الخميس، 30 يوليو 2009

رجال البئر وسيداته



من القصص العربية القديمة، قصة تحكى عن رجل انتهز اجتماع الحجيج حول بئر زمزم وقام ــ قبح الله وجهه ــ بالتبول فى ماء البئر، كاد الحجيج يفتكون به. 



إلا أن رجال الشرطة تدخلوا فى الوقت المناسب وسيطروا على الموقف واقتادوا الرجل صاحب الفعلة الشنيعة إلى «الحجاج بن يوسف الثقفى» الذى كان أميرا للحج فى ذلك العام. ظن الجميع أن الحجاج سيفتك بالرجل لا محالة، ولكن ما حدث كان عكس ما ظنه الجمع المحتشد حول مقر إقامة الأمير. 

نظر الحجاج إلى الرجل نظرة فاحصة نفذ بها إلى أعماق نفسه، ثم سأله بلهجة لينة لا تتناسب مع ما عرف به الحجاج من قسوة: ما الذى حملك على أن تفعل ما فعلت؟. 

أجابه الرجل ببساطة: صنعت ما صنعت لكى اشتهر فإذا مررت بقوم قالوا: انظروا هذا فلان الذى بال فى بئر زمزم. 

سكت الحجاج لحظة ثم قال للرجل: اذهب يا هذا لقد عفونا عنك. 

الحجاج الطاغية المستبد الجرىء على إراقة الدماء «فهم» نفسية وعقلية هذا المريض بحب الشهرة، فعاقبه أشد عقاب وأقساه على من كان مريضا بهذا المرض، لقد حرمه من تحقيق أمنيته فى أن يصبح مشهورا، الحق أنه لم يحرمه فقط بل نكل به أيضا لدرجة أنه لم يسأله عن اسمه لكى يمر الأمر دون أن يترك أثرا أى أثر، وقد أفلحت سياسة الحجاج حتى إن اسم الرجل مجرد اسمه لم يصلنا إذ تجاهله كل رواة الحادثة. 

تذكرت تلك القصة وأنا أرى رجالا لا هم لهم إلا التبول فى البئر لكى يشتهروا، علما بأن بئرهم أخطر من بئر زمزم على شرفها وعلو منزلتها لأن بئرهم تشمل الأمة بماضيها وحاضرها ومستقبلها، هؤلاء الرجال يحترفون إشعال الحرائق وتنتعش قلوبهم وهم يرون ألسنة النيران تلتهم كل شىء يشاركهم فى تلك الرغبة المجنونة سيدات تتبنى الواحدة منهن كل رأى شاذ. 

واحدة منهن تناولت الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى ندوة عامة بما لا يليق، وفى صبيحة اليوم الثانى لندوتها قابلتها مصادفة فرأيتها تكاد تحلق فى السماء على أجنحة الفرح والسرور. 

وعندما سألتها عن سر حالتها التى هى عليها قالت: منذ أمس وحتى الساعة ورنين هاتفى لم ينقطع لقد أصبحت مشهورة حتى إن أكثر من ثلاثين دولة أوروبية دعتنى لأن أقيم بها حرصا على حياتى!!. 

وآه لو بيننا حجاج بصير لمات هؤلاء مجاهيل كما عاشوا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 24 يوليو 2009

مناب علاء الديب





عظم الله أجركم فى حديقة الحيوانات بالجيزة، فقد بدأ حفل بيعها بإطلاق تصريحات «دخانية» تمهد الطريق وتجس النبض. على مدار الأيام الماضية قصفنا المسئولون بوابل من التصريحات، أخطر القذائف اطلقها المهندس محمد الدمرداش مساعد أول وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية. 



الذى قال للزميلة «اليوم السابع» إن إلحاق حديقة الحيوان بالجيزة بالحديقة المركزية، المزمع إقامتها بالسادس من أكتوبر، ما زالت فكرة مطروحة للمناقشة، ولا مانع من تنفيذها مستقبلا فى حال الاستقرار على ذلك مع الجهات المعنية. 

فكرة مطروحة للنقاش، اسم حركى لوجع مرعب جربناه كثيرا، فهكذا يبدأ بل قل ينتهى الأمر، الفكرة المطروحة ستعرف طريقها للتنفيذ فى غمضة عين والنقاش يكون عادة حول ثمن المتر، لا حول ضرورة البيع. 

ولأن المسئولين يعشقون الديمقراطية عشقهم لنور عيونهم فسنسمع فى الأيام القادمة أن نقل الحديقة (قل بيعها) لم يكن لا قدر الله قرارا فرديا، ولكنه تم فى سياق اتفاق بين الأهالى المقيمين بجوار الحديقة والحكومة، إذ إن الأهالى يشكون من «زقزقة» العصافير التى تحط على أشجار الحديقة، إضافة إلى شكواهم من «الخضرة»، التى تؤذى العيون وتسبب الرمد! 

تبقى كلمة أو مصطلح «النقل». إذا تمكنوا حفظ الله مقامكم من نقل الحيوانات، فهل يستطيع أحدهم نقل تاريخ الحديقة وذكرياتها.. هل يستطيع أحدهم نقل بهجة طفل جاء من إقليم بعيد فى رحلة مدرسية ليداعب الغزالة ويمتطى ظهر الفيل ويشاكس القرود.. 

هل لقلب محفور على جذع شجرة وقد أخترقه سهمان من معنى عند عشاق البيع؟ 
قديما تصدى المصريون لـ «فضة المعداوى»، التى جاءت ببلدوزراتها لتهدم فيللا المثقف «مفيد أبو الغار» فضة تاجرة «السمك» لا تقدر معانى الذوق والفن والأصالة، ولذا تصدى لها المصريون وافترشوا الأرض أمام البلدوزر وأجبروه على التراجع، نسيت أن أقول إن تلك المواجهة تمت خلال مسلسل لأسامة أنور عكاشة. 

ومعروف أن المقاومة «فى الحياة غير المقاومة فى المسلسلات» فإذا كنا لن تنصدى للبلدوزر فليس أقل من أن يحصل كل منا على حقه، وعليه فإننى أطالب بـ «مناب» الروائى الكبير علاء الديب، الذى عاش أبوه دهرا يفتخر بأنه أشرف على ترصيع ممرات حديقة الحيوانات بالزلط الملون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاثنين، 20 يوليو 2009

الاحتفال بمئوية الشيخ شاكر.. فرض عين على عارفى فضله




قرأت أن رجلين كانا يتحدثان أسفل منزل موسيقار إيطاليا الكبير «فيردى» ولاحظ أحدهما أن صاحبه يتحدث بصوت عالٍ فقال له منبها: «اخفض صوتك،ففردى مريض»! 



وقرأت أن السلطات الإيطالية قد كست عجلات العربات التى تجرها الخيول جلدا سميكا لكى لا تحدث صوتا يزعج «فيردى» فى مرضه!. 
هذا عن معاملة «الغرب» لأفذاذه، فماذا عن شرقنا السعيد؟ 

هاتفت الدكتور عمادالدين أبوغازى المشرف العام على شعب ولجان المجلس الأعلى للثقافة وسألته: هل وصلت المجلس دعوة للاحتفال بذكرى مرور مائة عام على ميلاد العلامة الشيخ محمود محمد شاكر؟. أجاب غازى: إلى الساعة لم تصلنا أى دعوة. 

من ناحيتنا نناشد الأستاذ على أبوشادى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة تحمل مسئولية إقامة احتفالية تليق بذكرى الراحل الكريم، المناشدة قائمة حتى ولو كان قد فاتنا يوم وشهر ميلاد الشيخ شاكر، فيكفى أننا مازلنا فى نفس العام. 

هذا الشبل من تلك الأسود

هو محمود بن محمد شاكر بن أحمد بن عبدالقادر، من أسرة أبى العلياء، من أشراف جرجا بصعيد مصر، ويصل نسبه إلى الإمام الحسين بن على رضى الله عنهما. ولد فى الإسكندرية ليلة عاشوراء من عام 1327هـ الموافق أول فبراير من عام 1909م. 

نسبه الجليل سيلقى عليه بمسئولية تحملها راضيا ودفع ثمنها كاملا غير منقوص، نحن أمام رجل وقف والده الشيخ «محمد شاكر» وكان وكيلا للأزهر الشريف فى صحن مسجد «المبدولى» وبحضور السلطان حسين كامل وأكابر الدولة المصرية، وأعلن فى الجمع المحتشد أن «جمعتهم باطلة، وأمرهم أن يعيدوا صلاة الظهر لأن خطيب جمعتهم قد تعرض للرسول بسوء». فما كان من السلطان إلا الطاعة والتسليم. 

جد شاكر الأول هو الحسين بن على الذى كان مطالبا بكلمة واحدة ينجو بها من الذبح «بايعت يزيد» ولكنه لم ينطق بها وصاح صيحته الباقية على مر العصور: «هيهات منا الذلة». جد شاكر الثانى هو فارس الإسلام وفيلسوفه على بن أبى طالب كان بنومه فى فراش الرسول ليلة الهجرة أول استشهادى فى تاريخ الإسلام. 

أما جد شاكر الأعظم والأكبر فهو أبوالقاسم محمد رسول الله الذى كان إذا حمى وطيس الحرب احتمى به أصحابه. هذه سلسلة من النسب النورانى، كان شعار أفرادها فى حياتهم قول جدهم الأعظم صلى الله عليه وسلم: «ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يُقرب من أجل، ولا يباعد من رزق، أن يقول بحق ،أو يُذكر بعظيم». 

وأبدا لم تمنع رهبة الناس أن يقول أبوفهر الحق كله ولو كان مرا ولو ألقى به فى السجن. 

تعليمه وعلمه

تلقى أبوفهر أول مراحل تعليمه بمدرسة الوالدة أم عباس فى القاهرة عام 1916 ومنها انتقل إلى مدرسة بدرب الجماميز، حصل على شهادة الثانوية العامة (البكالوريا) القسم العلمى عام 1925، التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية عام 1926. 

مكث بالكلية عامين ثم فارقها إلى غير رجعة، حين شب خلاف شديد بينه وبين أستاذه طه حسين. بداية من العام 1922 تتلمذ على يد الشيخ سيد بن على المرصفى وقرأ عليه «الكامل» للمبرد و«حماسة أبى تمام» و«الأمالى للقالى». وغيرها من عيون الأدب العربى. 

راسل الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعى وهو فى الثانية عشرة من عمره، ثم أصبح تلميذا وصديقا وفيا للرافعى مدى حياته. 

بدأ الشيخ شاكر التأليف وهو فى السادسة والعشرين من عمره وأحدث كتابه الأول «المتنبى» انقلابا فى مجال الدراسات الأدبية، فشاكر هو أول من قال إن المتنبى ينتمى للأسرة العلوية، أى أنه من أحفاد الإمام على، ونفى أن يكون والد المتنبى سقاء يطوف بقربة على ظهره شوارع الكوفة. 

وفى هذا الكتاب العظيم قال شاكر: إن المتنبى كان يحب «خولة» أخت سيف الدولة الحمدانى، كما نفى ادعاء المتنبى للنبوة، وكل ما جاء به شاكر كان جديدا كل الجدة، وقد قرظ الكتاب العلامة الرافعى وغيره من أكابر علماء الأدب. 

وبعد المتنبى كتب شاكر «بينى وبين طه» و«أباطيل وأسمار» و«نمط صعب ونمط مخيف» و«برنامج طبقات فحول الشعراء» و«قضية الشعر الجاهلى فى كتاب ابن سلام»، وقد جمع الدكتور عادل سليمان جمال مقالات الشيخ فى مجلد من جزءين بلغ عدد صفحاته أكثر من ألف صفحة.

وإضافة إلى التأليف برع الشيخ الإمام فى تحقيق كتب التراث، أو «الميراث»، كما كان يحب أن يطلق عليها، وما مات رحمه الله إلا وهو شيخ مشايخ المحققين، حتى أصبح فى التحقيق أمة بمفرده، وهو رضى الله عنه كان يكتب على الكتب التى يحققها كلمة دالة «قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر» وهو بهذه الجملة يعلن عن مدرسته فى علم التحقيق، تلك المدرسة التى تتجاوز ضبط الكتب المحققة إلى إقامة حوار معها والغوص فى أسرارها بحثا عن كنوزها. 

وهذا أمر لا يطيقه إلا من كان كأبى فهر شيخ طريقة ومؤسس مدرسة، تلك المدرسة التى سيشيع ذكرها فى أرجاء العالمين العربى والإسلامى، فمن الصين إلى أسبانيا كان طلاب العلم يحجون إلى بيت شاكر، يغترفون العلم من بين يديه ويلتقطون ذهبا يتدفق من بين شفتيه، هل نذكر أسماء مثل «إحسان عباس» و«ناصر الدين الأسد» و«محمود الطناحى» و«يحيى حقى» و«محمود حسن إسماعيل» و«محمود الربيعى»؟.. وعدد فوق الحصر من أفذاذ أمتنا كلهم يفتخر بأنه تتلمذ على يد شاكر. 

ومن أشهر تحقيقاته نذكر، تفسير الطبرى، جمهرة أنساب قريش للزبير بن بكار، دلائل الإعجاز لعبدالقاهر الجرجانى، أسرار البلاغة للجرجانى، وغير ذلك من عيون الميراث العربى والإسلامى. 

الشيخ الباشا

حفلت حياة الشيخ بمفارقات عديدة نذكر منها. 
1ــ ولد الشيخ بالإسكندرية، وكان والده على علاقة طيبة بالخديو عباس حلمى الثانى الذى ذهب إلى بيت الشيخ محمد شاكر ليبارك الوليد الجديد قائلا: «هاتوا محمود باشا أبارك ميلاده» وبهذه الجملة حصل محمود محمد شاكر على رتبة الباشوية وهو فى لفائف طفولته! 

2 ــ لم يتزوج إلا فى سن متأخرة، وأنجب ابنه فهر وهو فى السادسة والخمسين من عمره. 

3 ــ كانت الرياضيات لا الأدب عشقه الأول، وقد قرأت أنه كان متأخرا فى دراسة النحو العربى، هذا قبل أن يصبح حارس العربية الأول بصرفها ونحوها وبلاغتها. 
3 ــ عرف الإنجليزية معرفة مكنته من ترجمة مواد مجلة «المختار» وقد برع فى الترجمة إلى درجة جعلته يدخل إلى العربية ألفاظا لم ينطق بها أحد قبله، فهو لا غيره مخترع لفظة «النفاثة» فى الإشارة إلى الطائرة التى تنفث الوقود. 

4 ــ كان شديد الاعتداد بنفسه، شديد الرقة مع من حوله، قال تلميذه الناقد الكبير الدكتور «محمود الربيعى» رأيت الشيخ شاكر يمسك بعود قصب ويناول خادمه آخر وهو يقول لخادمه: هيا إلى «التحطيب». 

5 ــ كان كل جمعة يقيم مائدة لأصحابه، وكانت تلك الموائد تجمع بين أهل الأدب وكبار الساسة ومن حضر من أرباب الحرف كالنجار والمنجد والحلاق، وعلى مائدة من الموائد جلس محمود رشاد مهنا وحسين ذو الفقار ومحمد فؤاد جلال وزير الشئون الاجتماعية فى زمن الثورة وأحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف بجانبهما الأسطى أنور الحلاق، فأعلن فؤاد جلال غضبه من جلوس الحلاق مع الأكابر، فما كان من الشيخ شاكر إلا أن قال له: «اسمع يا فؤاد أنت وزير فى مجلس الوزراء، ولكنك فى بيتى واحد من الناس،تسوى أنت والأسطى أنور وغيركما من عباد الله. 

6 ــ قال لى حسن حداد ابن والد الشعراء فؤاد حداد: كان الشيخ محبا لشعر والدى وكان يجمعهما تفضيل صوت المطربة «صباح» على صوت فيروز.

7 ــ قال لى الناقد الدكتور عزازى على عزازى: ذهبت يوما للشيخ أطلب رأيه فى مسألة من مسائل الأدب، وكنت أتمزق بين رغبتى فى سماع رأى الشيخ وبين مشاهدة مباراة للأهلى كان يبثها التلفزيون، خشيت السقوط من عين الشيخ لو صارحته برغبتى فى مشاهدة المباراة، نظر لى ضاحكا وقال هيا إلى مشاهدة المباراة، لحظتها اكتشفت أن الشيخ «كروى» كبير . 

8 ــ قال لى أستاذ الأدب بجامعة القاهرة الدكتور فهر محمود شاكر: وقف أبى على رأسى ولم يتركنى حتى أتقنت استخدام الكمبيوتر. 

9 ــ لم يتعلم الشيخ شاكر فى الأزهر ولم يلبس يوما زى الأزهريين ومع ذلك غلب عليه لقب الشيخ. 


ثورتان وسجنان

يحدثنا الشيخ عن ثورة 1919 فيقول: «كان مما قدر الله أن أفتح عينى على ثورة 1919، وعلى دار تموج بالثوار، فعقلت من الأمر ما عقلت، ورأيت رجالا وسمعت بأذنى حديثا،وعرفت من حقائق الصراع ما عرفت». 

هذا الانتماء لثورة 1919 لم يقف حائلا بين الشيخ وبين أن يشن حملة ضارية على أحد كبار رجال الثورة، أعنى «عبدالعزيز فهمى باشا» الذى دعا يوما لكتابة العربية بالحرف اللاتينى مثلما فعل أتاتورك فى تركيا، فتصدى له الشيخ دفاعا عن الحرف العربى. 

ثم جاءت ثورة يوليو التى لم يقف شاكر منها موقفا معاديا، نظرا لكراهيته الشديدة للاحتلال الإنجليزى ثم لمأخذه الكثيرة على الحياة الملكية، وهنا أذكر أن الدكتور «يحيى الرخاوى» وهو ممن عرفوا الشيخ عن قرب سجل ابتهاج شاكر بحريق القاهرة بوصفه الحريق الذى سيأتى بعده شىء خطير، وقد كان وقامت ثورة يوليو. 

التى اعتقلت شاكر مرتين الأولى استمرت تسعة أشهر من 9 فبراير 1959 إلى أكتوبر من العام نفسه، وكان سبب الاعتقال وهو انتقاد شاكر الحاد لعبدالناصر ورجال الثورة، وهو انتقاد كان يتم فى حضور وزراء الثورة مثل الشيخ أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف، وبعد تدخل شخصيات عربية كبيرة أطلق سراح الشيخ. 

المرة الثانية والأخيرة مكث شاكر فى السجن لمدة ثمانية وعشرين شهرا من 31 أغسطس 1965 إلى 30 ديسمبر 1967، وقد تم اعتقاله غلى خلفية مقالاته التى تصدى فيها للويس عوض الذى كان كتب كتابا تناول فيه شيخ المعرة «أبوالعلاء المعرى» بما لا يليق. 

وقد جمع شاكر تلك المقالات فى كتابة الشهير «أباطيل وأسمار» وتعد المقالات بحق درسا عظيما فى النقد وفى التثبت من المرويات التاريخية. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 17 يوليو 2009

دعه يكتب.. دعه يمل





من يوم السبت الحادى عشر من يوليو الحالى وإلى ساعة كتابة هذه السطور وأنا أفتش الجرائد باحثا عن تصحيح أو تكذيب أو حتى تعليق على ما كتبه الزميل الصحفى محمد رجب فى جريدة نهضة مصر، ولكن وكالعادة لم أجد شيئا. كان الزميل رجب قد كشف من خلال مستندات رسمية عن أن حكومتنا الموقرة قد أنفقت 43% من تكاليف مشروع توشكى على أراضى الوليد بن طلال، وذلك بموجب عقد الإذعان الذى يربط بين الحكومة وشركة الأمير العاملة فى مشروع توشكى والتى تمتلك من أراضى المشروع فوق المائة ألف فدان. 



العقد المشار إليه وقعه عن الحكومة وزير الزراعة الأسبق «يوسف والى» وينص على أن الحكومة ملزمة بتوصيل الكهرباء والمياه وتجهيز البنية التحتية لكامل أراضى الوليد. كما ينص فى مادته الرابعة على: يلتزم الطرف الأول (الحكومة) بتشييد الفرع الأول الذى يضم كل أراضى الوليد ويقوم الطرف الأول بتوصيل المياه حتى نقطة رفع داخل أراضى الشركة مع توفير مضخات الرفع من ترعة الشيخ زايد، كما أن الحكومة ملتزمة بتصميم الأنظمة الفرعية وتشييدها بالشكل الذى يضمن توصيل المياه لكل خمسة آلاف فدان من أراضى الشركة. 

الحمدلله أن العقد لم ينص على أن تقوم الحكومة بزراعة الأرض وجنى المحاصيل وتسويقها وتسليم أثمانها للوليد! 
ما نشر هو كارثة حقيقية، فلماذا ألزمت الحكومة نفسها بهذا العقد الجائر؟ 

وما الفائدة التى عادت على الاقتصاد الوطنى من أراضى الوليد التى حتما حصل عليها بثمن لا يذكر من فرط ضألته؟. 

إن مشروع توشكى الذى انفق عليه حتى الآن نحو 6.5 مليار جنيه يبدو مظلوما لأن معظم النفقات ذهبت فى الاتجاه المعاكس، بل إنه عندما اعترض وزير الرى السابق محمود أبوزيد على أسلوب التعامل الحكومى مع الوليد دفع الثمن غاليا وغادر الوزارة. 

كل هذه الأسئلة وكل تلك المعلومات هى بلا شك مثارة داخل الدوائر الحكومة، ولكن من الواضح أن الحكومة تتعامل مع كل الملفات الشائكة بطريقة «يبقى الأمر على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجؤ إلى الصحافة». 

وعندما تنشر الصحافة تعتصم الحكومة بالصمت، ويظل الصحفى ينشر ثم ينشر إلى أن يصيبه الملل، وساعتها تبتسم الحكومة مسرورة بنجاح شعارها «دعه يكتب.. دعه يمل».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 10 يوليو 2009

مأساة الشيخ (ميم)





بعضهم يجعل مجاملة السلطان هدف حياته الأسمى، ثم يسرف فى المجاملة ويلزم نفسه ما لا يلزمها، حتى تورده المجاملة موارد التهلكة، ومن هؤلاء الشيخ «ميم» وعن الشيخ «ميم» يقول محدث عصره فضيلة الشيخ الإمام أحمد محمد شاكر فى كتابه كلمة الحق: «عندما تقرر إرسال الدكتور طه حسين فى بعثة تعليمية لأوربا. 



أراد السلطان حسين كامل تكريم طه ورعايته، فاستقبله فى قصره استقبالا كريما ومنحه هدية قيمة، هنا يدخل فى القصة الشيخ «ميم» الذى كان من خطباء وزارة الأوقاف النابهين. 

وكانت الوزارة تندبه للخطابة فى أى مسجد يصلى فيه حضرة السلطان، وفى صلاة جمعة وكان السلطان حاضرا تذكر الشيخ «ميم» تكريم السلطان لطه حسين فأراد أن ينوه بهذا التكريم، ولكن خانته فصاحته أو قل أوردته مجاملته موارد التهلكة فقد قال الشيخ «ميم» مادحا السلطان: «جاءه الأعمى، فما عبس فى وجه وما تولى». 

هنا وقعت الواقعة. فالذى جاءه الأعمى فعبس فى وجه وتولى كان سيدنا الرسول، إذن الشيخ «ميم» يعرض بالرسول ويفضل السلطان عليه، وعلى ذلك اندفع الشيخ «محمد شاكر» وكيل الأزهر يعلن فى الناس أن صلاتهم باطلة وأمرهم بأن يعيدوا صلاة الظهر، فأعادوها. 

كان رأى الشيخ شاكر أن الخطيب قد بطلت صلاته لأنه أراد أن يتملق السلطان فأظهره كأنه أحسن من الرسول. ثم ذهب الشيخ شاكر والد الشيخين أحمد ومحمود إلى قصر عابدين وقابل رئيس الديوان وطلب منه رفع الأمر إلى السلطان وأن يبلغه حكم الشرع بوجوب إعادة الصلاة. 

كان الشيخ «ميم» متصلا ببعض المستشارين الكبار فأشاروا عليه بأن يرفع جنحة مباشرة على الشيخ شاكر لأنه سبه سبا علنيا فى المسجد وفى ديوان السلطان، كاد الأمر يصل إلى القضاء لولا أن الحكومة تدخلت وطوت بساط القضية. 

يكمل الشيخ أحمد شاكر القصة فيقول: أقسم بالله لقد رأيته (أى الشيخ ميم) بعد بضع سنين، وبعد أن كان متعاليا منتفخا، مستعزا بمن لاذ بهم من العظماء، رأيته مهينا ذليلا، خادما على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين، يحفظها فى ذلة وصغار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجمعة، 3 يوليو 2009

دموع الأمهات





تبكى الأم فى صمت، تنهش وحوش الوحدة الزوجة الشابة، يفتقد الولد حضور أبيه، تزف الأخت فى صمت لغياب أخيها، يبحث شيخ عجوز عن معين فلا يجد سوى الذكرى. 



هل يستحضر ساداتنا الذين بأيديهم الحل والعقد أيا من هذه المعانى وهم يخططون للإفراج عن الصيادين الواقعين فى قبضة قراصنة الصومال؟ (هذا إن كان هناك ثمة تخطيط). 

الحق، إن وباء القرصنة قد استشرى وما من مقاومة، فكل بضعة أشهر نسمع عن سفينة مصرية وقعت فى قبضة القراصنة، فى البداية تتضارب المعلومات ثم تظهر بعض الحقائق، ثم يأتى الاعتراف الرسمى بوقوع إحدى سفن الصيد فى فخ القرصنة. 

ثم يهدأ كل شىء ويترك المسئولون أسر الصيادين تفترسهم الحيرة، ثم تعود نغمة التصدى للقراصنة تعلو شيئا فشيئا، ثم يأتى الإفراج بعد دفع «الإتاوة» التى يسمونها «الفدية»، فى كل مرة هى هى نفس الخطوات، وهو هو نفس الضجيج دون أن يكلف أحد نفسه عناء وضع حل نهائى لمواجهة وباء القرصنة، إننا لا نعرف أبدا مدى خطأ الصيادين المصريين. 

هل هم فعلا يعرضون أنفسهم للخطر ويقومون بالصيد فى مناطق محظورة؟ ثم ما هو دور ملاك السفن؟ هل هم يجنون الأرباح والمغانم من وراء عمل الصيادين ثم يتركونهم ساعة دفع المغارم؟ والأهم من كل ذلك ما هو دور الدولة؟ ليس فى تأمين مواطنيها فحسب بل فى تأمين قناة السويس نفسها التى بلا شك وبعيدا عن التصريحات الوردية ستتأثر باستفحال القرصنة. 

هل ندفع ثمن تصريحات انطلقت من القاهرة وجاء فيها: «إننا نتفهم دواعى الغزو الأثيوبى للصومال»؟ 

لماذا لم نقم بأى دور فعال وجاد فى حل أزمة الصومال، البلد المنكوب بعدد لا يحصى من الانقلابات ومن أمراء الحرب، حتى أصبحت أرضه مقرا وملاذا لعصابات قرصنة ظننا أن زمانها قد انتهى، ولكن ها هى تعود مسلحة بامكانات الأقمار الاصطناعية لتفرض على العالم كله دفع الإتاوات. 

المآسى التى يعيش فى ظلها أهالى «أحدث المختطفين» نعنى بهم بحارة وصيادى مركبى «أحمد ممتاز وسمارة»، تدعو لتحرك جاد، أولى خطواته تحديد مسئولية الصيادين وأصحاب المراكب. 

فإن كانوا مخطئين ويقومون كما يشيع القراصنة بالسطو على الثروة السمكية الصوماليه، وجب على الدولة أن تحاسبهم بعد الإفراج عنهم، وإن كانوا أبرياء فعلى الدولة أن تعمل كل ما بوسعها لعدم تكرار هذه الحوادث التى لا تهدد الحاضر فحسب بل والمستقبل أيضا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ