الأربعاء، 25 يونيو 1997

ديوان حلمي سالم "سراب التريكو" سراب فعلاً





في صيف بخيل وحارق مثل صيفنا هذا كنت وصديقي أكرم القصاص نسكن شقة لا يدخلها شيء من هواء الله ولا نوره، كنا نعيش أيامًا ملغزة استعنت عليها بقراءة كتاب – يسمونه ديوان "البائية والحائي" لحلمي سالم وهذا من باب "وداوني بالتي كانت هي الداء" كنت صباح كل يوم أقرأ بصوت جهوري قطعة بعينها من الكتاب عنوانها "الملموس بسيدة" يقول فيها حلمي سالم: "الرجل الفرحان يحب السيدة الموهومة وطفقت ألوك الإعراب التفصيلي، الرجل: مبتدأ مرفوع بالضمة، والضمة ظاهرة فنقول الرجلُ، الفرحانُ: صفة للمبتدأ، وتتبع وضع الموصوف فترفع بالضمة، والضمة ظاهرة فنقول الفرحانُ" وقبل أن أكمل إنشاد هذا الشعر الذي يستطيع أي تلميذ متهم بالحصول على الابتدائية الإتيان بأحسن منه، يصحو صديقي من نومه ويقسم بالله العظيم أنه سيقتلني بسكين المطبخ الصدئة إن عدت لإنشاد مثل هذا الكلام.. استمر الوضع هكذا عشرة أيام كاملة ولما جاء صباح اليوم الحادي عشر قال لي أكرم : "لقد توصلت إلي حل عظيم ينهي ما بيننا من مشاكل.. اسمع يا صديقي إن القتل فعل كلاسيكي ولذا لن أقتلك وسأقوم بشنق الديوان ". 

وفعلاً أحضر حبلاً ولفه جيداً حول أعناق القصائد وظل يضغط بيديه على الديوان في غل وحقد حتي أخرج الديوان لسانه المبلل برغاوي الشعر، ومن يومها انقطعت كل صلة لي بأشعار حلمي سالم ورجعت سالمًا إلي الشعراء الجاهلين أمثال المتنبي ومحمود درويش وفؤاد حداد وأمل دنقل وصلاح جاهين وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي ومريد البرغوثي وغيرهم من الشعراء الغابرين، وظلت القطيعة قائمة حتى جاء يوم الخميس "الأسود" الموافق غرة صفر 1418هـ 6 يونيو 1997م وفيه اشتريت مجلة "المصور" لأجد في وجهي تماماً مقالاً كبيراً – سأعود إليه فيما بعد – للدكتور صلاح فضل عن ديوان شعري لحلمي سالم اسمه "سراب التريكو" أشعل مقال الدكتور فضل نيران جنوني فاشتريت الكتاب وأخذت أقرأه بعناية وتركيز ومحبة أسبوعًا بأكمله فماذا وجدت؟ 

شهد الله لم أجد إلا "سرابًا" يحتوي الكتاب – يسمونه ديوان – على أحد عشر لغزًا – يسمونها قصائد وتأمل معي عناوين بعض هذه الألغاز.. هناك لغز عنوانه "ليلة يضربون السقف من مسرة" ولغز ثان عنوانه "ليلة ينبغي أن ننسي كبار الحوادث" وثالث عنوانه "ليلة ليس كلبًا واحدًا" ولقد تألمت جداً لأن الأستاذ حلمي لم يكتب ليلة رابعة يكون عنوانها "ليلة أن كانت سوداء مثل ميدان الماظة الأصفر". هذا عن العناوين فماذا عن مضمونها؟ أول لغز بالكتاب يحمل عنوان "الشقيقة التي أراها" وهذا اللغز مقسم إلى أربع وعشرين "فزورة" – يسمونها مقاطع – يقول الأستاذ حلمي في فزورته الأولى من لغزه الأول: "حزن خفيف علي قصة الشعر وحنين إلى أن يراني من لم يكن يراني وأنا على باب "المواساة"، والشهادة لله الفزورة حلها سهل فالشاعر كان في مستشفي المواساة يعالج من صدمة حداثة – حمدًا لله على سلامته – أما الفزورة الثانية فتقول: "هو ضابط ولكنه يشبه المرسلين، بينما تشبهين غادة التي أنجبت منذ شهرين". 

ولقد فرحت جداً أن السيدة غادة ولدت وغالبًا أنجبت ولدًا سيموت يومًا مسمومًا بأشعار الأستاذ حلمي سالم أما الفزورة السابعة عشرة من اللغز الأول نفسه فتقول: 

"أن تلتقط المعني الذي يحتويه كي امرأة ملابسها التي لم تكوها بنفسها منذ عام ونصف، أن ترى فيّ الذي فيّ، ألم تقل للمريدين في الحضرة اكسروا النموذج؟ يا شقيقتي أمامنا عمل كثير، وعقد لابد من فكها بشويش" لا أباك الله يا أستاذ حلمي لقد ذكرتني كلمة "شويش" بالنكتة التي تقول إن رجلاً ضم زوجته إلى صدره بقوة فتدللت عليه زوجته قائلة: "والنبي بشويش" وفي الصباح كان ابنهما يسأل مدرسته "هو يا أبله فيه نبي اسمه بشويش". 

وأرجوك لا تظن سيدي القارئ إنني أهزل فى مقام الجد فلعلك ترى معي أن ما يكتبه حلمي سالم هو الهزل بعينه وإذا تناولنا لغزًا آخر عنوانه – وأرجوك ألا تضحك – "الكوع ونصف الفم" نجده مكونًا من خمس عشرة فزورة تقول الفزورة الأولى "على العكس سنذهب إلي قاعة العزف، وسنرقب المغنى الذي تجاوز السبعين، يدبك ويوزع الأعمار عليّ وعليك وعلى أبي وإذا فرت دموعنا وهو يقول دار يا دار يا دار، لن يكون ذلك لأننا محزونون بل لأننا لن ندرك مبكرًا أن مرضى القلب لا يستحقون منا إنهاك الصمامات" ويشهد الله أن هذه الفزورة ذات فائدة خاصة فهي تتكلم عن مرضى القلب وكأن كاتبها هو الدكتور حمدي السيد بنفسه ومن ناحية أخرى ترشدنا إلى مزاج حلمي سالم الموسيقي بدلالة الاستماع إلي وديع الصافي صاحب أغنية دار يا دار، بالله عليكم هل من يقول : "صحيح أن القبقاب كان هنا منذ دقائق، مركونًا على ملتقتي الأرض بالجدار، يعلق سكونه علي هواء شرق القاهرة سؤالاً ضعيفًا" هل من يقول هذا الكلام يستحق أن يطلق عليه لقب شاعر؟ 

هذا عن حلمى سالم وألغازه فماذا عن الدكتور صلاح فضل؟ 

كتب الدكتور مقاله بعد عامين كاملين من صدور الألغاز ولا أدري كيف سمح له ضميره النقدي بتجاهل كتاب مهم – كما سيزعم في مقاله – لمدة عامين كاملين؟! أم أن الدكتور يكتب مصادفة عما يقع تحت يديه مصادفة أيضاً؟! عمومًا مقال الدكتور صلاح عنوانه "الغزل الشعري الرفيع.. في سراب التريكو" وينقسم المقال العجيب إلي قسمين متنافرين تماماً، القسم الأول يرصد فيه الدكتور عيوب الشاعر فيقول بالنص "هناك عدة إشارات متجذرة في أسطورة النص تستعصي على الإفضاء بمكنونها دون معرفة بعالم الشاعر الشخصي فهي من بقايا المعني الذي مازال في بطن الشاعر لا يقبل الانتقال إلى بطن القارئ أو يصبح مصدرًا لعسر الهضم عنده" . هذا الكلام جميل ولكن لنا عليه ملاحظات فما الذي يجبرنا على قراءة شاعر معانيه متمسكة بأمعائه ولا تريد مغادرة بطنه؟؟ وإذا كان لابد من معرفة حياة الشاعر الشخصية حتي نفهم أشعاره فهل يقترح علينا الدكتور أن نتزوج حلمي سالم أو يتزوجنا حلمي سالم؟؟ 

وإذا كان انتقال المعنى من بطن الشاعر إلى بطن القارئ سيصيب القارئ بعسر الهضم فهل يقترح 

علينا الدكتور صلاح أن نتعاطى أشعار حلمي أمام الصيدليات لكي تأخذ بعدها "الفوار". 

وفي نقده لإحدي القصائد "الألغاز" يقول: 

" هناك إضمار و إطمار وتعمية للمدلول تستعصي علي الفهم" 

العجيب بل والمريب أن الدكتور صلاح سرعان ما يستغفر عن كل مأخذه ويعلن "بالفم المليان" :" إما أن نرتقي إلي مستواه – مستوى حلمي سالم – مخلفين وراءنا ركام العادات التعبيرية والصيغ الجاهزة وأوضاع اللغة المتخثرة ببلاغتها القديمة ونعتزم اعتباره شعرًا من نوع مخالف لما درجنا عليه ونصبح بحكم هذه النية في موقف يسمح لنا باستجلاء خوافيه وذبذباته المرتعشة، وإما ننصرف عنه لنلهو بما تعودنا أن نستلذه من أناشيد عذبة مكرورة، مضيعين علي أنفسنا فرصة حقيقية لتنويع أنغامنا وأوضاعنا.هذا التحدي – تحدي حلمي سالم – للذائعة التقليدية خليق بأن يدخل في أنسجة وخلايا الفن المعاصر برهافته وحدته وانكساراته وقدرته على توظيف مبتكرات الإنسان التصويرية وإنجازاته المعرفية " . 

انتهى كلام الدكتور صلاح فضل وله أقول "حيلك علينا والنبي يا دكتور" أو حنانيك يا سيدي هل من أجل حلمي سالم الذي قلت أنت عنه في الجزء الأول من مقالك العجيب أن معانيه مبهمة وتستعصى علي الفهم تدعونا لركل البلاغة القديمة؟ ثم ما هي البلاغة القديمة التي سنركلها، أغلب الظن أنك تدعونا لركل بلاغة المتنبي وبشار ومحمود درويش وأمل دنقل، وهل شعر حلمي سالم هو الذي سيدخلنا في خلايا الفن المعاصر؟ 

أي جزء من مقالك نصدق سيدي الدكتور؟ هل نصدق الجزء الأول الممتلئ بعيوب الشاعر أم نصدق الجزء الثاني الذي تبشرنا فيه بدخولنا خلايا الفن المعاصر على يد "طلاسم حلمي سالم". 

سيدي القارئ هل من حقي الآن أن أتهم حلمي سالم بالتخريب وأتهم صلاح فضل بالتنظير لهذا التخريب والتبشير به؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
نشرت بجريدة الدستور ــ 25 يونيو 1997 

الخميس، 19 يونيو 1997

بحر القطار والعنكبوت والسلاطة




كل الذين أقابلهم من الكتاب يوجهون لى سؤالاً واحداً لا يتغير وهو "لماذا لا تخصص مساحة لنشر القصائد والقصص"؟
ولكل أساتذتي أقول:لقد وصلتني بالفعل مئات القصائد ولم أنشرها ولن أنشرها إذ إن نشر قصيدة واحدة منها يكفي لكي يدخلني الله نار جهنم للأبد.
لماذا؟
القصائد التي وصلتني يا سادة مكتوبة من ثلاثة أبحر لم يسمع بها الأوائل أو الأواخر وهذه البحور هي أولاً بحر القطار وهو أكثر البحور انتشارًا ومثاله قول القائل: "قد أقبل القطار تلوح منه النار، يركبه الشطار، ليقابلوا الوزير، على باب الغفير" إلى آخر هذا الكلام البارد الركيك الذي يسير ذليلاً بجوار "حائط الفن"الملتهب بالمغامرة والاكتشاف والمفارقة والمغايرة المجنونة ويأتي بحر"العنكبوت" في المرتبة الثانية وهو البحر الذي منه "دم الوردة ينشق عن حصانين، ويقتلنى الخريف، عنكبوت البنفسج طالع من أخضر برتقالي حزين هو الآن يركض نحو صفاء متخثر مثل مترو الأنفاق".

هل أنشر مثل هذا الكلام وأدخل النار أم أحاول القبض على قائله وأقوده إلى "السرايا الصفرا"؟

أما البحر الثالث فقد بحثت كثيرًا عن اسم له حتي دلني أحد الأصدقاء على اسمه وهو "بحر السلاطة" حيث كل شيء في كل شىء في أي شىء وحيث يكون الشاعر في المنطقة الفاصلة بين "هنا وهناك وهذا وهذه وأنا وهو".
وما قلته عن القصائد هو ذاته ما يجب أن أقوله عن القصص، ولذا أوجه دعوة حارة لكل كتاب مصر الجادين "الحقوني بشعر وقصة بعيداً عن بحر القطار والعنكبوت والسلاطة.

__________________________
نشرت بجريدة الدستور ــ 18 يونيه 1997

الأربعاء، 11 يونيو 1997

د. يحيي الرخاوي والكابتن نادر السيد يحرران القدس




تواضعًا يسمي الدكتور يحيي الرخاوي.. فصاحته "تعتعة"، وفي تعتعته الفصيحة التي نشرها الأسبوع قبل الماضي طرح حلين – لا ثالث لهما – للقضية الفلسطينية، الحل الأول هو "الحل المانديلي" نسبة إلى نيلسون مانديلا ويعتمد علي "تجنيس" الفلسطينيين بالجنسية الإسرائيلية ويصبح اسم البلاد "الدولة الديمقراطية الشرق أوسطية" مثلاً ونجد على رأسها عرفات مانديلا. أما الحل الثاني وهو "الحل الشيشاني" فهو حل الحرب بلا هوادة وحلول الدكتور عظيمة جدًا وعيبها الوحيد هو أن تنفيذها يحتاج إلي أراض شاسعة مزروعة بنبات لا ينبت في أرض العرب اسمه "الرجال"، ومثلما كان الرخاوي جادًا في حلوله كان صديقي "عادل موسى" جادًا في عرض الحل الذي قدمه ويتلخص في قيام مصر بتوجيه دعوة لإقامة مباراة كرة قدم بينها وبين إسرائيل..

ولو فزنا نعطي الأرض لأهلها ولو فازوا فحلال عليهم فلسطين، ويؤكد عادل أن المباراة ستنتهي بالتعادل السلبي "بحكم أن الجوهري لا يعرف سواه" وطبعاً سيلجأ الفريقان المصري والإسرائيلي إلى ضربات الجزاء الترجيحية وساعتها سيبرز معدن المصري الأصيل ويتمكن حارس مرمانا نادر السيد من صد ضربتي جزاء علي الأقل وتفوز مصر وتغور إسرائيل ونغني جميعًا "المصريين أهمه حيوية وعزم وهمة".

 والحقيقة حل "عادل" أحسن وأسهل من حلول الدكتور الرخاوي ولكن به أيضًا عيب خطير لأن عادل لم يفكر فيما لو قدم الصهاينة رشوة لنادر السيد "عقد احتراف في الأهلي مثلاً"!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 11 يونيه 1997