الخميس، 24 يوليو 1997

النبيل مصطفى نبيل




-   دع عنك السماسرة الغارقين في نعيم "الجاز" ولا تشغل أنفك بالبحث عن مصدر رائحة ما تفرزها أقلامهم ولا تقلق عينيك بمتابعة قفزاتهم من "سنط" اليسار إلى "تفاح" اليمين ثم غوصهم في مستنقعات الرمادية حيث كل شيء مثل أي شيء. ولا يحزنك تقلب أمثال السيد "عبده" الذي كان يومًا شاعرًا يحشد الوطن نحو الأنبل والأجمل فأصبح اليوم يؤدي ببراعة أدوار الندابة والمشهلاتي والعالمة في سرادقات عزاء وأفراح عرب الجاز.

-  أغمض عينيك لكيلا تؤذي قلبك بمشاهد عري هؤلاء ثم افتحهما على مشهد "جانبي" نظيف لرجل "رئيسي" اسمه مصطفي نبيل لا تظهر صورته في التليفزيون إلا نادرًا ولا يدور على الصحف موزعًا أحاديثه وتصريحاته، وهو عندما تولى رئاسة تحرير أكبر وأعرق وأعظم مجلاتنا الثقافية لم يغتصب لنفسه وأنصاره وأقاربه صفحاتها بل حرص دائمًا على التوارى فلا يظهر اسمه إلا على "ترويسة" المجلة والمقال الذي يكتبه تاركًا الفرصة لأقلام النبلاء الكبار من أمثال صلاح عيسى وبهاء طاهر وصافي ناز كاظم وجلال أمين وعبدالعظيم أنيس ومصطفى سويف وغيرهم.

يفعل هذا في صمت لأنه يدرك جيدًا أن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض ويظل مصطفى نبيل متواريًا لأنه يثق في قدرات شعبنا على "الفرز" و"التصنيف" وهو يؤمن أن الوطن سيضمن له مكانًا بين صفوف النبلاء.

-  إن أمثال مصطفى نبيل أولى وأجدر بالالتفات إليهم ومتابعة ما يصنعون ويكتبون لأنهم فى كافة أحوالهم يحرصون على نظافة أسمائهم وطهارة أقلامهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ            
نشرت بجريدة الدستور ــ 23 يوليو 1997


الأربعاء، 9 يوليو 1997

عماد أبو صالح



كنتُ أريد كتابة وصف تفصيلي لدم عماد أبو صالح الأخضر البكر الذي وزعه بالعدل على قصائد ديوانه الأخير "عجوز تؤلمه الضحكات" ولكن صديقنا الكبير طلعت الشايب – سامحه الله – كتب عن الديوان كتابة جعلت الكلمات تقف في حلق قلمي. كتب الشايب "الكتابة عن الشعر الحقيقي تفسده وتسىء إليه وهي ترجمة بائسة لحالة لا تترجم هل أتاك حديث الذي ذبح عصفورًا ليبحث بداخله عن الموسيقى"؟

ولأن الحال هكذا فقد رأيت أن أترك  عماد يتكلم بشعره عن شعره:"كلما اقترب يهربن منه وينظرن – بتقزز – إلي لعابه المندلق على ملابسه الممزقة مع أنه لا يفكر في إيذاء أحد مطلقًا يريد – فقط – أن يشرح لهن أنه كان عاشقًا قديمًا وفمه تهدل – هكذا – من كثرة القبلات" . ويقول عماد : "ظل مسجونًا إلي أن أضاء بياض شعره ظلام زنزانته وحينما أخرجوه أخيرًا نسى – حتي – عن أي شيء كان يناضل أصلاً ولكنه – الحمد لله – صارت له مهنة يعيش منها يتنقل – كل مساء – في الحدائق ويعزف للأطفال فاصلاً موسيقيًا بصرير "مفاصله".

ولأن عماد أبو صالح طيب وشهم فسوف يترك لي باقي المساحة لأطرح سؤالين:
1- ما دور كل هذه السلاسل وعماد أبو صالح وغيره من الشعراء الحقيقيين ينشرون شعرهم علي نفقتهم الخاصة؟
2- هل قرأ الدكتور صلاح فضل ديوان عماد؟
__________________________
 نشرت بجريدة الدستور ــ 9 يوليو 1997



الأربعاء، 2 يوليو 1997

لا تقرأ


حرصى على لقمة العيش يجعلني أدعوك إلى ارتكاب فعل القراءة ولكن حرصي على العشرة والعيش والملح الذين بيننا يحتم عليّ أن أستحلفك بالله ألا تقرأ كتابًا بعينه اسمه (الشباب المصري المعاصر وأزمة القيم)  وذلك للأسباب الآتية:
1-       مؤلفة الكتاب أستاذة جامعية اسمها نادية رضوان ليست من ضيوف التليفزيون كما أنها تكتب كلامًا مفهومًا وهذا سيحرمك من متعة التفاخر بقراءة الغامضين المشاهير.
2-       غلاف الكتاب لا يحمل صورة ليلى علوى أو عمرو دياب أو حتى إبراهيم حسن بوصفه شابًا مصريًا يعاني من أزمة قيمية حادة.
3-       الكتاب عبارة عن دراسة لحياة عشرة من الشباب وهؤلاء الشباب ينقسمون إلى فئتين.. فئة "هم" وفئة "نحن".. واحدة من فئة "هم" شكت للمؤلفة من ضيق مساحة شقة أسرتها "الشقة تحتوى علي 8 غرف نوم + 3 مطابخ + روف + حمام سباحة"!! واحدة أخرى من نفس الفئة مشكلتها في الحياة هي السيارة، قالت: "زهقت من عربيتي المرسيدس باقلها عندي سنة.. علشان كدا بابا جاب لي السنة دي عربية BMW وجاب لأخويا واحدة زيها بس لون تاني.
4-       طبعًا هذه الشهادات هترفع ضغطك وربما تطب ساكت لو قرأت باقي شهادات الفئة "نحن" واحد من الفئة "نحن" بيزغرد لأنه اشتغل مبلط قشاني رغم أنه خريج علوم متفوق!!
5-       أظن معي حق في دعوتك لعدم قراءة هذا الكتاب!!
_________________________
نشرت بجريدة الدستور ــ 2 يوليو 1997

الثلاثاء، 1 يوليو 1997

الأب المسكين شكري عياد




من الذي يجب عليه أن يترفق بالآخر أنا أم شكري عياد؟من الذي يجب عليه أن "يطبطب" على كتف الآخر ويقول له شد حيلك أنا أم هو؟الدكتور شكري عياد بجلال أعوامه السبعين عكس الآية وعاد يحبو ويتعثر وجعلني أحرص عليه وأترفق به مثلما يفعل أي أب مع ابنه.

شكري عياد يا قراء العربية يقيم منذ عشرة أسابيع مهرجاناً للكتابة الصافية الطفولية يفتش فيها بحب وبدقة داخل دهاليز نفسه لا داخل دهاليز تاريخه وفارق شاسع بين الحالتين، تقرأ كتابة شكري عياد فلا تجد رطانة ولا خفة بل تجد عرق الصانع وهو يجاهد ليصوغ بانطلاقات عبقريته درة فريدة صنعت لتبقى.

منذ بداية شروعه في الكتابة عن نفسه وشكري عياد يدرك أن المشي على صراط الاعتراف مؤلم ولا يستطيعه إلا أصحاب النفوس النبيلة الصافية التي ترغب في تمام التواصل مع الآخرين، وهو كلما تقدم خطوة في الكتابة كلما تجمع على جبينه عرق مصارعته لرغبات التجمل والتزييف والتزوير التي تسيطر على أجواء كتابة الكثيرين عن أنفسهم، أدرك أنني يوماً ما سأنسى معظم ما كتبه شكري عياد عن نفسه ولكني دائمًا سأتذكر حرقته وتوجعه وهو يكتب عن قصة حبه الوحيدة التي عاشها لمدة خمس دقائق عندما كان في الثامنة من عمره مع ابنة الجيران التي كانت في العاشرة والتي منحته لخمس دقائق فرصة الدخول إلى فراديس الحب.. لن أنسى هذا التوجع أبداً كما لن أنسي مشاعر الشفقة التي تدفقت منى لتغمر هذا الأب الجليل المسكين الذي لم يجرب الحب إلا خمس دقائق بينما أنا غرقت فيه لمدة ثلاثين دقيقة كاملة!!__________________________________ 
نشرت بجريدة الدستور ــ 30 يونيه 1997