الأربعاء، 30 أبريل 1997

حالة أحمد خميس




ذات ليلة ليلاء سألت أصدقائي هل الأستاذ أحمد خميس اعتزل التمثيل؟
وأبعد الله عنكم شر ما جرى لي.. فما كاد سؤالي يطرق أبواب أذانهم حتى ارتفعت حواجبهم ونطقت ألسنتهم بما لا يمكن نشره.. وبعد شد وجذب قالوا لي :
قل لنا أولاً من هو هذا الأستاذ أحمد خميس ؟

وكأن سهم الله نزل عليَّ وراحت صورة الأستاذ أحمد وهو يرتدي الملابس الكاملة ويؤدي دور الدكتور أو القاضي أو المحامي تجرى أمام عيني دون أن يستطيع لساني النطق باسم أي فيلم أو مسلسل أو حتى سهرة شارك فيها الأستاذ وعندما رأي الصديق عماد الدين حسين حرج موقفي أمام سيل سخرية "البحاروة" أكرم القصاص وعادل السنهوري وسعيد شعيب قال عماد: نعم الأستاذ أحمد كان بطل فيلم السراب ووقعت أنا في فخ عماد المحكم .
وقلت ألم أقل لكم أنه شارك في أهم أفلامنا.. فما كان من عماد إلا أن قال صحيح الأستاذ أحمد قام بدور "السراب" إلا أنه لعبه بشكل جيد.. وعادت نصال السخرية تذبحني مرة أخرى.

لأن أصدقاء السوء اكتشفوا أن خميس كان بطل فيلم "المرحوم والهانم" وقام فيه بدور المرحوم، كما أنه كان بطلاً لمسلسل "الوهم والعنكبوت" وقام فيه بدور الوهم وأشادوا جميعًا بدوره في الفيلم العالمي "صرخة الحرية" لأنه قام بدورى الحرية والصرخة معًا.
ومن هذه الليلة وأصدقاء السوء يطلقون عليَّ "رئيس رابطة أحمد خميس" وعندما أغضب منهم يخففون سخريتهم فيسمونني "ابن الجمعة" في إشارة فاجرة إلى الأستاذ "خميس".

وهكذا سادتي تحملت مر السخرية دفاعًا عن الأستاذ أحمد خميس حتي فوجئت به يتقدم باستقالته من عضوية مجلس إدارة اتحاد الكتاب تضامناً مع "خالد الذكر" الأستاذ – أيضًا – ثروت أباظة.
هل رأيتم سادتي آخر الدفاع عن الغز.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 30 أبريل 1997 

الأربعاء، 23 أبريل 1997

اكتشاف مثير يقدمه مسلسل حلم الجنوبى

في الصعيد يوجد صعايدة! 






التاريخ عند مدرس الابتدائي "نصر وهدان القط" ليس ملوكًا وعروشًا وجيوشًا وحروبًا، التاريخ عنده هو "شجرة عائلة" الدمع المنحدر من أول لحظة ثكل حتي آخر لحظة قهر.. هو سجل أشواق الناس إلى حياة عادلة نظيفة. 

هذا الفهم "الخصوصي" للتاريخ كان الفخ الذي قاد نصر إلى الهلاك. 

تبدأ أحداث مسلسل "حلم الجنوبي" بذهاب نصر إلى منزل الثري عمرن الجارحي طالبًا يد زينب ابنة شقيق عمران وجميلة جميلات قريته الصعيدية. 

عمران الجارحي بائع تاريخ محترف يبيع كل شيء وأى شيء يسمى مومياء رمسيس "جتة" ويسمي العلم "حتة قماش" ويسمى البرديات "شوية ورق". 

يوافق عمران علي الخطوبة مشترطًا استغلال إجادة نصر للغة الفراعنة وقيامه بشرح أهمية بردية قديمة نهبها العم من إحدى مقابر الفراعنة ويريد بيبعها لأحد الخواجات. 

فور إطلاع نصر علي البردية يدرك مدى أهميتها لأنها كانت تحتوى على تحديد دقيق لمكان مقبرة الإسكندر الأكبر وعلى ذلك يرفض نصر إعادة البردية إلي عمران رغم علمه أن البردية فى كفة وزواجه من حبيبته زينب في الكفة الأخرى. يلجأ عمران إلى ضاحي النمر زميل نصر في المدرسة والقادم توًا من دول النفط مكدسًا بالجهل والفلوس. 

يذهب ضاحي إلى سدنة التخلف تجار الدين ويقنعهم بأن نصر وثني يعيد تماثيل الفراعنة فينطلقون إلى بيت نصر ويحرقوا كل ما فيه وطبعًا تأكل النار البردية. 

يطلب نصر نصيحة المستشار أنور أبيه الروحي فيشير عليه المستشار بالسفر إلى الإسكندرية لكي يحصل على ترخيص من الآثار لينقب عن مقبرة الإسكندر. 

فى الإسكندرية يلتقي نصر بالدكتور لاشين وابنته رقية اللذين يشاركانه فهمه الخصوصي للتاريخ ويحاولون معًا الحصول على ترخيص الحفر للكشف عن هذا الكنز العلمي. 

الآن نصر مطارد من كل الجهات، فهناك عمران الجارحي الذي يريد استرداد البردية ولا يصدق أنها حرقت، هناك ضاحي النمر الذي يريد القضاء على نصر ليفوز بزينب وأموال عمها، وهناك الخواجات الذين يريدون العثور على نصر والبردية بأي ثمن لأنهم يؤمنون بأن اكتشاف مقبرة الإسكندر الأكبر بأيد مصرية أمر سيقود إ‍لى اختلال أعمدة استراتيجية كونية لأن هذا الكشف إن تم سيؤدي إلى ارتفاع روح المصريين المعنوية ،وهذا يخل بموازين القوى فى المنطقة إضافة إلى المجد الأدبي الذي سيحصده المصريون وارتفاع أعداد السائحين وتأثير كل ذلك على حركة سوق المال العالمي، ومن خلف عصابة الخواجات هناك عصابة المخدرات التي فزعت عندما علمت أن أعمال الحفر ستبدأ من فيلا اتخذوها مخزنًا لمخدراتهم، إضافة إلى كل هذه الجبهات هناك جبهة تاجر التاريخ أستاذ الجامعة الأستاذ محسن الذي يريد اقتسام مجد الاكتشاف مع نصر. 

لم يعد أحد يساند نصر غير الدكتور لاشين وابنته رقية ومحمود عضو مجلس الشعب الذي يحبها ونوسة عنبر صاحبة أحد الملاهي التي تريد لنفسها دورًا نظيفًا بعد أن تعبت من وساخات ليل المخمورين. 

ينجح أعداء نصر في تصفية حلفائه بادئين بنوسة عنبر التي كانت تجهز لتمويل مشروع الحفر كما ينجحون عبر موظفي المحليات في القضاء على محاولات نصر الحصول على ترخيص الآثار. 

هذا تلخيص موجز لأهم أحداث مسلسل حلم الجنوبى الذي برع في رسم ملامح الحياة الصعيدية فلعلها المرة الأولى التي أشاهد فيها أهلي الصعايدة كما أعرفهم لا كما يتخيلهم خواجات ماسبيرو فليس هناك أخطاء في اللهجة ولا في الملابس ولا في الديكور ولا حتى في أصناف الطعام، لقد اكتشف التليفزيون في هذا المسلسل أن الصعيد يسكنه صعايدة كما سلكت أحداث المسلسل طرقًا شديدة الوعورة ويكفي الحوار الذي أداره المؤلف محمد صفاء عامر ببراعة على لسان الخواجات الذين لا يريدون مجرد ارتفاع روح المصريين المعنوية. 

لقد قفز المؤلف محمد صفاء عامر قفزة هائلة في فضاء الإبداع الجميل وتخلص من كل شوائب دراما التليفزيون المعتادة، أما المخرج جمال عبدالحميد فلم يتراجع عن أدائه الذي أمتعنا به في رائعته أرابيسك، أما طاقم التمثيل فالعمدة صلاح السعدني هو العمدة، رجل تتشرب روحه معالم الشخصية التي يؤديها فلا تستطيع التفريق بينهما وهناك الغول حسن حسني والجميل عبدالله فرغلي والرائعة معالي زايد ومعهم أبو بكر عزت وسيمون وعلاء مرسي وباقي أبطال المسلسل الذي أعاد اكتشاف عالم الصعيد المتشابك. 

شكرًا للتليفزيون الذي يعيد عرض المسلسل كاملاً بعد إذاعته للمرة الأولى ممزقًا بإعلانات قناة النيل التي يسمونها دولية!! 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 23 أبريل 1997


الأربعاء، 2 أبريل 1997

جائزة قيمة لمن يتعرف عليه:المؤبد الأبدي.. قاعد على قلوبنا لطالون!


 

هو "فائض عن الحاجة" طولاً وعرضًا ، كرشًا ولغدًا ، جهلاً واستبدادًا.

تراه فتهابه عيناك حتى يتكلم .

فإن تكلم أخذت تعض على شفتك السفلى لكن لا تقطع سيوف الضحك حنجرتك.. وذلك لأن "المؤبد الأبدي" لا يتكلم بفمه مثل كافة خلق الله وإنما يتكلم بجميع جسده.. فتخرج منه الكلمات بطيئة، مكتومة، مندغمة كأنها "دحرجة" برميل زفت على تراب شارع ريفي.

و"المؤبد الأبدي" عندما يحادثك ترى يده تمرح على بطنه مزهوة بعظمة البطن وما احتواه من مرق ودسم وثريد ، وترى علامات الرضا وقد علت وجه ( المؤبد الأبدي) فمن غيره يملك جسدًا سمنته مهلبية القصور، وربربته قطيفة كراسي المناصب، وأترفته جنة البطالة؟

لقد اعترف ( المؤبد الأبدي) في سيرته الذاتية التي نشرها في أكبر وأعرق صحفنا بأنه تمتع برشف عسل البطالة ربع قرن من الزمان!

ويومها جن جنون مفكرنا الوطني الدكتور جلال أمين وكتب متسائلاً عن ماهية الرجل الذي يختار وبمحض إرادته البطالة عملاً دائمًا له لمدة ربع قرن بالتمام والكمال.

وموقف ( المؤبد الأبدي) من العمل والنشاط يفسر عضه بالأظافر والأسنان والأنياب على أى منصب يجثم على أنفاس كرسيه.. فالرجل لا يتمسك بمناصبه العديدة والخطيرة حبًا في السلطة.. إنه يتمسك بالمناصب عقابًا لمن حرموه لذة "لعق" عسل البطالة.

وبعد طرده من "جنات البطالة" هبط إلى الأرض وظل يفكر ويفكر ويفكر في نوعية العمل الذي يبدأ به حياته الجديدة.. وامتحاناً من الله سبحانه وتعالى لقدرة عباده المخلصين على الصبر وتحمل الأذى صرف أنظار ( المؤبد الأبدي ) عن مهن كثيرة كانت لائقة به تماماً كان "يسرح" بعربة خضار وينادي "الجرجير الأخضر يا كلاب".

ويسر له سبحانه وتعالي لحكمة يعلمها سبل تعاطى الكتابة الأدبية. ومن يومها و"المؤبد الأبدي" يدلق أطنانًا من الحبر علي الصفحات ليخرج علينا في النهاية بروايات تحدثنا عن "عتريس" الذي ترك الفلاحة وذهب إ‍لى البندر فوقع في غواية نساء البندر الفاتنات حتى أصابته أمراض البلهارسيا والمصران الأعور والكحة والبرى برى والحصبة وشلل الأطفال فعاد إلى قريته محطمًا لكي ينال الجزاء العادل!! ولأن من سار على الدرب وصل ولأن طول العمر يبلغ المنى فقد وقع ( المؤبد الأبدي ) على مخرج كان أيامها شابًا وأعطاه إحدى قصصه ليخرجها للسينما وعن هذه الواقعة يحدثنا أديبنا سليمان فياض في كتابه "المثقفون وجوه من الذاكرة" فيقول ذهب المخرج بسيناريو قصة "المؤبد الأبدي" إلى شاعر غنائي صعيدي ليكتب له أغاني الفيلم فاشترط الشاعر الصعيدي علي المخرج أن يسمح له بكتابة السيناريو والحوار من جديد وفق رؤيته هو واستجاب المخرج.. وتم الانتهاء من تصوير الفيلم.. وفي ليلة العرض الخاص جلس "المؤبد الأبدي" بجوار الشاعر وراح يلكزه في جنبه قائلاً له: "أنت ناوي توديني في داهية إيه الرؤية "الحمراء" المشبوهة دي.. أنا قلت حاجة من دا.. أنا مليش دعوة.. يا رب الرقابة ترفض الفيلم.

وكانت أبواب السماء مفتوحة ورفضت الرقابة عرض الفيلم عرضًا جماهيريًا.. وتعالت احتجاجات المخرج والمنتج ضد قرار الرقابة أما ( المؤبد الأبدي) فقال "بركة يا جامع" لأن ضمن بذلك "عنب الشام وبلح اليمن" فهو من ناحية سيستطيع التبجح في قادم الأيام بأنه عارض "حكم العسكر" ومن ناحية أخري فإن عدم عرض الفيلم لن يغضب عليه "العسكر".. ووصل الأمر إلي تدخل عبدالناصر شخصيًا وأمر بعرض الفيلم.. وفاز ( الموبد الأبدي) بكل العنب وكل البلح ومن يومها وهو لا يكف عن التنافخ والتبجح بأنه عارض بل وناضل ضد حكم العسكر.. ويشهد الله والمخرج والشاعر الصعيدي والمنتج ونقاد ذلك الزمان أنه برىء من المعارضة براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

وإن كان هناك ما يحير في شخصية ( المؤبد الأبدي) فسيكون بغضه لنا نحن "أولاد البلد" طبعًا هناك كثيرون غيره يكرهوننا ولكنه يتفرد في كرهنا "باستراتيجية" لا يتنازل عن أي خطوة منها.. إنه يكرهنا هذا الكره الذي يعني أن المحبة لم تخلق أبداً.. وموقفه من شاعرنا الوطني الراحل أمل دنقل هو خير دليل على "منهجه" في بغضنا. فعندما تكاثرت وحوش السرطان على جسد شاعرنا توجه محبوه إلى ( المؤبد الأبدي) راجينه المساهمة في تكاليف علاج أمل من مال المؤسسة التي يرأسها خاصة وأمل عضو بارز من أعضائها فماذا كان رد ( المؤبد الأبدي) قال: "علي المذكور أن يتقدم بالتماس لكي نساهم بصرف مائة جنيه مصرى فقط لا غير في تكاليف علاجه" هل هناك بغضًا وعدوانية أكثر من ذلك؟

سيدي القارئ ها هو "المؤبد الأبدي" يرشح نفسه للمرة المليون ( رئيسا لاتحاد كتاب مصر ) وسواء نجح أم لا فسيبقى يكرهنا وسنحافظ على إقامتنا في خانة أعدائه.ً

سيدي القارئ ليس خوفًا من طغيانه وبكائه لم نذكر اسمه ولكن إشفاقًا عليك خاصة ونحن في "أيام مفترجة" يجب ألا يذكر فيها إلأ كل جميل ومع ذلك نعدك بجائزة قيمة إن بعثت لنا باسمه مع ثقتنا أنك لن تفعل فما الجائزة إلا مجموعة من رواياته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 2 أبريل 1997