الاثنين، 23 ديسمبر 2013

تحيا الثورة



كانت أشعار شاعرنا الراحل الكريم أحمد فؤاد نجم بل مجرد حضوره فى الحياة بفاجوميته من الأمور التى تحرمها الحكومات المصرية المتعاقبة، كانت أغنياته مع رفيق دربه الشيخ إمام عيسى تصلنا عبر شرائط الكاسيت الرديئة أو من خلال الإذاعات التى أطلقتها الحكومات العربية المناهضة لتوجهات السادات نحو الصلح مع العدو الصهيونى، ولكم فرحنا عندما قام يوسف شاهين بوضع أغنية نجم وإمام (مصر يا أمه يا بهية) فى فيلمه (العصفور) فى أيام السادات، ولسنوات من عصر مبارك كانت شرائط نجم وإمام ودواوين الفاجومى (إن وجدت) تعد من أهم أحراز القضايا السياسية.

شخصيًّا حصلت على قصائد نجم المطبوعة فى بيروت بطريقة تدعو الآن للضحك، قام شقيقى الذى كان يعمل فى الكويت بشراء مجموعة أعمال نجم، وقام بتمزيقها إلى صفحات، وكل صفحة يجعلها لفافة لهدية بسيطة يرسلها مع كل عائد من البلد الخليجى، الذى لم يكن يجرم أشعار نجم، وهكذا تجمعت لدىّ أعمال الفاجومى على مدار شهر!

ثم جاءت الثورة التى كانت أشعار نجم تنادى بها، فإذا برئيس وزراء مصر ينعى نجم، وإذا بجنازته تضم عددًا من أهم الوزراء والمسؤولين، وإذا بالفضائيات الحكومية والخاصة والجرائد والمجلات تحتفى برحيله، وتعيد إليه جزءًا من تكريم يستحقه.

هل بعد هذه المفارقة من حق بعضهم تكفير الشعب بالثورة بطريقة (هو إحنا عملنا حاجة؟ هى دى ثورة؟).

وتكملة لتلك المفارقات التى تبين للمنصف أن ثورتنا قد أنجزت تغيرًا لا يستهان على كل الأصعدة، لا سيما الصعيد الإعلامى أذكر أننى كنتُ قبل ثورة يناير، مشرفًا على الطبعة الثانية لإحدى الجرائد. كنت أمارس عملى المعتاد عندما بثت القناة الأولى للتليفزيون الحكومى خبرًا عن انقلاب عربة من قطار حربى، أخذت الخبر بنصه دون حذف أو إضافة ووضعته على الصفحة، بعد دقائق جاءنى اتصال غامض من رجل غاضب يأمرنى بعدم نشر الخبر (هكذا دون تسمية للخبر)، ظننتُ أن الاتصال مداعبة سخيفة من تلك المداعبات التى يلجأ إليها الصحفيون الساهرون لمواجهة ملل السهرة، فرددتُ عليه بكلام من ذلك الذى يتبادله الزملاء، لم يتجاوب الغامض الغاضب مع ردى، وضاق صدره وصاح: «ليس من حقك التجاوز معى، وعليك أن ترفع الخبر الآن من على الصفحة، ولا تدعى أنك لا تعرف عن أى خبر أتحدث، ولكى لا تكون لديك حجة فأنا أكلمك عن خبر القطار الحربى»، قلت له: «لقد بث تليفزيون الحكومة الخبر، وأنا أخذته عنه». سب الغامض الغاضب التليفزيون ثم أغلق خط الاتصال فى وجهى.

بعد قليل وقبل أن أستوعب هذا الذى يجرى جاءنى اتصال غاضب أيضًا من رئيس التحرير، يبلغنى فيه أن أحدهم قد هاتفه شاكيًّا من عدم تعاونى ورغبتى فى الجدال فى ما لا طائل منه، ختم رئيس التحرير اتصاله بأن أوصانى بعدم الإشارة من قريب أو بعيد إلى خبر القطار.

الأمر الآن واضح لا لبس فيه، الغامض الغاضب يعرف جدول سهرات الجريدة، ويعرف توزيع الأخبار على الصفحات، بل ويعرف أين يجلس مسؤول الطبعة، لأنه اتصل بى على هاتف المكتب وليس على هاتفى المحمول!

رفعتُ الخبر الذى لم تكن به أى معلومات أو تفاصيل تمس الجيش من قريب أو بعيد، كنت مقهورًا وغاضبًا، لكنه قهر وغضب العاجز، وكانت الدولة البوليسية القامعة تقف فوق رأسى تملى علىّ ما يجب نشره وما يجب تجاهله، كان كل الذين يرطنون بشعار (أزهى عصور الديمقراطية) يتقافزون مثل القردة فوق مكتبى.

ثم جاءت ثورتنا العظيمة فأصبح بفضلها وبفضل دماء شبابها من حق كل واحد منا مناقشة ميزانية الجيش، وأصبح الاعتراض على أى قرار أيًّا كانت جهة إصداره أمرًا طبيعيًّا لا يستدعى مكالمات غامضة من الرجل الغامض.

سنحب ثورتنا ونفخر بها، وأبدًا لن نندم على أى تضحية، وأبدًا لن نخجل من أشرف وأطهر وأعظم أيام حياتنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 11 ديسمبر 2013

لينك المقال بموقع التحرير:

الخميس، 12 ديسمبر 2013

أبو مصعب الإخوانى




عاش أحمد فضيل الخلالية (نعرفه بلقب أبى مصعب الزرقاوى)، طفولته وبواكير شبابه فى حى أردنى شعبى مكتظ بالسكان، وعلى مقربة من بيته توجد مقبرة ستصبح ساحة لعبه مع أقرانه، وفيها عرف الأشرار والأخيار، ولم يكن أمامه إلا حماية نفسه بساعديه، فعرف عنه أنه أحد قبضايات الحى، واصل الزرقاوى الدراسة حتى الصف الثانى الثانوى، ولكنه لم يكمل تعليمه.

عندما غادر الزرقاوى مقاعد الدراسة تلقفه المنتمون إلى جماعات متأسلمة لا تجمع على شىء مقدار إجماعها على تحريض الشباب على القتال.

هاجر أبو مصعب إلى أفغانستان، وشارك فى القتال ضد السوفييت، وكان ذلك فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى، وعندما عاد إلى بلده التقى أبا محمد المقدسى الذى يحرض الآن كل التيارات السلفية على التحالف مع عصابة حسن البنا المصرية.

هذا المقدسى كان مؤلفا لكتب شهيرة «ملة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين»، وهو مكرس لفكرة التوحيد لله وتكفير كل من يحكم بغير الشريعة الإسلامية، و«الكواشف الجلية فى كفر الدولة السعودية».

أسس الزرقاوى مع المقدسى تنظيم «جماعة التوحيد» وهو واحد من التنظيمات التكفيرية التى وقعت فى أيدى الأمن الأردنى الذى أحال التنظيم إلى القضاء.

عندما جاء وقت المحاكمة ترافع أبو مصعب عن نفسه، لم يلجأ إلى الدفاع، بل بادر بالهجوم وقف أمام قاضيه وصرخ «أيها القاضى بغير ما أنزل الله تعلم أن خلاصة دعوتنا متمثلة بقوله تعالى: ولقد بعثنا فى كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت»، فالقضية ليست قنابل وسلاح وإنما هى قضية دعوة، توحيد ودين، أيها القاضى بغير ما أنزل الله إذا عرفت هذا وظهر لك الكفر البواح والشرك الصراح واتخاذ غير الله مشرعا، عرفتم أن كل من قبل بهذا قد اتخذ المشرعين أربابا من دون الله، يشركهم مع الله فى عبادته.

بعد مضى نحو ٦ سنوات على سجنه غادر أبو مصعب المعتقل فى مارس 1999 نتيجة عفو ملكى أصدره الملك الشاب عبد الله الثانى مزيحا عن كاهله إرث خصومات والده الملك الراحل، «هل يذّكرنا هذا بالعفو الذى أصدره مرسى بحق الإرهابيين؟».

غادر الزرقاوى المعتقل ليعود مجددا إلى أفغانستان ساقطا فى أحضان تنظيم القاعدة. المضحك فى الأمر هو أن الزرقاوى لم يكن معجبا بالقاعدة لأنه كان يراه تنظيما رخوا ليس متشددا كما ينبغى!!

وعندما بدأت الحرب الأمريكية على أفغانستان كانت منطقة هيرات التى بها معسكر الزرقاوى تضم سكانا من الشيعة قاموا بالسيطرة على المدينة وأسر مجموعة من رفاق الزرقاوى، ومن هنا بدأت عداوة الزرقاوى للشيعة، تلك العداوة التى تحكمت فى نفسيته، فجعلته عندما أقام بالعراق لا يحارب الأمريكان الذين احتلوا بغداد، بل يحارب بكل شراسة الشيعة، فقد جعلهم هدفا يسدد إليهم ضرباته، فأرسل سيارة مفخخة يقودها والد زوجته لتغتال محمد باقر الحكيم القائد الشيعى المعروف، ثم توالت عمليات الزرقاوى ضد الشيعة إلى أن وضع هو بنفسه النقاط على الحروف، وقال فى رسالة وجهها إلى الأمة الإسلامية: «يخطئ من يظن أن الشيعة من الإسلام وينبغى أن تعلمى أمة الإسلام أن التشيع دين لا يلتقى مع الإسلام إلا كما يلتقى اليهود مع النصارى تحت اسم أهل الكتاب». وبعد هذا الجزم بكفر الشيعة عامة، يحملهم الزرقاوى كل مصيبة وقعت فى دار الإسلام، فهم عنده من جلبوا التتار إلى بلاد الإسلام كما أنهم حلفاء اليهود والنصارى.

العجيب أن المقدسى الذى أغرى الزرقاوى بسفك الدماء أرسل إليه فجأة رسالة حملت عنوان «الزرقاوى مناصرة ومناصحة». نصح المقدسى الزرقاوى بعدم استهداف غير المقاتلين من أبناء العراق حتى لو كانوا كفارا أو من النصارى، كما نصحه بوجوب التحرز من سفك دماء المسلمين، ولو كانوا فجارا أو عصاة (أرجوك تذّكر موقف مدعى السلفية الذين ساندوا المعزول وطالبوه بأن يغضب، ثم لما حانت ساعة المواجهة بين جماهير الشعب وبين المعزول إذا بهم ينكرون كل ما قالوه بل ينكرون).

وبعد هذا الاستعراض السريع لسيرة الزرقاوى هل اقتنعت قارئ الكريم بأنه لا فرق بين الإخوانى والزرقاوى؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 28 نوفمبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الخميس، 5 ديسمبر 2013

مكتبة نجم



قابلتُ الفاجومى شاعرنا الراحل الكريم أحمد فؤاد نجم (رحمه الله) لأول مرة فى بداية التسعينيات، كان عائدا للتو من تغريبة كبرى استغرقت سنوات من عمره، كنت سأسأله أولا عن صبره على الغربة وهو المعجون بتراب هذا الوطن، لكن غرفته، المسماة مجازا ببيته فى حوش قدم، جعلتنى أكتم سؤالى لأتفرغ لمراقبة شارع نبتت له غرفة، ناس تدخل وناس تخرج ونسوة يبحثن عن أطفالهن المختبئين تحت سرير نجم. كان نجم يتعامل مع كل هذا الضجيج بأريحية منقطعة النظير، إنه لا يشكو بل لا يتأفف بل لا تظهر على صفحة وجهه أدنى بادرة ضيق من هذا الاقتحام الذى يبدو مثل سيل لا ينقطع.

بالنسبة إلى أحد معقدى الطبقة الوسطى مثلى كان الموقف غريبا جدا: «مَنْ هؤلاء يا عم نجم؟».

رد ببساطة لا تخلو من نبرة سخرية: هؤلاء هم الشعب سعادتك.

إجابته جعلت ورم الطبقة الوسطى يتمدد بداخلى: وهل من حق الشعب أن يفرض نفسه على حجرة واحد منه؟

ضحك ثم قال: إذا كان هذا الواحد بنى آدم مثلك فليس من حق الشعب اقتحام غرفته، ولكن إذا كان هذا الواحد شاعر مثلى فليس من حقه أن ينعزل عن شعبه، وعليه أن يقبل بل يحب بل يتعلم من شعبه بهبله وعبله كما قال فؤاد حداد.

بساطة إجابته وتلقائيتها تقطع بأنه يؤمن بما يقول، هو يرى نفسه شاعر الشعب الذى يتعلم من الشعب لا من النظريات ولا من المؤتمرات ولا من الندوات ولا من الكتب، آه الكتب، ترى أين هى فى غرفته المستباحة؟ لا أثر لمكتبة ولا لكتاب ولا حتى جريدة أو مجلة.

الأمر يبدو مدهشا، الرجل لا يمتلك كتابا واحدا، ولكنه يبدو مثل بحر تنام الكنوز فى جوفه مطمئنة ولا تصحو سوى بإشارة يرسلها مخه إلى لسانه، فينطق بحكم العرب وبأشعارهم وبحكاياتهم وبأساطيرهم فى استشهادات عميقة لا تخطئ حق موضعها من الكلام، إنه يكاد يحفظ ديوان المتنبى، ويعلن من خلال حديثه افتتانه بقصائد المتصوفين، ولا يأتى على ذكر عمر بن الفارض إلا مسبوقا بلقب سيدنا، ثم هو يغمض عينيه وينشد مطولات بيرم التونسى وبديع خيرى كأنه يقص أعظم قصص السحر والفتنة.

كيف لهذا الرجل المبعثر على قارعة الطرقات والأزمنة، العصى على كل أنواع الترويض والقولبة أن يحتفظ بكل هذه الكنوز دون كتاب يرجع إليه؟

كأنه قرأ على وجهى علامات الاستفهام حول تكوينه الثقافى الذى يبدو حاضرا وبقوة رغم غياب الكتب، قال: عمك فؤاد حداد قال: «إن الثقافة كتب وناس» وأنا قرأت ما شاء الله لى أن أقرأ، فنان الكاريكاتير العظيم حجازى هو الذى حببنى فى القراءة وكان يرشدنى إلى أهم الكتب، وهو الذى عرفنى على شعر بيرم التونسى، فكنت إن أحببت كتابا لا أتركه حتى أنتهى منه ثم لا أحتفظ به، أهديه لمن يحب اقتناء الكتب، أما الناس، وهم عندى هذا الشعب العبقرى فوجودهم فى حياتى لا غنى عنه، الشعب عندى كأنه الأكسجين، لا حياة لى دونه، هو يعلمنى لوجه الله، ومن ناحيتى فأنا موهوب فى احترام علوم الشعب، بداية من أغانى وحكايات أمى ونهاية بكلام الشوارع الملىء بروح الشعر.

- يعنى يا عم أحمد أليس هناك ولو كتاب واحد تضن به على الإهداء؟

يرد ضاحكا: لو احتفظت النحلة بعسلها لماتت مختنقة بشهده، أنا وجماعة من صعاليك العرب مثل النحل نطوف على أزهار الدنيا ثم نقدم إليكم عسلنا نحن، كل ما تعلمته من الحياة ومن الشوارع ومن السجون ومن المطاردات ومن الكتب قدمته فى قصائدى بنكهتى الخاصة.

واصل كلامه وقد عاد إليه مرحه المعتاد: لقد أحببت نفسى عندما تأكدت أننى فاجومى، هكذا ولدت وهكذا أعيش وهكذا سأموت، لن أحزن على سنوات شباب التهمتها الزنازين، ولن أندم على مواقف دفعت ثمنها من عمرى، كل ما أرجوه أن أكون جاهزا دائما لتلبية نداء معلمى الوحيد، الشعب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 5 ديسمبر 2013

الخميس، 21 نوفمبر 2013

ليته كان انقلابًا




إذا كنتَ تريد معرفة كيف تفكر عصابة حسن البنا، فما عليك سوى قراءة ولو عددًا واحدًا من جريدتَى «الحرية والعدالة» و«الشعب».

جريدة العصابة الصادرة فى يوم 14 نوفمبر تزفّ إلى قارئها أخبارًا من عيِّنة أن الدكتور سيف عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة يرى أن القبض على باسم عودة وزير تموين حكومة العصابة ما هو إلا انتقام من شخصه لأنه لم يتواطأ مع الفاسدين. لاحظ أن عبد الفتاح أستاذ جامعى قديم، كان أحد مستشارى مرسى وقدم استقالته من منصبه احتجاجًا على مذبحة «الاتحادية»، وليلتها ظهر باكيًا على شاشات الفضائيات وقال نصًا «قلبى ينفطر على الشباب المصرى، الذى يسقط جراء اختلاف طرفَى الأزمة، سواء النخبة المحنطة، أو الجماعة التى لم تكن على قدر المسؤولية».

الأستاذ الجامعى يسبّ النخبة التى هو أحد رجالها وينكر عليها تصدِّيها للإعلان الدستورى الذى كان الفاشل قد أصدره ليحكم به ويتحكم فى مصائر البلاد والعباد، الأستاذ نفسه يعترف بأن الجماعة ليست على قدر المسؤولية، ولكنه أصبح الآن من عتاة المدافعين عنها بالباطل. إن عقلية الأستاذ الجامعى القديم تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الانتماء إلى العصابة ولو على مستوى الفكر يضرب دم وعقل وضمير المنتمى بنوع من الفيروسات التى تجعله متخبطًا ولا يستقيم أمره أبدًا.

وعن باسم عودة أيضًا تنقل الجريدة خبرًا عن عائشة خيرت الشاطر قالت فيه «عودة متهم بالشروع فى اكتفائنا الذاتى من القمح، وهو وزير شريف وفّر للمصريين أنبوبة البوتاجاز بخمسة جنيهات ووفر الزيت النقى».

تفنيد كلام السيدة عائشة الشاطر سهل ميسور، لكن لفت نظرها وضميرها إلى خطأ رؤيتها هو الأمر الصعب الذى تكاد صعوبته تصل إلى درجة المستحيل، لا الأستاذ الجامعى القديم ولا السيدة الشابة ولا أى إخوانى ينتمى بأى شكل من أشكال الانتماء إلى هذه العصابة رأى باسم عودة وهو يقود مظاهرات فى شوارع العاصمة الرئيسية تحرّض على العنف وعلى إراقة الدماء.

أما رسالة العدد ودرة تاجه فقد كتبتها السيدة لمياء حسين التى كتبت نصًّا «اللهم انتقم من السيسى ومن قضاة السيسى وحكومة السيسى وشرطة السيسى وجيش السيسى وبلطجية السيسى ومؤيدى السيسى ومفوضى السيسى وأمثالهم من أعوان اليهود فى الداخل والخارج، مصر بريئة من الأشكال دى».

بعيدًا عن لغة السيدة المبتذلة، هل رأيتَ دعاءها بهلاك السيسى وجيشه ومؤيديه ومفوضيه؟ كل هذه الملايين من المصريين تدعو عليهم السيدة لمياء بالهلاك فِداءً لفاشل لم ينجح إلا فى تمزيق حكمه فى أقل من عام واحد فقط!

أما جريدة الشعب لصاحبها مجدى أحمد حسين فهى أسوأ وأضلّ سبيلًا، الجريدة لا تتمتع بعقلية العصابة المنكرة لكل ما حدث منذ يوم الشعب الخالد (الثلاثين من يونيو) فحسب، بل تتبجح باختراع أكاذيب وتنشرها بثقة منقطعة النظير، فقد خصصت صفحتها الأولى من عددها الصادر يوم الجمعة 14 نوفمبر لكى تثبت شيئًا خرافيًّا مضحكًا، هو أن الفنانة ليلى علوى عضو فى لجنة الخمسين! ثم راحت تسبّ كل أعضاء اللجنة فردًا فردًا حتى إنها اتهمت أحدهم بأنه من مُدمِنى ممارسة العادة السرية!

أما صفحتها الأخيرة فقد خصصتها لنشر منوعات رياضية كاذبة بكل تأكيد، فهى تزعم أن أبطال العالم فى مختلف اللعبات يرفعون إشارة رابعة فى كل مسابقة، ثم نشرت «الشعب» غلاف مجلة النادى الأهلى ووضعت بداخله هذا العنوان «لاعبو الأهلى تفجر المفاجأة.. الاعتذار عن مونديال الأندية». هاتفتُ الصديق الأستاذ إبراهيم المنيسى رئيس تحرير المجلة الذى قال غاضبًا «أنا بحمد الله لا أقع فى أخطاء نحوية وإملائية كالتى نشرتها جريدة الشعب التى تقوم بالتزوير العلنى وترتكب كارثة أخلاقية عندما تنسب إلى المجلة ما لم تقُله، لأن المانشيت الرئيسى لمجلتنا كان: (مبادئ الأهلى ترفض تدخُّل السياسة فى الرياضة وتعاقب عبد الظاهر)».

هل بعد سماح النظام الحاكم بطبع الجريدتين وتوزيعهما من حقّ أحد أن يتحدث عن انقلاب عسكرى يقمع الحريات؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 21 نوفمبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الخميس، 14 نوفمبر 2013

تجريم رابعة وعلامتها




ننقسم إزاء إشارة مرور رابعة وعلامتها إلى ثلاث فرق، فرقة تضم بقايا عصابة حسن البنا، التى تضخم من إشارة المرور حتى تزعم أنها ميدان الشرف والبطولة، وترى فى العلامة (مقطوعة الإبهام) عنوانًا على شرعيتها المغتصبة. وفرقة ثانية تضم الصحفيين والكُتاب والإعلاميين والحقوقيين بل والقضاة بل ورجال الجيش والشرطة، وهؤلاء متى سمع أحدهم شيئًا عن الإشارة والعلامة هز كتفيه قائلا: «نحن مع حرية التعبير بالطرق السلمية».


وفرقة ثالثة وأخيرة تضم الملايين المنسيّة مع أنها كاسحة، الملايين التى يدعى الجميع حبها ويزعم الجميع خدمتها، الفرقة الثالثة تضم الشعب، الذى يبدو مثل عنترة فى قصيدة أمل دنقل الشهيرة (البكاء بين يدىّ زرقاء اليمامة): «أنام فى حظائر النسيان / طعامىّ الكسرة والماء.. وبعض التمرات اليابسة / وها أنا فى ساعة الطعانْ، ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان / دُعيت للميدان / أنا الذى ما ذقتُ لحم الضأن / أنا الذى لا حول لى أو شان / أنا الذى أقصيت عن مجالس الفتيان / أدعى إلى الموت.. ولم أدع إلى المجالسة».

رؤية الشعب (الملايين المنسيّة) لإشارة رابعة وعلامتها تناقض تمامًا بل تهدم رؤية الفرقتين السابقتين، فلا الشعب يرى أن إشارة مرور تمثل البطولة والفداء والتضحية والشرعية مثلما ترى عصابة حسن البنا، ولا هو يشارك الفرقة الثانية رؤيتها فى أن علامة رابعة (تعبير سلمى).

الشعب يضيق بالأمر كله ويعارضه ويفضحه وينزع عنه كل قداسة، لأنه بفطرته السوية التى لم تلوثها حسابات الساسة والسياسة، يؤمن أن رابعة ما هى إلا إشارة مرور تجمع فيها فريق مسلح واغتصبها من بين يدىّ الدولة، وراح ينشر الرعب والفزع والإرهاب فى ما حولها، محاولًا خلق واختلاق شرعية من عدم، لكى يوهم العالم أن الكفتين متساويتان، فإن كان للوطن شرعية عبر عنها من خلال الملايين التى غادرت بيوتها وهبطت إلى الشوارع يوم الثلاثين من يونيو فللعصابة أيضا شرعية يعبر عنها المسلحون المتجمعون فى إشارة رابعة!

وقد قرأ الشعب على الوجه الصحيح محاولة العصابة اقتحام مبنى الحرس الجمهورى الذى كان يقيم فيه رئيسها الفاشل المعزول، فتلك المحاولة لو لا قدر الله كانت قد نجحت لأصبحنا أمام رئيسين وحكومتين وشعبين ولجاز ساعتها للذين يدسون أنوفهم فى شؤوننا أن تصبح لهم كلمة مسموعة.

أما العلامة التى أوحى بها للعصابة رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا المتغطرس فقد تعامل معها الشعب بوصفها علامة للعدو وعلمًا له.

وليس فى موقف الشعب من تلك العلامة أدنى درجة من درجات العنصرية أو رفض الآخر أو إقصاء فصيل سياسى، وذلك لأن الشعب بفطرته يعرف حقًا ما الفرق بين الإنسان والحيوان؟

الإجابة الشائعة تقول: إن الإنسان حيوان ناطق. لكن الشعب له تعريفه الخاص، الذى صاغه ابن من أبنائه، أعنى مفكرنا الكبير الراحل أحمد بهاء الدين، الذى قال فى كتابه الرائع (أيام لها تاريخ): «إن الفرق بين الإنسان والحيوان هو أن الإنسان حيوان له ذاكرة».

يضيف بهاء قائلا: «إن الفأر منذ خلق وهو يدخل بقدميه إلى المصيدة بحثًا عن قطعة الجبن، لم يتعلم الفأر على مدار تاريخه أن المصيدة هى الهلاك المبين كما لم يتعلم أن قطعة الجبن هى مجرد فخ نُصب له من بدايات التاريخ، الفأر لا يبرح مأزقه لأنه لا يتمتع مثل الإنسان بذاكرة المواجع».

من ذاكرة المواجع هذه يمكننا تفسير وقراءة غضبة الشعب من أحمد عبد الظاهر لاعب كرة القدم بالنادى الأهلى الذى عندما سجل هدفًا فى نهائى بطولة إفريقيا للأندية باغت الجميع ورفع علامة رابعة، فتذكر الشعب عصابة تنكرت لوطنها وباعت شرفه وتلاعبت بمصيره وعملت بأقصى ما لديها من جهد على تفكيكه وبعثرته.

لن يغفر الشعب أبدًا لهؤلاء الذين يكذبون باسمه ويتاجرون بمبادئ وأهداف ثورته، ولن يسامح الذين يزيفون قراءته الصحيحة لكل تجمع مسلح تكفيرى، ولكل علامة خائنة.

إن الذين يصرخون ويتصايحون بمصالحة فريق خان ويخون ويتسامحون مع علامة عدوة سيندمون وقت لا ينفع الندم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 14 نوفمبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

فتنة باسم يوسف




صديقى هل تمتلك معلومة مؤكدة سمعتها بأذنيك أو رأيتها بعينيك أو اطمأن لها وجدانك، تكشف لك السبب الحقيقى الذى يقف وراء منع حلقة الأسبوع الماضى من برنامج (البرنامج) الذى يقدمه باسم يوسف؟


إذا كانت إجابتك بـ(نعم) فهيا اطرح معلوماتك للنقاش العام، أما إذا كانت إجابتك بـ(لا)، فأرجوك لا تندفع وتردد كلامًا مرسلًا لا يستند إلى دليل.

الذين يكرهون أو يخافون السيسى يتهمونه بأنه وراء إيقاف برنامج النجم المحبوب.

بربك، هل هذا كلام يدخل دائرة العقل والإنصاف؟ هل رجل مثل القائد العام للجيش الذى لم يتهرب من مواجهة تنظيم دولى تكفيرى مسلح يخاف من برنامج ضاحك؟

هل وزير الدفاع الذى لم يخضع لضغوط دولية جبارة كانت منحازة لرئيس عصابة حسن البنا محمد مرسى سيتهرب من ضحكة طائرة عابرة يطلقها باسم يوسف؟

أسمعك تنشد خلف محمود درويش: «وخوف الطغاة من الأغنيات»!

هل تُلمّح إلى أن السيسى طاغية يستطيع مواجهة جيوش، لكنه يخاف من تغريد البلابل وزقزقة العصافير وموسيقى الأغنيات؟ إذا كانت إجابتك بنعم فقدم لى الدليل على طغيان السيسى، وستجدنى معتصمًا معك أمام مكتبه.

ستقول لى إن بعضهم من الغباء أو النفاق، بحيث يتبرعون بإيقاف البرنامج مجاملة للسيسى. إذن ما ذنب السيسى تحديدًا فى مرض اجتماعى لا ننكره؟ ثم لماذا يجامل المنافقون أو الأغبياء السيسى، علمًا بأن زميلنا الصحفى محمد عبد الرحمن قد حضر تسجيل الحلقة الممنوعة، وكتب تقريرًا وافيًا عنها أثبت فيه أن باسم يوسف لم يتعرض لوزير الدفاع بسوء على مدار الحلقة؟ لكن العجيب بل المريب يا صديقى أن جريدة «الأخبار» اللبنانية التى اختصها عبد الرحمن بالتقرير نشرته تحت عنوان: «السيسى أطفأ شعلة باسم يوسف»، وهو عنوان لم يكتبه عبد الرحمن ولا علاقة له بمتن التقرير.

أرجوك اخرج السيسى وحكومة الببلاوى من المعادلة، ليس لأنهم منزهون مقدسون، لكن لأنك لا تمتلك دليلًا يدينهم ويفضح تدخلهم فى إيقاف برنامج باسم يوسف.

ولعلنى يا صديقى لا أبالغ عندما أقول إننى أشم رائحة كريهة تبعث من كلام ومواقف هؤلاء الذين يهولون فى قدرات الحكومة على المنع والقمع والمصادرة، أليس هذا التهويل يعد بقراءة مخالفة تمهيدًا للأرض التى ينمو فيها الطغيان؟

إن الذين يهولون فى قدرة النظام الحاكم على قمع الشعب لا يعارضونه فى الواقع، لأنهم بتهويلهم وأكاذيبهم يدعون الناس للاستسلام بدون قيد أو شرط، وكأن الشعب لم يدفع دماء أولاده ثمنًا لحريته وقربانًا على مذبح ثورته.

لماذا لا تتسع رؤيتك وتنصت إلى شيخ مشايخ الصحافة الراحل الكريم محمد التابعى، وهو يقول فى كتابه (أسمهان تروى قصتها): «وإنى لأسال نفسى هل أكتب كل ما أعرفه؟ وهل أذكر مثلًا أن التنافس على أسمهان بين مراد محسن باشا مدير الخاصة الملكية وبين أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى كاد يعطل العمل فى القصر الملكى؟ لو أننى كتبت لأدرك القراء أنه كان لأسمهان أثر، أى أثر، فى سياسة مصر الداخلية، وما كان يجرى بين (الكواليس) فى عام 1940».

كأن التابعى، يرحمه الله، يريد أن يقول لنا إن سياسات وقوانين تصدر وتمس حياة الوطن والمواطن بشكل مباشر قد يكون خلفها قلبٌ مراهق أو نفسٌ حاسدة أو روحٌ حاقدة أو تفاهة متوطنة تعمى عيون المصابين بها، فلا يبصرون لأبعد من أنوفهم.

هل أتجنى عندما أقول ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أوثق العلاقة بين ذكرى المطربة أسمهان وحضور الممثلة غادة عبد الرازق التى يتصايح البعض بأن لها يدًا فى إيقاف برنامج باسم يوسف؟

صدقنى، لو قلت لك إننى شاهدت أصحاب فضائية عربية، وهم يصنعون نجمًا من مذيع مغمور، ويعدون له برنامج مسابقات لا علاقة له بالسياسة، ثم عندما حلّق عاليًا وصدّق نجوميته، قصوا جناحيه، فهبط إلى الأرض ليقضى ما بقى من حياته كأنه دجاجة تجتر بمرارة، ذكريات تلك السنوات التى عاشتها كأنها نسر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 7 نوفمبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الاثنين، 11 نوفمبر 2013

الجمهور




كل الشعارات الفاسدة التى ترفعها السينما هى ذاتها الشعارات التى تؤمن بها الصحافة، ولكى أكون منصفًا أقول إن الصحافة هى التى خلقت الشعارات ثم استضعفت السينما فوصمتها بها.

خذ عندك شعار "الجمهور عايز كدا" ستظن أن هذا شعار سينمائى من كثرة ما قرأته على ألسنة أهل السينما ولكن الحقيقة المرة أن هذا الشعار بالتحديد صحفى الأب والأم والجدود مع ملاحظة أن جميع مستخدميه لا يقصدون من استخدامهم له إلا تبرير ارتكابهم لكل ما هو متسخ ووسخ ومقرف.

الآن وبعد صدور العدد الأول من جريدتنا الجيل تأكل لى فعلاً أن "الجمهور عايز كدا".

ويا أهل السينما والصحافة، الجمهور ليس فرداً واحداً مراهقًا يبحث عن صور الأفخاذ العارية والصدور الناهدة كما أنه ليس رجلاً معقداً لا يحب سوى الشتائم يا أيها الناس، "الجيل" قوبلت مقابلة رائعة وليس بها صورة واحدة عارية وليس بها كلمة واحدة تخرج عن حدود الأدب.. نعم "الجمهور عايز كدا" ولكن من الذى يحدد هذا "الكدا" الذى يبحث عنه الجمهور.. الإجابة عند الصانع لا عند المشترى، فإن كان الصانع مبتذلاً وتافهًا فسوف يقدم "الكدا" الذى سيشتريه الجمهور "الكدا" وإن كان الصانع باحثاً عن طريق آخر يحترم به معانى الشرف فسوف يجد جمهورًا يبحث عن ذات الطريق وحتماً سيلتقى الطرفان ليسطرا معاً كلمة جديدة فى سجل الفن أياً كان نوعه.

بعد صدور العدد الأول تلقيت هذه التعليقات:
 1- قال لى أحد الزملاء إذا لم "يسخن" الجورنال انسحب فوراً من هذه التجربة.. العجيب أن الزميل يشغل موقعاً قيادياً فى زميلة أبرد من برد سيبيريا.
 2- زملاء كثر اعترضوا على عدم وجود صفحة ثقافية.. ويا إخوانى أنا محرر ثقافى ويعز على عدم وجود صفحة ثقافية ولكن العين بصيرة واليد قصيرة وإن كان رئيس التحرير قد وعدنا بإضافة صفحة للثقافة قريباً إن شاء الله.
 3- أحد الزملاء قدمنى لخطيبته قائلاً الأستاذ حمدى بن أبى "طالبان" وذلك رداً على تعهدى بأننا لن ننشر صورًا عارية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الجيل ــ 8 نوفمبر 1998

الخميس، 7 نوفمبر 2013

حكومة ما لذ وطاب





عندما كانت للأمسيات معنى، كانت جماعة من شباب الصحفيين والكُتاب تحرص على الجلوس مساء كل ثلاثاء بين يدىّ الكاتب الأستاذ محمد مستجاب «رحمه الله»، كان مستجاب يلقى علينا دروس الحياة، ويعلمنا فنون الصعلكة ببساطته التى لا نظير لها. ذات مساء كان غاضبًا ومعتصمًا بالصمت على غير عادته، وبعد نجاحنا فى حل عقدة لسانه، زفر غضبه ثم قال: «إياكم والتعاطف مع تلاميذ مدرسة ما لذ وطاب، بل إياكم وقراءة أعمال هؤلاء التلاميذ أصلًا».


لم يتركنا مستجاب ندخل أنفاق التخمين المعتمة، لأنه واصل كلامه قائلًا: «الواحد من هؤلاء يريد مثلًا كتابة مشهد بطله جندى قادم من إجازة أمضاها فى قريته الصعيدية، طبعًا الجندى لا بد أن يحمل معه طعامًا من مطبخ أمه، ولأن كاتبنا البليد لا يعرف شيئًا عن طعام الصعايدة يتخلص من المشهد بجملة عبثية: (وفتح الجندى حقيبة سفره ليخرج لزملائه ما لذ وطاب من الطعام)».

يسلط مستجاب عينيه على وجوهنا ويقول: «لو كان البعيد فالحًا لعرف أن ما لذ وطاب من طعام قرية أسيوطية سيكون مغايرًا لما لذ وطاب من طعام قرية أسوانية، لكن ماذا نفعل وكله عند العرب صابون، وكله عند الكُتاب البلداء ما لذ وطاب؟».

ضحكنا جميعًا، لكن مستجاب لم يضحك، إذ استولت عليه رغبة عارمة فى فضح تلاميذ هذه المدرسة فقال: «إحداهن وهى تشبه جاموسة بيضاء»، كتبتْ: «شكرًا لك يا حبيبى لقد أهديتنى زهورًا ريفية». يضحك مستجاب ويعلق: «بربكم هل يعرف أحدكم ما هذه الزهور الريفية؟ لقد هاتفتُ تلك التى تزعم نفسها كاتبة وسألتها عن الزهور الريفية التى أهداها حبيبها لها فصمتتْ قليلًا قبل أن تجيب: (والله يا أستاذ محمد كان فى ذهنى وصف زهور الصفصاف). يصرخ مستجاب: (يا خلق الله هل شجر الصفصاف أصبح مزهرًا من خلف ظهورنا نحن الذين زرعناه مذ كانت الترع والقنوات؟)».

ثم ختم أديبنا الراحل كلامه قائلًا: «إذ رأيتم الكاتب يُجِمّل ما يجب تفصيله فاعلموا أنكم، أمام واحد من تلاميذ مدرسة ما لذ وطاب».

ما الذى دفع بذكرى أمسية مستجاب إلى سطح ذاكرتى؟

إنها حكومة الدكتور الببلاوى، بأمنها وإعلامها واقتصادها. لقد أقسمت حكومة الببلاوى أنها ستتصدى لشر عصابة حسن البنا، أقسمت هكذا فى المطلق دون تفصيل خطة وتحديد خارطة.

انظر إلى تلك الحكومة، وهى تواجه الكوارث التى تقترفها عصابة الشر فى حق الوطن، لقد ألقت الحكومة القبض على قيادات العصابة، ثم نامت مطمئنة هادئة البال قريرة العين محتمية فى شعبية جارفة يستحوذ عليها رجل واحد من وزرائها هو وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى!

بطريقة ما لذ وطاب تعالج الحكومة الملف المتفجر لعصابة الشر تلك، ففى الوقت الذى يمرح فيه طلاب العصابة فى أرجاء الجامعات المصرية، معطلين الدراسة ومزعزعين الأمن نجد الحكومة تفكر فى طرح قوانين للحد من العمل السياسى بداخل الجامعة!

وفى وقت تستخدم فيه العصابة أفكارها التكفيرية وأسلحتها الثقيلة فى القتل العشوائى لجماهير الشعب، هادفةً إلى حسم صراع سياسى بقوة السلاح، نرى الحكومة لا تقف موقفًا جادًا وواضحًا من التسريبات المتتالية عن مصالحة تاريخية يجرى إعدادها على نار هادئة.

إن أسبوعًا واحدًا أمضيته مع عائلتى فى مركز القوصية بمحافظة أسيوط جعلنى أرى القاهرة بمساوئها جنة الله على أرضه قياسًا بما يعانيه أهلى من غياب يكاد يكون كاملًا للخدمات التى يجب على أى حكومة تقديمها لمواطنيها، فلا أمن ولا طرق ولا مواصلات ولا سماد للزراعة ولا علف للمواشى، بل إن وصول الجرائد للموزع يعتمد على الحظ والفأل الحسن، يجرى كل هذا فى منطقة هى الأولى برعاية الحكومة التى يبدو أنها لا ترى الظلم التاريخى الذى جثم على قلب الصعيد بمختلف محافظاته على مدار سنوات حكم المخلوع مبارك، إن منهج ما لذ وطاب الذى تعتمد الحكومة عليه لن يحصد ثماره إلا عصابة الشر التى لا تزال تبث سمومها فى ربوع الصعيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 31 أكتوبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الاثنين، 4 نوفمبر 2013

صافى – يا لبن - كاظم





الرجال فى مصر كثر وأرجل رجل عرفته يتخفى تحت اسم أنثوى ويسمى نفسه "صافى نازكاظم" فهذه السيدة الجميلة الجليلة رجل بمعنى الكلمة إذ أن "الرجولة" لا تعنى أبدًا "الذكورة" بل تعنى "النبل والجمال، والإخلاص والوفاء والمحبة".

ولكى أكون صريحًا أقول إننى لا أعرف سببًا واحدًا يجمعنى بهذه الأم الجليلة فأنا وهى "نتعارك" حول جميع تفاصيل حياتنا من جمال عبدالناصر إلى أسامة أنور عكاشة مرورًا بموسيقى عمار الشريعى وصوت على الحجار ولطفى بوشناق، فهى ترى هؤلاء بعين غير التى أراهم بها، إذا ما الذى يجمعنى بها؟

إنه منهج صافى ناز فى الحياة.. فكثيرًا ما قالت لى: "خذ الناس مرة بالجملة ومرة أخرى بـ "القطاعى" وساعتها ستكتشف مناطق لقاء لم تكن تتوقعها".

ثم هناك شىء آخر غير منهجها فى التعامل مع "الحجريين" من أمثالى إنه حسها الشعبى الذى يهيمن على جميع تفاصيلها فلو قدر لك ودخلت بيتها، فلن تجد فيه غير رائحة النظافة، هل للنظافة رائحة؟.

نعم نظافة بيت صافى ناز لها رائحة، كتب وقرآن وتواشيح وأغانى نجم وإمام وقصائد عبدالوهاب بالتأكيد كل هذه الأشياء لابد أن تكون لها رائحة، ثم هى سيدة تجيد الرطن مثل الخواجات ولكنها تموت صبابة فى أغنية "كعبه محنى وكفه محنى" ولا تستنكف أن تعلن عشقها للكشرى ولقصص كامل الكيلانى وتكشيرة نبوية موسى، وكل هذه التفاصيل تتجمع داخلها وتحتشد ثم تغادر قلبها، وتأخذ شكل مقالات وكتب، تقبل أنت ما بها أو ترفضه، أنت حر ولكنك لن تستطيع الفكاك من سحر هذه الكتابات التى تتدفق مشحونة بكل ما هو مسلم وعربى ومصرى أنها وبـ "الجملة" واحدة منا شاء لها الله أن تكتب فقررت أن تكتب عنا وعنا فقط.

والآن ما مناسبة هذا المقال؟

الإجابة هى الحياة أقصر مما نظن ولن نخسر شيئاً لو قلنا للذين نحبهم يا أيها الأحباب نحن نحبكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الجيل ــ 20 ديسمبر 1998

الاثنين، 28 أكتوبر 2013

النخبة قلب مصر





المنصف لا ينكر الدور الإيجابى الذى قامتْ به النخبة فى حياة مصر، فكثيرًا ما رأينا النخبة وهى تثرى البلد بأفكارها، بل ورأينا النخبة وهى تقدم دماءها قربانًا للوطن فى أزماته الكبرى.

المنصف سيذكر أيضًا أن النخبة هى صانعة الجرائد والمجلات والفضائيات التى مهدتْ لثورة يناير وبشرتْ بها ودافعتْ عنها وعن شهدائها، وحملت وحمت أفكارها ومبادئها وأهدافها. وقد دفعت النخبة المصرية أثمانًا باهظة لموقفها المبدئى المناصر والمنادى بحقوق الأمة، فمن النخبة مَنْ قُتل ومنها مَنْ سُجن ومنها أكثرية، ضيقتْ عليهم نظم الحكم المختلفة أسباب الحياة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت.

ثم جرت فى النهر مياه كثيرة، فاختلفت النخبة من بعد ما جاءتها الثورة، ولم يكن اختلافها كغيره، لقد كان مرهقًا لها حتى أنساها الأمر الذى خلقت له، وهو أن تقود ولا تقاد، تبشر ولا تنفر، تجمع ولا تفرق، تهدى ولا تضل.

نسيت النخبة أو تناست أن دورها فى حياة الوطن هو دور القلب فى حياة الجسد، فإن صلح القلب صلح سائر الجسد وإن فسد القلب فسد سائر الجسد.

إننا نرى الآن النخبة وهى تختلف وتتطاحن حول سؤال هو إلى الفتنة أقرب منه للسؤال، سؤال اخترعته النخبة وألقته فى وجه الجماهير، فبات يكبر كل يوم كأنه كرة نار لا كرة ثلج تلتهم ما يقف فى وجهها.

هذا السؤال النخبوى هو: «هل تؤيد ترشيح وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى أم تعارضه؟».

تطرح النخبة السؤال كأننا فى معترك سؤال عن الأهلى والزمالك، إما أن تكون أهلاويًّا وإما أن تكون زملكاويًّا، بحيث يصبح أى تصنيف آخر مرفوضا.

الآن يقود فريقان من النخبة الجماهير إلى صدام مؤكد حول السيسى، فريق يوزع منشورات تحمل عنوان «كمّل جميلك» يدعو إلى إجبار السيسى على أن يتقدم للترشح لمنصب الرئاسة، والفريق الآخر يقود حملة كلامية ميدانها الشوارع والمساجد وبعض الفضائيات والجرائد تناصب السيسى العداء المطلق كأنه الشيطان الرجيم.

لم تطرح النخبة حتى اللحظة مرشحها واكتفت بالتشاجر حول السيسى كأنه الفاعل الوحيد الأوحد فى المشهد المصرى كله.

الذين يعارضون ترشح السيسى يقدمون حججًا مضحكةً كأن يصفونه بالعسكرى أو الانقلابى، أو عدو الشرعية أو الطاغية الجديد الذى يعيد نفخ الحياة فى تحكم وسيطرة المؤسسة العسكرية على مقاليد الحكم فى مصر.

والذين يؤيدون ترشح السيسى يرونه البطل المغوار الذى هزم بمفرده تنظيم الإخوان.

وعندما تمتلك الجرأة اللازمة لكى تسأل أيًّا من الفريقين عن موقع الشعب من المعادلة؟

لا يجيبك أحد برد!!

وعندما تسأل عن برنامج السيسى الذى بناءً عليه يجب أن يجرى تقييم الأمر كله؟

لا يجيبك أحد برد!!

وبعيًدا عن هذا التطاحن النخبوى المريب يجب أن نقرر جملةً من الحقائق، يأتى على رأسها أن السيسى بوصفه وطنيًّا عاقلًا تحمل مسؤولية إصدار بيان المهلة الشهير كما تحمل مسؤولية إلقاء بيان الثالث من يوليو، وذلك لأن وطنيته أجبرته على أن يقف فى صف شعبه كما دعته وطنيته إلى أن يواجه ضغوطًا عالمية قادتها أمريكا ودول أوروبا لصالح محمد مرسى رئيس عصابة حسن البنا، ثم جاء دور عقله الذى جعله يدرك مبكرًا خطورة حكم عصابة حسن البنا على ماضى مصر وحاضرها ومستقبلها. وبعد هذا الموقف المركب والمعقد اختار السيسى أن يظل وزيرًا ضمن وزارة لها ما لها، وعليها ما عليها، فإن أراد حقًّا الترشح لمقعد الرئاسة فعليه أن يسفر عن نيته كاملة غير منقوصة ويطرح علينا برنامجه، لأننا الآن أحوج أكثر من أى وقت مضى إلى برنامج إنقاذ حقيقى يعتمد على مصارحة الشعب بحقائق الموقف على كل الأصعدة بعيدًا عن سياسة التمنيات الطيبة التى قد تصلح فى مجالس فض المنازعات، لكنها حتمًا لا تصلح لإدارة شؤون بلد يعانى ما تعانيه مصر من أزمات بل وكوارث.

على السيسى أن يحسم أمره ويقدم لنا برنامجه إن كان ينوى الترشح أو أن يخرج علينا مباشرة من غير وسيط ويصارحنا: «لن أترشح وابحثوا عن غيرى».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 24 أكتوبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

مجلس شورى الشربات





عندما يرى المصريون أمرًا سيئًا، وقد أصبح حسنًا، يقولون جملتهم الخالدة: «خلق من الفسيخ شربات». هذه الجملة تروج لها بشكل أو بآخر لجنة الخمسين التى كلفها الشعب المصرى بكتابة دستور جديد يعالج فى الحد الأدنى كوارث الدستور، الذى كتبته عصابة حسن البنا، لكن ما يتسرب من أخبار عن اتجاهات اللجنة لإعادة مجلس الشورى إلى الحياة السياسية ثانية لا يبعث على الاطمئنان، وذلك لأن اللجنة تضم عددًا من الذين شاركوا فعلًا فى الثورة المصرية، ولم يعتلوا موجتها، وهؤلاء يدركون بداهة أن الشعب المصرى قد ضاق ذرعًا بما يسمى مجلس الشورى، بل لعلهم لم تغب عن ذاكرتهم حالة اللا مبالاة التى قابل بها المصريون حريقًا شب فى أخريات عهد مبارك فى مجلس الشورى، والتهم بعضًا من سجلات ووثائق الحياة السياسية المصرية.

وما كانت لا مبالاة المصريين سوى تعبير منهم عن موقفهم الرافض بل الساخر من تجمع لا يعرفون حقًا ما مهامه ولا يعرفون شيئًا عن دوره فى حياتهم النيابية.

إن ما يسمى بمجلس الشورى هو اختراع ساداتى بامتياز، أراد الرئيس الأسبق من خلاله ترسيخ صورته بوصفه رب العائلة المصرية، وكأن مصر بجلالة قدرها قد تحولت إلى «مصطبة» يحكمها عمدة فى أثناء رشفه أكواب الشاى مع مشايخ وأعيان القرية!

لا يوجد ثمة رابط بين مجلس الشيوخ الذى كان فعالًا قبل ثورة يوليو 1952 وبين مجلس العائلة الساداتى، لأن الأول كان له دور معلوم، وكان يقوده غالبا علمُ من أعلام السياسة المصرية، أما مجلس السادات فهو كيان صورى يستخدمه الحاكم متى شاء كيف شاء، وهو نفسه الدور الذى لعبه هذا المجلس فى عهد المخلوع مبارك، فقد سيطر حسب تشريعات الحاكم على مقاليد الحياة الصحفية المصرية سيطرة تعويق لا سيطرة مساعدة ومساندة، ثم أصبح تجمعًا لهؤلاء الذين تريد السلطة استرضاءهم أو شراءهم من خلال ضمان عضوية بالتعيين لا بالانتخابات، وتلك العضوية تضمن بدورها وجاهة اجتماعية وسفريات ومكافآت مادية وفوق كل ذلك تضمن حصانة يستغلها البعض فى التغطية على جرائم يرتكبونها، وهم فى مأمن من الحساب، ولعلنا جميعًا نذكر فضائح نواب سميحة أو نواب القروض أو نواب العلاج المجانى، بل وصل أمر بعضهم إلى أن أصبح معروفًا بنائب الكباريهات!

إن أدنى مراجعة لمعدلات إقبال المصريين على التصويت فى انتخابات مجلس الشورى ستدل بلا شك على الموقف الرافض له، حتى فى فترة إقبال الشعب على الذهاب إلى صناديق الانتخابات عقب الثورة فقد ذهب حوالى 7% من الناخبين للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات مجلس الشورى، الذى لم تهتم أحزاب كثيرة بأن تقدم مرشحيها ليخوضوا سباق انتخاباته، وهو الأمر الذى جعل المتمسحين فى الإسلام من عصابة حسن البنا وأعوانهم يظهرون كما لو كانوا أغلبية برلمانية، وهو الأمر الذى استغله المخلوع مرسى أشنع استغلال عندما عهد لمجلس الشورى بالسلطة التشرعية بحجة غياب مجلس الشعب.

إن الترويج لإحياء هذا المجلس الذى لم يسهم بشىء فى تطوير الحياة السياسية لهو أمر غريب جدا، لأن المروجين يعتمدون على شعارات غامضة كقولهم إن مسماه سيصبح مجلس الشيوخ بدلا من الشورى، وإن سلطات جديدة ستضاف إليه.

ولقد سمعت أحدهم يقول فى سياق ترويجه إن ميزانية الشورى قليلة تبلغ حوالى 170 مليون جنيه سنويا. وهذا تبرير عجيب، وكأننا بلد يسبح على بحيرة من الدولارات لا بلد يقترض لكى يسدد فاتورة طعامه وشرابه، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لا تجد أحدًا يتحدث عن تكاليف انتخابات هذا المجلس التى تتجاوز المليار جنيه، ثم لا يتحدث أحد عن المساندة العجيبة التى يبديها قياديون فى الحزب الوطنى المنحل لعودة هذا المجلس، بوصفه البوابة الخلفية التى سيعودون من خلالها إلى المشهد السياسى بعد أن أسقطهم الشعب من حساباته فى انتخابات البرلمان الماضية.

على السادة المروجين أن يدركوا أن ماء الفسيخ شىء والشربات شىء آخر، ولن يلتقيا إلا فى أذهان الباحثين عن الزفارة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 10 أكتوبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الجمعة، 11 أكتوبر 2013

الإرهاب الخفى




يظن البعض منا أن تأييد الإرهاب تنحصر صوره فى تقديم دعم مالى أو غطاء سياسى لمرتكبى العمليات، وقد جاءت العمليات الإرهابية التى جرت مؤخراً فى مصر لتكشف الغطاء عن صور كثيرة ومتعددة لتأييد الإرهاب. نستعرض الآن بعضًا منها نأخذ مثلاً الفضائيات التي قالت "وقع ظهر اليوم انفجار هز قلب العاصمة المصرية، هذا التهويل هو من صور الدعم "الخفى" للإرهاب لأن الذى يسمع الخبر بهذه الصورة التهويلية سيظن أن الفوضى قد عمت أرجاء العاصمة.

وهذا قد يساعد المتربصين على تكرار جرائمهم معتمدين على الأخبار التى تروج للخوف وتنشر الفزع. وإضافة إ‍لى التهويل هناك "التهوين" الذي يزرع اطمئناناً كاذباً يجلب استرخاء أمنياً ينتهزه المتربصون ليضربوا ضربتهم وقد يعمد بعض مؤيدى الإرهاب إلى إشاعة مصطلحات غامضة الهدف منها هدم المجتمعات من داخلها وبيد أولادها، مثل مصطلح "الفوضى البناءة" الذى تدعو له دوائر سياسية مهمة وفاعلة فى الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه الدوائر تقول إن الفوضى ستقود حتماً إلى التصحيح ومن ثم تبنى أسساً جديدة لمجتمع جديد، هذا هو شرحهم لمصطلحهم الغامض المغرض، الذى لن يقود إلا إلى الخراب الشامل ولاحظ ما يجرى علي أرض العراق. ومن صور دعم الإرهاب أيضاً تعمد التناقض فى ذكر المعلومات الضرورية والتى لا يفسد ذكرها الخطط الأمنية، فهذا التناقض عندما يكون متعمداً يجعل الناس تشعر وكأنها فى دار عرض سينمائى تشاهد فيلماً من أفلام الرعب ستنتهى علاقتهم به بمجرد خروجهم من دار العرض، وكأن الأمر ليس دماء تراق واقتصاداً يخرب وفزعاً ينتشر بين المواطنين.

إن الحوادث الأخيرة تحتم علينا أن نحارب على جبهتين، الأولى هى جبهة الإرهابيين أنفسهم، والثانية وهى الأهم والأخطر جبهة المؤيدين المتخفين تحت ألف قناع وقناع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة صوت الشعب - 10 مايو 2005

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

سويت النميرى وسجق البشير!




كان الرئيس السودانى الأسبق جعفر النميرى قد استنفد كل حيل الطغاة العرب، التى يلجؤون إليها للحصول على حكم أبدى خالد لا يلحقه زوال!

جرّب النميرى القومية العربية التى كانت لامعة أيامها ثم تحالف مع اليسار، ثم استخدم اليمين فى ضرب القوميين واليساريين، صنع كل ذلك ولكنه لم يفكر لحظةً فى تقديم حل يُنهى حربًا أهلية استغرقتْ سنوات حكمه كلها، وعندما ظن بعضنا أن أرض حيل النميرى قد ضاقتْ عليه، باغتنا جميعًا وأخرج من جرابه الحيلة الأخيرة وهى تطبيق الشريعة الإسلامية التى يختصرها هؤلاء الطغاة فى إقامة الحدود فقط، بل قصر إقامة الحدود على غير معارفهم وأقاربهم.

وقد عرفنا تلك الحيلة باسم (قوانين سبتمبر 1983) ولكى يجيد النميرى تمثيل دور حامى حمى الشريعة فقد قام بمظاهرة ألقى خلالها زجاجات الخمر فى النيل!

وهنا جعل نفسه فريسة سهلةً لريشة فنان الكاريكاتير الراحل بهجت عثمان الذى رسم النميرى يلقى بزجاجات الخمر فى النيل، بينما غواصة النميرى تلقف الزجاجات ذاتها!

ولكى يواصل النميرى تأدية الدور الذى يقوم به فقد صدّق على حكم بإعدام المفكر محمود طه وجماعة من تلاميذه عقابًا على منشور (هذا أو الطوفان) الذى كتبه المفكر المناضل محمود طه ضد قوانين سبتمبر.

العجيب فى الأمر أن حادثة إعدام طه وتلاميذه وقعتْ يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985وفقد النميرى حكمه بعدها بأقل من ثلاثة أشهر فى السادس من أبريل 1985!

وكان النميرى قبيل رحيله عن الحكم قد اقتبس شيئًا من روح صديقه معمر القذافى العابثة، وآية ذلك أن السودان كان قد شهد شحًّا كبيرًا فى السكر، وعندما تعالتْ الأصوات المنددة بذلك النقص، أصدر النميرى تصريحه العبثى الذى برر فيه أزمة السكر، بأن نساء السودان يسرفن فى استهلاكه لكى يصنعن منه تلك العجينة الخاصة بنزع الشعر الزائد من أجسادهن.

أيامها كان الكلام حول تلك الأسرار النسائية من المحرمات فلم يستطع أحد لفت نظر النميرى إلى أن ما قاله يجافى أبسط قواعد الذوق من ناحية، كما ينضح بعنصرية بغيضة من ناحية أخرى، فحسب التصريح المضحك، تبدو أجساد سيدات السودان وكأنها أجساد غوريلات.

كان هذا حال السودان الشقيق والحبيب تحت حكم النميرى، فلمّا جاء زمن عمر البشير تدهور حال السودان من سيئ إلى أسوأ، لأن البشير كان كسابقه غير ملتفت للحرب الأهلية التى أدت إلى جعل السودان الواحد الموحد بلدين منفصلين لا تربطهما حتى مودة الجوار، ثم أهمل معالجة كارثة دارفور، بل وساعد عبر سياساته الخرقاء فى إشعال تلك المنطقة الاستراتيجية حتى اختلط الحابل بالنابل، فلم نعد ندرى مَنْ القاتل؟ ومَنِ القتيل؟ ولم نعد نعرف مَنِ الضحية ومَنِ الجانى؟

وقد فاق البشير سابقه فى الروح العابثة، لأننا رأينا السودانية تجلد فى عهده عقابًا على ارتدائها البنطلون!

بل رأينا الرجل نفسه وهو يتراقص بعصاه الشهيرة يوم أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكمها بملاحقته هو وجماعة من أعوانه على خلفية معالجتهم لكارثة دارفور، يومها أقسم البشير بالله ثلاث مرات إنه لن يمثُل ولا أىٌّ من أعوانه أمام أى محكمة كانت.

لم يخجل البشير قط من كونه أول حاكم عربى، بل أول حاكم فى العصر الحديث يفرح بتقسيم بلاده، بل راح يناصب جنوب بلاده العداء ويحرمه من تصدير نفطه عبر أرض الشمال من خلال اشتراطه زيادة خرافية مقابل مرور النفط بأرض الشمال الذى يحكمه ويتحكم فيه حسب هواه.

ومؤخرًا وعندما اندلعت مظاهرات عارمة تنادى بسقوط نظام حكم البشير المتمسح فى الإسلام شأن بقية الطواغيت العرب، لم يقدم الرجل حلا، بل لم يطرح أدنى مبادرة يصالح بها شعبه الغاضب، لقد طلع على الغاضبين لكى يعيّرهم بقوله: «أتحدى لو فيه زول (رجل) سمع بالهوت دوج قبل حكومة الإنقاذ».

كم أنت مسكين أيها السودان الشقيق الحبيب تتخلص من «سويت» النميرى، لتتورط مع سجق البشير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 3 أكتوبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الجمعة، 27 سبتمبر 2013

الاكتفاء الذاتى من شاكيرا





قبل سنوات ليست بعيدة طلعت علينا من غابات كولومبيا المغنية السيدة "شاكيرا" امرأة تلبس ما يكفى بالكاد لستر ما لا يجوز كشفه علنا، ترقص وكأنها سامية جمال فى عز شبابها، تتمتع بلياقة بدنية وكأنها المصارع كرم جابر، باختصار٠٠ السيدة شاكيرا لها خصر أوروبى وأرداف عربيًة٠

ونظرا لعروبة أردافها فقد تبناها الإعلام العربى فأصبحت أغانيها مقررة على كل الفضائيات العربية الراقصة، وقد ترسخت مكانة شاكيرا بعد اكتشاف جذورها العربية اللبنانية ومعروف عنا نحن العرب أننا مثل القرعاء التى تتباهى بشعر ابنة أختها.

ظلت شاكيرا ردحا من الزمان متربعة على عرش الفضاء العربى، ثم رويداً رويداً راح صوتها يخفت وأردافها تهدأ.

طبعا لم يكن فى الأمر خصام -لا قدر الله- بين الفضائيات العربية وبطن شاكيرا العارى كل ما هنالك أن النخاسين الجدد تجار أغانى الفيديو كليب قالوا إن جحا أولى بلحم توره، وعليه فقد جلبوا العشرات من بنات العرب، ليلعبن نفس دور شاكيرا، فإن كانت هى تهز ردفا فهن يعرين الردف والبطن والنهد معا، وإن كانت شاكيرا قد غنت وهى تتمرغ فى الوحل، فهن يغنين وهن يداعبن "العجلة والحصان والكلب أيضاً".

لنا أن نعترف أن تجار الرقيق الأبيض وجهوا لشاكيرا ضربة معلم وتم بحمد الله الذى لا يحمد على كليب سواه الاكتفاء الذاتى من السلعة شاكيرا مع وجود فائض يسمح بالتصدير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة صوت الشعب - 3 مايو 2005


الخميس، 26 سبتمبر 2013

متى نشعر بالعار؟!





أكد تقرير صادر عن جهاز التعبئة العامة والإحصاء أن نسبة الأمية فى مصر (أم الدنيا) قد بلغتْ 30% من مجمل عدد السكان، أى أن نحو 17 مليون مصرى فوق سن الخامسة عشرة لا يعرفون الكتابة ولا القراءة!

ثم توسع التقرير الذى نقلت بياناته بدقة زميلتنا بجريدة «التحرير» حنان الجوهرى، فقال إنه على الرغم من أن نسبة الأمية يتم رصدها بدءًا من سن الخامسة عشرة فإن هناك رقما يشير إلى أن معدل الأمية بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين سن العاشرة والخامسة عشرة قد بلغ 25%.

وعن الصعيد (السعيد) قال التقرير إن المنيا تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات الأكثر أمية بنسبة بلغت 36،7 % تليها محافظات بنى سويف والفيوم وسوهاج بنسبة بلغت 35% أما أسيوط وقنا فإن نسبة الأمية بهما هى 31%.

لا تظن أن الأمور وردية بالنسبة للقاهرة (مصر المحروسة) لأن نسبة الأمية بها 17،4%، أما الإسكندرية (عروس البحر الأبيض المتوسط) فنسبة أمية أولادها بلغت 16،5%.

لا داعى لذكر نسب ما بقى من محافظات، لأن شهاب الدين مثل أخيه، والكل فى المصيبة سواء.

ولكن هل هى مصيبة؟ هل نشعر بعارها؟

لقد أصبح خبر استفحال الأمية فى مصر من الأخبار الموسمية كأنه خبر عن اختفاء أنابيب البوتاجاز فى الشتاء وانقطاع الكهرباء فى الصيف، أصبح الخبر مألوفا لا يثير دهشة أحد، بل لا أبالغ إذا قلت إنه لم يعد يستوقف أحدا. من الرئيس إلى الخفير، كلنا نقرأ الكارثة ثم يكتفى صاحب المروءة منا بقلب شفتيه استنكارا وامتعاضا.

نُشر الخبر فما قرأنا حملة صحفية تستنكر وتدين وتعرى وتفضح المسؤولين عن تلك الكارثة، لم نشاهد برنامجا تليفزيونيا يخصص ولو فقرة من فقراته لمناقشة الأمر، لم نسمع برنامجا إذاعيا يضع الفأس فى عنق الجانى، كما لم يصلنا أن مسؤولا واحدا اهتم بالأمر وانشغل به.

من زاوية من الزوايا تبدو قضية الأمية فى مصر من القضايا العبثية التى تدفع لذلك النوع من الضحك الذى ينتهى بالدموع، فكل حكومة منذ محمد على باشا تكفّن الأمية ثم تضعها فى تابوت فاخر، ولا تغفل أبدا عن أن تعطر جثمان الفقيدة لكى لا تفوح رائحته، ثم تقوم بتسليم محتويات التابوت كاملا غير منقوص للحكومة التى تأتى بعدها، وكل جيل مصرى يصنع صنيع حكومته المصرية وكأنه يؤمن فى قرارة نفسه بأنه هو فقط الأحق بالتعليم، أما باقى الشعب فقد خلق للعمل اليدوى الشاق الذى لا يحتاج إلى مهارات المتعلمين، ولكى تكتمل الصورة العبثية رأينا كل حكومة تطلق برامج للقضاء على الأمية، ولكن الحقيقة تكمن دائما خلف ستار التصريحات الرسمية، فما تلك البرامج المزعومة إلا قناع من أقنعة التمويل الخارجى الذى تعيش عليه حكوماتنا، ففى هذا العالم ثمة من يؤمن بحق الناس فى التعليم ولذا يدفع تكاليف محو أمية المصريين، وهذا الذى يسدد الفاتورة لا يعرف أنه ينفق على قضية تحرص كل الحكومات المصرية على أن تخسرها بجدارة، ربما لكى يستمر الجهل الذى يتيح لها حكما مريحا، وربما لكى يستمر التمويل السخى!

وزير يعترف

تفضل المهندس إبراهيم محلب وزير الإسكان وهاتفنى على خلفية ما كتبته الأسبوع الماضى عن تعامل الحكومة مع الفقراء عبر تخصيص شقق لهم تبلغ مساحة الواحدة منها 42 مترا. وافقنى سيادة الوزير فى أن المساحة جد ضئيلة، ولكنه نبهنى إلى أنه لا يتحمل مسؤولية بناء تلك الشقق، فقد تم بناؤها قبل أن تتولى حكومة الدكتور الببلاوى المسؤولية، وأضاف الوزير أنه اختار أن يحل أزمة ستة آلاف أسرة بدلا من أن تظل الشقق مغلقة غير مأهولة، وأكد الوزير أن عهد وزارته لن يشهد بناء شقة تقل مساحتها عن 76 مترا.

أشكر سيادة الوزير على اهتمامه وأدعو له بالنصر على شياطين الإنس، وما أكثرهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 26 سبتمبر 2013
لينك المقال على موقع التحرير:

الخميس، 19 سبتمبر 2013

42 مترًا يا ببلاوى!





فى صباح جمعة شتوىّ من العام 2006 حملتُ منفردا جثمان طفلتى «فاطمة الزهراء» من مستشفى بالدقى حتى مدفن جدها لأمها فى السيدة عائشة، لم تكن تلك أولى تجاربى مع الموت الذى يعضّ القلب، لكنها كانت أول مواجهة مباشرة مع ساكنى القبور. على بُعد خطوات من القبر الذى ستنام فيه طفلتى كانت غرفة الحفَّار، تقدم منِّى معزيا بآليّة ثم بدأ عمله، كان وسيمًا يرتدى جلبابا ناصع البياض.

عندما هبط إلى جوف القبر طلب منِّى تسليمه «الأمانة» عجزتُ عن حمل ابنتى إليه، رفع صوته مناديا زوجته، جاءت الزوجة، كانت نسخة من بطلات خيرى شلبى، بلطية تسبح فى جلباب بلدى فضفاض لا يستطيع إخفاء علامات أنوثتها، عملا معًا كجرّاح ومساعدته، عندما رأت الزوجة ما أنا عليه، طاب لها أن تخفف عنى بطريقتها الخاصة، جاءت بماء وغسلت وجهها ويديها وكذا فعل زوجها، ثم جاءت بشاى لنا جميعا، ثم نظرتْ مبتسمة إلى زوجها وقالت: «قل للأستاذ». قالت جملتها ثم انصرفت ضاحكة. غمغم الزوج بخجل غريب على هيئته، ثم قال: «دى ولية وشّها مكشوف، عايزانى أقولك يعنى إن ليلة زى ليلتنا إمبارح تخليك تخلف عشر صبيان مش بت واحدة، عوضك على ربنا يا باشا».

هل أبالغ لو قلت إن بؤس هذا المشهد جعل حزنى على طفلتى تافها رخيصا بلا معنى؟

هل رضىَ هؤلاء حقًّا عن حياتهم حتى إن الزوجة تشاكس زوجها أمامى بذكرى ليلة البارحة؟ هل غسلنا نحن أيدينا منهم؟ عن نفسى أعترف: «لم أزر قبر طفلتى قط». كم قلبًا سأحتاج إليه لكى أتحمل مضغ بؤس المقابر وابتلاعه؟

كلنا نخادع قلوبنا ونروِّج لخرافة تزعم أن هؤلاء قد رضوا عن حياتهم وأن حياتهم قد رضيت بهم.

يهاجمنى مشهد المقابر بكل تفاصيله كأنه قد حدث قبل ساعة، وأنا أقرأ بيان حكومة حازم الببلاوى الذى به سينجو ساكنو المقابر والسطوح والعشوائيات والـ... من بؤس مساكنهم. يقول الظالمون فى بيانهم: «فى إطار خطة الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية (لاحظ العدالة الاجتماعية) تعلن وزارة الإسكان عن فتح باب الحجز لعدد 6000 وحدة سكنية بمساحة 42 مترا، للإيجار بمدينة 6 أكتوبر بنظام القرعة العلنية للعاملين أو المقيمين بالقاهرة الكبرى».

يوضح البيان شروط الحصول على الشقة الحلم فيقول: «سيتم عمل بحث اجتماعى على المتقدمين من خلال وزارة التضامن الاجتماعى». نعلم جميعا أن هذا البحث هو اسم التدليل المصرى لشهادة الفقر.

ثم يؤكد البيان: «إن مقدَّم الحجز 1100جنيه والقيمة الإيجارية 125 جنيها فى الشهر، بزيادة 7% سنويا ومدة الإيجار 7 سنوات قابلة للتجديد طبقا لما يسفر عنه البحث الاجتماعى الذى يتم فى حينه».

انتهى البيان الذى يتستر خلف الشعار الأعظم لثورتنا «العدالة الاجتماعية» ليقرر أن 6 آلاف شقة هى كل خطة الحكومة فى تخفيف بؤس الفقراء وساكنى المقابر والعشوائيات والعلب الصفيحية!

هذا بيان مجرم يتحدث عن العدالة الاجتماعية ثم يتيح شقة مؤجرة لمدة سبع سنوات فقط بضمان شهادة فقر، كل مساحة تلك الشقة التى يدللونها باسم الوحدة السكنية 42 مترا فقط لا غير، يقينًا ستصبح المساحة 38 مترا بعد خصم المنافع!

نقرّ ونعترف أن حكومة الببلاوى ورثت كل هذا البؤس، ولكن نقرّ ونعترف أيضا أنها تواصل مسلسل الأكاذيب ذاته، وأنها لا تنوى مجرد نية حل أى مشكلة من جذورها، هذه حكومة تواصل مسلسل المسكنات، وليتها كانت مسكنات فاعلة، هل سألت حكومة الببلاوى قلبها فأفتاها مطمئنا بأن نصيب الفقراء من أرض وطنهم يبلغ 42 مترا فقط لا غير؟ كيف استطاعت هذه الحكومة مواصلة مسخ الناس حتى إن أحدا لم يعلق على هذا البيان المجرم؟ بل قرأت ترويجا له بوصفه الحل السحرى لكارثة السكن فى مصر!

يا أيها المصريون استفتوا قلوبكم، أليست المقابر أوسع وأرحب؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 19 سبتمبر 2013
لينك المقال فى موقع التحرير:

الخميس، 12 سبتمبر 2013

المرجِفون فى القاهرة





يحكى القرآن الكريم عن المرجِفين فى المدينة المنورة فى زمن رسولنا الكريم فيقول: «لئن لم ينتهِ المنافقون والذين فى قلوبهم مرض والمرجِفُون فى المدينة لَنُغْرِيَنَّك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا». ثم جاء المفسرون فقالوا إن المنافقين والذين فى قلوبهم مرض والمرجِفين ليسوا ثلاث فئات بل هم فئة واحدة تجمع الأمراض الثلاثة: النفاق ومرض القلوب والإرجاف، ثم توسَّع المفسرون فى ذكر المرجِفين وأحوالهم فقالوا إنهم هؤلاء الذين كانوا يهوِّنون من قوة المسلمين ويبالغون فى قوة عدوّهم ثم ينشرون الشائعات ويذيعون الأكاذيب بقصد نشر الفزع والرعب. وقد شاءت إرادة الذى لا رادَّ لمشيئته أن لا ينتهى أمر المرجِفين جميعًا إلى المحو النهائى من سجلات الوجود الإنسانى، فهم وإن انتهى أمرهم إلى هزيمة مُذِلَّة فى مدينة الرسول فقد تكاثروا فى مدن أخرى وتناسلوا عبر الأزمنة حتى وصل أحفادهم إلى العيش بيننا هنا فى عاصمتنا القاهرة، وهؤلاء الأحفاد ليسوا أعرابًا بسطاء كأجدادهم الذين كان الواحد منهم يقول كلمته واضحة فيتم اكتشاف أمره بيسر وسهولة، لا يا صاحبى، الأحفاد عصريون جدا ومتمكنون من كل فن من فنونهم وبارعون فى كل علم من علومهم، وتجد الواحد منهم يرطن بلغات شتى وله الباع الطويل فى زخرفة الكلام عن هموم الأمة حتى تحسبه لا ينام الليل من شدة قلقه على مصير الوطن. وعندما تتأمل المرجِفين تجد لهم علامات لا تخطئها عين، يبدأ الواحد منهم كلامه بأن يحذِّرك من خطورة التعامل الجاد الحاسم مع عصابة حسن البنا، يقول لك هامسًا بنبرة متباكية: «لئن تمّت مواجهة الجماعة فهذا سيجعلها تلجأ إلى العمل السرى وتنزل بثقل قوتها إلى تحت الأرض وتشبع الوطن الحبيب إرهابًا وخوفًا، ولذا لا بد من استيعاب الجماعة فى العمل السياسى العام».

فات المُرجِف أن الوطن الذى يتباكى عليه قد أتاح لجماعته فرصة عمرها وسلم لها مقاليد الحكم فلم تكفّ عن سرّيتها يومًا ولم تكفّ يومًا عن غدرها وسفكها للدماء.

وتقول المُرجِفة: «الدم كله حرام».

فات المُرجِفة أن الدم ليس كله حراما، هل يستوى القاتل مع القتيل؟ هل يستوى الجانى مع الضحية؟ هل يستوى المتظاهر الذى كل أدواته حنجرته وصدره العارى بهذا الذى هو مسلح بالمدفع الرشاش؟

ويقول المُرجِف: «لا بد من حل سياسى».

يتجاهل المُرجِف أن جماعته لم تطرح يومًا حلًّا سياسيًّا، وكل حلولها التى تطرحها تحصرنا بين أمرين، إما أن يخضع هذا الشعب لحكمى وإما أن يتجهز للقتل؟ هل طرحت الجماعة حلا غير هذا؟

وتقول المُرجِفة: «لا بد من مصالحة وطنية».

تتجاهل المُرجِفة أن جماعتها لم تدعُ يومًا للمصالحة، ثم كيف تصالح أمة بأكملها فريقًا شذّ عنها وخان مصالحها وتنكَّر لمبادئها؟

ثم كيف تصالِح أمة بأكملها فريقًا منها يحمل فى وجهها السلاح ويقتل أولادها بطريقة عشوائية، لوجه القتل لا لتحقيق شعار أو مصلحة ممكنة.

ويقول المُرجِف: «لئن هُزمتْ الجماعة لَتعودَنَّ الدولة القمعية».

يتجاهل المُرجِف أن جماعته لم تعمل يومًا على تطهير الأجهزة الأمنية من الذين ينتهجون القمع فى أداء عملهم الأمنى، وأن رئيس جماعته المعزول بإرادة شعبية قد أثنى الثناء الحسن الجميل على كل جهاز الشرطة وكذب متعمدًا قائلًا: «إن جهاز الشرطة كان فى القلب من ثورة يناير!!». كما يتجاهل المُرجِف أن الشعب قد صحّ عزمه على عدم الخضوع لأى قمع أيا كانت جهته، لكن هؤلاء المرجِفين يرطنون باسم الشعب ولكنهم فى قرارة أنفسهم يحتقرونه وينظرون إليه نظرة السيد لخادمه.

وعندما يسمعون تفنيدك لكلامهم يحاولون زعزعة ثقتك بنفسك عبر رميك بتُهم من نوعية فقدانك لإنسانيتك «لأنك لا تحترم حقوق القاتل فى أن يقتلك!!».

وعشقك لسفك الدماء «لأنك تنادى بحسم المواجهة مع إرهابيى سيناء مثلًا» ثم يخوفونك بأن الثورة ستفشل لأن كل دول العالم ستقف ضدها.

يا صاحبى لا تغترّ ببريق سطح المرجِفين، ابحث فى قاعهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت فى جريدة التحرير - 12 سبتمبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

الخميس، 5 سبتمبر 2013

ليس أسوأ من القرضاوى إلا البشرى





يعلم الدكتور القرضاوى أن الرجل إذا أفتى فى مسألة وتحرج فى أختها فقد بطلتْ فتاواه جميعا، ويعلم فضيلته أنه لم يتحرج فحسب، بل أفتى فى كل مسائل الثورات العربية وفق هواه الإخوانى لا وفق فقه هو فيه بارع. ويعلم فضيلته أنه بيمينه قد أدان نفسه عندما كتب شعرا يمدح فيه رفيقه فى عصابة حسن البنا عبد المجيد حسن الذى قام باغتيال النقراشى باشا رئيس وزراء مصر، عندما قال: «عبد المجيد تحية وسلام / أبشر فإنك للشباب إمام / سممتَ كلبا جاء كلبٌ بعده / ولكل كلب عندنا سَمَّام».

هل سمع أحدنا فضيلته يعتذر اعتذارا واضحا لا لبس فيه عن شعره المحرض على القتل؟ الإجابة هى لا يقينا. إذن لا جديد تحت الشمس، فضيلته يواصل فى شيخوخته ما بدأه فى شبابه من تحريض سافر على القتل ما دام يصب فى مصلحة عصابته، وفضيلته يسب الناس بالباطل حتى إنه يصف القتيل النقراشى باشا ومن جاء بعده إبراهيم عبد الهادى باشا بالكلاب ويمنح القاتل صفة الإمام!!

فإن كان الثبات على الباطل ميزة يصبح القرضاوى أحسن من طارق البشرى، لأنه لم يتورط يوما فى معارضة عصابة حسن البنا، فهو دائما يؤيدها ويساندها، أما معالى المستشار البشرى فأمره غريب مريب عجيب، معاليه فضح إعلان مرسى الدستورى ووصفه بالمنعدم فى حوار أجراه معه محمد بصل ونشرته الشروق فى «24 نوفمبر 2012» قال البشرى: «إصدار إعلان جديد يعنى أن الرئيس يقوم بثورة جديدة على الثورة، وأنا الآن أشعر بقلق كبير لأنه فى ضوء صدور هذه القرارات فى شكل إعلان دستورى منعدم، فسوف يصدر الدستور الجديد لمصر فى ظل وضع انقلابى على الشرعية الدستورية، لأن هذا الإعلان يمثل عدوانا على الديمقراطية، وعدوانا على القضاء أيضا، وأؤكد أنه -أى إعلان مرسى- ضربَ السلطة القضائية التى يتعين الحفاظ عليها وضمان استقلاليتها عن السلطة التنفيذية».

هذا كان رأى معاليه فى إعلان مرسى الذى شقّ الأمة شقا، فماذا قال عن دستور عصابة البنا؟ قال فى نقده للمادة الخاصة بالمحكمة الدستورية «الشروق 5 ديسمبر 2012»: «إن بها نوعا من التدليس، والتدليس لغة هو كتمان العيب والمخادعة وإخفاء ما يستوجب الرفض أو الاستهجان. ووجه التدليس أنك تفصل قضاة بأسمائهم فى صيغة نص دستورى شديد العمومية والتجريد، وتختلس عليه موافقة الناخبين».

ثم يقول عن المادة الخاصة بنسبة العامل والفلاحين فى البرلمان إن صياغتها تنطوى: «على وجه من وجوه التدليس فى صياغة النصوص والأحكام، كنت أتمنى أن نعفّ عنه وأن نتنزه عنه».

من الفقرتين السابقتين رأينا معالى المستشار البشرى يقطع بأن إعلان مرسى باطل من كل الوجوه، وما ترتب على باطل فهو باطل، ثم رأيناه يصف دستور عصابة حسن البنا بأنه ينطوى على تدليس فى مادتين من أهم مواده، ونحن الآن لسنا بحاجة إلى أن نذكّر معاليه بأن الذى يسرق النملة يسرق الجمل، وأن الذى يدلس تدليسا صريحا فى مادتين يدلس فى باقى المواد، فقط سننعش ذاكرة معاليه بما خطّه من نقد يهدم به مشروع عصابة حسن البنا لتنمية إقليم قناة السويس. نشر معاليه دراسة وافية حول هذا الموضوع «الشروق 10 مايو 2013» قال فيها: «إن المشروع هو إعلان استقلال لإقليم قناة السويس عن الدولة المصرية، وهو يحول الإقليم إلى ملكية خاصة لأعضاء الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس، كما أنه يمنح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة فى المنطقة بعيدا عن أية رقابة».

هذا كان كلام البشرى عن إعلان مرسى ودستوره ومشروع تنميته، فإذا ما خرجنا نبطل مرسى بإعلانه ودستوره ومشروع تنميته، لطم البشرى وجهه وشق جيبه حزنا على مرسى، ورفضا لثورتنا التى يصفها بالانقلاب!!

ألم أقل بداية إن موقفه غريب مريب عجيب؟ لا يستدعى مناقشة قدر ما يستوجب رأى الطب النفسى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 5 سبتمبر 2013
لينك المقال بموقع التحرير: