الخميس، 4 يناير 2024

شبهات حول الطوفان


 منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 والشبهات والأحلام تحيط بها معوقة مسيرها ومشوهة سيرتها

قالوا: إن الحقيقة هي أولى ضحايا المعارك.

المعركة التي تدور على حدودنا الشرقية بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، هي خير دليل على صدق تلك المقولة التاريخية.

سأحاول في سطوري القادمة وضع النقاط على الحروف "من وجهة نظري طبعًا"، ولعلها تكون محاولة موفقة، تنصر ما أراه حقًا وتهزم ما أعتقد أنه باطل.

منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، والشبهات والأحلام تحيط بها، معوقة مسيرها ومشوهة سيرتها.

سأتناول شبهتين فقط من شبهات كثيرة يروجها الذين في قلوبهم مرض.

الشبهة الأولى هي: أن فصائل المقاومة هي المسئولة عما تعرضت له غزة من دمار وخراب.

لمروجي تلك الشبهة نقول: إن المقاومة هي نتيجة الاحتلال، فلو لم يكن هناك احتلال ما كان للمقاومة من وجود، وقد عرف الشعب الفلسطيني المقاومة ودفع ثمنها منذ ما يقارب المئة عام، فليس صحيًا بحال من الأحوال أن المقاومة قد ولدت على يد حماس أو الجهاد أو فتح أو أيًا من فصائب المقاومة.

بنظرة عجلى لأحداث التاريخ المدونة والموثقة، سنجد في أنصح صفحات الجهاد الفلسطيني "ثورة البراق" التي اندلعت يوم الخامس عشر من أغسطس من العام 1929، وبلغت في الثالث والعشرين من أغسطس من العام ذاته.

أيامها لم تكن كل فصائل المقاومة التي نعرفها الآن قد ولدت بل لم يكن آباء قيادات الفصائل قد ولدوا، أيامها تسبب الاحتلال في ظهور المقاومة وفي اشتداد ساعدها.

كانت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني شأنها شأن العديد من الدول العربية، وكانت فلسطين بلدًا متنوعًا يضم الأغلبية المسلمة ومعها المسيحية وبعض الذين يقولون إنهم يهود، ولكن الاحتلال لم يحترم هذا التنوع فكشف عن هواه الصهيوني، فسمح للصهاينة بالظهور والاستعلاء عند المسجد الأقصى، حتى أنهم تظاهروا هاتفين" الحائط لنا" يقصدون حائط البراق الذي أطلقوا عليه حائط المبكي وقاموا بوضع مقاعد وأدوات تتعلق بطقوسهم قرب حائط البراق بمناسبة ما يسمونه "يوم الغفران".

تأكد الفلسطينيون من أنهم لو سكتوا على تلك الممارسات فسيضيع الأقصى ويقع فريسة سهلة بين أنياب الصهاينة فنظموا صفوفهم وانطلقوا يوم الجمعة السادس عشر من أغسطس للدفاع عن حائط البراق، ووقعت صدامات عنيفة بينهم وبين الصهاينة أسفرت عن مقتل 133 صهيونيًا وجرح 339 آخرين، في حين استشهد 116 فلسطينيا وجرح أكثر من مئتي فلسطيني.

كان قائد تلك الثورة هو الشيخ الأستاذ محمد أمين الحسيني المعروف بلقب الحاج أمين، وكان الشيخ أحمد أحد خريجي الأزهر الشريف، وقد حكم عليه الاحتلال عليه بالمؤبد، وحكم على آخرين من قيادات الثورة بالإعدام.

ومن أثمان تلك الثورة أن صهيونيًا قد اقتحم بيتًا فلسطينيًا تسكنه أسرة من سبعة أفراد فقام بذبحهم جميعًا!

فأين كانت فصائل المقاومة في ذاك الزمان؟

لم يكن لها وجود، بينما الاحتلال كان موجودًا ومسيطرًا ومهيمنًا، ولولا الاحتلال لما ولدت المقاومة.

الشبهة الثانية هي: أن خسائر طوفان الأقصى أكبر من مكاسبها.

من الذي سيحدد الخسائر والمكاسب؟ هل لقاعد أن يفتي لمجاهد؟

أهل كل بلد أدرى بشعابها، وقد أرتضى الفلسطينيون المقاومة سبيلًا لتحرير بلدهم، وهم يعلمون علم اليقين أن عدوهم باطش غاشم ديدنه إقامة حفلات الذبح، والإبادة الجماعية.

ثم نحن هنا في مصرنا العظيمة حاربنا ودفعنا ثمن الحرب من أجل تحرير سيناء التي تبلغ مساحتها قرابة الـ 60088 كيلومتر مربع، ولا تمثل سوى نسبة 6% من مساحة مصر الإجماليّة، ولم يقل أحدنا إن سيناء لا تستحق كل هذه التضحيات وأرواح زهرة شباب مصر وبطولات جيشها المرابط.

ثم خضنا صراعًا كاد يتحول لقتال من أجل استرداد طابا التي لا تمثل شيئًا من مساحة وطننا الكلية.

لا حرية بالمجان ولا حرية بدون ضحايا، هم أعزاء نعم ولكن الحرية أعز وتستحق.

# منشور بجريدة صوت الأمة الأحد 31/12/2023