الأحد، 25 أكتوبر 2009

الأوت حرام





فجأة تكدست على أرصفة مواقع الانترنت دعوة مشبوهة أطلقتها حركة أو منظمة مسيحية تسمى نفسها «شركاء من أجل الوطن»، الحركة المذكورة لم تعد ترى عيوبا فى الوطن الذى تريد أن تصبح شريكة فيه سوى «دورى كرة القدم المصرى» فلا قمامة، ولا تعليم منهار ولا مياه ملوثة ولا طعام بمذاق الصرف الصحفى ولا انتخابات مزورة ولا قمح مسرطن، ولا استبداد سياسى، فقط هو دورى كرة القدم الذى وقف مثل الشوكة فى حلق المنظمة، الإخوة الشركاء طالبوا فى بيانات لهم بإلغاء بطولة الدورى، لأنها تمارس التمييز الدينى، لأن فرق الدورى ليس بها مسيحيون!. هذا الادعاء الغريب المريب سيتحول كما قالت المنظمة إلى مذكرة ترفع إلى الاتحاد الدولى لكرة القدم!. 


طبعا، التعسف واضح وسوء النية أكيد، ومع ذلك فالرد على هذا الادعاء الغريب سهل ميسور، لأن المسيحيين يملأون ملاعب كرة القدم ليس فى مصر وحدها بل فى السعودية أيضا، فمعظم الفرق يلعب بها محترفون أفارقة، وهؤلاء معظمهم من المسيحيين، ويكفى أن نشير إلى أن نجم النادى الأهلى على مدى السنوات الخمس الماضية كان هو «فلافيو» المسيحى، إضافة إلى «جلبرتو» المسيحى أيضا، وبصفة عامة يندر أن يخلو فريق مصرى أو عربى من لاعب أو مدرب مسيحى. 

إن هذه الدعوات المتطرفة تبدو مثل كرة الثلج فإن لم تقاوم فى مهدها فإنها تتحول إلى كرة نار، فالذين يزعمون أنهم يبحثون عن الشراكة والمشاركة يعتزمون التقدم بمذكرة إلى «الفيفا» ولا أحد يضمن فى ظل الظروف الملتبسة التى يعيش العالم فى ظلها نتائج مثل تلك المذكرات فهى إن لم تضر فحتما لن تنفع، وقد يؤدى التمادى فى تجاهل هذه الدعوات إلى المزيد من المطالب الشاذة، فقد يطالب بعضهم بضرورة اعتزال اللاعب «إسلام الشاطر» لأن اسمه يحمل دلالة تميز دينى، وليس بعيدا أن يطالب أحدهم بعدم إقامة مباريات كرة القدم فى أيام الآحاد لأنها أيام لها مكانتها عند المسيحيين، ولأن لكل فعل رد فعل، فإننا لن نتعجب أبدا من تطرف سيظهر على الجانب الآخر، فنسمع أحدهم يحرم «رمية التماس» الأوت لأن اللاعب الذى ينفذها يرفع يديه إلى ما وراء أذنيه وبدلا من أن يكبر تكبيرة الإحرام إذا به يرمى الكرة وفى هذا ما فيه من الاستهانة بركن من أركان الصلاة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 16 أكتوبر 2009

السيد صنبور ومستر جركن




كنت واقفا على شاطئ نهر النيل الخالد الذى تجرى به مياه نظيفة تشفى العليل (من خاف سلم) من قلب الماء (النظيف جدا) ظهر كائن عجيب نصفه الأعلى بشرى ونصفه السفلى له هيئة «بلطية» جميلة. كثيرا ما سمعت وقرأت عن «عروس البحر» ولكن أبدا لم أكن أصدق شيئا مما أسمع أو أقرأ، ولكن ها هى أمامى بوجهها الأنثوى الفاتن.. توقعت أن تقول لى كما فى الحكايات: «شبيك لبيك». لو فعلتها لطلبت منها شقة فى التجمع الخامس، ولكنها نظرت لى نظرة غاضبة ورمتنى بكتاب، أمسكت الكتاب ساخطا وقلت لها: لا أحتاج كتبا فأنا غارق فى بحورها. ردت ساخرة: هذا ليس أى كتاب، من أجله سافرت إلى الزمن الآتى.. طالعه فسينفعك. عندما عادت العروس إلى قلب الماء نظرتُ نظرة مدققة إلى الكتاب، كان ورقه ليس كأى ورق وغلافه ليس كأى غلاف، هو فعلا من كتب الزمن الآتى، عنوانه كان لافتا «قانون احترام الماء». 


فى المقدمة قال المؤلف المجهول: «شهدت مصر فى العام 2009 دعوة لإصدار قانون يجرم تشويه سمعة المياه والصرف الصحى، وذلك بعد الحملات الصحفية التى شككت فى نقاء الماء المصرى، ورغم أن الصحافة قد استندت فى حملاتها إلى شهادات الخبراء فضلا عن واقع الحال الذى يغنى عن أى شهادة فإن الدعوة سرعان ما تحولت إلى قانون نافذ لا يجوز الطعن عليه، وقد نجح القانون نجاحا ساحقا فى تقليم أظافر الصحافة ومن ثم راح المصريون جميعا يتغنون بنقاء المياه وجودتها، ولكى يحافظ أولو الأمر على هيبة القانون شكلوا شرطة خاصة تراقب تعامل المصريين مع المياه ومستلزماتها، وقد عرفت تلك الشرطة بالحروف المختصرة (ج.م. م) أى جودة مياه مصر، وقد تعامل المصريون مع القانون بما يليق به فاختفت شتائم مثل «بلاص وجردل» إذ أصبح لهما مكانة سامية امتد ظلها ليشمل باقى أوانى المياه فأصبح «الجركن» يعرف باسم «مستر جركن» أما الصنبور فلم يعد يُنادى إلا بلقب السيد صنبور، وقد شهد العام المذكور وقائع تدل على المدى الذى بلغه نجاح القانون ومن تلك الوقائع أن المصرى كان إذا أراد الشرب وقف فى وضع الانتباه وأدى التحية العسكرية لكوب الماء قبل أن يتناوله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

اشربى يا مصر




أعرف المسلمين (لأننى مسلم) أعرف تلك الأوهام، التى تضرب أدمغة بعض قادتهم فيأمر هذا أتباعه بمحاربة أتباع ذاك، أعرف التعصب للمذهب والإعلاء من شأن الطائفة، تفيض كتب مكتبتى ببحور دماء أريقت فى معارك سخيفة نشبت لوجه الشيطان بين السنة والشيعة، ثم بين السنة والسنة ثم بين الشيعة والشيعة، معارك لا تدرى فيها من المقتول ومن قتله ولِمَ قتله؟ أعرف أن «الزرقاوى» على سبيل المثال كان يوزع تهمة «الكفر» ذات اليمين وذات الشمال بل كان يعيب على تنظيم «القاعدة» ليونته العقائدية! 


ولأننى مسلم كنت أغبط المسيحيين على وحدة صفهم مع تباين مذاهبهم، كنت أظن ألا فرق بين الأرثوذكسية والكاثوليكية والأنجيلية، كان الجميع عندى فى سلة واحدة، مسيحيون يشتركون فى الإيمان بجذور عقيدتهم، وما بين مذاهبهم من فروق يدخل تحت بند الاختلافات العادية المحتملة، ظلت هذه رؤيتى حتى بعد أن حدث صدام مسلح على خلفية مذهبية بين مسيحيى لبنان، أيامها قلت «مصر شىء آخر»، حتى كشف الأنبا بيشوى، سكرتير المجمع المقدس، عن خطة إنجيلية تهدف إلى تحويل الأقباط الأرثوذكس إلى بروتستانت خلال ٢٠ عاما من تنفيذها. 

وأكد أن الكنيسة المصرية تتعرض لحرب شرسة من الإنجيليين، الذين يحاولون اختراق الكنيسة القبطية لسرقة أولادها خاصة فى مناطق مصر الجديدة والنزهة وأرض الجولف والزمالك. 

وزاد فوصف دير المقطم بـ«الوكر»، موضحا أن أموالا طائلة تم رصدها لتحويل الأرثوذكس إلى بروتستانت.. وشدد بيشوى على أن الخطة البروتستانتية «الإنجيلية» ما زالت مستمرة، وأدت إلى وقوع بعض الكهنة فى «الفخ الإنجيلى»، مما أسفر عن اعتناقهم الفكر البروتستانتى. 

لهجة الأنبا بيشوى كانت واثقة وتنذر بوقوع مشكلات لا يعرف عواقبها إلا الله، خاصة والطرف الثانى رد بطريقة كلها استعلاء وغطرسة، وقال ما يعنى إن الأورثوذكسية أصبحت قديمة، ولم تعد تقنع أحدا وعليها تجديد نفسها، وهكذا دائما يبدأ الأمر أو الشر، فريق يتهم وفريق يتعالى عن الرد ثم فجأة تندلع نزاعات لا تنقصنا ونحن فى غنى عنها، وكل هذه الأشياء ترتكب باسم الرب والدين، سواء جرت بين السنة والشيعة أو بين الأرثوذكس والإنجيليين. كلمة السر فى كل هذه النزاعات هى غياب مشروع يوحد الأمة، إن مصر تشرب الآن من نبع الطائفية الملوث لأنها تجاهلت مشروعها وراحت تجرى خلف الأوهام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 2 أكتوبر 2009

الجنسية للقمامة




كأننا ندعو ولا يُستجاب لنا (فمن نتهم؟). أقمنا الدنيا لأننا فجأة اكتشفنا أن أكثر من نصف قرى مصر لم تعرف مياه الشرب النقية لها طريقا، ثم اكتشفنا أن المياه التى يقال إنها نقية ملوثة بمياه الصرف الصحى. 



ثم اكتشفنا هكذا فجأة أن العطش يتمدد فى بلاد النيل «كما يتمدد ثعبان فى الرمل» أقمنا الدنيا ثم لم يحدث شىء وليت الأمر وقف عند حد نقص المياه أو خلطها بما تيسر من مياه الصرف الصحى، لقد انحدرنا إلى ما هو أسوأ، وفوجئنا كالعادة أن «التيفود»، هذا المرض القديم، عاد يضرب بقوة فى قرى ليس بينها وبين النيل إلا كيلومترات. 

الذى فعلناه مع المياه هو ما قمنا به تجاه كارثة طوابير الخبز ومصيبة القمح المسرطن، كالعادة تقوم قيامتنا ثم يدخل كل شىء إلى دوائر النسيان، وهو ما فعلناه مع إنفلونزا الخنازير وقبلها إنفلونزا الطيور (نبرق ونرعد ولا مطر). 

والآن جاء دور حفظ الله مقامكم القمامة التى تبدو اكتشافا جديدا وكأنها لا تحاصرنا منذ سنوات وكأننا فوجئنا بها تتكدس على جوانب شوارعنا وفوق أرصفتنا بل وأمام أبواب بيوتنا، فى كل مرة ومع كل كارثة نبدو من الذاهلين الذين تصرعهم الحقائق القديمة كأنها هبطت للتو فوق أدمغتهم، القمامة فى مصر مرض متوطن مثل الأمية والاستبداد والفقر وتزوير الانتخابات والبلهارسيا ومسلسلات رمضان، منذ عشرات السنوات ونحن نتابع تصريحات المسئولين حول التصدى لظاهرة القمامة وما أكثر ما سمعنا من مقترحات. 

ثم كما هى العادة ظل التخبط سيد الموقف إلى أن أصبحت القمامة ظاهرة تهدد حياة الناس فى مقتل، ظاهرة لم يفلت منها شارع ولا حى حتى تلك الشوارع والأحياء التى كنا نصنفها فى خانة الشوارع والأحياء الراقية فمنذ ثلاثة أعوام تقريبا تخلت هيئة النظافة والتجميل عن عملها وتركت القمامة تملأ الشوارع، فطلعت علينا المحافظات بحلها «العبقرى» وتعاقدت مع مجموعة من الشركات الأجنبية لتقوم مقام هيئة النظافة على أن يتحمل الشعب نسبة 5% نظير تحصيل شركة كهرباء القاهرة هذه الرسوم على فاتورة الكهرباء، وبعد فشل الحل الأجنبى. 

بدأ الحل المحلى وهو حرق القمامة، وبعد فشله هو أيضا، اعتمدنا على نظرية «طول العشرة تذيب الفروق» وهكذا بدأنا التعايش مع القمامة وتطوعنا ومنحناها الجنسية لتمارس جميع حقوق المواطنة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ