الأربعاء، 23 أبريل 1997

اكتشاف مثير يقدمه مسلسل حلم الجنوبى

في الصعيد يوجد صعايدة! 






التاريخ عند مدرس الابتدائي "نصر وهدان القط" ليس ملوكًا وعروشًا وجيوشًا وحروبًا، التاريخ عنده هو "شجرة عائلة" الدمع المنحدر من أول لحظة ثكل حتي آخر لحظة قهر.. هو سجل أشواق الناس إلى حياة عادلة نظيفة. 

هذا الفهم "الخصوصي" للتاريخ كان الفخ الذي قاد نصر إلى الهلاك. 

تبدأ أحداث مسلسل "حلم الجنوبي" بذهاب نصر إلى منزل الثري عمرن الجارحي طالبًا يد زينب ابنة شقيق عمران وجميلة جميلات قريته الصعيدية. 

عمران الجارحي بائع تاريخ محترف يبيع كل شيء وأى شيء يسمى مومياء رمسيس "جتة" ويسمي العلم "حتة قماش" ويسمى البرديات "شوية ورق". 

يوافق عمران علي الخطوبة مشترطًا استغلال إجادة نصر للغة الفراعنة وقيامه بشرح أهمية بردية قديمة نهبها العم من إحدى مقابر الفراعنة ويريد بيبعها لأحد الخواجات. 

فور إطلاع نصر علي البردية يدرك مدى أهميتها لأنها كانت تحتوى على تحديد دقيق لمكان مقبرة الإسكندر الأكبر وعلى ذلك يرفض نصر إعادة البردية إلي عمران رغم علمه أن البردية فى كفة وزواجه من حبيبته زينب في الكفة الأخرى. يلجأ عمران إلى ضاحي النمر زميل نصر في المدرسة والقادم توًا من دول النفط مكدسًا بالجهل والفلوس. 

يذهب ضاحي إلى سدنة التخلف تجار الدين ويقنعهم بأن نصر وثني يعيد تماثيل الفراعنة فينطلقون إلى بيت نصر ويحرقوا كل ما فيه وطبعًا تأكل النار البردية. 

يطلب نصر نصيحة المستشار أنور أبيه الروحي فيشير عليه المستشار بالسفر إلى الإسكندرية لكي يحصل على ترخيص من الآثار لينقب عن مقبرة الإسكندر. 

فى الإسكندرية يلتقي نصر بالدكتور لاشين وابنته رقية اللذين يشاركانه فهمه الخصوصي للتاريخ ويحاولون معًا الحصول على ترخيص الحفر للكشف عن هذا الكنز العلمي. 

الآن نصر مطارد من كل الجهات، فهناك عمران الجارحي الذي يريد استرداد البردية ولا يصدق أنها حرقت، هناك ضاحي النمر الذي يريد القضاء على نصر ليفوز بزينب وأموال عمها، وهناك الخواجات الذين يريدون العثور على نصر والبردية بأي ثمن لأنهم يؤمنون بأن اكتشاف مقبرة الإسكندر الأكبر بأيد مصرية أمر سيقود إ‍لى اختلال أعمدة استراتيجية كونية لأن هذا الكشف إن تم سيؤدي إلى ارتفاع روح المصريين المعنوية ،وهذا يخل بموازين القوى فى المنطقة إضافة إلى المجد الأدبي الذي سيحصده المصريون وارتفاع أعداد السائحين وتأثير كل ذلك على حركة سوق المال العالمي، ومن خلف عصابة الخواجات هناك عصابة المخدرات التي فزعت عندما علمت أن أعمال الحفر ستبدأ من فيلا اتخذوها مخزنًا لمخدراتهم، إضافة إلى كل هذه الجبهات هناك جبهة تاجر التاريخ أستاذ الجامعة الأستاذ محسن الذي يريد اقتسام مجد الاكتشاف مع نصر. 

لم يعد أحد يساند نصر غير الدكتور لاشين وابنته رقية ومحمود عضو مجلس الشعب الذي يحبها ونوسة عنبر صاحبة أحد الملاهي التي تريد لنفسها دورًا نظيفًا بعد أن تعبت من وساخات ليل المخمورين. 

ينجح أعداء نصر في تصفية حلفائه بادئين بنوسة عنبر التي كانت تجهز لتمويل مشروع الحفر كما ينجحون عبر موظفي المحليات في القضاء على محاولات نصر الحصول على ترخيص الآثار. 

هذا تلخيص موجز لأهم أحداث مسلسل حلم الجنوبى الذي برع في رسم ملامح الحياة الصعيدية فلعلها المرة الأولى التي أشاهد فيها أهلي الصعايدة كما أعرفهم لا كما يتخيلهم خواجات ماسبيرو فليس هناك أخطاء في اللهجة ولا في الملابس ولا في الديكور ولا حتى في أصناف الطعام، لقد اكتشف التليفزيون في هذا المسلسل أن الصعيد يسكنه صعايدة كما سلكت أحداث المسلسل طرقًا شديدة الوعورة ويكفي الحوار الذي أداره المؤلف محمد صفاء عامر ببراعة على لسان الخواجات الذين لا يريدون مجرد ارتفاع روح المصريين المعنوية. 

لقد قفز المؤلف محمد صفاء عامر قفزة هائلة في فضاء الإبداع الجميل وتخلص من كل شوائب دراما التليفزيون المعتادة، أما المخرج جمال عبدالحميد فلم يتراجع عن أدائه الذي أمتعنا به في رائعته أرابيسك، أما طاقم التمثيل فالعمدة صلاح السعدني هو العمدة، رجل تتشرب روحه معالم الشخصية التي يؤديها فلا تستطيع التفريق بينهما وهناك الغول حسن حسني والجميل عبدالله فرغلي والرائعة معالي زايد ومعهم أبو بكر عزت وسيمون وعلاء مرسي وباقي أبطال المسلسل الذي أعاد اكتشاف عالم الصعيد المتشابك. 

شكرًا للتليفزيون الذي يعيد عرض المسلسل كاملاً بعد إذاعته للمرة الأولى ممزقًا بإعلانات قناة النيل التي يسمونها دولية!! 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 23 أبريل 1997


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق