء طالبوا فى بيانات لهم بإلغاء بطولة الدورى، لأنها تمارس التمييز الدينى، لأن فرق الدورى ليس بها مسيحيون!. هذا الادعاء الغريب المريب سيتحول كما قالت المنظمة إلى مذكرة ترفع إلى الاتحاد الدولى لكرة القدم!. 


طبعا، التعسف واضح وسوء النية أكيد، ومع ذلك فالرد على هذا الادعاء الغريب سهل ميسور، لأن المسيحيين يملأون ملاعب كرة القدم ليس فى مصر وحدها بل فى السعودية أيضا، فمعظم الفرق يلعب بها محترفون أفارقة، وهؤلاء معظمهم من المسيحيين، ويكفى أن نشير إلى أن نجم النادى الأهلى على مدى السنوات الخمس الماضية كان هو «فلافيو» المسيحى، إضافة إلى «جلبرتو» المسيحى أيضا، وبصفة عامة يندر أن يخلو فريق مصرى أو عربى من لاعب أو مدرب مسيحى. 

إن هذه الدعوات المتطرفة تبدو مثل كرة الثلج فإن لم تقاوم فى مهدها فإنها تتحول إلى كرة نار، فالذين يزعمون أنهم يبحثون عن الشراكة والمشاركة يعتزمون التقدم بمذكرة إلى «الفيفا» ولا أحد يضمن فى ظل الظروف الملتبسة التى يعيش العالم فى ظلها نتائج مثل تلك المذكرات فهى إن لم تضر فحتما لن تنفع، وقد يؤدى التمادى فى تجاهل هذه الدعوات إلى المزيد من المطالب الشاذة، فقد يطالب بعضهم بضرورة اعتزال اللاعب «إسلام الشاطر» لأن اسمه يحمل دلالة تميز دينى، وليس بعيدا أن يطالب أحدهم بعدم إقامة مباريات كرة القدم فى أيام الآحاد لأنها أيام لها مكانتها عند المسيحيين، ولأن لكل فعل رد فعل، فإننا لن نتعجب أبدا من تطرف سيظهر على الجانب الآخر، فنسمع أحدهم يحرم «رمية التماس» الأوت لأن اللاعب الذى ينفذها يرفع يديه إلى ما وراء أذنيه وبدلا من أن يكبر تكبيرة الإحرام إذا به يرمى الكرة وفى هذا ما فيه من الاستهانة بركن من أركان الصلاة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 16 أكتوبر 2009

السيد صنبور ومستر جركن




كنت واقفا على شاطئ نهر النيل الخالد الذى تجرى به مياه نظيفة تشفى العليل (من خاف سلم) من قلب الماء (النظيف جدا) ظهر كائن عجيب نصفه الأعلى بشرى ونصفه السفلى له هيئة «بلطية» جميلة. كثيرا ما سمعت وقرأت عن «عروس البحر» ولكن أبدا لم أكن أصدق شيئا مما أسمع أو أقرأ، ولكن ها هى أمامى بوجهها الأنثوى الفاتن.. توقعت أن تقول لى كما فى الحكايات: «شبيك لبيك». لو فعلتها لطلبت منها شقة فى التجمع الخامس، ولكنها نظرت لى نظرة غاضبة ورمتنى بكتاب، أمسكت الكتاب ساخطا وقلت لها: لا أحتاج كتبا فأنا غارق فى بحورها. ردت ساخرة: هذا ليس أى كتاب، من أجله سافرت إلى الزمن الآتى.. طالعه فسينفعك. عندما عادت العروس إلى قلب الماء نظرتُ نظرة مدققة إلى الكتاب، كان ورقه ليس كأى ورق وغلافه ليس كأى غلاف، هو فعلا من كتب الزمن الآتى، عنوانه كان لافتا «قانون احترام الماء». 


فى المقدمة قال المؤلف المجهول: «شهدت مصر فى العام 2009 دعوة لإصدار قانون يجرم تشويه سمعة المياه والصرف الصحى، وذلك بعد الحملات الصحفية التى شككت فى نقاء الماء المصرى، ورغم أن الصحافة قد استندت فى حملاتها إلى شهادات الخبراء فضلا عن واقع الحال الذى يغنى عن أى شهادة فإن الدعوة سرعان ما تحولت إلى قانون نافذ لا يجوز الطعن عليه، وقد نجح القانون نجاحا ساحقا فى تقليم أظافر الصحافة ومن ثم راح المصريون جميعا يتغنون بنقاء المياه وجودتها، ولكى يحافظ أولو الأمر على هيبة القانون شكلوا شرطة خاصة تراقب تعامل المصريين مع المياه ومستلزماتها، وقد عرفت تلك الشرطة بالحروف المختصرة (ج.م. م) أى جودة مياه مصر، وقد تعامل المصريون مع القانون بما يليق به فاختفت شتائم مثل «بلاص وجردل» إذ أصبح لهما مكانة سامية امتد ظلها ليشمل باقى أوانى المياه فأصبح «الجركن» يعرف باسم «مستر جركن» أما الصنبور فلم يعد يُنادى إلا بلقب السيد صنبور، وقد شهد العام المذكور وقائع تدل على المدى الذى بلغه نجاح القانون ومن تلك الوقائع أن المصرى كان إذا أراد الشرب وقف فى وضع الانتباه وأدى التحية العسكرية لكوب الماء قبل أن يتناوله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

اشربى يا مصر




أعرف المسلمين (لأننى مسلم) أعرف تلك الأوهام، التى تضرب أدمغة بعض قادتهم فيأمر هذا أتباعه بمحاربة أتباع ذاك، أعرف التعصب للمذهب والإعلاء من شأن الطائفة، تفيض كتب مكتبتى ببحور دماء أريقت فى معارك سخيفة نشبت لوجه الشيطان بين السنة والشيعة، ثم بين السنة والسنة ثم بين الشيعة والشيعة، معارك لا تدرى فيها من المقتول ومن قتله ولِمَ قتله؟ أعرف أن «الزرقاوى» على سبيل المثال كان يوزع تهمة «الكفر» ذات اليمين وذات الشمال بل كان يعيب على تنظيم «القاعدة» ليونته العقائدية! 


ولأننى مسلم كنت أغبط المسيحيين على وحدة صفهم مع تباين مذاهبهم، كنت أظن ألا فرق بين الأرثوذكسية والكاثوليكية والأنجيلية، كان الجميع عندى فى سلة واحدة، مسيحيون يشتركون فى الإيمان بجذور عقيدتهم، وما بين مذاهبهم من فروق يدخل تحت بند الاختلافات العادية المحتملة، ظلت هذه رؤيتى حتى بعد أن حدث صدام مسلح على خلفية مذهبية بين مسيحيى لبنان، أيامها قلت «مصر شىء آخر»، حتى كشف الأنبا بيشوى، سكرتير المجمع المقدس، عن خطة إنجيلية تهدف إلى تحويل الأقباط الأرثوذكس إلى بروتستانت خلال ٢٠ عاما من تنفيذها. 

وأكد أن الكنيسة المصرية تتعرض لحرب شرسة من الإنجيليين، الذين يحاولون اختراق الكنيسة القبطية لسرقة أولادها خاصة فى مناطق مصر الجديدة والنزهة وأرض الجولف والزمالك. 

وزاد فوصف دير المقطم بـ«الوكر»، موضحا أن أموالا طائلة تم رصدها لتحويل الأرثوذكس إلى بروتستانت.. وشدد بيشوى على أن الخطة البروتستانتية «الإنجيلية» ما زالت مستمرة، وأدت إلى وقوع بعض الكهنة فى «الفخ الإنجيلى»، مما أسفر عن اعتناقهم الفكر البروتستانتى. 

لهجة الأنبا بيشوى كانت واثقة وتنذر بوقوع مشكلات لا يعرف عواقبها إلا الله، خاصة والطرف الثانى رد بطريقة كلها استعلاء وغطرسة، وقال ما يعنى إن الأورثوذكسية أصبحت قديمة، ولم تعد تقنع أحدا وعليها تجديد نفسها، وهكذا دائما يبدأ الأمر أو الشر، فريق يتهم وفريق يتعالى عن الرد ثم فجأة تندلع نزاعات لا تنقصنا ونحن فى غنى عنها، وكل هذه الأشياء ترتكب باسم الرب والدين، سواء جرت بين السنة والشيعة أو بين الأرثوذكس والإنجيليين. كلمة السر فى كل هذه النزاعات هى غياب مشروع يوحد الأمة، إن مصر تشرب الآن من نبع الطائفية الملوث لأنها تجاهلت مشروعها وراحت تجرى خلف الأوهام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 2 أكتوبر 2009

الجنسية للقمامة




كأننا ندعو ولا يُستجاب لنا (فمن نتهم؟). أقمنا الدنيا لأننا فجأة اكتشفنا أن أكثر من نصف قرى مصر لم تعرف مياه الشرب النقية لها طريقا، ثم اكتشفنا أن المياه التى يقال إنها نقية ملوثة بمياه الصرف الصحى. 



ثم اكتشفنا هكذا فجأة أن العطش يتمدد فى بلاد النيل «كما يتمدد ثعبان فى الرمل» أقمنا الدنيا ثم لم يحدث شىء وليت الأمر وقف عند حد نقص المياه أو خلطها بما تيسر من مياه الصرف الصحى، لقد انحدرنا إلى ما هو أسوأ، وفوجئنا كالعادة أن «التيفود»، هذا المرض القديم، عاد يضرب بقوة فى قرى ليس بينها وبين النيل إلا كيلومترات. 

الذى فعلناه مع المياه هو ما قمنا به تجاه كارثة طوابير الخبز ومصيبة القمح المسرطن، كالعادة تقوم قيامتنا ثم يدخل كل شىء إلى دوائر النسيان، وهو ما فعلناه مع إنفلونزا الخنازير وقبلها إنفلونزا الطيور (نبرق ونرعد ولا مطر). 

والآن جاء دور حفظ الله مقامكم القمامة التى تبدو اكتشافا جديدا وكأنها لا تحاصرنا منذ سنوات وكأننا فوجئنا بها تتكدس على جوانب شوارعنا وفوق أرصفتنا بل وأمام أبواب بيوتنا، فى كل مرة ومع كل كارثة نبدو من الذاهلين الذين تصرعهم الحقائق القديمة كأنها هبطت للتو فوق أدمغتهم، القمامة فى مصر مرض متوطن مثل الأمية والاستبداد والفقر وتزوير الانتخابات والبلهارسيا ومسلسلات رمضان، منذ عشرات السنوات ونحن نتابع تصريحات المسئولين حول التصدى لظاهرة القمامة وما أكثر ما سمعنا من مقترحات. 

ثم كما هى العادة ظل التخبط سيد الموقف إلى أن أصبحت القمامة ظاهرة تهدد حياة الناس فى مقتل، ظاهرة لم يفلت منها شارع ولا حى حتى تلك الشوارع والأحياء التى كنا نصنفها فى خانة الشوارع والأحياء الراقية فمنذ ثلاثة أعوام تقريبا تخلت هيئة النظافة والتجميل عن عملها وتركت القمامة تملأ الشوارع، فطلعت علينا المحافظات بحلها «العبقرى» وتعاقدت مع مجموعة من الشركات الأجنبية لتقوم مقام هيئة النظافة على أن يتحمل الشعب نسبة 5% نظير تحصيل شركة كهرباء القاهرة هذه الرسوم على فاتورة الكهرباء، وبعد فشل الحل الأجنبى. 

بدأ الحل المحلى وهو حرق القمامة، وبعد فشله هو أيضا، اعتمدنا على نظرية «طول العشرة تذيب الفروق» وهكذا بدأنا التعايش مع القمامة وتطوعنا ومنحناها الجنسية لتمارس جميع حقوق المواطنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 18 سبتمبر 2009

تبرعوا لمليونير




صباح الثلاثاء الماضى تساءل الكاتب الأستاذ إبراهيم عيسى فى مقاله بالدستور عن حقيقة الأموال التى تدفعها الجهات والمؤسسات الخيرية للفضائيات مقابل الإعلان عن أنشطتها، وتساؤل عيسى وجد إجابة شافية فى مقال مزلزل نشرته «الشروق» صباح الأربعاء للكاتب الكبير الأستاذ وحيد حامد، الذى كشف عن حقائق مفزعة. قال الأستاذ وحيد إن المؤسسات التى تتلقى تبرعات المواطنين وتنفقها كما يفترض فى أوجه الخير المتعددة تقوم بإنفاق خمسة وثلاثين مليون جنيه على الإعلان عن أنشطتها فى الفضائيات.


ما كشفه مقال الأستاذ وحيد يجب أن يصبح حجر زاوية فى مناقشة ومن ثم محاسبة تلك الجهات، لأن قيامها بكل هذا الإنفاق على الدعاية يثبت أنها غنية جدا ولا تحتاج إلى تبرعات فقراء المواطنين الذين «تنكد» عليهم معيشتهم بصور الأطفال المرضى بأفتك الأمراض، نعم تجب محاسبة جمعيات الخير هذه لمعرفة حقيقة ميزانياتها فلو كانت تملك كل هذه الأموال لوجب إيقاف التبرع لها، ولو كانت تأخذ أموال المتبرعين وتنفقها على الدعاية فيجب الضرب على يدها بقوة لأنها ستكون فى تلك الحالة مخالفة لبنود التعاقد «الضمنى» أو العلنى المبرم بينها وبين المتبرع، لأن المتبرع عندما قدم ماله لهذه الجمعية أو تلك لم يكن يتصور أن جزءا كبيرا منها سيتم إنفاقه على أنشطة الدعاية، هذه الجمعيات تفرض بالابتزاز العاطفى سياسة «التبرع للمليونيرات» لأنها تطارد الناس بصور الأطفال المرضى فى نوع من «الشحاذة» يذكرنا بما كان يقوم به «زيطة» صانع العاهات فى رواية نجيب محفوظ. 

وعلى الناحية الأخرى هناك عشرات بل مئات الجمعيات والمؤسسات التى تقوم بعمل خارق فى رعاية ودعم الفقراء والمحتاجين ومع ذلك لا يسمع بها أحد ولا تقوم هى باستقطاع جزء مهم وفاعل من التبرعات للإعلان عن أنشطتها، إن ما يحدث الآن من تسابق على أعمال الدعاية سيؤدى إلى انصراف الناس عن هذه الجمعيات التى أدمنت الظهور فى الفضائيات، لأنه ليس من المعقول أن يتبرع الناس لجمعيات كل همها الإعلان عن نفسها وكأنها جاءت بما لم يأت به الأوائل.

الشفافية هى الحل الذى يرضى الجميع فى حالة كالتى نعيشها وعلى هذه الجمعيات أن تعلن بشكل صريح ومباشر عن ميزانياتها وأن تذكر بكل صراحة أوجه إنفاق الأموال التى تتلقاها كما عليها أن تكف عن هذه الحملات الإعلانية المزعجة حتى ولو كان هناك من يتحمل تكاليفها.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



الجمعة، 11 سبتمبر 2009

العملية (دينا)




حصل «إياد» على ماجستير فى هندسة الكمبيوتر ثم نظر حوله فلم يجد شيئا قد تغير، يومها قال لنفسه: «بعد الآن لن أسقط لأنى فى القاع»، ظل إياد فى القاع لكنه لم يغفل قط عن معشوقاته «كرة القدم» و«شاشة الكمبيوتر» و«الراقصة دينا». مع مبارايات الكرة كان جسده ينتفض ليفسح المكان لدم جديد طازج يتدفق من قلب شاب، للحق لم يكن إياد أهلاويا ولا زملكاويا، لقد كان كرويا فحسب، إلا أنه مسايرة للمزاج العام كان يظهر كأنه أهلاوى، ومع شاشة الكمبيوتر كان ينسى كل مواجعه ويعيد هندسة العالم كما يريد. مع رقص دينا كانت كل خلية من جسده ترتعش فيدرك أنه مازال على قيد الحياة. 


عندما كاد اليأس يقضى عليه تعرف على لاعب كرة قدم ناشئ، عرف اللاعب أن إياد متمكن من «الجرافيك» فطلب منه ــ على سبيل الذكرى ــ أن يعد له أسطوانة تظهره فى براعة «ميسى» و«أبوتريكة» معا. صنع إياد الأسطوانة وقدمها لصديقه الجديد الذى قدمها بدوره لسمسار فى الدورى القبرصى الذى قدمها بدوره إلى رئيس أحد الأندية الذى بعد رؤيته للأسطوانة قال للسمسار وهو يغمز بعينه: «سنوقع مع لاعبك ثم سنتفق».

لاعبون كثيرون عرفوا طريقهم إلى إياد الذى ذاع صيته وأصبح «منّظرا كرويا»، فقال لنفسه: «إذا أقبلت باض الحمام على الوتد» وهذا ما كان وباض حمام الكرة فأصبح إياد من أكابر المسئولين عن الكرة المصرية وهى مسئولية عجيبة فلا أحد يعرف حقيقة وضعه كما أن أحدا لا يجهل مسئوليته عن انقاذ المنتخب كلما تعرض لواحدة من عثراته، نستطيع اختصارا أن نقول إنه كان يلعب دور «اللهو الخفى» فهو موجود وغائب فى الوقت نفسه. بعد تأزم موقف المنتخب فى التصفيات المؤهلة لكأس العالم حصل إياد ــ بحكم كونه اللهو الخفى ــ على المبلغ الأضخم فى حياته، فى عملية أطلق عليها اسم «دينا» من باب الوفاء لراقصته المفضلة. مصريون دفعوا له لكى يتفق مع لاعبى رواندا على الاستبسال أمام الجزائر فى مقابلتهما المصيرية، جزائريون دفعوا له لكى يتفق مع لاعبى رواندا على «الاستهبال»، رواندانيون دفعوا له لكى يساوم المصريين والجزائريين ويحصل منهم على أعلى سعر مقابل الاستبسال أو الاستهبال!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

(سرنجة) يا الله




فى حمى انتفاضة الأقصى، أطلق الصهاينة كعادتهم النار على أحد المصورين الصحفيين، سقط المصور على الأرض غارقا فى دمائه، وراح زميله يصرخ : «إسعاف يا ناس، إسعاف يا عالم، إسعاف يا رجال» ولما لم يجد مستجيبا عاد يصرخ متوجها بصراخه إلى الذى يجيب دعوة المضطر إذا دعاه. صرخ الرجل «إسعاف يا الله»!.




الموقف ذاته تعرضت له الأسبوع الماضى اثنتا عشرة سيدة مصرية، هن نظريا حرائر لا يعشن تحت الاحتلال الصهيونى، السيدات المصريات ذهبن إلى أحد مكاتب الصحة لتطعيم أولادهن الذين لم يكن قد مضى على ولادتهن سوى أربعة أيام فقط تنفيذا لشروط التطعيم. مكتب الصحة الذى يؤدى تلك المهمة الجليلة يجب تسميته بـ«مكتب الموت أو المرض»، فليس للمكتب علاقة بالصحة سوى اللافتة التى تزين مدخله المتهالك، بعيدا عن الزحام الخانق وعدم وجود مقاعد تجلس عليها الأمهات المرهقات قامت مسئولة بالمكتب وصرخت فى وجوه الجمع المحتشد: «بقولكم إيه يا ستات إحنا ما عندناش سرنجات.. واللى عايزه تطعم ابنها تتصرف».

جن جنون الأمهات اللاتى لم يتعافين بعد من متاعب الولادة وقلن فى صوت واحد للمسئولة: «كيف يكون هذا المكان مكتبا للصحة ولا توجد به سرنجات»؟

راح الكلام وجاء واحتدت الأصوات ثم هدأت وعلت المناقشات حتى كادت تتحول إلى مشاجرات، ولكن كل ذلك لم يغير من الأمر شيئا، فالسيدة المسئولة تطالب الأمهات بالتصرف، والأمهات يمطرن المسئولة بوابل من الأسئلة «الوجودية» العويصة التى تدور حول حق الرعاية الطبية والتأمين الصحى والحكومة التى تترك أبناء شعبها عرضة للإصابة بكل الأمراض. المسئولة، من ناحيتها تأكد لها أنها أمام مجموعة من الحالمات يبحثن عن الحكومة ودورها، ولذا ردت على أسئلة الأمهات بأن مصمصت شفتيها وهى تقول: «حِكَم». أمام تبلد مسئولى المكتب راحت الأمهات يصرخن «سرنجة يا دكاترة.. سرنجة يا حكومة» وقبل أن يصرخن كما الفلسطينى: «سرنجة يا الله».

كان ابن بلد من المترددين على المكتب قد قام لوجه الله بشراء عشرين سرنجة من ماله الخاص ووزعها على الأمهات لكى تتم عملية التطعيم، ولم يلتفت أحد لإحدى الأمهات وهى تسأل نفسها بصوت خافت: «إذا كانوا مش قادرين يعملوا مصنع سرنجات أمال هيعملوا النووى اللى بيقولوا عليه إزاى»؟ 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخميس، 27 أغسطس 2009

عيد ميلاد الجيزة




قالوا: اجتمعت لجنة ضمت فلانا وفلانا من أكابر العلماء، ومكث الأكابر أياما يبحثون عن يوم يصلح لأن يكون عيدا قوميا لمحافظة الجيزة، وبعد فحص وبحث وتدقيق وتمحيص، أكد المجتمعون أن أصلح الأيام هو يوم الثالث والعشرين من أغسطس، لأنه يوافق ذكرى بناء الهرم الأكبر. 



سألت نفسى بعد قراءة الخبر هل هناك عالم يستطيع قبل أن يرتد إليه طرفه أن يحسب بدقة متناهية تاريخ بناء الهرم الأكبر؟ ترى ما الأدوات والآلات التى استخدمها ليؤكد أن الثالث والعشرين من أغسطس هو تاريخ بناء الهرم؟. 


الحقيقة، تشككت فى الأمر برمته خاصة وهناك سوابق لهذا النوع من «الفشر» المصرى الفاخر، وكلنا يذكر المسئول الكبير الذى أكد أن «الحكومة تسمع دبيب النمل»!، كما نذكر الوزير الذى صرخ تحت القبة الموقرة للمجلس الموقر: «علىّ الطلاق هناك فائض فى الميزانية». إذن «الفشر» ليس جديدا ولكن الجديد هو هذا الأسلوب الواثق فى ترويج الأكاذيب، يعنى الرجل صاحب براءة اختراع «الثالث والعشرين من أغسطس»، لا شك أنه تكلم بثقة متناهية حتى صدق الناس كلامه وقام المسئولون بإذاعته بوصفه اكتشافا جبارا سيعيد بناء أحداث التاريخ القديم. ولكن يا فرحة ما تمت فقد اجتمعت لجنة أخرى تضم أكابر آخرين تحت مسمى «اللجنة العلمية الأثرية المشكلة لدراسة تحديد الثالث والعشرين من أغسطس عيدا قوميا للجيزة»، وقررت بعد الفحص والبحث والتدقيق والتمحيص أنه لا توجد أى أدلة علمية أثرية أو لغوية تشير إلى أن هذا الموعد هو موعد بناء الهرم الأكبر! 

طبعا اللجنة الجديدة ليست أى لجنة، فعلى رأسها الدكتور زاهى حواس أمين عام المجلس الأعلى للآثار الذى أكد أن أعضاء اللجنة اتفقوا على أن تحديد هذا الموعد يحتاج إلى أبحاث وأعمال متعددة قد تستغرق وقتا طويلا جدا، وأضاف حواس أنه سيبحث مع المهندس سيد عبدالعزيز محافظ الجيزة اختيار موعد أو تاريخ محدد ليكون يوما قوميا للجيزة قد يرجع إلى أحد الاكتشافات الأثرية المهمة بالجيزة. 

وإلى أن تجتمع اللجنة وتجد اليوم المناسب فإننى أقترح أن يكون العيد القومى للجيزة هو اليوم الأول لدخول خدمة «التوك التوك» إلى شوارع وحوارى المحافظة العريقة. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخميس، 20 أغسطس 2009

حسنات النت!


أستغفر الله ربى العظيم وأتوب إليه، كان يرددها سعيد وهو يمسح من جهاز الكمبيوتر عشرات الرسائل التى تعد من يعيد إرسالها بالجنات ونعيمها والأجر والثواب بلا عدد أو حساب، وتتوعد من يهملها أو يحذفها بالثبور وعظائم الأمور. فمنذ أول رسالة من هذا النوع وصلته وهى تحمل أحد الأدعية ويدعى صاحبها أن هذه الرسالة تنجى من يقرأها ويعيد إرسالها إلى 20 شخصا من عذاب القبر، ورسالة أخرى تحمل حديثا نبويا ينجى قارئه من الفقر وأخرى تحمل عبارات دينية تنقذه من عذاب النار حتى تملكته الرغبة فى الحصول على كل هذه الحسنات وصار كلما استلم رسالة أعاد إرسالها لكل من يعرفه وهو فرح بأنه أصبح يمتلك من الحسنات والأجر والثواب ما لا عد له ولا حصر! 


ولكن الريبة تملكته بعدما أحس أنه بعد كل هذه الرسائل صار يملك من الحسنات ما يجعله فى مصاف الأنبياء والعياذ بالله فقرر أن يستفسر من شيخ الجامع الذى يصلى فيه، فضحك الشيخ وقال له: 

ـ يا أخ سعيد هل الحسنات حلوى كى توزع بهذه السهولة؟ ضربة واحدة على الكى بورد وأصبحت تمتلك 10 آلاف حسنة؟؟ فعلام إذن التصدق والعمل الصالح وكفالة اليتيم وإطعام الفقير إذا كانت الحسنات تأتى من مجرد إعادة إرسال رسالة وتوزيعها؟ 

خجل سعيد وقال: 

ـ ولكن يا شيخنا هذه الرسائل تحتوى على أحاديث نبوية شريفة! 

ـ حتى لو كانت أحاديث صحيحة وموثقة فإن نشرها لن يجلب لك الأجر والثواب بهذا الشكل المبالغ فيه (واسترسل ضاحكا) ولو كان الأمر بهذه السهولة لتركت إمامة المسجد وتفرغت لإرسال الرسائل ليلا ونهارا! 

ـ ولكن يا شيخنا ماذا يستفيد من يكتب هذه الرسائل؟ 

ـ الله أعلم بنواياهم، ربما يريدون ترويج بعض الأحاديث الضعيفة أو ربما يريدون إلهاء المسلمين بهذه الرسائل وإيهامهم بأنها تجلب لهم الأجر والثواب بدلا من التعب والسعى وراء العمل الصالح. 

السطور السابقة كانت نص رسالة أرسلها لى الكاتب الأستاذ «محسن الصفار» وهى تكشف هذا الهوس بالاستسهال «مجرد ضربة على لوحة المفاتيح» تجنى من ورائها آلاف الحسنات فهل هذا كلام يتسق مع المنهج القرآنى الذى يطالبنا بالعمل الجاد «الشاق» الذى يبنى الحضارة؟ 

هناك هوس بالاستسهال يضرب فى عمق الشخصية المصرية الحديثة، لأن الأغلبية تريد الربح الوفير ولكنها لا تسعى وراء العمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخميس، 13 أغسطس 2009

أكبر من الحكومة



أخيرا حاز اثنان من معتنقى البهائية على بطاقة الرقم القومى، مثبتا أمام خانة الديانة بها العلامة ( ) وهو ما يعد اعترافا من الدولة بأن هناك من لا يدين بالإسلام أو المسيحية أو اليهودية، الأمر جيد من ناحية انتهاء «مواسم ومراسم» الخداع التى دفعت أسر كثيرة ثمنها كاملا غير منقوص، فليس بعيدا عنا حكاية الجد الذى يقاتل من أجل الاحتفاظ بإسلام حفيديه بعد أن خدعه بهائى وتزوج ابنته بوصفه مسلما، ثم ظهر فيما بعد أنه بهائى قديم واستطاع التأثير على زوجته فانضمت إلى البهائية وبقى الحفيدان ممزقىن بين الأبوين البهائيين والجد المسلم. انتهاء الخداع أمر جيد لا شك فيه ولكنه يفتح الباب أمام أسئلة عويصة كشف عنها بهائى قال لإحدى الفضائيات: «حصولنا على بطاقة الرقم القومى التى تنفى عنا الإسلام والمسيحية واليهودية ما هو إلا خطوة أولى ستتبعها خطوات». عند خطوات سكت الرجل ولم يفصح كأنه يقول:«اللبيب بالإشارة يفهم». 


ترى ما هى الخطوات التى سيقطعها البهائيون فى قادم الأيام؟ هل سيسعون للحصول على «محفل» لأداء شعائرهم؟ هل سيقاتلون من أجل إثبات بهائيتهم فى الأوراق الرسمية؟ هل سيطالبون بحصة فى البرلمان والوظائف القيادية؟ كل هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة لا على الحكومة ولكن على المجتمع، إذ إن الأمر يبدو أكبر وأعقد من أن تحله الحكومة منفردة، الكرة الآن فى ملعب المجتمع الذى عليه أن يقرر كيف سيتعامل مع مثل تلك الدعاوى التى أصبحت تطرق بابنا صباح مساء، والتهرب من مواجهتها لن يزيد النار إلا اشتعالا، علينا أن نمد الخيط إلى منتهاه وندرك أن شيئا ما فى تركيبة الشخصية المصرية قد تغير ويجب البحث عن حلول جادة تحفظ لهذا الوطن وحدة ترابه أمام تكاثر المطالب الطائفية والدينية والمذهبية، فبعد واقعة البهائيين تقدم أحد المحامين الشيعة بإنذار على يد محضر لوزير الداخلية يطالبه بإعطاء الشيعة حقوقهم !! 

ولا يعرف أحد ما هى على وجه الحصر الحقوق التى يطالب بها الشيعة. 

هل يطالبون بـ«حسينيات» بدلا من المساجد؟ أم تراهم يريدون إقامة مواكب عاشورائية كتلك التى تقام فى إيران؟ أم تراهم يطالبون بولاية الفقيه؟. 

الإنذار ترك المجال مفتوحا أمام جميع الأسئلة، وهى كلها للأسف أسئلة طائفية لا تعبر عن مطالب الأمة كل الأمة التى يبدو أن أولادها يحاولون القفز من سفينتها إلى أى قارب يخيل إليهم أنه سيحملهم إلى بر الأمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 7 أغسطس 2009

نطالب بمناقشة جادة لإنتاج القمنى وليس لمعتقداته الدينية





«عايزين يقتلونا كلنا، إحنا قاعدين ومش هنسيب البلد، ونحن نفتخر بأننا علمانيون وليبراليون ونقدس القمنى».

الجملة السابقة اطلقتها «إيزيس القمنى» فى حفل أقامه «أتليه القاهرة» للاحتفال بفوز والدها بجائزة الدولة التقديرية من ناحية ولكى يمنحه الأتيليه جائزة «جمعيته العمومية» من ناحية أخرى. أما الروائية «سلوى بكر» المفوض العام لإدارة شئون الأتيليه فقد وصفت الهجوم على القمنى بقولها: «هذا هو الإسلام السياسى الذى يستغل الدين فى تحقيق أغراض سياسية».

كلام السيدتين عجيب جدا وهو كالغربال لا تستطيع له رتقا، فالسيدة الأولى لا تحدد لنا من هم هؤلاء الذين سيرتكبون جريمة القتل ومن هم الذين سيُتلون؟ وفوق ذلك هى «تقدس القمنى» أى تنزهه عن الأخطاء، فهل هذا رأى «علمانى ليبرالى» أم رأى خاضع لدواعى حب الفتاة لأبيها؟ أما السيدة الثانية فهى «تشوش» مع سبق الإصرار والترصد على أى نقد يوجه للقمنى، فحسب كلامها يصبح كل ناقد معرض للاتهام بأنه من فريق «الإسلام السياسى» وما أدراك ما الإسلام السياسى إنهم أولئك الذين يحاكمون أمام المحاكمة العسكرية.

هذا التشويش والخلط المتعمد للأوراق هو فى حقيقته ليس أكثر من قنابل دخان يراد بها تخويف الناس من طرح سؤالين رئيسيين.

الأول هو: هل فاقد الشئ يعطيه؟

والثانى هو: هل إنتاج سيد محمود القمنى يستحق التتويج بجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية؟.

متاهة الدكتوراه

فى النصف الأول من التسعينيات شككت جريدة «العربى» الناصرية اليسارية فى حصول القمنى على الدكتوراه، طبعا الجميع يعلم ما بين الناصريين والإخوان ولذا يبدو من العبث اتهام الجريدة بأنها إسلاموية ظلامية، أيامها هدد القمنى برد مزلزل على العربى، ظننا جميعا أنه سيخرج شهادة الدكتوراه المعتمدة، ولكن خاب ظننا عندما جاء رد القمنى على العربى مقصورا على وصفها بـ«الفاشستية» وهذا هوالرد وإلا فلا!!.

بعد العربى نشرت جريدة الجيل (كنت سكرتير تحريرها) سلسلة مقالات للكاتب الرحل سيد خميس، بدأها بمقال نشر يوم 14 فبراير 1999 كان عنوانه الرئيسى «أدعياء الدكتوراه من غالى شكرى إلى سيد القمنى» قص خميس فى مقاله قصص ثلاثة رجال الأول كان إسماعيل أدهم الذى زعم حصوله على الدكتوراه من روسيا فى الثلاثينيات ثم أخرج كتابه الشهير «لماذا أنا ملحد» وختم حياته منتحرا!! وبعده جاء غالى شكرى الذى منح نفسه لقب دكتور قبل أن يحصل عليه بسنوات، ثم تحدى خميس سيد القمنى أن يظهر شهادة الدكتوراه التى يزعم الحصول عليها.

انتظرنا فى «الجيل» رد القمنى أسبوعا وأسبوعين بل وثلاثة أسابيع، لكنه لم يرد إلى يوم الناس هذا!!!.

مجددا لا يمكن اتهام سيد خميس بأنه إسلاموى وظلامى لأنه عاش ومات ماركسيا يعنى «أخر تقدمية وتنويرية وتثويرية فى الدنيا».

وبعد، فقد تجدد الحديث عن الدكتوراه بعد حصول القمنى على الجائزة، وهنا نتوقف لرصد مسار الدكتوراه المحيرة.

أولا: استضافت قناة الحرة القمنى وعرضت على سبيل تكريمه تقريرا عن شهاداته الجامعية وعلى رأسها شهادة الدكتوراه المعتمدة من جامعة كاليفورنيا، كل ذلك جرى فى حضور القمنى وسكوته، بما يعنى أنه موافق على كل ما جاء فى تقرير القناة.

ثانيا: قال القمنى فى حوار قديم له مع جريدة القبس الكويتية: حصلت على الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا الجنوبية بالمراسلة عام 1983عن كتاب «رب الثورة أوزوريس».

ثانيا: شاع كلام أن القمنى حصل على الدكتوراه من كلية أمريكية عوقب القائمون عليها بالسجن لتخصصهم فى تزوير وبيع الشهادات الجامعية.

ثالثا: ظهر العالم الدكتور «قاسم عبده قاسم» الحائز على جائزة الدولة التقديرية فى عامنا هذا ليقول من على منبر موقع «المصريون» الإلكترونى: على مسئوليتى الشخصية.. القمنى لا يحمل الدكتوراه. وتحدى قاسم القمنى أن يظهر شهادة الدكتوراه أو أن يذكر شيئا عن اللجنة التى ناقشته أو المشرف الذى تولى الإشراف عليه.

رابعا: بعد صمت مريب تحدث القمنى عن قضية الدكتوراه للزميلة «سها صلاح» فى جريدة الوفد الصادرة فى الثالث من أغسطس الجارى فقال: «الغريب أنى لم أكتب كلمة دكتور على كتاب من كتبى فى يوم من الأيام، رغم أنى حصلت على الدكتوراه وأشرف عليها الأستاذ فؤاد زكريا من جامعة الكويت، وقدم لى الدكتور فؤاد تقارير مختومة بذلك!!.

هنا نقف ونتساءل: هل الدكتوراه من كاليفورنيا الجنوبية أم من الكلية المغموره أم من الكويت؟ ثم ما معنى الاستشهاد بالدكتور فؤاد زكريا ونحن نعلم جميعا ظروفه الصحية (شفاه الله) التى لن تمكنه من الرد على القمنى!! ثم لماذا يكذب القمنى ويقول: «الغريب أنى لم أكتب كلمة دكتور على كتاب من كتبى فى يوم من الأيام»؟ هو قبل غيره يعلم أن كل كتبه مزينة بهذه الدال العجيبة التى لا نعرف حقا من أين حصل عليها ولا كيف حصل عليها، ولكى نقطع حبال الشك سننشر غلاف كتابه « الحزب الهاشمى «الذى تظهر عليه الدال المريبة كظهور شمس الظهيرة!!».

نسيت أن أقول أن جريدة الوفد حامية حمى الليبرالية هى جريدة ظلامية يمولها المرحوم أبو مصعب الزرقاوى ولذا أرادتْ إحراج القمنى وسألته عن الدكتوراه!!!.

تبقى بعد واقعة الدكتوراه واقعتان يجب التوقف عندهما. الأولى: هى ادعاء القمنى فى اواخر التسعينيات أن المتطرفين قد امطروا بيته بمائة وعشرين رصاصة، ولسوء حظه كان بيته فى طريق ذهابى إلى مسكنى فى مدينة السادس من أكتوبر، فذهبت إلى حيث بيته فلم أجد أثرا لطلقة رصاص واحدة، ثم تولى الكاتب الأستاذ سعد القرش فضح الأمر كله فى مقال شهير نشرته الدستور، ويومها أيضا لم يرد القمنى. الواقعة الثانية: كتب القمنى رسالة إلى الأستاذ أنيس منصور نشرها فى 21 يناير 1999 قال فيها: «لا أملك إمكانيات السكن الأمن وسط القاهرة، فأسكن بالأطراف وبمفردى حيث لا خدمات ولا أمن، وحيث يسهل ذبح أى إنسان ظهرا وليس ليلا».

هذا المكان الذى ليس به خدمات سرعان ما سيقول القمنى أن به مدرسة يخرج تلاميذها ليرجموا بيته بالحجارة!! طبعا لن تسأل عن اثر الحجارة وقد مر بك أن الرصاص الذى هو الرصاص لا يستطيع خدش زجاج نوافذ القمنى، ثم هذا المكان الذى يسهل فيه ذبح الناس لم يشهد وقوع أى حادث اعتداء على القمنى، فهل الجزارون الذين يتعقبونه مصابون بالعشى الليلى؟ الحقيقة فى كل ذلك أن اقرب مدرسة لبيت القمنى كان بينها وبين بيته سفر طويل.

واقعة جروبى

مازلنا فى سياق الإجابة عن السؤال الأول: «هل فاقد الشئ يعطيه»؟

ولمزيد من الإيضاح نؤكد أن الدكتوراه فى حد ذاتها لا تمثل لنا شيئا أى شىء، فما أكثر العظماء الذين لم يحصلوا عليها، الذى يعنيينا هنا هى حالة «الكذب» فالذى لا يصدق فى الكلام عن شهادة جامعية كيف يطالبنا بأن نصدق أمانته العلمية؟.
غاب عن المشهد متعمدا المترجم الدكتور رفعت السيد الذى كانت له مع القمنى فى بداية التسعينيات صولات وجولات، أتصلت برفعت وسألته: هلا ذكرتنا بقصتك مع القمنى؟

أجابنى رفعت: قمت بترجمة كتاب «عصور فى فوضى للكاتب» إيمانويلفلايكو فسكى «وهذا الكتاب خطير جدا لأنه عن التاريخ السياسى لليهود، المهم تحدثت عن ترجمتى مع صديقى الشاعر «محمود نسيم» وفى أحد الأيام قال لى نسيم: لقد ذكرت ترجمتك أمام سيد القمنى، وهو يريد الاطلاع عليها، وبالفعل قابلت القمنى فى محل جروبى سليمان باشا وقدمت إليه الترجمة التى كانت لا تزال مخطوطة، ورجوته أن يطلع عليها فحسب ولا ينشر منها شيئا، وعدنى القمنى بحفظ الترجمة ولكنه أخلف وعده، ففى صباح أحد الأيام أشتريت جريدة «مصر الفتاة» التى كان يرأس تحريرها الأستاذ مصطفى بكرى فوجدت ترجمتى منشورة بوصفها مقالا لسيد القمنى، اتصلت به لأعاتبه فلم يلتفت لوعده، ثم راحت المقالات المنقولة عن ترجمتى تتواصل، فأرسلت للقمنى إنذارا على يد محضر، فرد على الإنذار بطريقة عجيبة، بأن أشار إلى ترجمتى فى المقال السادس، وتوالت المقالات، فخاطبت الأستاذ بكرى الذى أوقف نشر المنقول عن ترجمتى، أيامها كان المسئول عن الصفحة الثقافية بجريدة الوفد هو الأستاذ حازم هاشم الذى تبنى قضيتى، فما كان من القمنى إلا أن شتمه وشتمنى، ثم شتمنى مرة أخرى فى جريدة الدستور فى إصدارها الأول فقمت بالرد عليه، ثم خصص فصلا كاملا فى كتابه «رب الزمان» لشتيمتى، فعرفت أن الواجب على شطبه من ذاكرتى ومن يومها لم أعد أهتم به، العجيب فى أمر القمنى وكل أمره عجيب انه قام بنشر المقالات المأخوذة عن ترجمتى فى كتاب حمل عنوان «إسرائيل..التاريخ.. التطليل.. التوراة» وقد نشره فى قبرص!! لماذا قبرص؟ لا أدرى. وفى صفحة 97 من الكتاب أشار إلى ترجمتى!! ما معنى تجاهل الإشارة حتى الصفحة الـ97؟ عجائب القمنى لم تقف عند هذا الحد، لقد تجاوز كل العجائب فى المواد التى يقدمها للقارئ، انظر معى إلى كتابه «النبى موسى» تراه يكتب بمنتهى اليقين أن بلاد بونت التى هى «الصومال حاليا» هى بلد فى الأردن اسمها «قصر البنت» والمرء لا يعرف كيف أصبحت قصر البنت هى بونت؟ ولم يكتف بذلك لأنه قال أن الملكة حتشبثوت زارت بلاد بونت التى هى عنده قصر البنت لتلتقى بالنبى سليمان بن داوود»!!.

لوجه الحق

ترجمة رفعت موجودة بالأسواق وكذا كتاب القمنى، ومجلدات مصر الفتاة محفوظة بدار الكتب، والقمنى حى يرزق وكذلك رفعت السيد ومصطفى بكرى رئيس تحرير مصر الفتاة وكذلك طلعت إسماعيل مدير تحرير مصر الفتاة الذى رايته بعينى يكتب مقدمات وعناوين مقالات القمنى. إذن الوصول إلى الحقيقة أمر سهل، هذا لوكانت الجماعة المثقفة تريد وجه الحق وليس نصرة القمنى ظالما أو مظلوما.

ميشيل عفلق القرشى

هل إنتاج القمنى يستحق التتويج بجائزة الدولة، هذا هوالسؤال الثانى الذى يشوشون عليه لكى لا يجرؤ أحد على طرحه، لانه إن فعلها أصبح إسلامويا وظلاميا وإرهابيا لا يشق له غبار.

للإجابة عن السؤال أتوقف عند داهية القمنى أعنى كتابه «الحزب الهاشمى» ولكن قبل الحديث عند الكتاب نتحدث عن «كيف يكتب القمنى»؟

الرجل يكتب بطريقة ملتوية، فكلما جاء اسم الرسول صلى عليه !!وكلما مر بآية قال تقول الأيات البينات، إذن هو فى هذه لا غبار عليه، ولكنه تحت هذا الستار ينسف الأمر من جذوره، يفعل ذلك بطريقة كشفها أستاذه الدكتور حسن حنفى فى مداخلة قالها فى أتيليه القاهرة يوم 20 أكتوبر 1990 عن مجمل أعمال القمنى ونشر نصها الكاتب الأستاذ عمر عبدالله كامل فى كتابه «الآيات البينات لما فى أساطير القمنى من الضلال والخرافات» يقول حنفى عن القمنى: «انتهى الأخ سيد فى دراساته العديدة فى علم تاريخ الأديان إلى نتائج علمية يُشهد لها، سواء فيما يتعلق بالحج أو النبوة أو بعض الأساطير القديمة حول الشمس والقمر، لكنه لم ينته إلى أبعد نتائج ممكنة، كأنه يقول: الكلام لك واسمعى يا جارة، وكأنه يقول: الآن القارئ الذكى يستطيع أن يستنتج بنفسه أشياء عديدة مما قلت أنا».

انتهى كلام الدكتور حنفى ومعناه لمن يفهم العربية واضح. سيد القمنى يلمح ولا يصرح ويلمز ويغمز ولا يقول كل ما فى نفسه بوضوح وصراحة، فهل هذا خلق العلماء؟

وعن أخلاق العلماء يكتب الأستاذ «خالد السرجانى» فى الدستور 2أغسطس الجارى: «هذا الفرع من العلوم الاجتماعية (يقصد تخصص القمنى فى التاريخ القديم والأساطير) يتطلب من المتخصص أن يجيد لغات قديمة مثل الهيروغلفية والسريانية والقبطية والأكادية والأرامية، وبالطبع بعض اللغات الأجنبية، خاصة تلك التى كتب بها علماء التاريخ القديم والمصريات الكتابات الرئيسية بها، وتقف على رأس هذه اللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية، وبالطبع لا يتطلب من الباحث أن يجيد هذه اللغات جميعا، ولكن معظمها أو قل بعضها، ولكن حسب معلوماتى المتواضعة فإن القمنى لا يجيد أيا من هذه اللغات بما يعنى أنه يفتقد أبرز أدوات البحث فى المجال الذى يدعى أنه تخصص فيه».

انتهى كلام السرجانى وهو كلام يؤيد ما قاله رفعت السيد فلو كان القمنى يجيد الإنجليزية لما لجأ إلى ترجمة السيد، ماذا لو عقد ت الجماعة المثقفة امتحانا فى هذه اللغات للقمنى ثم تبين للجماعة أن القمنى لا يعرف من أمرتلك اللغات شيئا، هل ستظل الجماعة تناصره؟ مجرد سؤال ننتظر إجابته.

يبدأ القمنى كتابه الحزب الهاشمى بجملة عجيبة هى مفتاح الكتاب كله، بل مفتاح رؤية القمنى لما نسميه نحن الرسالة المحمدية. يقول القمنى ص9 من طبعة دار سيناء: «إذا أراد الله إنشاء دولة، خلق لها أمثال هؤلاء، قالها عبدالمطلب بن هاشم وهو يشير إلى أبنائه وحفدته». انتهت الجملة المفتاح لتبدأ حكاية الكتاب كله الذى يحمل رؤية القمنى لتأسيس دولة الإسلام. من عادات القمنى المفاخرة بالمصادر والمراجع التى يأخذ عنها، وهو يأخذ بلا أمانة ولكنه يشير إلى المصدر، ولكنه نسى عاداته مع هذه الجملة المهمة تحديدا، فلم يقل من أين أخذها ولا كيف عثر عليها؟ لماذا؟ لأنه ببساطة اختلقها ووضعها على لسان الرجل البرئ عبدالمطلب ليتلاعب بتاريخه، فالأمر عند القمنى هو: عبدالمطلب مفكر وحدوى عروبى كانه المرحوم ميشيل عفلق، تأثر عبدالمطلب أثاء زياراته ليثرب حيث يقيم اليهود بالتجربة اليهودية التى تجمع بين الملك والنبوة كحال سليمان بن داوود، وظل عبدالمطلب يعمل على تأسيس حزب يوحد العرب حتى جاء حفيده محمد وفعلها.أين الرسالة؟ أين النبوة؟ أين الصحابة؟ أين الشهداء؟ أين بلال الغارق فى العذاب؟ أين عمرو بن هشام أبو جهل الجبار؟ يا رجل هل تصدق شيئا من ذلك؟ الموضوع وما فيه ليس أكثر من حزب أسسه عبدالمطلب وقاده محمد. هذه هى رسالة الكتاب، وهى رسالة مغلفة فى عناوين خادعة مثل «بنو هاشم من التكتيك إلى الأيدلوجيا» و«جذور الأيدلوجيا الحنفية» و«الصراع على السلطة بعد قصى». إذا سألت القمنى عن المنهج العلمى الذى استخدمه ليثبت أن الرجل البرئ عبدالمطلب كان وحدويا عروبيا، سترميك جماعته المثقفة بأنك ظلامى وإسلاموى. وإذا سألته عن مصير الحزب فى الفترة الفاصلة بين موت عبدالمطلب ونجاح حفيده فى تأسيس الدولة، فأنت مكفراتى تسعى لإهدار دمه. المطلوب منا أن نلغى عقولنا ونقبل افتراضات القمنى بوصفها حقائق لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وإلا فنحن من الظلاميين!! حتى عندما يزور القمنى فى روايات «ابن كثير» وكتب «جواد على» يجب أن نقبل تزويره ونهاجم باحثا جادا مثل الاستاذ منصور أبو شافعى الذى كشف فى ثلاثة كتب تزوير القمنى.

يقول القمنى فى كتابه «الحزب الهاشمى» ص96 من طبعة دار سيناء: «اشتد ضغط الأحلاف على الهاشميين، وكان الحل أن يغادر (يعنى الرسول) إلى الأخوال ليرفع الضغط عن الأعمام، فى الوقت الذى كان فيه لجده عبدالمطلب مكانة خاصة، وأثر لا يمحى من نفسه، تبرره حميته القتالية عند المعارك التى كانت تدعوه لأن يهتف: أنا النبى لا كذب، أنا ابن عبدالمطلب، كأنى به ينادى طيف جده: أى جدى، هآنذا أحقق حلمك».

الكلام لمن يفهم العربية وليس فى قلبه « ثقافة « واضح جدا، فالهجرة اسمها « مغادرة والهدف منها تخفيف الضغط على الأعمام قادة الحزب السرى، وليس نشر الدعوة، والأنصار الذى تحدوا العالم دفاعا عن النبى هم الأخوال، يعنى الموضوع عصبية قبلية وليس أكثر (إضافة لمطامع الأخوال كما سيأتى بيانه) وكل الرسالة ليست أكثر من تحقيق حلم الرجل البرئ عبدالمطلب!!.

وعن أطماع الأخوال الذين نسميهم نحن الأنصار يقول القمنى ص95: «أما الناحية الثالثة والأهم سياسيا واقتصاديا فهى، أنه بخروجه (يعنى الرسول) إليهم يمكنهم بقيادته شن الحرب على مكة بل قطع خطوطها التجارية مع الشام التى تمر على المدينة». أى دليل علمى يسند هذا الكلام؟ لا دليل، فقط القمنى يريد ذلك فليكن الأمر كما يريد، اما احترام البحث والمنهج فالقمنى أكبر منهما جميعا.

أما عن اليهود فيقول فى الصفحة ذاتها: «إن اليهود كانوا فى تمام الرضا، والآيات الكريمة تكرم أنبياء بنى إسر ائيل، وتفضل النسل الإسرائيلى على العالمين، إنه يخاطبهم بالموحى إليه» إنى رسول الله إليكم، مصدقا لما بين يدى من التوراة «الصف 6».

من قال للقمنى إن اليهود كانوا فى تمام الرضا؟ لماذا تجاهل هنا كل المصادر التى اجمعت على أن اليهود ناصبوا الرسول العداء من عام إقامته الأول فى المدينة؟ ثم ما العيب فى أن القرآن احترم أنبياء بنى إسرائيل؟ لكى تفهم قصده عد لكلام حسن حنفى، أو عد لرسالة الكتاب، فالموضوع كله مجرد «بولوتيكا « وما معنى اختصاره لأية سورة الصف وهى فى حقيقتها على لسان سيدنا عيسى وليس على لسان سيدنا محمد وهى بتمامها تكذب دعواه إذ تقول:» وإذ قال عيسى ابن مريم يا بنى إسرائيل إنى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدى من التوراة ومبشرا برسول يأتى من بعدى اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين».

ثم يزيد القمنى رسالة كتابه وضوحا عندما ينقل عن الدكتور أحمد الشريف (الله أعلم هل أخذ الكلام بتمامه أم فعل كما يفعل دائما كلمة من هنا وأخرى من هناك) يقول: «ترى النبى يصانع اليهود مرة ويجادلهم مرة أخرى، ويصبر عليهم حتى تحين الفرصة، فيقلم أظفارهم، ثم يرى نفسه آخر الأمر مضطرا إلى التخلص منهم نهائيا».

هل رأيت الكلمات الدالة مثل «يصانع» و«تحين الفرصة» و«يصبر عليهم» نحن يا جماعة أمام صورة لرجل سياسى صاحب مشروع نهاز للفرص يعرف من أين تأكل الكتف ولسنا أمام رسول صاحب دعوة.

هل هذه «اللخوصة» فى تاريخنا تصلح لأن يحصل فاعلها على جائزة الدولة؟ وهل يستحق الرجل الذى يفترض فرضا ثم يصنع منه قاعدة ويؤسس به نظرية أن يتوج بالجوائز؟ ننتظر الإجابة.

وبعد فقد قال القمنى فى حديثه للوفد الذى اشرت إليه سابقا: «المشكلة تكمن فى كتاب الحزب الهاشمى المثار حوله الجدل الآن، والغريب أنه طبع 6 طبعات، وكانت الطبعة الرابعة منه سنة 1996، كانوا فين من هذه السنة؟ هل الإسلام لم يكن عزيزا عليهم فى هذا الوقت؟».

القمنى قبل غيره يعلم أن الردود على كتبه كثيرة، نذكر منها كتب منصور أبو شافعى الثلاثة وكتاب عمر عبدالله كامل وكتاب للدكتور إبراهيم عوض، ولكن آفة الردود على القمنى أنها من باحثين جادين وهؤلاء يحاصرون بالصمت وتتهمهم الجماعة التى فى قلبها ثقافة بأنهم من الظلاميين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لينك المقال:http://www.shorouknews.com/ContentData.aspx?id=87890

الخميس، 6 أغسطس 2009

الابتزاز فى علوم الاستفزاز



بعد رحيل شيخ مشايخ الرواية العربية الأستاذ نجيب محفوظ، اجتمع جماعة من المثقفين للتباحث فى أمر تكريم الراحل، كانت من أهم الأفكار التى تناولها الاجتماع فكرة إنشاء متحف يحمل اسم محفوظ ويخلد ذكراه، حظيت الفكرة بموافقة المجتمعين، وبدأوا يبحثون عن المكان الأنسب لإقامة المتحف، قال أحدهم وهو يفرك يديه سرورا: لقد وجدتها.. لن نجد أنسب من حى الحسين حيث طفولة محفوظ ومنبع أدبه، وأرى أن نقيم المتحف بجوار الجامع الأزهر ونحيطه بتماثيل لمحفوظ ولأبرز أبطال رواياته. 



لماذ فكر المثقف فى المتحف وتماثيله واشترط أن تكون بجوار الجامع الأزهر؟ 

إنه منطق الابتزاز لتحقيق الاستفزاز، لأنه يعلم أن شيخا أزهريا أو حتى طالبا سيستنكر وجود التماثيل حول الجامع الأزهر، وعليه فقد يتهور أحدهم ويشوه أو يحطم تمثالا وساعتها ستقوم الدنيا ولن تقعد وسيختفى اسم نجيب محفوظ ويظهر اسم محطم التماثيل وتشتعل معركة بين الذين سيسمون أنفسهم تقدميين وبين هؤلاء الذين سيطلق عليهم لقب ظلاميين، كل ذلك ليتحقق فعل الاستفزاز الذى لا يراعى أى خصوصية لا للمكان ولا للإنسان. وأمثلة الابتزاز أكثر من أن تحصى وأخطر من أن يسكت عليها، فقد رأينا رئيسة تحرير وهى تأخذ موقفا متشنجا من الصحفيات المحجبات، وكأن الحجاب هو الذى يجعل الصحفية لا تستطيع تحرير خبر وكأن كشف الشعر هو الذى سيجعلها صحفية عالمية، الأمر فى حقيقته لا يخرج عن افتعال معركة يظن من يفتعلها أنها ستحقق لفريقه نصرا على ما يسمى بالإسلام السياسى، ولكن تأتى النتيجة دائما مكذبة لهذا الظن، فما يسمى بالإسلام السياسى يخرج منتصرا لأن أفعال الآخرين المستفزة تمنحه نقاطا مجانية. المثال ذاته تكرر فى حادث اغتيال «مروة الشربينى» فقد صرخت أحداهن: الحجاب هو الذى قتلها، وعلى من تريد الحجاب العودة إلى بلادها. 

هذا الكلام المستفز جعل الناس لا تقرأ الحادث بوصفه حادثا عنصريا يمكن أن تتعرض له أى عربية أو مسلمة سواء كانت محجبة أم لا، وأصبحت القضية هى الدفاع أو الهجوم على الحجاب بدلا من أن تكون الدفاع عن سيدة بريئة والهجوم على العنصرية التى قتلتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الخميس، 30 يوليو 2009

رجال البئر وسيداته



من القصص العربية القديمة، قصة تحكى عن رجل انتهز اجتماع الحجيج حول بئر زمزم وقام ــ قبح الله وجهه ــ بالتبول فى ماء البئر، كاد الحجيج يفتكون به. 



إلا أن رجال الشرطة تدخلوا فى الوقت المناسب وسيطروا على الموقف واقتادوا الرجل صاحب الفعلة الشنيعة إلى «الحجاج بن يوسف الثقفى» الذى كان أميرا للحج فى ذلك العام. ظن الجميع أن الحجاج سيفتك بالرجل لا محالة، ولكن ما حدث كان عكس ما ظنه الجمع المحتشد حول مقر إقامة الأمير. 

نظر الحجاج إلى الرجل نظرة فاحصة نفذ بها إلى أعماق نفسه، ثم سأله بلهجة لينة لا تتناسب مع ما عرف به الحجاج من قسوة: ما الذى حملك على أن تفعل ما فعلت؟. 

أجابه الرجل ببساطة: صنعت ما صنعت لكى اشتهر فإذا مررت بقوم قالوا: انظروا هذا فلان الذى بال فى بئر زمزم. 

سكت الحجاج لحظة ثم قال للرجل: اذهب يا هذا لقد عفونا عنك. 

الحجاج الطاغية المستبد الجرىء على إراقة الدماء «فهم» نفسية وعقلية هذا المريض بحب الشهرة، فعاقبه أشد عقاب وأقساه على من كان مريضا بهذا المرض، لقد حرمه من تحقيق أمنيته فى أن يصبح مشهورا، الحق أنه لم يحرمه فقط بل نكل به أيضا لدرجة أنه لم يسأله عن اسمه لكى يمر الأمر دون أن يترك أثرا أى أثر، وقد أفلحت سياسة الحجاج حتى إن اسم الرجل مجرد اسمه لم يصلنا إذ تجاهله كل رواة الحادثة. 

تذكرت تلك القصة وأنا أرى رجالا لا هم لهم إلا التبول فى البئر لكى يشتهروا، علما بأن بئرهم أخطر من بئر زمزم على شرفها وعلو منزلتها لأن بئرهم تشمل الأمة بماضيها وحاضرها ومستقبلها، هؤلاء الرجال يحترفون إشعال الحرائق وتنتعش قلوبهم وهم يرون ألسنة النيران تلتهم كل شىء يشاركهم فى تلك الرغبة المجنونة سيدات تتبنى الواحدة منهن كل رأى شاذ. 

واحدة منهن تناولت الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى ندوة عامة بما لا يليق، وفى صبيحة اليوم الثانى لندوتها قابلتها مصادفة فرأيتها تكاد تحلق فى السماء على أجنحة الفرح والسرور. 

وعندما سألتها عن سر حالتها التى هى عليها قالت: منذ أمس وحتى الساعة ورنين هاتفى لم ينقطع لقد أصبحت مشهورة حتى إن أكثر من ثلاثين دولة أوروبية دعتنى لأن أقيم بها حرصا على حياتى!!. 

وآه لو بيننا حجاج بصير لمات هؤلاء مجاهيل كما عاشوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ