الأربعاء، 16 يوليو 2014

قبل المسخ بساعة




يبث قمر «النايل سات» فضائيتى «مكملين» و«رابعة». الفضائيتان من فضائيات جماعة الإخوان، الأولى سرقوا عنوانها من شعار من شعارات الثورة، والثانية شعار اخترعوه، ليخلدوا به تجمعهم الإرهابى بميدان رابعة العدوية، الفضائيتان تبثان على مدار اليوم خطابا مسموما، يعتمد فى مجمله وتفاصيله على تكفير غير المنتمين إلى الجماعة، فما بالك بأمثالنا من معارضيها؟

 على الفضائيتين سترى مشايخ لهم لحى تصل إلى صدورهم وعلى جباههم علامات سجود كأنها الوشم، ثم ستراهم لا يتورعون بل لا يترددون فى قذف كل معارض بأوصاف من عينة فلان هذا معـ.... وفلانة تلك شر.... تراهم وهم يكذبون على الهواء مباشرة بسهولة ويسر كأنهم يتنفسون، لا يرتبك أحدهم وهو يقسم بالله العلى العظيم أن القائد فلان أمه يهودية من المغرب! هل بعد هذه المقدمة ترانى أطالب بالنظر فى ما تبثانه؟ نعم أطالب، وذلك لأن تجاهل التصدى للأكاذيب متى ثبت أنها محض أكاذيب هو أشر الشرور. بثت القناتان ليلة الخميس الماضى، وفى توقيت يكاد يكون موحدا ومتفقا عليه برنامجا عما يحدث للأخوات فى سجن القناطر من انتهاكات. قناة «مكملين» استضافت سيدة تدعى أم مريم، وهى السيدة ذاتها التى ستستضيفها قناة «رابعة» بعد مرور خمس دقائق فقط على نهاية مداخلتها مع قناة «مكملين»!

فى اللقاءين، نزعت السيدة الإيمان من قلوب غير المنتمين إلى الجماعة، واخترعت نارا خاصة ستكون مستقرا لمعارضيها، ثم كالت كل مديح ممكن للجماعة، ثم دخلت فى صلب الموضوع، فقالت إن ابنتها مريم قد قتلت يوم فض اعتصام رابعة، وإن بنتيها سارة وآلاء قد اختطفتا من داخل جامعة الأزهر عندما كانتا تتظاهران تظاهرا سلميا، وتم اعتقالهما بسجن القناطر. هنا سؤال: (هل هذه المعلومات الأساسية صحيحة أم هى من أكاذيب الجماعة؟).

 واصلت السيدة قائلة إنه فى يوم الثلاثاء العاشر من يونيو الجارى شاركت ابنتاها فى مسيرة بداخل السجن فى ساعة الرياضة، فقامت سجانة بلطم طبيبة من السجينات المشاركات فى المسيرة، وهنا تدخلت المعتقلات السياسيات للدفاع عن الطبيبة، فما كان من السجانة إلا أن استدعت بقية السجانات والسجينات الجنائيات وقمن جميعا بضرب المعتقلات، وعندما قامت المعتقلات بالدفاع عن أنفسهن جاءت قوات فض الشغب، وقامت بتعرية المعتقلات تعرية كاملة وحرق ملابسهن وسبهن وضربهن. تضيف السيدة: وقد ظلت المعتقلات ساعات، وهن عاريات لا يسترهن شىء، حتى جاء رئيس مباحث السجن، ومعه فرقة كلاب لم يطلقها على المعتقلات، وإن كان قد هدد بإطلاقها، ثم أمر لهن بما يستر عريهن.

انتهت مداخلة أم مريم فى القناتين، وغنى عن البيان أنها بكت كثيرا، وسبت وشتمت أكثر وقت مداخلتها، وأن مذيع قناة رابعة، وهو شيخ أزهرى، قد تباكى وشاركها فى سب وشتم كل معارض للجماعة.

والآن ليس لدينا سوى ثلاث خانات نضع فيها شهادة أم مريم. الأولى: أن تكون كعادة أبناء وبنات الجماعة كاذبة تماما، وأن شيئا لم يحدث، لا فى سجن القناطر، ولا غيره من السجون. الثانية: أن تكون من الصادقات، وقد حدث فعلا انتهاك للسجينات. الثالثة: أن تكون أم مريم من اللواتى يخلطن الأكاذيب بالحقائق، فلا يدرى مستمعها أين تبدأ الكذبة، وأين تنتهى الحقيقة. فإن كانت السيدة صادقة ورضينا بما حدث وسكتنا عنه، فإننى أبشرنا جميعا بالمسخ حجارة أو قرودا أو ما هو أدنى من ذلك وأخس.

وإن كانت كاذبة أو تخلط الحقائق بالأكاذيب، ولم نفضحها فنحن شركاء لها فى الجريمة. لقد بحثت أسبوعا كاملا عن رد يفند شهادة السيدة، فلم أجد سوى بيان من الداخلية ينفى الواقعة جملة وتفصيلا، لكن الداخلية خصم وحكم، فبيانها مجروح، فأين الأحزاب والإعلام ومنظمات حقوق الإنسان؟


لا تجد من يجيب سؤالك، أو لعلهم جميعا ينتظرون المسخ أو فضيحة السكوت على الأكاذيب
ـــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير في 18 يونيو 2014

الاثنين، 7 يوليو 2014

الكرة بين قدمَى السيسى







شاع بيننا فى وصف سنوات حكم حسنى مبارك بأنها «سنوات الفرص الضائعة»، يبدو الوصف أو التوصيف مهذبا جدا وحقيقيا تماما، لقد تولى مبارك الحكم بلا أدنى منافسة، ودانت له الأجنحة القوية فى الدولة بالولاء والطاعة، ثم لم يشهد عهده أدنى توتر عسكرى على كل الحدود المصرية، وكل تلك النِّعم لم ينعم بها كل الذين سبقوه إلى العرش المصرى، لكن مبارك بسياسته التى أهلكته أفلت الفرص واحدة بعد أخرى، حتى انتهى به الأمر عابثا فى أنفه داخل قفص محاكمته فى مشهد لم يسبق للزمن أن جاد بمثله، الفرص التى أهدرها مبارك لم يهدرها عن غفلة أو بلادة، بل أهدرها منحازا لفريقه السرى المشكَّل من جماعات من ناهبى المال العام الذين لم يصمدوا ساعة الجد بجواره سوى ساعات، ثم تفرقوا عنه عائدين إلى مخابئهم.

رَطن مبارك كثيرا بالبنية التحتية التى شيّدها، وهى تلك التى شاء ربك أن يذوق مرارتها وخرابها على حياة عينه، فعندما سقط مرضيا وهو فى تيه طغيانه لم يجد مستشفى مصريا يثق به وبإمكانياته، فذهب إلى ألمانيا لتلقى العلاج.

الحال ذاته ينطبق على المعزول محمد مرسى الذى جاءته فرصة أن يكون أول رئيس مصرى منتخب بعد ثورة عظمى، فما كان منه إلا أن ركل الفرصة منذ لحظة صعوده منصة الخطابة فى ميدان التحرير، يومها كشف عن وجهه الحقيقى عندما ربط ربطا عضويا بين بداية نضال وكفاح ومقاومة الشعب المصرى، وبداية تكوين جماعته السرية، يومها تجاهل مرسى عامدا متعمدا كل نضال سبق ظهور جماعة الإخوان، لم يتلفَّت بعمد إلى مصطفى النحاس وسعد زغلول ومحمد فريد ومصطفى كامل، لم يلتفَّت سوى إلى خوض فى عرض سنوات الستينيات، انتقاما من ذكرى قائدها جمال عبد الناصر.

لقد أضاع مرسى الفرصة بيديه عندما انحاز بلا خجل ولا حياء إلى جماعته، وتركها تقتل المصريين على أبواب قصره، وتركها تحاصر قاعات المحاكم، وتركها تتربص بكل إعلامى يخالفها الرأى، وكما كان مصير مبارك، كان مصير محمد مرسى، ها هو قابع فى زنزانته ينتظر الحكم عليه فى أكثر من جريمة اقترفها محاباة لجماعته، ومهدرا فرصة ذهبية كانت كفيلة بأن تكتب اسمه بأحرف من نور فى سجل الخالدين.

الآن نحن أمام رئيس جديد، ولديه هو أيضا فرص تاريخية لم يحظَ بمثلها كل الذين سبقوه، فرغم كل المنغصات التى تطفو على السطح فإنها تبقى طافية على السطح غير مستقرة وراسخة فى الأعماق، فما يحدث فى سيناء سرعان ما سينتهى إن لم يكن قد انتهى فعلا، والتشابك الليبى-الليبى تؤكد كل الإشارات القادمة من هناك إلى أنه فى طريقه إلى الهدوء والاستقرار، يبقى الداخل المصرى وهو قد أظهر ولعا غير مسبوق بالرئيس السيسى، وقد تجلَّى هذا الولع منذ الهتاف الشهير: «انزل يا سيسى.. مرسى مش رئيسى»، وقد استجاب السيسى ونزل إلى ميدان المعركة وهو ابن الجمالية وابن الشريحة الوسطى من الطبقة الوسطى وهو العارف بثورة البلاد وثروتها، وهو المدرك للخراب الذى عاشته البلاد تحت حكم مبارك ومرسى، إذن لن يباغت السيسى بشىء، ولن يستطيع يوما أن يخرج علينا قائلا: «كنت أظن أننى سأحكم سويسرا، فوجدت نفسى أحكم مصر».

السيسى قبل غيره يدرك حقائق التاريخى المصرى وثوابت جغرافيتها، وعليه أن ينحاز إلى فريقه، لأن الكرة هى الآن بين قدميه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير/ 11 يونيو 2014

الخميس، 3 يوليو 2014

شكرا للثورة





كيف كان حالك يوم الرابع والعشرين من يناير 2011؟

من الواضح أنك نسيت أو تناسيت، اسمح لى أن أنعش ذاكرتك، كان هناك حسنى مبارك القابض على الماضى الساحق للحاضر الخانق للمستقبل، وكان هناك توريث قادم لا محالة لابنه جمال، وما أدراك كيف يكون تغطرس وجبروت أبناء الفراعين، لو جاء جمال لكنا قد ترحمنا على ظلم أبيه، وكان هناك حبيب العادلى، الذى تفاخر وتباهى بأنه يسجل مكالمات كل الناس، وأن على الخائف أن لا يتحدث، وكان هناك جهاز أمن يعرف باسم أمن الدولة لم يكن ينقصه من أشكال التدخل سوى أن يندس تحت لحاف كل زوجين، ولعله فعلها عبر عدسات تصويره.

كانت هناك صحف الحكومة وفضائياتها وإذاعاتها التى تقصف العقول على مدار الساعة بحكمة الرئيس وتوجيهات الرئيس وأزهى عصور ديمقراطية الرئيس.

كانت هناك جحافل الأمن المركزى، هل تذكر وقفتك مع خمسين أو مئة من أصحابك فوق سلالم نقابة الصحفيين تشكون إلى الله وحشة الطريق وقلة الناصر وكثرة المناوئ، وكيف كانت مدرعات الأمن المركزى تخنقكم وتبث الخوف فى قلوبكم وتتخطفكم لترسلكم إلى جابر بن حيان، حيث الداخل مفقود والخارج -إن خرج- مولود مشوه؟

هل تذكر حلمك بأن تسير فى مظاهرة من خمسمائة لا يزيدون، ثم تعود إلى بيتك سالما؟ هل تذكر أن سقف أحلامك كان فى رفع جبروت أمن الدولة عن قلبك؟ هل نسيت أن منتهى أملك كان شبه تداول سلمى للسلطة؟

هل نسيت أنك لم تستخرج بطاقة انتخابية فى حياتك قبل الخامس والعشرين من يناير؟ هل نسيت التزوير الكامل الحقير والوضيع لانتخابات برلمان 2010؟

هل نسيت طقوس وشعائر حج رئيسك سنويا إلى البيت الأبيض؟

هل نسيت أنه كان كنز الصهاينة الاستراتيجى؟

هل نسيت حلمك بأن تقرأ «الأهرام» يوما فلا تلطمك صورته على صدر الصفحة الأولى.

هل نسيت البلادة التى كانوا يسمونها الاستقرار؟ والخراب الذى كانوا يسمونه خصخصة؟ وتجريف القلوب والعقول الذى كانوا يسمونه أمنا قوميا؟

ثم جاءت الثورة، ثورتك أنت، التى لم تصنع فى عاصمة شرقية أو غربية، ثورتك أنت المؤمنة المقاومة الصابرة المحتسبة، ثورتك التى قررها شعبك فى واحدة من ساعاته الخاصة التى لا يدرك مكنونها سوى خالقها، ثم جاءت صفوف من أبناء هذا الشعب تعبر عن مختلف طبقاته، كانت صفوفا من الفقراء ومتوسطى الحال وصولا إلى أثرى الأثرياء، نعم كان أبناء الطبقة المتوسطة هم من دعا وحرض ونظم، ورفع الشعار وهندّس الخروج الكبير المزلزل إلى الشوارع والميادين، ونعم كان أولاد الفقراء هم وقود ثورتنا وباكورة شهدائها وأبرز جرحاها، لكن الجميع شارك، وغادر أمن بيته وهبط إلى الشوارع والميادين، حيث القناصة باحثا عن أمن الوطن وعن غد أكثر جمالا وعدلا ونظافة.

لا يشكر الله مَنْ لا يشكر الناس، فاشكر ثورتك وتقرب إلى الله بمحبتها والدفاع عنها وتنزيل شعاراتها من سماء الهتافات إلى أرض الواقع، لقد أنجزت الثورة الكثير وستنجز الأكثر والأجمل، يا رجل لم نكن نجتمع إلا فى شارع جامعة الدول العربية احتفالا بفوز فريق كرة القدم ببطولة أو مباراة، الآن انتزعنا حقنا فى الانتخابات ببركة دماء شهدائنا وجرحانا، قد نخطئ مرة، ولكن لن نخطئ دائما، الديمقراطية يا صاحبى لن يهبط بها الروح القدس من السماء، ستنبت من الأرض بسواعدنا وأظافرنا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير - 4 يونيو 2014