الثلاثاء، 12 ديسمبر 1995

أوصيكي لما أموت تسيبي دبلتك في صباعي





عندما يكون أول خبر تسمعه على "ريق النوم" أن التي منحتها دمك وأناشيدك قد هجرتك, فأنت أمام خيارين, إما أن "تجننك.. لماذا " أو تبدع.. وقد اختار الشاعر طارق هاشم الإبداع يبدأ ديوانه "احتمالات غموض الورد " بصلاة في محراب من ذهبت : " أوصيكي لما أموت تسيبي دبلتك في صباعي / لجلن تعديني من الحراس وأقدر أخش الجنة / لجلن تحولني لملاك وأشوف برغم الهلاك / لون الغيوم حنة / يا اللي أنتي عشقك فرض على قلبي مش سنة / قطعوا عليه الحلم.. ما لحقتش أتمنى " بهذه الصلاة فتح الشاعر على نفسه بوابات جحيم الذاكرة التي تحتفي بل وتحنط تفاصيل المحبوبة "أنا واد بهلوان طيب.. قالتلي إمبارح بس إنها بتحبني بجنون.. قلتلها إمبارح بس ".

وبعد نشوة المكاشفة يأتي زمان الخوف من "الفراق" وكأن "البعاد" جنين يتخلق داخل رحم كل لقاء حب, وشاعرنا يرصد طائرات تريد قصف قلبه المضيء توا بلذة "أحبك".. "الطيارات عينها عليكي ابعدي.. الطيارات قاصداك يا عشقي.. الطيارات بتخشنا من غير بيبان.. في الجلد.. في عروق اللغة.. في الحلم " . ولأنه زمان الخوف فقد كثرت المطاردات وبعد القصف الجوي تقدمت أرتال من الدبابات لتضع كلمة الختام لقصة لم تبدأ بعد "وكأني طير أتقطف من بين ضفايرها.. واقف بيرسم شعرها على حد سيفه.. جريت عليه الدبابات.. فجأة صوت الطيارات بيخش القمصان.. وخوف بيعرق الحواديت".

إنه حب "كوني" القضاء عليه يستلزم استخدام الطائرات والدبابات إضافة إلى حس مبكر أن أحد الحبيبين فجأة سيخون "..قلتلها الشوق مقدور.. والعشق كمان مقدور.. إنها لازم هتخون هتخون" وهذا الحكم النهائي بأنها ستخون يقودنا إلى لحظة النهاية

" قالت معادنا 12/5/1993.. من يومها وشريط أم كلثوم أغداً ألقاك في الكاسيت.. يأتي غداً.. ووراه بيجي غداً.. وأنا قاعد أرسم وشها وأضحك.. وأحضن وشها في الرسمة وأضحك.. لكن ع الورق " .

إنها لحظة النهاية وبدلاً من "أغداً ألقاك" تأتي رعشة الموت "حسيت برعشة جريت.. كان ياسر هاشم بيسمع غنواية فات الميعاد.. وصورة جمال عبدالناصر بتبكي فوق الحيطان فبكيت".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة الأحرار - 12 ديسمبر 1995

الثلاثاء، 28 نوفمبر 1995

صادق شرشر وقصائد لها طعم السيجارة فى البرد




مستترين تحت جناح «الحداثة» وملثمين بغبار «الحساسية» دخلوا «المعمل» وضعوا قليلاً من ماغنيسيوم أدونيس + هيدروكلوريك خليل حاوى + أكسيد عفيفى مطر + نتريك رامبو ليخرجوا علينا شاهرين فى وجوهنا قصائد بيضاء من «غير شعر» إن «سولت» لنا أنفسنا قراءة بعضها تلوثت أيدينا بأحماضها .

 وفى خلفية هذا المشهد الشعرى الفقير كان صادق شرشر يراقب جمعهم البائس مخاصماً معاملهم «داخلا» إلى ذاته يجالس مواجعها ويقرأ أفراحها النادرة ويصغى مزهوًا لأصداء أصوات شعراء يتعلم من تجاربهم، وعندما رضى شرشر عن قصائده دفع بها إلى سلسلة الكتاب الأول التى تصدر عن المجلس الأعلى للثقافة لتلمس أيدينا - أخيراً - مجموعة شعرية تنتمى لذات صاحبها وليس لمعامل الشعر المعلب من منطقة البساطة تنطلق قصائد صادق شرشر، هذه البساطة التى تعتمد «الفرد» ومشاهداته وتجاربه موضوعاً للشعر..

 ولعل أوضح الأمثلة على بساطة الشاعر تتجلى فى قصيدة «العميان»، فموضوع القصيدة ليس أكثر من وصف لجلسة مكفوفين على أحد المقاهى، ولكن الشاعر استطاع أن يحول هذه الجلسة إلى مشهد شعرى زاخر بالدلالات التى تنطلق من «ذات الفرد» لتمثل ضمير «الجميع» من خلال رصد دواخل المكفوفين وتصرفاتهم بمزاج مصرى رائق يجنح كالعادة إلى السخرية من هذا العالم الظالم المظلم.

«الليل نهار والنهار ضلمة
تلات عميان على سهوة قعدوا فى آخر دكة
آخر ركن.. آخر خن فى القهوة ".

ثم يسجل الشاعر تصرفاتهم الساخرة «زعق الكوماندا اللى فيهم: تلاتة قرفة.. تلاتة شيشة وطاولة»!!
ولم يقف الأمر على «طلب الطاولة» فما يلبث أحدهم أن يصرخ فى وجه القهوجى «الفيلم مش عربى حول لنا على الكورة.. اضبط لنا الإريال واعدل لنا الصورة»، هذه السخرية المصرية «ستقلب مواجع» الشاعر فيفر إلى داخله ويصرخ «كام قمر فى السكة مش طالعين..
 
 وكام إيدين نخت فى الفراق؟! فاكر أول قلم علم. وأول عشق.. وأول بوسة طبعاً.. ومش فاكر.. غير إنى ماشى.. وسايب.. تلاتة قاعدين شايفهم.. ويشايفنى.. ومش شايفين».

بهذه البساطة التى تخلو تماماً من الاستسهال والمباشرة يستفيد الشاعر من الموروث الشعبى الذى يصور المحب عاشقاً لتراب أقدام المحبوبة فعندما يكتب الشاعر عن لحظة حبه يقفز إلى خارج الدائرة المألوفة ويتتبع رحلة حبات التراب التى علقت بحذاء حبيبته يقول فى قصيدة «البعد الثالث» «كل اللى فاكره.. إنى ماشى مسحور.. وجوايا ضوء رقيق.. ورغبة فى فعل الخير.. وزعت على الشحاتين اللى كانوا نايمين على الكوبرى.. حوالى 12.25 اللى كانوا معايا»
 ويترك لنا الشاعر ساحة تخيل تفاصيل هذا المشهد خالية من أي حضور له لينطلق هو وراء تراب حذائها «شىء واحد كان بيتملكنى.. هو التفكير فى القوى الغامضة اللي جمعتنا.. وحبات التراب الصغيرة اللي اتعلقت فى جزمتها.. زمانها وقعت في شوارع تانية.. أو على الأقل.. فضلت تناضل لحد ما نزلت من فوق الرصيف.. حبات التراب اللي قدرت توصل معاها الأوتيل.. وتركب الأسانسير وتعمل علامة فوق الموكيت.. وهي بتفتح الأودة» نحن والحبيبة خارج المشهد تماماً والعلاقة الآن بين حبات التراب والشاعر أنه يأسى لها «الحبات الرقيقة شوهتها عجلات الهوم سرفيس.. ونظرات الاستنكار من المدير المسئول عن الدور الـ 15 وغرفة 1505.. علامة فوق السجادة كانت نتيجة مشاوير عظيمة.. استمرت 4 ساعات من الحب المتواصل.. والمشي البطىء داخل حدود الغبار».
إنه نهر البساطة الصافي الذي يتيح للشاعر الغوص حتى يشتبك وطين القرار بحيث تبوح الأشياء بأسرارها.. ولذا فليس غريباً أن يكتشف أنك عندما «تغني لنفسك.. أغنية ليها علاقة بالحياة ولو من بعيد.. أن صوتك بقى أجمل.. وبعنف أكبر من حجم الكوارث.. هتقفل الراديو» بعد أن تكون قد حصلت على «أغنية لها طعم السيجارة في البرد».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت فى جريدة الأحرار - 28 نوفمبر 1995

الأحد، 26 نوفمبر 1995

بقع قلب عبدالمنعم الباز -- سآوى إلى بلد يعصمنى من الفول







عندما يصحو الولد من نوم الظهيرة يجد الأب قد استبدل الجزء الأخير من معاشه. ويرى الأم قد رهنت الرنين الأخير لخلخالها. ويلمح أخته "تكوم" ملابسها فى حقيبتها لتلحق بأول طائرة تقلها لعريسها النفطى العجوز. يحصى الولد ما فات من عمره فيؤلمه أنه يعيش فى "المنطقة الضيقة الحرجة" ما بين الثلاثين والأربعين يفتح الراديو فيأتيه صوت قارئ النشرة الإخبارية "غلبت الروس فى أقصى الأرض وساد اليهود أدنى الأرض" يفتش الولد دهاليز ذاكرته باحثاً عن تاريخ آخر فرصة رطبت صحراء قلبه، فلا يظفر سوى بأفراح ممرورة كذوب.. تداعبه ذكري بنات الجامعة ذوات الصوت المبحوح من الهتاف فى المظاهرات.. يضيق الآن كل الكون.. ويعلن الخراب اكتمال حضوره وتمام سيطرته.. يلبس الولد الذى هو الآن فوق الثلاثين وتحت الأربعين "بنطلونه" الجينز وقميصه الواسع ويدس يديه فى جيوبه "ويشوط" طوب الأرض. وفجأة ينفجر بركان المرارة داخله.. وتتقلص ملامحه ومن بين أسنانه يقول: ما الذى يبقينى فى هذا البلد وقد أصبح غابة من صبار ترعى فيه جيوش اليأس.. لا مفر.. "الآن سآوى إلى بلد يعصمنى من الفول" وما كان الولد يعرف أن غيره يسمعه لذا فاجأه صوت الأولاد وهم يصيحون به "لا عاصم اليوم من البنك الدولى والأسطول السادس. ولن تعود بدر ولا فيتنام ولا حتى أفغانستان".

من منطقة "المرارة" هذه كتب عبدالمنعم الباز ثلاثا وعشرين قصة هى ما تحتويه مجموعته بقع القلب.. ناثراً فيها بقع قلبه وقلب الأولاد والبنات الذين هم فوق الثلاثين وتحت الأربعين.. يكتب الباز معتمداً على لغة مكثفة تكشف عما يعرفه تماماً ويؤلمه تماماً ويريد قوله تماماً مبتعداً عن خلق بطل "هو بالفعل غير موجود" لاجئاً إلى تراث من المرارة يبدأ باحتراق جمال حمدان ولا ينتهى بالبنت "سوسن" التي يكتب عنها "حين تميل فتاة ما برأسها إلي اليمين وهى تضع يدها فى خصرها، سأتذكر سوسن حين تختلط الدهشة واللامبالاة فى عينين خضراوين سأتذكر سوسن وحين أتبادل حديثاً عادياً جداً مع فتاة وأمسك فجأة فمى كى لا أقول لها "أحبك" سأتذكر سوسن.. سوسن يا إحباط القلب الرابع، أستطيع أن أصنع بعض الضوضاء وأنسى".

يتجول الباز بلغته البسيطة الشفافة فى حياة الأولاد راصداً "زمتة ظهيرتهم" وصداع آخر الليل.. جيوبهم الخاوية.. وحبيباتهم اللاتى تغضن بين عشية وضحاها.. وهو فى تجواله لا ينسى أنه كاتب قصة.. فلم تأخذه أبداً شهوة الكتابة.. فلا إطالة ولا ترهل.. هناك فقط جمل حادة تحوى ما فى القلب من وجع.. والباز خلال مجموعته يواصل رحلة البحث عن لغة لا تخص سواه تليق بكابوس هزيمة الروس وسيادة اليهود.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الملايين - 26 نوفمبر 1995


الثلاثاء، 24 أكتوبر 1995

إلى عماد أبو صالح.. العمر المديد لزوج نيرمين




كلما قرأت قصيدة نثرية قفز إلى ذاكرتى البصرية المشهد السينمائى «الغابر» لامرأة تستند إلى عمود إضاءة ووجهها يئن تحت وطأة أطنان من المساحيق تنفث دخان سيجارتها وتداعب بأصابع مرهقة خصلات شعرها التى جعدها المطر.. امرأة مستباحة «لا ترد يد لامس».. تدعو من رغب لإحياء ذكرى جمالها الراحل. وما أشبه قصيدة النثر «بخرابة» «يفك» فيها المضطر «حصرة» مشاعره.. وسرعان ما يتركها ويمشي غير مكلف نفسه عناء إلقاء حفنة من تراب يوارى بها «سوأة ما أفرز» من كوابيس وخبل وطلاسم وتهاويم.

والذى رسم هذه الصورة لقصيدة النثر ليس أنا بالتأكيد وإنما كاتبوها الذين يمارس معظمهم سطواً علنيًا على ما تيسر لهم من أشعار «رامبو» و«أدونيس» و«يمصرون» ما ينهبونه ويسمون أنفسهم شعراء.
ولكن يبقي هناك من «يتعب» نفسه وتحمله موهبته نحو فضاء الشعر ليعود محملاً بالأقمار والشموس والعصافير وقبساً من نور يضىء بها عتمة دمنا.
ومن هؤلاء عماد أبو صالح الذي أصدر عن نفقته الخاصة مؤخراً مجموعته «أمور منتهية أصلاً» التي وإن انتمت لقصيدة النثر إلا أن الشاعر حافظ فيها علي قدسية كينونة الشعر من حيث هي «تعبير مدهش عن تجربة حارقة».

كرس أبو صالح مجموعته لأحلام وأشواق وتجارب الواقفين - مثله - بساحة الشيخوخة المبكرة محتفيً بالولد الذي «حينما يعيرونه بساقه.. ويمنعونه من اللعب معهم.. كان يفرغ عجلة أقرب عربة ثم يقف مبتسماً.. وهي تسح من كشافيها قطرات نور حار.. وتعرج على ثلاث عجلات»

ويتمهل عند لحظة وداع محبين فيقول: "عند الوداع تتشبث كفه بكفها.. بالتأكيد سيتقابلان ثانية.. ليسترد كل منهما.. أصابعه"

و"نفض" أبو صالح "غبار" اليومي والعادي عن اللحظات الرتيبة التي تقتلنا ويعيد هندستها "بصرامة" "نافخًا" فيها روح الشاعر المقدسة ويجعل من عينيه "كاميرا" يقتنص بها المشاهد وتتكفل روحه الشاعرة بالحفاظ عليها "طازجة" ومن ذلك قوله: "مشبك في الشرفة.. يمنع ثوب امرأة وحيدة.. من أن يطير.. لجلباب رجل وحيد", ويسجل في تكثيف جميل احتفاء أم بجمال بنتها فيقول: "حينما ينطفئ المصباح فجأة.. تقول لها أمها: - التي نهرتها مراراً - عري ساقيك.. لنهتدي لمكان الثقاب"
ويبلغ التكثيف مداه عندما يسجل عماد أبو صالح انبهاره بامرأة جميلة في سطر واحد "حين تنفض قميص نومها.. تمتلئ الحجرة بفراشات بيضاء" وكأنما أغرته صورة الفراشة والمرأة فعاد إليها مرة أخرى "الفراشات الجميلة.. سيصنعن ثوب زفافك يذهبن.. فراشة.. فراشة.. ويتركنك عارية لي" وعلى هذا النسق تمضي المجموعة صانعة "نفحة" من الاندهاش الذي غاب عنا طويلاً فالشاعر يعتمد اعتمادًا شبه كلي على المقطوعات الصغيرة "المدببة" في إقامة علاقة حميمة مع قارئ نصوصه ناجيًا بنفسه ويشعره من الوقوع في "فخ" الأساطير الإغريقية والرومانية التي تخنق روح قصائد  أترابه التي لا تتماس ووجدان القارئ العربي إلا بشق الأنفس فليس في قصائد أبو صالح  إلا ما يعرفه هو ويؤلمه هو محددًا بذلك ملامح دمه الذي يشبه دمنا كثيراً إن لم يكن قطرة منه نحن الأولاد الصغار الذين يأسف لهم عماد قائلاً: "بكل أسف عملنا قوادين - نحن الأولاد القرويين الصغار - الذين حملنا بطاتنا.. ليضاجعها ذكور بطات الجيران".

والمقطوعات الصغيرة "المدببة" التي هي نواة المجموعة الصلبة أشبه ما تكون بالمشي فوق جمرات صغيرة تمهيدًا لأن يلقي الشاعر بجسده الأخضر في فوهة بركان اسمه "نيرمين وزوجها" عن الكتابة عن "محرقة" نيرمين يبطئ إيقاع الشاعر وكأنه يدعونا "للفرجة" على جرحه المفتوح, ويمطرنا بسيل من أسئلة العشاق الساذجة الطيبة المدهشة وكلها عن نيرمين شأنه في ذلك شأن أي محب يقسم أن محبوبته كائن نوراني لم يمسها من غبار الآدمية شيء
 يقف "الملدوغ" بنيرمين أمامها ويقول: "أهي امرأة كالنساء؟! لها مساحيق, وجارة تغار منها, ومطبخ صغير! هل تداهمها الإنفلونزا؟ وهل تتسخ ملابسها الداخلية؟ أكان لها - وهي طفلة - أبوان يتشاجران كل مساء؟ هل ضربها مرة مدرس الرياضيات؟ وهل سيحاسبها الله مهما ارتكبت من آثام؟ "إن ارتكبت أصلاً" وهذه الأسئلة كانت الوجه المضيء من القمر ولا مهرب من الوجه الآخر, فعندما تنفض نيرمين يديها منه يعمد إلى تعريتها من أثوابها النورانية التي كساها بها..
ومثل الأطفال عندما يغضبون يقولون كل شيء يصرخ "الملدوغ" بنيرمين  : "تداهمها الدورة الشهرية.. ولها زوج قذر يضاجعها مرتين أسبوعيًا.. وأبوان قذران لايزالان يضربان بعضهما.. لولا المساحيق لبدت بشعة جدًا نيرمين ثم إن مطبخها الصغير به بقايا فاصوليا.. وأوان كثيرة "وسخة" وهي - كذلك - شهوانية جدًا.. ييوهو هووه.. فتحت الباب فجأة وجدتها قريبة جدًا.. من رئيس العمل ويقال إنها تفعل أشياء.. ـ لو لم يكن للواحد أخوات بنات لذكرتها لكم كاملة ـ  والله - حتمًا - سيقذف نيرمين في جهنم يا إخواني
" وبعد "تعرية" نيرمين ظننا أنه قد "تاب" عنها ولن يعود لذكرها ولكنه فاجأنا بقصيدة أخرى كلها اشتهاء "لمجرد وجودها في الحياة" تمنى فيها أن يموت زوج نيرمين لكي تعود له ونسى أنها تفعل أشياء "استغفر الله العظيم" مع رئيسها في العمل.. بل مضى يرسم وبدقة كيفية موت الزوج ويوم موته بالتحديد :  "سيموت مساء الأربعاء القادم.. حين يضغط مفتاح الإضاءة ويده مبتلة بالماء.. إن منظرة مضحك جدًا.. والأباجورة ملقاة على مؤخرته.. والزبد على شفتيه اللتين قبل نيرمين بهما.. الأطباء وجدوا كرات ثلجية وهم يشرحونه بالمقصات والمشارط" . وتقوده الأماني بعد موت الزوج إلى الزواج بنيرمين : "سيكون شكل نيرمين رائعًا في الأسود.. أرملة صغيرة تستقبل المعزين.. منديلها عليها دمعة صغيرة. سرادق عزاء أم حفل عرسنا"؟!
ها قد مات المسكين وها هي نيرمين يلقي إليها "الملدوغ" بأوامره:

"أريد فاصوليا على الغداء يوميًا
يا نيرمين قلت لا تطلي من الشرفة, سأسمح أن تناديني أسبوعًا باسمه".
وقبل أن يكمل إملاء باقي شروطه يتذكر محسورًا أن زوج نيرمين لم يمت بعد فيعاود "الابتهال" "يموت يوم الخميس على أكثر تقدير".
ويا أيها الملدوغ بنيرمين،  زوجها لن يموت وإن مات فلن تكون لك, وإن أصبحت لك فستكون قد "شاخت" لا تقوى حتى على صنع طبق من الفاصوليا, ادع معي أيها "الملدوغ": العمر المديد لزوج نيرمين لتظل محترقًا بها ويتدفق دمك عليها شعرًا مدببًا مدهشًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار - الثلاثاء 24 أكتوبر 1995

الأربعاء، 11 أكتوبر 1995

هيكل وحمودة وأسئلة من الوزن الثقيل






لحظة حدوث محاولة اغتيال الرئيس مبارك تلفت عادل حمودة نائب رئيس تحرير روزاليوسف يبحث عمن يفتش معه عن بقعة ضوء في ظلام لحظة ارتجف لها بدن الوطن لم يكن حمودة يبحث عن «هتيف» يصرخ سيسقط الخونة» كما لم يكن يبحث عن «حاوي» يخرج من قبعة التاريخ «كتكوتًا» ملونًا يلهى به الأبصار ويضلل البصائر وينتزع «بصوصوته» التصفيق.. كما لم يكن حرج اللحظة يسمح بترف الجلوس إلى أكاديمي يغوص في «برك» الأكاديمية راميًا علينا طالب مصطلحات كذوب لا يفهمها هو ولا نحن.


ولأن اللحظة استثنائية فلابد من الذهاب إلي رجل استثنائى لايزال يعمل عقله ويقدر لرجله قبل الخطو موضعها.. ولم يكن الرجل سوي إمام كتاب عصرنا محمد حسنين هيكل.. وعليه فقد حمل حمودة منصبه كنائب لرئيس تحرير روزاليوسف «على كفه» وذهب لمحاورة هيكل.. لا مبالغة هناك.. فما أن بدأت روزاليوسف تنشر أولى حلقات الحوار الثلاث حتى هبت العواصف من كل جانب فكتب عبدالعظيم رمضان مقالات «ردح» فيها كعادته لهيكل وعبدالناصر وكل شىء وكل أحد وقامت «أكتوبر» و«الأهرام» بنشر المقالات ثم أخرجتها الهيئة العامة للكتاب في كتاب فخم قبل أن تنتهى «أكتوبر» و«الأهرام» من نشرها!!

وتوالت ردود الأفعال من داخل الوطن وخارجه كل حسب موقعه.. فالذين «مع» الجمود أقلقهم «عقل إجابات «هيكل» و«مشرط أسئلة حمودة» وأزعجتهم محاولة حمودة وهيكل صياغة موقف عقلاني يليق بقوة ما حدث في أديس أبابا والذين هم «ضد» الجمود والثبات وبقاء الوضع كما هو عليه جدد الحوار آمالهم في استيقاظ ضمير الأمة لتعرف كيف كانت وإلى ما صارت ولم يكن غريباً في هذا السياق أن يكتب الإرهابى شمعون بيريز وزير خارجية العدو الصهيونى رداً على الحوار.. وما أن جاءت الحلقة الثالثة والأخيرة من الحوار حتى انتشرت في الوسط الصحفى شائعة عن اقتراب ميعاد رحيل حمودة عن مؤسسته عززها ما نشرته جريدتا العربي والأهالى عن الموضوع نفسه، فقد قالتا إن ثمة مسئولين أغضبهم الحوار لما به من جرأة فى الأسئلة والإجابات معاً.. ولأنهم أي المسئولين لا يملكون تحجيم «عقل هيكل» فإنهم يستطيعون إقصاء «مشرط حمودة» عن مجلة «روزاليوسف».


والآن.. ماذا جاء في الحوار الذي أزعج الجميع وأصدره مؤخراً حمودة في كتاب مضافاً إليه ما سبقه من حوارات مع هيكل؟
في الحقيقة نظلم الرجلين لو أسمينا ما كان بينهما «حواراً»، فقد كبر كلاهما عن ثوب الحوار الضيق.. وامتد ليصبح محاولة جادة للفهم ولتقييم ما جري ولاستشراف آفاق تبدو ضبابية كانت أسئلة حمودة من نوع «الوزن الثقيل» فهو يسأل هيكل: هل يمكن أن تتخيل شكل السيناريو لو قدر الله ونجحت محاولة أديس أبابا؟ سؤال كهذا لم يطرحه قبل حمودة أحد.. ولم يجب عنه أحد قبل هيكل الذي قال في إجابته: سيدخل الجيش ويأخذ السلطة.. فليس هناك نائب رئيس.. والحكومة الموجودة لا تتمتع بمصداقية.. الوضع المتوقع أن يمد الجيش ذراعه ويأخذ السلطة.. والجيش منطقة محرمة لا نتكلم فيها ولا نعرف ما فيها، ومن ثم صورة الحكم القادمة في هذه الحالة.. مجهولة.. وهذه هي الكارثة.

ويعود عادل حمودة للسؤال: المثير للدهشة أن نتيجة الهزيمة في 1967 كانت التحدي، نتيجة الانتصار في 1973 السلبية والانكسار.. ويجيب هيكل: لأننا ببساطة غيرنا مجموعة القيم التي كانت تحكمنا ولأننا لا نتوقف للفرز ولا للقراءة.

وترتفع حرارة الأسئلة ويبحث حمودة عن مواقف «مصر الرسمية» من حكومة السودان وعن توصيف دقيق لمن دقوا طبول الحرب.. ويجيبه هيكل: الذين يطالبون بأن نقاتل السودان ألا يعرفون أنك حتي تقترب من الخرطوم ستقطع حوالي 1500 كيلو متر في العراء على مجري النيل.. وتصبح عرضة لحرب عصابات ليس لها حل.. ثم.. دم بينك وبين السودانيين.. مستحيل.. ثم هناك شروط للحرب مع السودان أولاً: الشعب المصرى لن يقبل أخلاقياً بالحرب مع السودان ولا الشعب السودانى سيقبل - ثانياً: العالم لن يتركك.. وستكون كارثة - ثالثاً: هذه حرب فوق وسائلك لأنه ببساطة أراضى السودان شاسعة جداً والسيطرة عليها وتأمينها مسألة مستحيلة وإذا قررت أن تضرب ضربة عقابية وتعود فهذا سيؤدي إلي تهديد دائم لمصالحك.. رابعاً: ما الذي تريده من هذه الحرب؟.. إذا تصورنا أن الحرب فرقعة سلاح فهذا خطأ وإذا كانت الحرب انتقاماً للكرامة فالثمن سيكون فادحاً هل تستطيع احتلال السودان؟.. هل تستطيع الوصول للخرطوم وتمسك به هو والبشير.. لا أحد يعرف ما الذي يمكن أن نجنيه من هذه الحرب.. ومن ثم فهي حرب تفتقد شروطها.


ويواصل هيكل إجابته عن السؤال المؤلم: لقد كانت مصر قادرة بتأثيرها ونفوذها المعنوى علي الوصول لكل قلب في الخرطوم.. فماذا جرى لنا؟ إجابة هيكل فتحت الباب أمام سؤال طرحناه جميعاً عن دور الصهاينة فيما جري ويجري ومرة أخرى يحلل هيكل الموقف نفسه دون الوقوع في فخ الإجابات الجاهزة. يقول هيكل: في كتابي «الحل والحرب» قلت إن موشى ديان كان يرى أن الحفاظ علي أمن إسرائيل لا يتحقق إلا بدخول العرب في تناقضات أمنية بعيداً عن إسرائيل وهذا ما حدث.. مصر الآن مشغولة بالسودان، وسوريا مشغولة بالعراق، والعراق مشغولة بالكويت، والكويت مشغولة بالأردن، والأردن مشغولة بقطر، وقطر مشغولة بالسعودية، والسعودية مشغولة باليمن، وهكذا...



 ويبقي من «الحوار الكتاب» الكثير من القضايا التي فجرها حمودة مع هيكل في رحلة بحثهما عن إجابة لأسئلة من نوع «الوزن الثقيل» على نفوس بعض المسئولين!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار - 11 أكتوبر 1995

الثلاثاء، 19 سبتمبر 1995

سيولد من يلبس الدرع كاملة





في الساعة التي تسقط فيها حصونك وتنهار قلاعك وتمحى سدودك ويأتيك العدو من فوقك ومن أسفل منك وتصبح يداك فارغتين من أي سلاح. تريث قبل أن تعلن تمام استسلامك وقاوم اكتمال دائرة هزيمتك وفتش داخلك. وحتماً ستجد السلاح القاطع لليل هزيمتك. إنه سلاح مخبوء لا يظهر إلا ساعة اليأس المحض. إنه سلاح الكراهية وهبه الله لكل البشر يستخدمونه فلا تنهار أرواحهم وما عليك وقد تخلى الرفاق وسقطت القلاع إلا أن تشهر سلاحك السرى في وجه قاتلك أجعل بدنك كله صخرة من جحيم الكره والبغضاء وارم عدوك بها. قل له لن أسامح، لن أغفر، وسأرضع أولادى تفاصيل تاريخك الدموى ويوما ما.

سيولد من يلبس الدرع كاملة

يوقد النار شاملة

يستولد الحق

من أضلع المستحيل *

.. وكنا نظن نحن الذين ماتزال عروقهم تجرى بها الدماء لا الماء. إن الأمة ستحافظ على مخزونها الاستراتيجي من سلاح الكراهية وقلنا فليفاوض من يفاوض وليهادن من يهادن وليستسلم من يستسلم ولكن روح الأمة ستبقى معبأة محتشدة بسلاحها حتى يأتى يوم النصر لا ريب فيه. ظننا أن «جمال بخيت» عندما صرخ:

ابن الصهاينة مايخدش من ليلك قمر

ابن الصهاينة ما يخدش من شجرك ثمر ولا تبتسم له في مؤتمر

كان يعبر عن روح أمة صامدة لا يمسها دنس النسيان محافظة علي توهج جمر الكراهية المقدس لاعنة من اغتصب أرضها وقتل أولادها وسرت في أجسادنا قناعة تقول «روح الأمة لن يطولها رجس النسيان» فعمينا عن حقيقة أخرى تقرر أن الأمة، أي أمة، شأنها شأن أي كائن حي لا تعيش بدون هواء وماء وطعام وقد نجح أعداؤنا يساندهم بعض عملاء الداخل في تسميم عناصر حياة الأمة، بل نجحوا فى زعزعة كل يقين وألقوا برمادهم على الأشياء، فما عادت الأمة تعرف خيطها الأبيض من الأسود. فأخذت تنسى وتصمت بل «وتصهين» ويوم الأربعاء 30/8/1995 جاءنا النذير العريان متمثلاً في رسالة نشرها بريد الأهرام لكاتبها الدكتور سراج الدين الحلفاوى وقد بلغت قسوة ما كشفت عنه الرسالة من حقائق حداً جعل الكاتب حسين كروم يصرخ فى عموده خواطر «الأحرار السبت 3/9/1995» هل هذا بلد؟ ورسالة الحلفاوى كان عنوانها «حج غير مقدس وحجاج غير مأجورين» وجاء فيها أن الحلفاوى مكث أسبوعًا على شاطئ الشيخ زويد شرقي العريش وهناك رأى كتلة خرسانية ضخمة يتجاوز ارتفاعها العشرين مترًا على أحد جوانبها نقش رمز سلاح الطيران الصهيونى وعلى الجانب الآخر عشرة أسماء لقتلى من هذا السلاح كانوا قد قاموا بغارة علي جيشنا غربى قناة السويس في معارك يونيه 1967 واستطاعت قوات دفاعنا الجوى إسقاط طائراتهم فهوت فى البحر ولم يعثر على أي أثر للطائرات أو الطيارين فأقام الكيان الصهيونى هذا النصب التذكارى على أرض سيناء تخليدًا وتكريمًا لهم!!

ويواصل الدكتور الحلفاوى تسجيل وقائع رحلته الفاجعة فيقول: يومياً ومن السابعة صباحًا وحتى غروب الشمس تتوافد عشرات من «أتوبيسات» السياحة المصرية حاملة آلاف المصريين الذين يصعدون بكل همة إلى حيث هذا الصنم الصهيونى ويأخذون في الطواف حوله «منبهرين» مسجلين هذه اللحظات بكاميراتهم.

ولم يجد الحلفاوى أمامه سوى القيام باستطلاع حول هذه الكارثة فقام بتوجيه ستة أسئلة إلى عينات عشوائية من هؤلاء «الحجيج الأنطاع» وقد جاءت إجابات 95٪ من «الأنطاع» كالآتى:

س: هل تعرف حقيقة هذه الصخرة؟

ج: نعم هي نصب تذكارى لضباط سلاح الطيران الإسرائيلى الذين سقطت طائراتهم فى البحر.

س: هل زرت النصب التذكارى لشهدائنا المقام فى مدينة نصر؟

ج: لا.

س: هل زرت النقطة الحصينة الباقية من خط بارليف الذي اجتاحه أبطالنا فى حرب 1973؟

ج: لا.

س: هل زرت بانوراما حرب أكتوبر المقامة بجوار استاد القاهرة؟

ج: لا.

س: هل زرع المتحف الحربى بالقلعة؟

ج: لا، ولا أعرف أين هو.

س: مش مكسوف من نفسك؟

ج: لا.

عند هذا الحد لم يعد بمقدور الرجل توجيه أي سؤال، فهؤلاء مصريون لا شك أن لهم قريب أو صديق أو جار أو حتى «معرفة» قد سفك الصهاينة دمه ومع ذلك يقومون «منبهرين» بالحج إلى صنم صهيونى يمجد ويخلد ذكرى السفاحين القتلة.

وهذا - وللأسف - لا يعني سوي أمر واحد فقط وهو أن دائرة الهزيمة قد اكتملت، فها هو «الشعب» يحج إلى صنم قاتليه «آلاف من الشعب» يمثلون بلا شك جميع عناصره وكل طبقاته وليت الأمر قد اقتصر على هذا الحج، فقد فجعنا الأستاذ مصطفى بكرى في عموده «بالعقل» الأحرار السبت 2/9/1995 عندما فضح الاتفاق الذي وقعته شركة مصر للطيران والعديد من شركات التصدير المصرية مع شركات تصدير المنتجات الزراعية الإسرائيلية ويتم بمقتضى هذا الاتفاق قيام الشركات المصرية بنقل المنتجات الصهيونية إلى منطقة الخليج العربى، أليس هؤلاء مصريين؟ ألم يسمعوا بمذابح الأسرى المصريين؟ وأخيرًا هل بقى شيء لم يسقط؟ والسؤال كيف نعيد تعبئة الأمة ضد القتلة؟! وأزعم أن النقطة الأولى فى الإجابة على هذا السؤال هى:

أن ننشأ إدارة لعموم الخيانة تكون أولى مهامها تنظيم أمور الخونة ودفع رواتبهم وإقامة السباقات بينهم حول من يخون أكثر حتى يأتى يوم حسابهم على أيدى رجال سيلبسون الدرع كاملة يوقدون النار شاملة يستولدون الحق من أضلع المستحيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من أشعار أمل دنقل 
الأحرار - الثلاثاء 19 سبتمبر 1995   

الأربعاء، 19 يوليو 1995

بهاء طاهر: مـــا أخبــــارهــا ضـــــحى؟!







قبل عشر سنوات من الآن أفرج بهاء طاهر عن دمه فتدفق علينا صافياً، أخضر كدماء الشهداء وكعادة الأدباء راوغنا وأسمى دمه "رواية" وأسمى روايته "قالت ضحى" ،والأسبوع الماضي اتم بهاء عامه الستين وماتزال ضحى تشغله وتشغلنا فمن ضحى؟! 

"ولكل وجهة هو موليها" ولكل ضحى هو ذبيحها نعيش قبلها موتى يلفنا صقيع الوحدة نبعثر ليالينا على مقاعد المقاهي الفاسدة الهواء، يمتصنا وجع الغربة، نحاول الرجوع لأرحام أمهاتنا نحتمي بها من وقدات نهارتنا الجهنمية.. يصبح العدم غولاً يفترسنا.. 

وساعتها وفي تمام اليأس ينظرنا كبير ملائكة الرحمة تأخذه الشفقة بنا فيعقد لأجلنا إتفاقاً غير مسبوق مع كبير أبالسة الشر فيرمينا "بالبنية" ضحى ..

فجأة تنتصب أمامنا نخلة مغسولة ولامعة وطازجة "كأن الله فرغ لتوه من خلقها" "نحسب الحسبة" ندرك أنها البنت "الصح" في الزمان الغلط ومع ذلك نندفع نحوها وليذهب كل شىء إلى الجحيم، تلتقي عيوننا بعيني ضحى، يتجلى ومض إلهي يحذرنا: ستحرقون، نضع أصابعنا في آذاننا، ما ضحى إلا محرقة لقلوبكم، نستغشى ثيابنا .. انها ضحى البنت الصح فكيف نتركها؟؟ 

تهز ضحى كتفيها بدلال لقد رضينا بالصفقة نحبها، وتحرقنا، تنظرنا ضحى تبدل ملامحنا، تغير ايقاعات اصواتنا، تخلقنا ثانية، ونعترف بين يديها .. كان العالم قبلك بلونين اثنين "أبيض وأسود" معك نرى قوس قزح للمرة الأولى.. 

وتعطينا ضحى الفرح النادر "لن يتكرر ثانية؟!"، وتهبنا الأمان دائماً، ضحى بطعم الأمان ترمي حضورها على أشيائنا فنعيد معها البحث عن معنى جديد "لأوف" التي تطلقها فيروز فتكهرب الكون وتقنعنا ضحى أن نجاة غنت من أجلنا "الحب معاك يا روح قلبي خلقني من تاني والحب معاك بجناح وردي ع السما مشاني"، نشمخ بضحى نشكر الله كثيراً أن جعلها لنا، تنام كف ضحى العصفورية في يدنا ويرتفع نشيدنا 

سامحت بيك أيامي 

صالحت بيك الزمن 

ونسيت معاك آلامي .. ونسيت معاك الشجن 

اللي شفته قبل ما تشوفك عينيا 

عمر ضايع يحسبوه ازاى عليّ 

يصبح اسمها وردنا الليلي، نردده فيسكننا حزن نبيل وكأننا نقرأ سورة مريم، نفتح لضحى بوابتنا كلها نهبها القلب كله .. العمر كله.. والعشق حتى منتهاه.. 

ننتمي لمزاج صباحها ومسائها، نقدس تراب قدميها نحدد بها جهات الصواب والخطأ وخانات الأشقاء والأعداء، تصبح ضحى آباءنا الذين ذهبوا مبكراً وأمهاتنا اللاتي طردنا من هناءه أحضانهن، تصبح سماؤنا وأرضنا ونيلنا وعشبنا.. ولما لا؟ وقد أنفقنا العمر كله بانتظارها.. ولما لا؟ وقد حاربنا لكى نظل أبكاراً فتخشنا ضحى.. ومثلما انتصبت أمامنا فجأة نخلة من حنان وقسوة ..

 فجأة تنفض يديها منا وكأننا تراب الشوارع رخيص ومهان، نصرخ.. نبكي.. ننزف.. نأخذ في العواء لماذا يا ضحى، يا مقدسة، يا هبة الرب من أين جاءتك روح "ست" ؟! 

الم تعدينا أن تكوني "إيزيس" وتلملمي أشلاءنا؟! لماذا يا ضحى.. وقد وهبناك العمر كله وأوقفنا عليك دماءنا وكان فيك قيامنا وركعونا وسجودنا، لماذا تغادرينا فتعمى أبصارنا وبصائرنا، ترتدي ضحى الصمت.. ويطن السكوت كأنه ذباب المقابر.. يهرع لنا الأصدقاء من بقى لنا منهم، الم تأخذنا ضحى إلى عالمها هي؟! يشيرون علينا بالنسيان، هل يجدي مع العشق النصح؟! 

نصرخ في وجوههم.. كيف ننسى من اتخذت من ضلوعنا سريراً؟! 

نحاول العودة إلى مقاهينا فاسدة الهواء، تشجب ضحى.. نتزوج.. ننجب أولاداً، بين الحين والآخر تشاغبنا ذكراها فننادي زوجاتنا باسمها، ثم نعتذر، تخرج علينا من بيت شعر، أنين ناى.. مشهد سينمائي.. فنوبخ قلوبنا التي ترتجف أن ذكرت ضحى بخير أو بشر. 

الست واعدتني يا قلب أني 

إذا تبت عن ليلى تتوب 

فها أنا تائب عن حب ليلى 

فمالك كلما ذكرت تذوب 



ونصرخ لماذا تظل ضحى في أصفى قطرة من دمنا مقيمة؟! وكلما حرقنا بعادها هرعنا إلى جنات خطاباتها وخصلة من شعرها كانت أهدتها لنا وبقايا وردة محنطة في قلب كتاب نضعها فوق قلوبنا لتسكن.. وعندما تهاجمنا ذكرياتها دفعة واحدة نصنع ما صنعت يا عم بهاء ننزف ونسمى نزفنا رواية ونسمي روايتنا "قالت ضحى" عم بهاء ولقلبك المجد ان عشق ضحى، ولقلمك العافية أن خلدها ولنا نحن قتلاها الصبر فقد رضينا "بالصفقة" أن نحبها وتحرقنا. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة الأحرار في 18 يوليو 1995

الثلاثاء، 4 يوليو 1995

«الخنقشوع» يطارد أمل دنقل!!



فى ذكرى رحيله الثالثة عشرة..

«الخنقشوع» يطارد أمل دنقل!!


 


فى صيف 1983 الحارق والبخيل كصيفنا هذا وبينما شاعرنا أمل دنقل يصارع وحوش السرطان طلب منه رئيس اتحاد كتاب مصر «كان ومايزال وغالبًا سيظل» ثروت أباظة تقديم التماس «شهادة فقر» لكى يحظى بمعونة مقدارها خمسون جنيهاً!!.

وفي الصيف الماضي كشفت "الأحرار" عن قيام سيدة مجهولة وجهول بسرقة قصيدة من عيون شعر أمل دنقل وبعثت بها إلى مجلة إبداع التى نشرتها دون أن يلتفت القائمون علي المجلة وهم من أصدقاء شاعرنا إلى هذه السرقة الخسيسة.

ومن ناحيته أصر الناشر " مدبولى " على ألا تفوته فرصة المشاركة في المهرجان الصيفى للاعتداء على تراث أمل دنقل فأصدر منذ أيام طبعة جديدة لأعماله الشعرية تراكمت فيها أخطاء فادحة ومن تصفحي السريع للطبعة الجديدة خرجت بهذه الحصيلة من «الأخطاء الخطايا» ففي صفحة 27 ومن قصيدة خمس أغنيات إلى حبيبتى نجد هذا البيت:

«وقد جاءني الهواء

بكلمة من فمكلذا تركته يقيم»

والسؤال ما هذا «الفمكلذا»؟

والجواب لدي مدبولى الذى أعاد كتابة قصيدة «الآخرون وأنا» وضمنها صفحة كاملة من قصيدة نجمة السراب!!.

أما في صفحة 45 وفي قصيدة كريسماس فقد راح الناشر يدلل القائد الروماني الأشهر نيرون ويجعله «نير» . وعندما جاءت قصيدة لا أبكيه صفحة 69 شطب الناشر الإهداء إلي طه حسين ربما لأن اسم طه حسين «حرام»!!

وفي صفحة 104 من قصيدة شيء يحترق نجد هذا الشطر.

«ويعود إلى الاذا لحلق» ومرة أخري نصرخ ما هذا «الاذا لحلق»؟؟ والإجابة لدي الناشر أما المقطع العاشر من قصيدة كهل صغير السن فيبدأ هكذا.

«الوطنى في ليلة الزفاف في التوهج المرهق» ولفهم المقطع فإننا نحتاج إلى متخصص في السريالية لا في النحو والعروض ، ولأن شاعرنا حرم من ممارسة لعثمة الطفولة لانتمائه إلي عائلة عربية أزهرية فقد تفضل الناشر برده إلي أيام الطفولة وجعله يقول في صفحة 186 قصيدة إجازة فوق شاطئ البحر «زددية يرو لنا الحكمة الصائبة» وما هذه «الزددية» إلا لعثمة طفولة من الشاعر!! أما أغرب الأخطاء فهو ما جاء في صفحة 193 قصيدة الموت في لوحات " رسائلى للأرض ترد دون أن تفض يميلصبهف ظلي في الغروب دون أن أميل" وقد جلست والأصدقاء ساعات لنعرف ما معني «يميلصبهف» دون جدوى، وفي صفحة 325 من مقدمة ديوان «العهد الآتي» أصر الناشر علي أن يعيد كتابة الإنجيل ذاته قائلاً علي لسان السيد المسيح: " لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يافعون عني " يقصد طبعاً يدافعون ، ومثلما بدل وغير في شعر أمل صنع ذلك مع الكتب السماوية مضيفًا إليها كتابًا جديدًا اسمه العقد الجديد!!

وفي قصيدة «صلاة» وهي واحدة من أعظم وأشهر أعمال شاعرنا نجد هذه الفقرة «والصمتبين خيوط يديك المصمغتين يلف الفراشة والعنكبوت» ومرة ثالثة نقول ما هذا «الصمتبين»؟ وفي صفحة 376 ومن قصيدة «المزامير» نقرأ " لماذا إذا تهيأت للنوم يأتي الكمان؟فأصغي فه أتيا من مكان بعيد". ولا أحد بالطبع يعرف معني «فه» هذه وفي السطر الأول من قصيدة «مراثى اليمامة» نجد هذا التركيب اللغوى العجيب صار ميراثنا في يد «الغرباوي» لا وجود لها «للأسف» في لغتنا العربية. وكل ما ذكرت من أخطاء كان حصيلة لقراءة سريعة فيا تري ماذا سيكتشف من يعطيه الله المقدرة علي الجلوس إلي الديوان ومطالعته بدقة وصبر؟ وليسمح لي السيد الناشر بطرح بعض الأسئلة: هل اكتشفتم سيادتكم أن أمل دنقل شاعر فارسي مثلاً حتي تكتب علي لسانه كلمات مثل «يميلصبهف، الاذالحق، فمكلذا» وغيرها من الكلمات ذات الجرس الفارسي والتي لا وجود لها في العربية ثم لماذا خلت الطبعة السابقة من الأخطاء لتتراكم في هذه الطبعة وأنت ناشر الطبعتين؟ ألم تدفعك الملايين التي تتدفق علي خزانتك لتدفع ملاليم لمصحح يراجع الديوان؟ وبعد فما صنعه الناشر بشعر أمل دنقل يوجب علي كل المثقفين رفع دعوي قضائية ضده لإعدام هذه النسخة المشوهة حفاظاً علي تراث واحد من أكبر شعراء وطننا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار في4/ 7/ 1995

الأربعاء، 21 يونيو 1995

سحابة في السماء.."ماله القمر حزين؟؟"





الإسم: إمام محمد عيسى

محل الميلاد: أبو النمرس – جيزة

تاريخ الميلاد: يوليو 1917

تاريخ الوفاة: الأربعاء 7/6/1995

مثل القبلة الأولى كان .. عفوياً وحارقاً وعفياً وخجولاً ومربكاً .. كان مثلها تماماً .. مشحوناً بوعود غامضة وأشواق مستحيلة وعذاب "منتظر" مقيم..

يصعد منصة قاعة جمال عبدالناصر بحزب التجمع مساء الأربعاء 23 يوليو 1985 تشتعل القاعة بالتصفيق، يشير لنا نحن "خضر القلوب" بعلامة النصر تطول قامته تصبح صفصاف تحط عليها قلوبنا تبارك أغانيه تمجد حنجرته ، تقدس أوتار عوده.


ينحني على العود يأخذه في تجويف صدره يسمعه دقات قلبه يطعمه دفء ضلوعه ، يصحو العود بين يديه، نسمع الأوتار وهي تتمزق خارجة عن كينونتها الأولى لتصبح شيئاً اسطورياً له حلاوة "رجوع الحق لصاحبه" ومرارات الفقد وأوجاعه.



لم تكن قلوبنا قد حطمت الرقم القياسي في حصد جوائز الهزائم المجانية اليومية ولم تكن أفواهنا قد سكنتها "مضغة" الصبار التي كتب علينا أن نظل نلوكها أبداً ، ولم تكن أعيننا قد انفتحت على مشهد مؤخرات الزعامات والأيدلوجيات والأفكار عارية من غير "لباس" ، كما لم تكن حبيباتنا قد هجرننا وإلى الأبد ، تصايحنا من كل جانب كلٌ يريد أغنية بعينها ، ارتفعت موسيقى عودة وجمح صوته "كانساً" عتمة "الفردية" وجامعاً الكل في ترنيمة واحدة منشداً دور يا كلام على كيفك دور

خلى بلدنا

تعوم فى النور

إرمي الكلمة في بطن الضلمة تحبل سلمى

وتولد نور

دور يا كلام على كيفك دور

ونكمل نحن باقي الأغنية بأصواتنا التي بحها الحماس

عم إمام عنده كلام ومسوح في بلاد الناس

من شوق نوله

يغزل قوله ويغني مرفوع الرأس



ويتدفق نهر الأغاني واحدة لفلسطين وثانية لبيروت وثالثة "لطهران الثورة" ودائماً وأبداً هناك مصر، يلتفت بكل قلبه ونور بصيرته يمجد بناتها، في الجامعة كن أو واقفات أمام دكاكين العطارة في الغورية والحسين يغني " لعبدالودود" موصياً اياه أن تظل نيران الثأر مشتعلة في قلبه.

ع اقولك وانت خابر كل القضية عاد

ولسة دم خيك

مشباش التراب حسك عينك

تزحزح يدك عن الزناد

وما كنا نسمح له أن يكف حتى يغني

كان جدي كبير السن وكان بيقولي كلام زى القرآن

الحق عجوز وقديم ويغر

لكن ما يموتش وله طلاب

والتار قنطار فوق كتف الحر

والصبر فى وقت البلوى عذاب

والعزم صديق فى الوقت المر

ولا غير العزم تلاقي صحاب

والأرض براح

وان داسها الذل تضيق بالناس

والخضرة تموت

ويعربد فيها البوم اجناس

ولا تبقى حياة

ولا يبقى نظام

ولا خطوة تسير الناس قدام ولا تعرف بكرة حيجي بايه

ولا تفهم معنى لأى كلام

لم نكن ننظر اليه أبداً بوصفه فناناً أو سياسياً لأنه ظل دائماً قائدنا نحو "سنة أولى سياسة" برفق تكشف لنا حنجرته ماوراء الستار نغني معه فنتيقن أن أمريكا ضعيفة وأن فيتنام قوية وأن الخيانة لن تكون يوماً وجهة نظر نصرخ معه.

احنا مين وهما مين

احنا قرنفل على ياسمين

احنا الحرب حطبها ونارها

واحنا الجيش اللى يحررها

واحنا الشهدا فى كل مدارها

منتصرين أو منكسرين

احنا مين وهما مين

احنا الفعلا البنايين

احنا السنة واحنا الفرض

احنا الناس بالطول والعرض

من عافيتنا تقوم الارض

وعرقنا يخضر بساتين

ثم جرت في النهر مياه كثيرة وما عاد أحد يدعو الشيخ إلى الحفلات والندوات التي كانت تقام في الأساس للإستمتاع إلى أغانيه أصبحت المعارضة علنية"فباخت" على حد وصف صلاح عيسى.. وسقطت الأحزاب في "النصفية العاهر" وأغاني الشيخ لا تدعو سوى للواحد الصحيح الشعب، الوطن الحق، الحرية.. ولم يعد في أيدينا نحن الذين كنا "خضر القلوب" إلا أن نفسح مكاناً لأغاني الشيخ في حجرة ذكرياتنا نستدعيها ونقول والله زمان.

وفي صباح الأربعاء 7 يونيو 1995 كنا وقد ضاقت قلوبنا نتجمع في نقابة الصحافيين نحاول صنع موقف يواجه طوفان قانون الإزدراء تعمل في داخلنا أغاني الشيخ تصرخ فينا.

الجدع جدع والجبان جبان

في هذا الهول أعلن الشيخ للمرة الأولى تخليه عنا رحل تاركاً أمانيه وأشواقه المستحيلة، وكأنه كان يوبخ قلوبنا برحيله المباغت عالماً أننا سنفتقده مثله مثل البدر في الليلة الظلماء عارفاً أننا لن نبكيه كما يجب فقد اختار يوم الهول يوم وداع وبرحيله اكتملت الدائرة ليصبح نهارنا جهنمياً وليلنا يشكو قمره من ملاحقة السحائب السود له لنغني مرة آخرى

سحابة فى السما

ماله القمر حزين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة الاحرار:الاربعاء 21 يونيو 1995

الأربعاء، 24 مايو 1995

سيد حجاب يرد على الفاجومي



 
نجم دخل السجن مزوراً وغادره مؤرخاً!!





أن تحاور شاعراً فهذه مشكلة وعندما يكون الشاعر في قامة وجموح "الفاجومي" الشاعر احمد فؤاد نجم فأنت بلا شك تلقي بنفسك في أحضان دوامة من المشاكل.. وهذا ما غامرت " جريدة الأحرار " وقامت به على مدى الأسبوعيين الماضيين ووجدها نجم فرصة ليمتطي صهوة "فاجوميته" ويفتح النار على الجميع بداية بياسر عرفات ومروراً بالشيخ إمام عيسى ونهاية بسيد حجاب وعبدالرحمن الأبنودي وعبدالرحمن الخميسي.

فعلها نجم وعاد لبيته وتركنا في مواجهة هواتف الغاضبين من القراء الذين طالبونا بالتحاور مع من طالتهم رصاصات حديث الفاجومي.. وهكذا أصبحنا في مأزق جديد فياسر عرفات "مشغول لشوشته" في مطاردة "إرهاب حماس " الموجه ضد أصدقائه الصهاينة!! والشيخ إمام لا نعرف له مكاناً والأبنودي"كبر دماغه" من زمان بعيد ولم يعد يعنيه تصحيح وقائع تمس شرفه الشعري والسياسي وعبد الرحمن الخميسي من سيذهب اليه لن يعود لانه توفى الى رحمة الله من سنوات وهكذا لم يعد أمامنا سوى الذهاب إلى الشاعر الكبير سيد حجاب الذي استقبلني وهو يرتجف غضباً من هجوم نجم عليه وامامي تحدث حجاب مع نجم بالتليفون وقال له بنبرات حادة وحاسمة "يا نجم ما ذكرته عني محض أكاذيب ولى حق الرد عليك ثم اللجوء إلى القضاء" ومن ناحيته تمسك نجم بآرائه تاركاً لحجاب اتخاذ المواقف التي يريدها. وبعد هدوء ثورة حجاب سألته

س: ما قصة اعتقالكم؟

ج: الشاعر الأستاذ أحمد فؤاد نجم روى لجريدتكم حادثة اعتقالنا بشكل مضحك فقد ذكر أنني والأبنودي وعبدالرحمن الخميسي كنا نجلس على مقهى "إيزاقتش" ونباهي بشيوعيتنا لكى يقبض علينا فنشتهر!! وبعد أن تحققت "أمانينا الغالية" وتم اعتقالنا لم نصبر على فراق المقهى وطلبنا قائد المعتقل لنوقع امامه على استنكارات لما نعتقده من أفكار!!

ليس هذا فحسب بل جمح خيال الأستاذ نجم فأضاف أن زوجاتنا قد ذهبن بأوامرنا إلى السيد شعراوي جمعة لكى يفرج عنا.

والحقيقة غير ما ذكر نجم تماماً وتقول أوراق القضية كما هو ثابت بوثائق وزارة الداخلية أنه في أكتوبر من عام 1966 تم اعتقالي ومجموعة من الأصدقاء أذكر منهم الأساتذة صلاح عيسى، عبدالرحمن الأبنودي، جمال الغيطاني، جلال السيد، محمد العزبي، على الشوباشي، غالي شكرى، سيد خميس، كمال عطية، وآخرين ووجهت لنا تهمة تكوين تنظيم شيوعي صيني على علاقة بالقوميين العرب، ومحاولة التسلل إلى قلب الإتحاد الإشتراكي، وبعد التحقيقات التي استمرت لمدة ستة أشهر، تم الإفراج عنا بدون أن يكتب واحد منا أى استنكار لأفكاره بل اعترفت أمام "منير محيسن" أحد أهم ضباط قسم مكافحة الشيوعية بأنني أنتمي للفكر الماركسي اللينيني وعلى هذا فلا أعلم من أين أتى نجم "بحكاية القهوة" والإستنكارات كما لا أعلم من أين آتى باسم الشاعر الراحل عبدالرحمن الخميسى في القضية الذي لم يكن له أى دخل بها وأنا اتحدى نجم أو غيره أن يثبت "تلفيقة" الإستنكارات التي طعن بها نجم شرفنا السياسي ولقد تناولت كتابات عديدة وقائع قضيتنا بدون أن تشير أى منها إلى كتابتنا للإستنكارات واشير بصفة خاصة إلى كتابات عبد الغفار شكر التي تناولت هذه الفترة من تاريخنا وأعود لأكرر أنني أتحدى نجم أن يثبت حكاية الإستنكار هذه .

س: ذكر الشاعر احمد فؤاد نجم أن زوجاتكم ذهبن لمقابلة شعراوي جمعة يطلبن وساطته للإفراج عنكم فما ردك؟

ج: بداية أقول أن نجم قد يصلح للقيام بأعمال كثيرة ولكن ليس من بينها بالتأكيد أعمال المؤرخين فقد تكالبت عليه عوامل السن وأشياء آخرى ليخرج علينا في النهاية بقصص ليس لها من الصحة نصيب وما ذكره عن زوجاتنا صحته أن زوجتي ومعها السيدة عطيات الأبنودي والسيدة حرم المرحوم كمال عطية قد توجهن من تلقاء أنفسهن في محاولة للاستعلام عن مصائرنا إلى العديد من الجهات المعنية بأمر المعتقلين السياسيين مثل لجنة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان بل وقابلن الفيلسوف جان بول سارتر ورفيقته سيمون دى بيفوار اللذين كانا في زيارة للقاهرة ولما كثرت تحركات زوجاتنا استدعاهن شعراوي جمعة أمين التنظيم السياسي ليسمع شكواهن وبعدها أستدعانا كمال عطية والأبنودي وأنا ليستوثق من موقف الأجهزة التابعة له في قضية اعتقالنا ودار بيننا حوار حاد تحدثت فيه عن خطورة نمو رأس المال الخاص من باطن القطاع العام وكل ذلك يحدث تحت شعارات الإشتراكية، وتحدث الأبنودي عن دهشته من موقف الدولة المنادي بالإشتراكية واستمرارها في الوقت نفسه في اعتقال الإشتراكيين ولم يحدث أى تراجع في موقفنا ولا استنكار لأفكارنا مثلما ذكر نجم والذي لا يرى في أى حوار مع أى جهة إلا مفاوضات ومساومات وبيع وشراء لقد افترى نجم حتى على رفيق عمره الشيخ إمام عيسى وقال في نفس حديثه أن إمام قبض 25 الف جنيه مقابل "شتيمتي" وأضاف أن إمام يمتلك 4 ملايين جنيه.

ولو سئل إمام فربما يقول كم آخذ نجم ليسبنا جميعاً وموقف نجم ليس غريباً لأن بعض أصحاب المواهب في وطننا صغار النفوس ولذلك اعتادوا عرض مواهبهم مفروشة للإيجار لمن يدفع الثمن ولقد باع الكثير منهم شرف كلمته للأنظمة الفاشية في المنطقة بدعاوي الثورية وأرجو من القارىء مراجعة حوار نجم ليعرف كيف تكلم عن ياسر عرفات وأعود وأذكر نجم أن شعراوي جمعة الذي يتهمنا بالعمالة له هو الذي فتح له أبواب الإذاعة بعد وساطة من الأستاذين محمد عروق الذي كان رئيساً لإذاعة صوت العرب والناقد رجاء النقاش ليقدم نجم وإمام برنامجاً يومياً وهو الشىء الذي لم تقدمه الدولة لصلاح جاهين ولا الأبنودي ولا لي.




س: ومتى تعرفت على نجم؟

ج: لقد عرفت الأستاذ نجم في عام 1966 وهو مزور صغير خارج من السجن ويحتضنه يوسف السباعي ويصدر له ديوناً رديئاً يحتوي عدداً من القصائد المسروقة من فؤاد حداد ومتولي عبداللطيف وكان يستعد في هذه الفترة لإصدار ديوان عن الأهلي والزمالك ولم يكن قد التقى بالأستاذين فنان الكاريكاتير العظيم حجازي والشاعر الكبير فؤاد قاعود اللذين قاداه في رحلة عظيمة لإكتساب الوعى الثوري واكتشاف دوره في حياتنا الإجتماعية وهوالدور الذي لعبه نجم بكل براعة في صياغة موقف ثوري في مواجهة النكسة وأنا أحترم هذه الرحلة التي خاضها نجم لينجو بنفسه من عوالم الحثالات الفكرية التي أتى منها ولكنني في الوقت ذاته أرفض محاولاته لتلويث شرف الآخرين بغير بينة ولا دليل ولذا أجدني مضطراً للجوء للقضاء لأفضح افتراءاته فيما يتعلق بي فأنا واحد من الذين لم يعرضوا مواهبهم مفروشة للإيجار لا ليوسف السباعي ولا لشعراوي جمعة – الذي احترمه كثيراً – ولا للسادات ولا لأى نظام عربي ولم أستهدف طوال رحلتي الا وجه الحق والخير والجمال والشعب الذي أتيت من بين صفوفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة الاحرار: 24 مايو 1995

الأربعاء، 22 فبراير 1995

فــؤاد حـــداد "يا ريتني أعمى أشربك باللمس"




الإسم: فؤاد سليم حداد

تاريخ الميلاد:30/10/1927

محل الميلاد: القاهرة

المهنة مسحراتي مصر

عدد الأعمال: 36 ديواناً ، عشرة منهم لم يطبعوا بعد!!

تاريخ الوفاة: 1/11/1985

الملامح : انظر الصورة

منذ أن وعينا على الدنيا ونحن نعرف أشياء منها أن يوم الجمعة للصلاة بالمساجد والأحد لنستمع لرنين أجراس الكنائس وأن الأسبوع به سبعة أيام وأن فؤاد حداد هو مسحراتي مصر، وليلة العاشر من رمضان تحلقنا نحن أهل الذين عبروا حول أجهزة الراديو منتظرين فؤاد حداد ليعطر أسماعنا بشعر من زمن البطولة.

فوقنا رفرفت – منتشية – أرواح الشهداء لتاخذ نصيبها من غزل الشاعر بها. طال انتظارنا لكنه لم يأت، انصرفت أرواح الشهداء غاضبة ( بهذه السرعة بهتت ذكرانا ؟) لم تكن لدينا إجابة. كانت الساعة تعلن تمام الهيمنة الصهيونية فمنع عنا صوت فؤاد حداد وهو يصرخ فينا:

الأولى نمشيها خطوة ثبات

والثانية خطوة نبات

والثالثة عالدبابات

وجاء إلينا من يحدثنا عن "اللحمة الفاسدة" وكأن هناك شيئاً لم يفسد بعد. وفؤاد حداد واحد من قبيلة "شاغلي الناس" كان يدرك هو ذلك فلم يتردد في إعلانه .

يا اسمر يا روحى يا متداد النيل

الثانية مشيت قد الفين ميل

على قافية متقدرلها تحميل

الفين سنة ويفضل كلامي جميل



كان ميلاده بالقاهرة لأب مسيحي ينحدر من أصول لبنانية ويعمل أستاذا بالجامعة.. ولان الشوام الكاثوليك والبروتستانت بصفة خاصة لا يعرفون لهم حضارة الا الحضارة الإسلامية ولا لغة إلا العربية فقد انتمى فؤاد حداد إلى هذه الحضارة وتشربت روحه اللغة العربية حتى لقب "بمتنبي العامية" والإنشغال بالعربية لم يهمله اللغات الآخرى وبخاصة الفرنسية التي ترجم عنها رائعة أراجون "عيون إلزا" وقبل الثورة بقليل أصدر أول دواوينه "أحرار وراء القضبان" مجد فيه الشعب وعماله وفلاحيه وكشف عن توجهه الإشتراكي الذي سيلازمه طيلة حياته، ومع أول صدام بين الثورة واليسار وجد فؤاد نفسه معتقلاً في الفترة ما بين 53 إلى 1955 وبعد الإفراج عنه أعلن إسلامه ليتفرغ بكليته لدين وحضارة ولغة تعشقها روحه في هذه الفترة تكاتف وصلاح جاهين ليقفزا معاً بشعر العامية إلى منطقة لم تكن ظروف بيرم التونسي الرائد الكبير تسمح له بالوصول إليها.

ذهبت به أيدلوجيته الإشتراكية إلى المعتقل مرة ثانية ليقضي مع رفاقه خمس سنوات كاملة من عام 1959 إلى 1964 ولكن هذا العذاب لا يزيده إلا إصراراً على مزيد من الإنتماء لتراب الشوارع وعرق العمال وخضرة الفلاحين وتشهد سنوات الستينات تعاونه مع صوت وألحان سيد مكاوي ليقدما معاً المسحراتي هذا العمل الذي يؤرخ لكل ما هو مصري عربي من رائحة ليمون يافا إلى قسوة جرانيت السد العالي، حتى أصبح المسحراتي ركناً ركيناً في الليل الرمضاني.

تدق الطبلة ويعلو صوت سيد مكاوي حاملاً كلمات حداد

ولا في قلبي ولا عينيه إلا فلسطين

وأنا العطشان ما ليش ميه إلا فلسطين

ولا تنقل أرض رجليه

وتكمل خطوتي الجاية...

إلا فلسطين

ويصحو النائم يتناول سحوره ويحلم مع فؤاد حداد بفلسطين ولكن زمن الصهاينة يحرمنا من كلماته، فنرجوه الصفح والغفران فليس بأيدينا تم منعه ، سننشد له كلمات الأبنودى

انت الإمام الكبير وأصلنا الجامع

وانت اللى نقبل نصلي وراه في الجامع

بسيط يا مولاى والضحكة في صدرك قوت فقير يا مولاى ورزقنا حرير وياقوت

ونشيد عشان الأرض ودعوه للي يموت وخريطة لفلسطين

وكم للدامع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار: 22 فبراير 1995

الأربعاء، 25 يناير 1995

رؤوف مسعد



"والمشي على صراط الاعتراف الأليم"


الإسم: رؤوف مسعد

محل الميلاد: أسيوط

المهنة: كاتب

الملامح: انظر الصورة

التهمة: نهاري في مجتمع ليلي

عندما وضعته أمه الصعيدية كانت ومن حيث لا تقصد تهبه للحياة بأراضيها الشاسعة يتغرب فيها عمره و"زنقة" زنازينها يجد فيها الخيط الحريري الفاصل بين "خيال" النظرية و"واقع" التطبيق وأحضان نسائها ليركل الجسد نفايات "الصح والغلط" ويعلن حضوره المجنون، كانت تهبه للحياة بتجاربها الحقيقية الحارقة، الأم ولود والأرض قاسية تبلع ما يدفع رحمها وعليه فقد " ندرت " أول أولادها – إذا عاش – لخدمة الرب، فلما جاء الأول وعاش "اشتاقت" روحها أن يصبح طبيباً، ولا مانع أن يصبح الرابع الذي هو رؤوف مكان الأول مهدئة وخزات إيمانها بأن الرب هو الذي يختار خدامه!!!

 دخل الولد الكنيسة بصحبة والده القسيس البروتستانتي ابن القسيس البروتستانتي لتتشرب روحه أطياف صور مريم العذراء وابنها المقدس وتنمو تحت جلده الترانيم ولا تبرحه أبداً روائح البخور، ولأن الرب كما قالت الأم يختار خدامه فقد استغنى مبكراً خدمة الولد لقد انضجته شمس السودان ليلتفت بكليته نحو جده ربما بارك الأب من "طرف خفي" حياة ابنه الجديدة بعيداً عن "ملاحقة" الصلوات له، والأم مثل كل أمهاتنا "يتواطئن" فرحات برجولة أولادهن ولا مكان في السودان للدراسة الثانوية فيتوجه الولد إلى أسيوط للحصول على الشهادة ولكنه يفشل في الحصول عليها لأنه يبعثر لياليه ونهاراته على أسفلت الطرقات "غداً يظهر الغيب واليوم لي" وسريعاً يأتي الغد حاملاً معه مرض الأب وانتقال الأسرة من السودان إلى القاهرة و "بشاير " مباديء الماركسية، كانت أول تجربة حارقة يصرخ الولد منها هي معاملة مؤسسة الكنيسة لوالده..

 فبعد مرضه ومكوثه بالبيت قررت له معاشاً شهرياً لا يتجاوز الخمسة جنيهات !! يحصل على شهادة الثانوية من "منازلهم" ويقرر ضد رغبة الأم – دخول كلية الآداب – قسم صحافة- يموت الأب، يحصل أن تبتلعه مياه المد الماركسي .. طوال الليل يملاء الجدران بملصق لا يتغير"اعترفوا بجمهورية الصين الشعبية" يلقي القبض عليه في ظلام غربة التراحيل تجتهده عيناه في قراءة ما على "الكلابشات" من كلام يقرأ جملة واحدة تقول "صنع في الصين" يضحك ، هي خبرة آخرى حارقة في المعتقل مع ورود الستينات، صنع الله إبراهيم، الفريد فرج، فؤاد حداد، حسن فؤاد، وغيرهم، يكتشف أن الجسد هو ذلك الشىء العلني السري الساحر الغامض الذي يملكه المعتقل بعد أن تسلبه إدارة المعتقل عقله، أمانيه، أشواقه، ماضيه وحاضره وربما مستقبله، خبرة ثالثة حارقة الرفاق الأغنياء أغنياء حتى في المعتقل أما الفقراء فلهم ذكريات الماضي وأجسادهم يهربونها من قبضة الجلادين يخرج من المعتقل تسلمه الشوارع القاسية إلى قهر الغرف "المبقعة" يراجع ما مضى ليرى صورة ما هو آت . بصحبة صنع الله إبراهيم وكمال القلش يسافر إل أسوان ليكتبوا معاً "إنسان السد العالي" هذا الكتاب الوثيقة عن أيام مزهوة بالسيادة وتفجير الجرانيت .


سريعاً تتشح مصر بحزنها لرحيل عبدالناصر، يسافر رؤوف إلى بولندا أول بلد إشتراكي يراه يقرر وداعاً للإندهاش فبعد كلابشات الصين ليس هناك ما يدهش، سياسات السادات قطعت عليه خط الرجعة من بولندا، توجه إلى السويد، هولندا، ويرتاح ببغداد إذ يتزوج من يمامة فتاة صغيرة يعلمها "الحاجات والمحتاجات" ثم تتركه زاعمة أن عالمها غير عالمه، لا بأس من خبرة أخرى تنقش مواجعها على جدران الذاكرة والقلب معاً يدرك أن يمامة قد "عششت" في حضن آخر، فالمرأة لا تترك "رجلها" إلا لرجل موجود بشكل ما في بقعة ما من مساحاتها


من بغداد إلى "بيروت الحرب الأهلية" هناك يجد كل ما يريد العمل في جريدة السفير وفي بيروت يدرك للمرة الأولى أن الموت أمر يطولنا مثل الآخرين، تمتد إقامته في بيروت حتى يخرج مع الفلسطنيين في صيف 1982 يرجع إلى القاهرة وقد "تعتقت" رؤيته فلا وقت لأى رومانسية خائبة، في مطلع 1983 يبدأ في كتابة بيضة النعامة رواية وسيرة حياة ومقال صحفي عن حياة جيل أعطى كل شىء ليفوز بالمواجع تراوغه الكتابة حتى تستغرق عشر سنوات من عمره ولأن حياته مثل بيضة النعامة نادرة وكبيرة فقد صنع ما تصنعه النعامة تضع بيضتها في ناحية آخرى لتشغل مطارديها عن بيضتها ، آخذ رؤوف يجري بين أحياء الزمالك ، أمبابة، المعادي، ثم يسافر إلى الأقصر ويعود إلى طفولته في بورسودان، كل هذه الأسفار ليتم كتابة ما تسمح به أخلاقيات المجتمع الإزدواجية – ولعل اكبر الأدلة على إزدواجية المجتمع أن كل الناشرين المصريين رفضوا نشر الرواية في الوقت الذي حازت فيه من من المثقفين على لقب أحسن رواية لعام 1994 ويكفي أن استفتاء جريدتنا والذي شارك فيه خمسون مبدعاً أعطوا جميعاً أصواتهم لصالحها.

وبعد..

لايزال السؤال قائماً إلى متى وإلى أين تهرب النعامة من المطاردة ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار: 25 يناير 1995