الاثنين، 27 فبراير 2017

أرض المعرض.. نعم للاستثمار.. لا للسمسرة



 
عندما فكر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى إنشاء استاد القاهرة الدولى، قامت الدنيا ولم تقعد، لأن مخطط الرئيس كان يهدف إلى إنشاء مجمع رياضى لا مجرد ملعب كرة قدم، على أن يكون المجمع مطبقًا للمواصفات العالمية.

كانت حجة المعارضين للتصور الرئاسى تستند إلى أن ضاحية "مدينة نصر" وهى المكان الذى جرى تخصيصه لإقامة المشروع لم يكن أحد يسمع بها، فلم تكن فى ذلك الزمان سوى بقعة صحراوية قاحلة، ثم أن الرئيس طلب أن يكون ملعب الكرة مجهزًا لاستضافة مائة وعشرين ألف متفرج، يومها قالوا: إن الرقم ضخم جدا ولن نجده فى أى مباراة أيا كانت أهميتها.

أصر «ناصر» على المضى قدما فى المشروع، والذى بعد افتتاحه بأيام استضاف مباراة جمعت بين ريال مدريد ومنتخب من الأهلى والزمالك، ويومها ضاق الاستاد بأكثر من مائة وعشرين ألف متفرج.

إذن لكل جديد معارض، ومعارضته لا تستوجب تخوينه ولا تجاهلا لرأيه، وإنما تحتم مناقشته والاستماع لحججه وتفنيدها إن كانت ضعيفة متهافتة أو الأخذ بها إن كانت منطقية ومتماسكة، وتهدف الصالح العام للوطن.

أكتب هذه السطور بعد أن طفحت على السطح مشكلة أرض المعارض، وبعضنا يقصر أمرها على كونها معرضا للكتاب وهذا غير صحيح، لأن الأرض تحتضن نشاطات شتى، المشكلة فجّرها تصريح من السيد وزير الثقافة حلمى النمنم قال فيه: إن أرض المعارض ستنتقل إلى التجمع الخامس.

التصريح كان طائرا ومتعجلا شأن معظم التصريحات الحكومية، مما فتح الباب على مصراعيه لكل كلام جاد أو هازل، حتى أن كثيرين شنوا حملة مضحكة ضد نقل المعارض من مدينة نصر لأى مكان آخر، بزعم أن الحكومة ستبيع الأرض للمستثمرين، من باب السمسرة وليس من باب الاستثمار.

الحملة تعاملت بخفة مع أمر خطير، وللأسف فإن التصريح الطائر الذى لم يقدم التفسير والتبرير للنقل كان سببا مباشرة فى الهجوم على مشروع ما زال مجرد فكرة.

فإذا كنا نبحث عن كلمة عادلة ومنصفة فتعالوا نقرر إن المعرض بصفته الحالية وبهيئته التى هو عليها لم يعد يجذب سوى المزيد من اللعنات، حتى أصبحت تسميته الشعبية هى "معرض القاهرة للعذاب أو التراب أو الهباب".

المعرض المقام فى مكان استراتيجى وتخدمه محطة مترو غاية فى الحداثة، وتصله كافة الخدمات، يراكم كل عام فشلا بعد فشل، فلا هو ناجح فى الحصول على رضا زواره ولا هو ناجح فى الحصول على تأييد ناشريه المحليين أو الدوليين، الكل يشكو من المعرض الذى لم يحدث نفسه بل ترك أمره كله للفوضى والدمامة، وأصبح الوصول إليه عملا من أعمال تعذيب الذات وجلد الظهر، وتجاهل القائمون عليه أهميته الكبرى لكل قطاعات واسعة من الشعب سواء فى مصر أو فى الأقطار الشقيقة، وتناسوا أن المعرض هو أداة من أدوات القوة الناعمة التى يجب ألا نفرط فيها.

فإذا كان تطوير المعرض وتحديثه والنهوض به فى مكانه الحالى مستحيلا لأسباب فنية أو اقتصادية فإن نقله لمكان آخر أصبح أمرا مُلحا لا يمكن تأجيله، مع ضمان أن تقدم الدولة دراسة أو حتى بيانا وافيا يشرح الوضع ويفسره، ولكن تجاهل المعارضين وعدم دعم المؤيدين بالمعلومات الموثقة لن يقودونا إلا لمزيد من التخبط نحن فى غنى عنه.

فى هذا السياق أثمّن رحلة قام بها الزميل الصحفى "سامح فايز"، والتى انطلق فيها من مسكنه فى نهايات شاعر فيصل إلى المكان الذى قيل إن الحكومة ستنقل إليه المعرض، وهو خلف مسجد المشير بالتجمع، قال "فايز" فى مقال نشره على صفحته بالفيس بوك: إن الرحلة قد استغرقت ساعتين ونصف الساعة، وقد دفع أربعة عشر جنيها للميكروباصات التى استقلها لكى تحمله إلى المكان الجديد، وعندما وصل إلى نقطة من الطريق الدائرى، سار على قدميه قرابة الألفى متر، وذلك لعدم وصول السيارات إلى تلك البقعة الصحراوية التى لا توجد بها خدمات من أى نوع، حتى أن الذين تصادف وجودهم فى المكان أو على مقربة منه نفوا أن يكونوا قد سمعوا بأمر المعرض أساسا!

ما قاله "فايز" يلزم الحكومة بأن تسارع بوضع النقاط على الحروف وأن تجيب عن أسئلة مهمة، أبسطها وأولها: هل هناك استحالة فى تطوير الأرض الحالية؟
فلو كانت الإجابة بنعم، فهل هناك ميزانية لإنشاء معرض جديد يكون لائقا بمصر ومكانتها؟

ثم ما هو مصير الأرض التى عليها المعرض الآن، هل ستخصص لكى تكون حديقة دولية كما يروج البعض، أم ستجرى إقامة فنادق عالمية عليها، أم ستكون نهبا للسماسرة من كل لون وفئة؟
ننتظر إجابة تقطع قول كل خطيب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر بجريدة صوت الأمة
السبت 18 فبراير 2017

الخميس، 23 فبراير 2017

نخشى على " جماعة " الأزهر من مصير جماعة الإخوان




* ازدواجية المسار بين السياسة والدعوة تجعل المؤسسة لا تنهض بأعباء هذه ولا تلك
* إنكار ممارسة المشايخ للسياسة يجعل من أي نقاش محض هراء
* متى يتكرم أصحاب الفضيلة ويضعون الأبعاد الاجتماعية في حساباتهم
* ليس صحيحًا أن هناك مذهبًا واحدًا وقولًا فصلًا في القضايا الفقهية
* من تنصيب المراهق فاروق بن فؤاد على عرش مصر إلى العلاقة بين المالك والمستأجر .. ابحث عن دور الأزهر

 
مذ كان الأزهر ، الجامع والجامعة ، وهو لاعب رئيسي على الساحة لا نقول المصرية ولا العربية بل الإسلامية على اتساعها، إنكار حقيقة كتلك سيجعل أي نقاش مع الأزهر وحوله محض هراء.
الدور الذي يلعبه الأزهر يتجاوز واجباته بوصفه مؤسسة دينية، الأزهر موجود وفاعل على كافة الأصعدة، السياسية والثقافية والتعليمة والدينية والاجتماعية، ونظرًا لتشعب المهام وخطورتها، يصبح النقاش مع الأزهر الآن وفي ظروفنا الحالية فرض عين على كل مهتم بالشأن العام.
فهل الأزهر المؤسسة وأصحاب الفضيلة قادتهم لديهم وقت للنقاش وسعة صدر للمجادلة ؟.  
لو كان لي حق الإجابة فسأقول: لا .
ولا هذه لا تعني التسليم بالسكوت أو التهرب من أعباء المواجهة، بل تعني المزيد من الإصرار على تصحيح المسار ووضع كل النقاط فوق كل الحروف، والحديث من فوق المنضدة لا من أسفلها.
يعاني الأزهر من ازدواجية، أخشى أن تقوده للهلاك، كما قادت ازدواجية جماعة الإخوان، الجماعة إلى مصيرها الذي نعرفه.

واصل التشابه بين الحالتين هو أن كلاهما يراوغ في تحمّل مسئولياته، وكلاهما زعم لنفسه دورًا على صعيد الدعوة فقط، ولكن عندما يطمئن الواحد منهم إلى هدوء السطح يرفع رأسه ثم يتوغل في كل المساحات بعيدًا عن مجال الدعوة، أقول يتوغل وكنت أقصد يتغول، ثم عندما يواجه بمعارضة أو نقاش جاد حاد يتهرب من مسئوليته ويقول: إنه دعويّ فقط ولا دخل له بالعمل العام !
هذه الازدواجية بل العجيبة من عجائب الدنيا هي التي تجعلنا نعيش ما نعيشه من حالة سيولة أو ميوعة في تحديد المواقف.
فكما أن الجماعة التي أصبحت هباءً منثورًا، كان لها دور سياسي حصدت به رئاسة الجمهورية، وكانت صفقاتها السياسية أشهر من أن نعيد التذكير بها فللأزهر دور سياسي يتعاظم يومًا بعد يوم، والعجيب أن أصحاب الفضيلة من قادة الأزهر ينكرون هذا الدور عندما يتحين ساعة الحساب.
مَنْ الذي جاء بمراهق يدعى فاروق بن فؤاد ليجلس ملكًا على عرش مصر وهو ابن السادسة عشرة من عمره ؟.
إنه بكل بساطة وكما سجلت دواوين التاريخ، الأزهر بقيادة شيخه العالم الجليل مصطفى المراغي.
مراهق يحكم مصر والسودان برعاية أزهرية بل بفتوى أزهرية، فقد كان الواجب ألا يحكم فاروق حتى يبلغ السن القانونية وهي ثمانية عشرة سنة، ولكن فضيلة الشيخ المراغي، وفق ترتيبات خاصة جرت بينه وبين على باشا ماهر رئيس الديوان الملكي في ذلك الوقت أفتى بأن يجرى حساب عمر المراهق فاروق الأول ابن فؤاد الأول وفقًا للتقويم الهجري وليس الميلادي الذي تتعامل به مصر منذ سنوات بعيدة ، وبحسابات معقدة تم احتساب عمر فاروق لكي يكون في السن القانونية !
وضعت علامة تعجب واحدة والحقيقة هي لا تكفي ولكنها شروط المساحة الصحفية، أليست تلك الواقعة، واقعة سياسية من ألفها إلى يائها ؟.
وكان المراغي نفسه قد اختلف مع فؤاد الأول وعلى خلفية الاختلاف أو الصراع الذي نشأ بين الرجلين قدم المراغي استقالته في سابقة فريدة من نوعها، وليتها تكررت لنزع رداء الكهنوت عن أصحاب الفضيلة من مشايخنا، فليس في الإسلام كهنوت كما يقولون ليل نهار.
المراغي كان يريد إدارة شئون الأزهر وبعثاته مطلق اليدين ولكن فؤاد تربص به وضيّق عليه حتى استقال، ولكن خروج المراغي من المشيخة لم يمنعه من لعب دور سياسي لصالح أحزاب الأقلية التي لم تكن معبرة عن آمال وطموحات المصريين، فوقتها كان حزب الأمة هو حزب الوفد فقط، ولكن الأزهر كان له رأي آخر، فعندما تصادم النحاس باشا رئيس حزب الأمة وقائده مع الملك، خرجت الجماهير إلى الشوارع تهتف: "الشعب مع النحاس" فقاد الإخوان بتنسيق مع الأزهر مظاهرات مضادة كان شعارها: "الله مع الملك" ! 

ثم لو قفزنا متخطين حاجز السنوات سنجد الأزهر يواصل لعب دوره المتعدد ذي الوجه الألفي، ففي كل زاوية  ستجد الأزهر وأنت لن تفتقده تحت كل حجر على طول البلاد وعرضها.
فهو مثلًا الذي بارك اتفاقيات كامب ديفيد ويومها أصبحت آية سورة الأنفال: "وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚإِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" أشهر آيات القرآن، من كثرة ما جرى ترديدها بمناسبة وبغير مناسبة، فهل اتفاقيات كامب ديفيد اتفاقيات دينية أم سياسية ؟.

ثم نصل لأزمة عاصفة شهدتها سنوات حكم مبارك، وكانت خاصة بالعلاقة بين المالك والمستأجر، فقد رأي كثيرون أن القانون الذي يريده مبارك سيعصف بأغلبية المصريين وهم في عمومهم من الفقراء، وتطور الأمر حتى تظاهر كثيرون ضد القانون ونزلوا إلى الشوارع، فما كان من الأزهر إلا أن أقر القانون ودعم مبارك وقال إنه موافق للشريعة، وذلك بغض النظر عن الآثار الاجتماعية المترتبة على تطبيقه، والتي لو كان الأزهر دعويًا فقط لكان قد التفت إليها ووضعها في حساباته.

إن المشكلة الأساسية التي تنشأ عنها الأزمات مع الأزهر لها وجهان.
الوجه الأول: هو عدم اعتراف الأزهر المؤسسة والمشايخ بحقيقة دورهم، بل تفضيلهم لعدم تحديد دورهم إنهم يؤدون كل الأدوار كل الوقت فلا نعرف أمام مَنْ نقف، هل أمام الشيخ الداعية أم الشيخ السياسي أم أمام الشيخ المفكر أم أمام الشيخ المصلح، فتتشعب بنا الطرق ونضل السبيل.
الوجه الثاني: هو أن الأزهر أقول يكاد يتعمد الخلط بين الفقهي والديني.
هناك فقه وهناك دين، والفقه هو عمل الرجال وثمرة عرق جباههم ونتاج سهرهم وبحوثهم، وهذا لنا أن نأخذ منه ونرد عليه.

أما الدين فهو النص القرآني ثم المقطوع بصحته من السنة، فليس لنا أن نتقدم عليه أو نتأخر عنه، وحتى مع النصوص هناك مجالات لتتعامل معها، فالقرآن ثابت راسخ محفوظ يؤخذ بنصه ولكن تفسيره وتأويله هو عمل الرجال، فلو قرأت مثلًا تفسير الشيخ الإمام محمد عبده لأشهر سور القرآن أعني الفاتحة ، ستجده يقول كلامًا مختلفًا بل مناقضًا لمدارس تفسير أخرى، وهنا نجد الفسحة في أن نأخذ من هذا أو من ذاك.
المثال السابق على بساطته يشمل المنهج الأزهري في التعامل مع المشكلات الفقهية، فالواضح لنا وبحكم تجربة السنين أن الأزهر يلجأ في معظم الأحيان إلى الترويج لرأي واحد بوصفه الرأي الواحد الأحد الذي لا يشاركه أو يناظره رأي آخر.
والحقيقة غير ذلك بالمرة، فلا توجد قضية فقهية لا تتعدد الآراء حولها ، وقد يصل التعدد إلى درجة التناقض  أحيانًا بداية من فقه الصلاة ونهاية بأي قضية تختارها وتقف أمامها باحثًا، ولكن هذا ليس معمولًا به في الأزهر في معظم القضايا، حتى أن أحدهم قال كلامًا خطيرًا عن تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم للإبكار على الثيبات، مستشهدًا بحديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه: سألني الرسول: "هل تزوجت بكرا أم ثيبا ؟"، فقلت: "تزوجت ثيبا".
 فقال الرسول: "هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك".
المتحدث في الناس قال هذا الكلام بوصفه الكلام الوحيد في القضية، وتجاهل حقيقة كون كل أزواج الرسول عليهن الرضوان كن ثيبات فيما عدا السيدة عائشة !
وتجاهل باقي الحديث الذي يشرح فيه جابر للرسول لماذا تزوج بثيب، قال جابر: "قلت يا رسول الله: توفي والدي أو استشهد، ولي أخوات صغار، فكرهت أن أتزوج مثلهن فلا تؤدبهن، ولا تقوم عليهن، فتزوجت ثيبا لتقوم عليهن وتؤدبهن".
فانتهى الحديث بمباركة الرسول للزواج.
ذلك المثل في إيراد أنصاف الحقائق وأرباعها أحيانًا واعتماد سياسية الرأي الواحد والقول الفصل هو ما أدي بنا إلى ما نحن عليه من ضيق أفق والحجِر على المتسع من ديننا.

لا أحد يطالب ـ لا قدر الله ـ بهد الأزهر، أو بالتضييق عليه أو بتجاهله، كل ما نسعى إليه هو نقاش جاد لتصويب المسار، ننطلق فيه من كون الأزهر رقمًا صعبًا في حياتنا ولاعبًا لا يمكن بحال التقليل من قدره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نُشر بجريدة صوت الأمة
السبت 11 فبراير 2017
 

الاثنين، 20 فبراير 2017

أمراء "قلة الأدب"



* الكتابة بطريقة "أى هبل فى الجبل وأى حاجة فى رغيف"

* رواية "عمرو خالد" دشنت لمرحلة.. المهم هو الإعلانات

* من منبر حسان بن ثابت إلى ديوان "خمسة خصوصى" يا قلب أحزن

* جماهير زاب ثروت تحتل شارعًا بالمعرض وهو يواصل شتم حبيبته

* "يوتيرن" زيزى وكريم يقودنا إلى الهاوية

* وليد ديدا ومريم الحب بالهاشتاج والقراء بالطن

 
جاء فى كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالى، قول منسوب لرسولنا الكريم، قال فيه: "لا تدع العربُ الشعرَ حتى تدع الإبل الحنين".
وسواء صح الحديث أم كان فى سنده كلام، فسيبقى متنه شاهدًا على تقدير العرب لفن الشعر، حتى قالوا: "الشعر ديوان العرب".
ويكفى أن الرسول قد جعل لحسان بن ثابت، منبرًا فى المسجد النبوى، يقوم عليه عندما ينشده شعره، وقد مر الفاروق عمر بحسان، وهو ينشد الشعر فى المسجد النبى، فظهر على وجه عمر ما يمكن وصفه بالامتعاض، فبادره حسان، قائلًا: "كنت أنشد فى المسجد وفيه مَنْ هو خير منك، يعنى الرسول"، فسكت عمر، وترك الشاعر يواصل إنشاده.
وولع العرب بالشعر خاصة وبالكلام الجيد الطيب عامة مشهور ولا يحتاج إلى إعادة تأكيد، ويكفى أنهم قد قعدوا قواعد الشعر، وضبطوا بحوره وأقاموا أوزانه فى عمل جاد جبار ما يزال يتواصل، ولم ينقطع يومًا منذ الخليل بن أحمد الفراهيدى وإلى يوم الناس هذا.
وعن الشعر  من حيث كونه كلامًا يجب ألا يهجم عليه جاهل به، يقول الشاعر المخضرم الحطيئة "وبعضهم ينسب الكلام للراجز رؤبة":
الشعر صعب وطويل سلمه
إذا ارتقى فيه الذى لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه
يريد أن يعربه فيعجمه

وحديثًا قال الأستاذ العقاد:
الشعر من نفس الرحمن مقتبس
والشاعر الفذ بين الناس رحمن

ولكن لأن النهر قد جرت به مياه كثيرة "أغلبها عكر للأسف" فقد تجرأ على كتابة الشعر خاصة والكتابة فى عمومها نفر لا تستقيم لهم جملة ولا يحسنون من الأمر شيئًا، حتى جاز لنا أن نصفهم بأمراء "قلة الأدب".
والوصف مع قسوته يليق بهم، لأنهم تحدثوا فى غير فنهم، فجاءوا بالأعاجيب التى هى فى حقيقتها كوارث، كأنها القنابل الخبيثة التى تنفجر فى قلب الذائقة، فتمسخها وتفسدها، والأمر كما أراه أخطر من السكوت عليه، والتعامل معه وفق مقولة "دعه يعمل دعه يمر"، لأن ما سنعرض له بعد قليل لا يهدم ديوان العرب فحسب، بل يهدم الكلام كله من حيث هو كلام مستقيم، يعطى فى النهاية جملة مفهومة محددة.
إن الجرأة على الكتابة التى تلامس حدود الوقاحة، قديمة جدًا، وكانت مذ كان الناس، ولكن فى أزمنة بعيدة، كان المجترئ واحد ضئيل كأنه الذبابة تحط على النخلة، فلا تشعر بها النخلة متى طارت ومتى حطت، فقد كان أمر الأدب والكتابة عامة بيد جماعة من العمالقة لا يُسمع لسواهم، أما فى زماننا هذا، فقد تكاثر الواحد الضئيل، وصار جمهرة غفيرة، ثم تكالبت الظروف على النخيل، فإذا هو قزم أو كالقزم، لا يأبه أحد به، إن ترك هؤلاء وشأنهم بزعم أن الأسواق تقبل الغث والثمين، قول باطل من كل وجه، وخطير من كل وجه فليس بعد إفساد الذوق من جريمة.
ضربة البداية فى هذه المباراة التى هى كالدم الفاسد نفذها الأستاذ "عمرو خالد"، فقد استيقظ الناس من نومهم ليجدوا حملة إعلانية تسد عين الشمس، تعلوا الجسور والبنايات، تبشر برواية "رافى بركات"، ظلت الحملة قائمة لأسابيع تحت هذه اللافتة الغامضة "انتظروا رواية رافى بركات" أثمر الغموض ثمرته فراح الناس يتحدثون عن رواية لا يعرفون مَنْ كاتبها، ويتشوقون لمعرفته ومعرفة روايته، عندما ضمن المعلن رواج بضاعته قبل أن تنزل الأسواق، أفصح عنها، قائلًا: إنها رواية للأستاذ عمرو خالد!
نعرف عمرو خالد، بوصفه داعية، يقول كلامًا لطيفًا لا يغضب أحدًا وإن كان يرضى كثيرين من طبقة معينة، يريدون قشرة الدين لا جوهره، ويسعون إلى جعل دينهم كأنه وردة يزينون بها ستراتهم، ولكن أن يترك الأستاذ سبيلًا يعرفه وله به خبرة ويذهب لمجهول متشعب معقد، فهذا هو العجيب.
نجحت رواية عمرو على المستوى الجماهيرى، ودشنت لمرحلة جديدة، يقول فيها مَنْ شاء ما شاء، والمهم فى الأمر كله هو نجاح حملة الإعلانات!

وجود عمرو فى سوق الكتابة الأدبية بجماهيريته، ورواج اسمه أغرى كثيرين، ليقولوا كما قال، وكله عند العرب أدب أو صابون، فجاءنا من المجهول شاب يدعى "وليد ديدا"، وإن كنت تعرف تأصيلًا لاسم وليد، فلن تعرف شيئًا عن الديدا، الأستاذ وليد، تلقى تعليمًا يسمح له بارتكاب كافة وجميع الموبقات الإملائية والنحوية والصرفية والبلاغية، ولكن الكتابة مثل حمزة بن عبدالمطلب، عليه الرضوان، لا بواكى لها، وإن كانت فى حالات الأستاذ ديدا تجلب البواكى، التى هى جمع باكو، أى ألوف الجنيهات.
وللأستاذ ديدا قصة تروى، تقول خلاصتها: إنه أحب فتاة تدعى مريم، فراح يغازلها على الفيس بوك، تحت عنوان ثابت هو "تعرفى"، وعندما عرفت مريمه، تقدم لخطبتها، ولكن أهلها رفضوه لعدم التكافؤ على مستويات الوضع الاجتماعى والتعليمى والثقافى والمادى، ولكن مريم وقد أصبحت شهيرة جدًا، تمسكت بديدا، الذى ظل لشهور يكتب خواطره عن قصة حبه، وينشرها على الفيس بوك، ثم رضخ أهل مريم وتزوجها ديدا، وتوج زواجه بأن هبط على أدمغتنا بكتاب اسماه "روبابيكيا" تلك الـ"روبابيكيا" ستبيع ثلاثين ألف نسخة، وسيقول ديدا إنها باعت خمس عشرة ألف نسخة لا ثلاثين، وسيتابعها على الفيس بوك 187 ألف متابع، وستفوز مريم بـ 142 ألف متابع، وسيحصد الناشر آلاف الجنيهات ثم لن تسقط على جثمان الأدب العربى فى مصر دمعة واحدة!
ومن أجواء ما جادت به قريحة الأستاذ ديدا، قوله:
ليه خلتينى أعيش أيام
حلمت فيها إن إحنا لبعض
ليه تعيشينى أحلى كلام
وتموتينى بنار البُعد
 وليس فى يدى والحال كما ترى سوى أن أقول "بس خلاص" كما قالها الأستاذ شعبان عبدالرحيم.

النجاح الأسطورى للأستاذ ديدا جعل الأستاذة "زيزى" تشمر عن ساعد الجد وتدخل إلى السباق.
وتقول أسطورة الآنسة زيزى: إنها كانت تحب الأستاذ كريم وصنعت له "هاشتاج" بعنوان "كريم يارب"، طبعًا الله ليس كريمًا فحسب، فهو خالق الكرم، ولكن السيدة زيزى، تقصد الدعاء بمعنى "هب لى الأستاذ كريم يا الله". فاز الهاشتاج بمتابعة 72 ألف مواطن مصرى صالح، ثم أعطى الرب الخالق كريمًا لزيزى، فتوجا قصتهما بكتاب اكتسح معرض القاهرة الدولى للكتاب، وحمل عنوان "يوتيرن"، وذلك الـ"يوتيرن" هو شىء من الأشياء التى لا تعرف لها رأسًا من قدمين، فلا هو شعر ولا هو رواية، ولا يمكن تصنيفه وفق المتعارف عليه من التصنيفات، ولكنه وسبحان العاطى الوهاب، كسّر الدنيا، كأنه فيلم للسبكى، ولأن الكتاب إنتاج مشترك بين زيزى وكريمها، فقد وضعا صورتيهما على غلافه، وقالت عنه زيزى: "إن هذه الرواية هى أول ابن لنا، وهى نتاج حبنا".
أسمعك تقول: إن التأليف المشترك لا غبار عليه فقد فعلها من قبل توفيق الحكيم وطه حسين، عندما كتبا "القصر المسحور" ودرويش ومعين بسيسو عندما كتبا "رسالة إلى جندى إسرائيلى"، والعقاد والمازنى وشكرى عندما كتبوا "الديوان"، وعبدالعظيم أنيس ومحمود أمين العالم كتبا "فى الثقافة المصرية".
يا صديقى أنت هكذا من الذين يحسبون كل بيضاء شحمة وكل سوداء فحمة، أين الثرى الذى هو حالة زيزى وكريم، من الثريا التى هى الذين ذكرتهم؟

هل ما زلت تذكر الأستاذ ديدا؟
إنه لم يدارى سوءة كتابته لقد عاد يضرب من جديد بكتاب اسماه "نجاتيف".
طبعًا عشرات الألوف الذين تسابقوا لاقتناء الكتاب يقولون إنه شعر.
وسأضع هنا شيئًا من شعر السيد ديدا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
يقول ديدا مخاطبًا ذاته الشاعرة بقلق وجودى: 
فاكر أول لايك عملته ليها
كان وقتها إحساسك إيه؟
لما كنت بتراهن نفسك
إنك هتعلقها بيك
وللأمانة فقد كتب "لايك" بالنطق الإنجليزى وبالحرف اللاتينى، ولكنى مصاب الآن بكسل وجودى يجعلنى أعجز عن تحويل مفاتيح الكيبورد، فلعل الأستاذ ديدا يغفر لى تحريفى لشعره العظيم.

ولأن الضجيج يغرى كل ذى صوت بالغناء، فقد عض الأستاذ "زاب ثروت" على فرصة الضجيج بنواجذه.
الأستاذ زاب يقولون إنه من خريجى كلية الهندسة، ويقولون إنه من مغنى الراب المشاهير ويصفونه بالكاتب الشاعر، وقد رأيت أنا العبدلله حفل توقيعه لكتابه فى معرض الكتاب وكيف سدت جماهيره شارعًا بأكمله. فقلت: "ها قد عدنا يا صلاح الدين".
ومن روائع الأستاذ زاب فى كتابه "حبيبتى" قوله: 
حبيبتى
كان نفسى أوى أشرب بيبسى، بس أنا عاملة دايت، دى أول مرة مشربش بيبسى، من يوم ما قابلتك، يوم ما قابلتك عند الكشك اللى جمب الجامعة.... آه الجامعة، كنت لابس سويتشيرت أسود على بنطلون أسود وكوتشى أسود... ثوانى بابا ينادى... خرا عليك وعلى حبك، قالت هذه الكلمة بكل كبرياء وعزة نفس، وألقت مشاعرها وراء ظهرها وكملت حياتها.
وغفر الله للفنانة ليلى نظمى التى غنت قديمًا: "ما أشربش الشاى، أشرب أزوره أنا"

نحن الآن فى "منحدر الصعود" هل ما تزال تذكر تلك الجملة العجيبة؟
قادنا المنحدر إلى أرض الأستاذ "على حسن"، الذى رمانا بديوان "خمسة خصوصى"، والأستاذ على عجيب فهم يقولون إنه طالب طب، ومع ذلك لا يخشى على قرائه من التسمم، قسّم الدكتور على كتابه إلى جزء بعنوان "بناتى، وجزء  عمومى!!" الجزء البناتى حشد فيه أسماء الفتيات اللاتى طالبنه بأن يذكرهن فى شعره، يا نهار أبيض يا رجال كأن عمر بن أبى ربيعه يغادر قبره، الجميلات يعرضن أنفسهن على الشاعر لكى يشبب بهن فيشيع جمالهن بين قبائل بولاق والوراق وبلاد ما وراء الدائرى وبلاد ما تحت المحور ونزلة السمان.
الدكتور على إن كان طبيبًا حقًا يكتب بطريقة "أى هبل فى الجبل" و"أى حاجة فى رغيف"، فهو جاء بكل الأسماء من هبة وإلى آية، فهبة يا هبة أنت الحياة الطيبة، وآية يا آية عنيكى حكاية، وعلى ذلك يجوز لى أنا الناثر المسكين أن أقول: "سعدية يا سعدية أنتِ أحلى من الطعمية"
أما الجزء العمومى فمنه قوله:
هاتى صباعك
جنب صوابعى
وعديته هيطلعو ستة
دا إنتى صوابعك
حلوة وطعمة
صباعك دا ولا صباع كفتة

مصمصة الشفاه تجاه هؤلاء التتار الجدد أو الجراد الجدد ليست كافية، وضع فى حساباتك أن المصادرة مثل ابن نوح كلاهما عمل غير صالح، الجنون لا يصادر، الجنون يواجه بالعقل أو بجلسات الكهرباء، فانظر ماذا ترى؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بجريدة صوت الأمة
السبت 18 فبراير 2017

الأربعاء، 1 فبراير 2017

حمدي عبد الرحيم في حوار غريب جدًا جدًا: الكتابة مصيبة يبتلي الله بها بعض عباده




# عبد الرحيم ينقد كتاباته: أتألق فقط حين أكتب عن المقاومة.. فيما عدا ذلك "أنا" "لا يعجبنى"

# الجو فى مصر لا يشجع على القراءة.. بل على تدخين الحشيش

 حوار: عمرو شوقي
 
أوهمناه بأننا سنجرى معه حوارا بمناسبة صدور كتابين يحملان اسمه فى معرض الكتاب، رواية "الدائرة السوداء" والمجموعة القصصية "قَبَل بنتا حزينة"، لكننا فى الحقيقة أردنا الاحتفال بقدوم مولودته الثالثة ليلى.
سألنا الكاتب المميز، والقارئ الأكثر تميزا، حمدى عبد الرحيم، أسئلة غريبة، فأجاب صاحب مجموعة "ليلة دخلة شيماء" بإجابات أكثر غرابة، فكان هذا الحوار الفنتازى.

# هل ما زلنا فى الدائرة السوداء؟
ـ دعنى أقص لك قصة العنوان، العنوان الأول للرواية كان "العُنّة" بضم العين، وهى معروفة ويعالجها المصريون باللجوء إلى أم حبيبة المغربية وست أم شوشو البولاقية، فالمصرى المعاصر والحديث لا يؤمن بأن العُنّة مرض قد تكون له أسباب جسدية أو نفسية، ولذا يذهب إلى العلاج لدى المشعوذين والدجالين، لكن الأستاذ سيف سلماوى، ناشر الرواية، قال لى إن العنوان صادم وقد تخجل بنت من السؤال عن رواية بهذا الاسم، فلجأنا لعنوان الدائرة السوداء، وهى الدائرة التى تحاصر أعناق الجياد ـ كما قال أمل دنقل - وأبطال الرواية كما كتبتهم أنا، وللحقيقة ما زال حصار الدائرة السوداء مفروضًا على أعناقنا.

# سنعتبر أننا فهمنا ما هى الدائرة السوداء.. فما هى إذن مواصفات الدائرة البيضاء؟
ـ الذى أعرفه عن الدائرة البيضاء وشقيقاتها "النقطة البيضاء" و"المنطقة البيضاء" و"البقعة البيضاء" أنهن جميعًا كن مشروعًا أطلقه الأستاذ عمرو خالد، يدعو فيه للإقلاع عن التدخين، وقد فشل المشروع، وهذا جيد لكى لا يعم الخراب بيوت بائعى السجائر، وقد أوغل المشروع فى الفشل، وقرأت دراسة تزعم أن 13% من طالبات الثانوى يدخن البانجو.

# هل أضاف حمدى عبد الرحيم إلى فن كتابة الرواية؟
ـ كتبتُ روايتين، فماذا أضافتا لفن الرواية؟ هذا سؤال يحتاج إلى تبجح، للأسف ينقصنى، كنت أتمنى لو تمتعت بكمية من البجاحة تجعلنى أهلل لنفسى، طبعًا أنا أهلل لنفسى وأصفق لها وأقبّل يدى، ولكن فى غرفتى، حيث لا يرانى أحد.

# أنت ناقد أدبى فى المقام الأول.. انقد كتاباتك وقل لنا ما السيئ فيها؟
ـ أسوأ شىء أراه فى كتابتى هو عدم قدرتى على كتابة ما أكرهه، فأنا مثلًا أكره الخنوع كراهية مطلقة، وعندما أريد تصوير بطل خانع تأتى كتابتى باردة سقيمة فأقوم بتمزيقها فورًا، أحسد هؤلاء المحترفين القادرين على كتابة كل شىء، أنا أتألق عندما أكتب عن المقاومة، بعيدًا عن المقاومة بمفهومها العام أنا لا يعجبنى.

# من الذى قبّل بنتا حزينة؟
ـ الذى قبّلَ البنت الحزينة، هو رجل صادق، خدعته أو أشغتله بنت، وأوهمته بأنها حزينة، فقبّلها لكى يشاطرها أحزانها، ثم تكشفت له حقائق مفجعة ومع ذلك لم يندم على قبلته وقال: "هى كانت لوجه الحزن".

# هل البنت الحزينة هى شيماء التى كتبت عن ليلة دخلتها من قبل؟
ـ لا، شيماء بنت شارع، لا تعرف القبلات، هى تمنحك روحها لا شفتيها، تمنحك تكوينها كله، أحلامها وكوابيسها، شيماء عبء لا يستطيع تحمله إلا أولو العزم من الرجال.

# إنتاجك من الكتب شحيح.. تكتب كم كتابا أمام كل كتاب تقرأه؟
ـ لا أعرف على وجه اليقين كم كتابًا قرأت، لأنى لا أعرف كم كتابًا تضمه مكتبتى التى تملأ غرفة كاملة، أزعم أنى قرأت آلاف الكتب، كان أهلى ـ وهم جماعة من عتاة القراءة ـ يقولون حمدى وُلد ليقرأ، وإنتاجى هو خمسة كتب فقط، وأرى أن قلة إنتاجى راجع لتقديسى للكتابة، أنا أخاف الكتابة وأهابها، وتظل الرواية أو القصة بداخلى سنوات حتى أتجرأ على كتابتها.

# فى الأجيال الصاعدة.. هناك من يكتبون أكثر مما يقرؤون، ما تعليقك؟
ـ هذا حادث فى الأجيال كلها الصاعدة والبائدة، ولكن علينا أن ننظر إلى منْ سيبقى، هل سيبقى الكاتب القارئ أم سيبقى الكاتب الذى يكتب على معدة خاوية وعقل فارغ؟
أؤمن بأن البقاء محكوم بقانون إلهى: "فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِى الأرض".

# فكيف سيكون تعليقك على من يكتبون وهم أصلا لا يقرؤون؟
ذو العقل يشقى فى النعيم بعقله .. وأخو الجهالة فى الشقاوة ينعم.

# الجو فى مصر يشجع على القراءة أكثر أم على تقبيل البنات الحزينات؟
ـ الجو فى مصر الآن لا يشجع إلا على تدخين الحشيش، بشرط وجود مال وفير وحماية من البوليس.

# هل تستطيع القراءة مع صوت بكاء ليلى؟
ليلى ليست ابنتى الأولى، سبقتها مريم، وهذه تتعامل مع الكون بوصفها ابنة النبيل عباس حليم وليست ابنة الجورنالجى حمدى عبد الرحيم، وسبقتها أيضًا فرح، وهى سائقة توك توك بامتياز، ولديها طموح بأن تصبح رقاصة مثل الأستاذة دينا، ولو أصرت على ذلك فغالبًا أهلى الصعايدة سيقتلونها.
نسيت السؤال، آه، بكاء ليلى، لقد اعتدت بتأثير العمل الصحفى على الكتابة فى أى ظرف، ولدى قدرة غير إنسانية، تجلب لى المشكلات الأسرية، على تجاهل أى شىء خارج الكتابة، الحقيقة هو ليس تجاهلًا، أنا حقا لا أسمع شيئًا أثناء الكتابة إلا كلمات أبطال القصة، ولا أرى شيئا أثناء مشاهدتى لفيلم أو مباراة سوى الفيلم أو المباراة، وهكذا، أنا فاشل بجدارة فى القيام بعملين فى وقت واحد، أنا أستغرق فى الذى بين يدى حتى لو كان تافهًا، فلتبكِ ليلى ما وسعها البكاء، ثم البكاء يفتّح طاقات الرئة، ويغسل العيون، وهذه فتوى طبية اخترعتها الآن ولست مسئولا عن صحتها.

# من هو كاتبك المفضل؟
ـ على كل منْ كتب كتابة جيدة أن يعلن نفسه أستاذًا لى، حتى ولو لم يسمع بوجودى على ظهر الأرض، وإن كان ولا بد من ذكر أسماء فسأذكر من الراحلين شيخى معلمى الأستاذ علاء الديب، ومن الأحياء الأستاذة صافى ناز كاظم والدكتور محمد المخزنجى، هؤلاء بعد أن أقرأ لهم أزفر قائلًا: "كتبتوا دا إزاى يا أولاد الـ...".
 
# من هو قارئك المفضل.. ولماذا؟
ـ إنها صديقتى الكاتبة الصحفية زينب حسن، فرغم قاهريتها العريقة فإن عِرقًا صعيديا يتمدد راسخا بجسدها، وذلك العرق الصعيدى يجعلها "مدب" تقول مباشرة ما تعتقد أنه الصحيح والصادق، وهذا يريحنى بوصفى كاتبًا لا يسعى خلف المجاملة، ثم زينب تمتلك رهافة وحساسية تجعلانها تذهب إلى عمق القصة وتضع يديها على نواتها الصلبة، ثم وهذا مهم جدًا، أنا لا أتحرج من مهاتفة زينب في أي وقت من ليل ونهار لكي أقرأ عليها مطلع قصة أو بداية رواية، وقد حصلت على هذا الامتياز لأن زينب وزوجها صديقي وأخي الكاتب الصحفي عمار حامد، وضعاني في خانة المجنون، ومن المعروف أن ليس على المجنون حرج، وأنا أستغل هذه الرخصة أسوأ استغلال.

# تذكرتُ سؤالًا مهما، لماذا تكتب أصلًا؟
ـ  وأنا فى ميعة الصبا "لا تنكر أن ميعة الصبا هذه جيدة وتخض" كنت أصدق أمل دنقل عندما قال: "الشعر بديل الانتحار"، وعندما أصبحت شابا يستطيع اقتناء علبة سجائر من عرق جبينه، صدقت إيزابيل الليندى وهى تقول: "أكتب لكى أتداوى"، وعندما أصبحت فى الخمسين الأولى من حياتى ـ لأنى سأعيش طويلًا ـ تأكدت أن الكتابة مصيبة يبتلى الله بها بعض عباده، عن أى كتابة نتحدث فى شعب أكثر من ثلثه أمى لا يعرف القراءة ولا الكتابة.

# كتبت مقالا منذ عام تنتقد فيه أسلوب تنظيم دخول السيارات لمعرض الكتاب.. لما استفزك هذا الأمر؟
ـ قلبك أسود، تذكر مقالًا من سنة.. المشكلة أننى مثل ابنتى مريم، برنس فى نفسى، أكره الفوضى والقبح، أريد الأشياء مرتبة نظيفة لامعة قدر الإمكان، السيارات الذاهبة للمعرض تصنع مهرجانًا من الفوضى والدمامة، وهذا عجيب جدا لأنه بالإمكان تأسيس مكان لانتظار السيارات، ولكن ما يحدث يجعله معرضًا للعذاب والتراب وليس للكتاب.

# ما استفزك كراكب ميكروباصات دعاك لإصدار كتاب بديع عنوانه "فيصل.. تحرير- أيام الديسك والميكروباص" فكيف سيكون عنوان كتابك عما تعرضت له كصاحب سيارة ملاكي؟
ـ سأضطر لمخالفة عهدي مع الفصحى، سيكون العنوان بذيئًا، من عينة "طبعًا ما أمك اللي شاريهالك" أو "العيب على الحمار اللي إداك الرخصة" أو "شممها بصلة يمكن تفوق وتجري" أو "خليك من أهل اليمين يا بهيم"

# قلت إن الكتاب الآن يستسهلون كتابة القصة القصيرة جدا.. اختم حوارك معنا بقصة قصيرة من استسهالك.
- منك لله ستجعلنى أؤلف على الهواء مباشرة كأننى عصام الشوالى عندما يعلق على مباراة لبرشلونة فيؤلف قائلًا: "يا البرشا الحديد، جرحت قلبى الشهيد، وجئت بالجود، فعزفت أنا على العود".
طيب نبدأ التأليف.. واحد اتنين تلاتة:
 "إذا قالت لك: (أنت نور عينى)، فلا تصدقها قبل أن تتأكد أنها ليست عمياء"، تمت بحمد الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر هذا الحوار بجريدة اليوم الجديد فى  30/1/2017
http://www.elyomnew.com/news/celebrities/2017/01/31/63142