الثلاثاء، 12 ديسمبر 1995

أوصيكي لما أموت تسيبي دبلتك في صباعي





عندما يكون أول خبر تسمعه على "ريق النوم" أن التي منحتها دمك وأناشيدك قد هجرتك, فأنت أمام خيارين, إما أن "تجننك.. لماذا " أو تبدع.. وقد اختار الشاعر طارق هاشم الإبداع يبدأ ديوانه "احتمالات غموض الورد " بصلاة في محراب من ذهبت : " أوصيكي لما أموت تسيبي دبلتك في صباعي / لجلن تعديني من الحراس وأقدر أخش الجنة / لجلن تحولني لملاك وأشوف برغم الهلاك / لون الغيوم حنة / يا اللي أنتي عشقك فرض على قلبي مش سنة / قطعوا عليه الحلم.. ما لحقتش أتمنى " بهذه الصلاة فتح الشاعر على نفسه بوابات جحيم الذاكرة التي تحتفي بل وتحنط تفاصيل المحبوبة "أنا واد بهلوان طيب.. قالتلي إمبارح بس إنها بتحبني بجنون.. قلتلها إمبارح بس ".

وبعد نشوة المكاشفة يأتي زمان الخوف من "الفراق" وكأن "البعاد" جنين يتخلق داخل رحم كل لقاء حب, وشاعرنا يرصد طائرات تريد قصف قلبه المضيء توا بلذة "أحبك".. "الطيارات عينها عليكي ابعدي.. الطيارات قاصداك يا عشقي.. الطيارات بتخشنا من غير بيبان.. في الجلد.. في عروق اللغة.. في الحلم " . ولأنه زمان الخوف فقد كثرت المطاردات وبعد القصف الجوي تقدمت أرتال من الدبابات لتضع كلمة الختام لقصة لم تبدأ بعد "وكأني طير أتقطف من بين ضفايرها.. واقف بيرسم شعرها على حد سيفه.. جريت عليه الدبابات.. فجأة صوت الطيارات بيخش القمصان.. وخوف بيعرق الحواديت".

إنه حب "كوني" القضاء عليه يستلزم استخدام الطائرات والدبابات إضافة إلى حس مبكر أن أحد الحبيبين فجأة سيخون "..قلتلها الشوق مقدور.. والعشق كمان مقدور.. إنها لازم هتخون هتخون" وهذا الحكم النهائي بأنها ستخون يقودنا إلى لحظة النهاية

" قالت معادنا 12/5/1993.. من يومها وشريط أم كلثوم أغداً ألقاك في الكاسيت.. يأتي غداً.. ووراه بيجي غداً.. وأنا قاعد أرسم وشها وأضحك.. وأحضن وشها في الرسمة وأضحك.. لكن ع الورق " .

إنها لحظة النهاية وبدلاً من "أغداً ألقاك" تأتي رعشة الموت "حسيت برعشة جريت.. كان ياسر هاشم بيسمع غنواية فات الميعاد.. وصورة جمال عبدالناصر بتبكي فوق الحيطان فبكيت".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة الأحرار - 12 ديسمبر 1995