الأربعاء، 28 أغسطس 1996

الأنبا يوحنا قلتة





المسلمون أخذوا عن المسيحيين أسوأ ما فيهم وهو الكهنوت 

«القطنة» قرية من قرى سوهاج تنقسم مثل معظم قرى الصعيد إلى غرب تسكنه أغلبية مسيحية وشرق تسكنه أغلبية مسلمة.. إلا أن الجميع قد ألقت الصحراء عليهم خشونة طباعها.. عن تاريخ القطنة وعن حياة أسرتين مسلمة ومسيحية كتب ابن القطنة الدكتور الأنبا يوحنا قلتة رواية «قرب غرب النيل» مؤرخاً لكفاح الفقراء ضد الفقر والجهل.. والدكتور يوحنا تعلم في كلية اللاهوت بالمعادي ثم التحق بالتعليم المدنى بجامعة القاهرة كلية الآداب قسم اللغة العربية وتتلمذ على أيدى الأساتذة شوقى ضيف، يوسف خليف، شكرى عياد، سهير القلماوى، وغيرهم وقدم رسالته للماجستير عن أثر الثقافة الفرنسية في أدب طه حسين وكانت رسالته للدكتوراه عن دراسات المستشرقين الفرنسيين للشعر العربى. 

وعمل أستاذاً للأدب في أكاديمية الفنون والجامعة الأمريكية.. وفي نفس الوقت واصل أداء رسالته الدينية وهو الآن يشغل منصب نائب البطريرك الكاثوليكى وهذا حوارنا معه. 

رجال الدين يطرحون أفكارهم عبر الكتب العقائدية أو المواعظ. فماذا اتجهت أنت لكتابة رواية؟ 

أعلم أن كتابة الروايات أمر قد يصعب على المشتغلين «بالقص» ولكنى لم أتردد في الكتابة رغبة منى في الإسهام في مواجهة هذا التيار الإرهابى الذي يريد تمزيق جسد الوطن بعد أن كاد يقضى على قيم عصر التنوير وعاد بنا إلى زمان «فقه التتار» وأتعجب من الذين ينصبون «أبا الأعلى المودودى» إماماً للدين ويتركون كل علماء الإسلام الذين لهم إسهامات فكرية لا تنكر.. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى هناك «مادة الرواية» وكان من الصعب تناولها «بصرامة» الكتب العقائدية أو «بمجانية» اللقاءات المباشرة مع الناس. 

روايتك بها ملمح ذاتى عالى الحضور فأين تنتهى السيرة لتبدأ الرواية؟ 

أحب أن أؤكد أن ما كتبت ينتمى للرواية وليس لأدب السيرة الذاتية. نعم أنا «موجود» في الرواية ولكنه وجود «هش» لأن البطولة مخصصة لأهل القرية التي هي قريتى وأهلها هم أهلى. وما أنا إلا واحد من أبناء الأسر التى كتبت الرواية عنهم وعن مقاومتهم لقسوة الحياة من أجل غد أفضل. 

ما موقف الكنيسة من الرواية؟ 

الأصح أن تقول موقف الكنائس. الكنيسة الإنجيلية رحبت بها وكذلك الكنيسة الكاثوليكية، أما الكنيسة الأرثوذكسية فقد قال لي رجالها لقد فضحتنا وطبعاً لم تعجبهم الرواية. 

هل موقف الأرثوذكس من روايتك تعتبره رداً على اتهاماتك لهم في الرواية بأنهم جبابرة يريدون استعباد باقي المسيحيين؟ 

الموضوع ليس بهذه البساطة، فالمذهبية ستبقى مادامت هناك حياة لأن المذاهب تعبر عن اختلاف الأفكار والمصالح بل والأهواء والرواية حملت وجهات نظر كل فريق في الآخر، فالكاثوليك في الرواية يرون أن الأرثوذكس لا يريدون الخير والعلم إلا لأنفسهم والأرثوذكس من ناحيتهم يتهمون الكاثوليك بهدم الكنيسة ونشر أفكار الغرب. 

هل هذا التضارب بين المذهبين كان وراء هجومك طيلة فصول الرواية على رجال الدين؟ 

أقولها بأعلى صوتى.. رجال الدين هم مفسدو الأديان وهم قساة القلوب ولا يقولون إلا ما يحقق مصالحهم ولا يفهمون رسالتهم فهما صحيحاً. وهم دائماً مع كل الآراء الرجعية ويستمدون سلطانهم من جهل الناس.. قل لى بربك كيف يلقى القس كلمتين علي المصلين يوم الأحد ثم يتقاضى راتباً على كلماته؟ وبأى حق يأخذ خطيب الجمعة أموالاً على أداء رسالة وهب لها نفسه.. على رجال الدين إذا كانوا يريدون أن يكونوا رجال دين حقاً البحث عن أعمال أخرى يتعيشون منها أما أداء الرسالة الدينية فليس له من أجر إلا عند الله. وجميع الرسل والأنبياء كانوا يعملون بأيديهم.. النبى محمد «صلى الله عليه وسلم» رعى الغنم، وبولس صانع خيام النبى موسى كان أستاذاً بجامعة هليوبوليس وهكذا. 

ألست معى في أنك أضفيت على العلاقة بين المسلمين والمسيحيين كثيراً من الود في محاولة منك لتجميل وجه قبيح؟ 

كل ما ذكرته عن علاقة المسلمين بالأقباط عشته بنفسى. يا سيدى هناك أحداث نقلتها بنفس كلام أبطالها لأنها حفرت في ذاكرتى للأبد.. وليس هناك مجاملة أو تجميل فالذى كتبته حدث بالفعل. 

إذن ما تفسيرك للحادث الآن بين الفريقين من فرقة؟ 

إنهم مرة أخرى مفسرو الأديان الذين يشحنون كل فريق ضد الآخر لتتحقق مصالحهم الذاتية على حساب الوطن. 

ولكن الذى أعلمه يقيناً أن غالبية المسلمين تكفر الأقباط والعكس صحيح؟ 

وأنا أيضاً أعلم هذا.. وهنا تبرز علة المجتمع المصرى القاتلة وهي الازدواجية.. فالمسلم يؤمن أن القبطى كافر.. والقبطى يؤمن أن المسلم كافر.. فإذا خرجا خارج الجامع أو الكنيسة تعاملا سوياً كأحسن ما يكون التعامل.. وذلك لأن الحياة لها شروطها وظروفها.. وعلى ذلك تستطيع أن تقول إن روايتى ضد الازدواجية في المقام الأول.. فكثيراً ما يجيئنى قبطى ليقول لي إن القسيس قال له إن المسلمين يوجد في قرآنهم آية تقول «أموال النصارى حلال للمسلمين» وأحاول تصحيح هذه الأفكار التخريبية ولكني بمفردى. فماذا أفعل؟ وأيضاً هناك خطباء المساجد الذين يقولون النصارى لديهم سراديب بها أسلحة وسيقتلون المسلمين.. ما هذا التخريف والتخريب؟ كل هذه الكلمات تجعل المصرى مزدوجاً وهذا مرض عضال ولن نتقدم إلا بالقضاء عليه أو على الأقل حصاره فى أضيق الحدود حتى نعود كما كنا. أذكر أيام دراستى الجامعية أنني كنت أذهب إلى الجامعة بالزى الكهنوتى وكنت ألقى كل ترحاب وتكريم خاصة من الأساتذة سهير القلماوى وشكرى عياد وشوقى ضيف ويوسف خليف وكذلك الزملاء من الطلبة.. ترى ماذا سيكون الوضع الآن لو ذهبت إلي الجامعة بالزى الكهنوتى. 

بدلاً من الهجوم على رجال الدين لماذا لا نسعى إلى «فك اشتباك» النصوص التي يعتمدون عليها أولاً؟ 

يا سيدى النصوص المقدسة في القرآن أو السنة المحمدية أو التوراة أو الإنجيل بريئة بريئة بريئة هذا أولاً وثانياً من سيقوم بفك الاشتباك هذا إن كان موجوداً؟ إنهم في المقام الأول رجال الدين.. إذا عدنا إلي نقطة البداية.. فلا يوجد نص قرآني يحرض ضد الأقباط ولا يوجد نص إنجيلى يحرض ضد المسلمين ولكن هناك مفسرين يكسرون رقاب الآيات لأغراض في أنفسهم.. وختاماً هناك كارثة تهدد المسلمين وهي أنهم أخذوا عن المسيحيين أسوأ ما فيهم وهو الكهنوت والكهانة وتقديس رجل الدين يا إخوان رجل الدين - أي دين - رجل عادى له فهمه الخاص ولن يحتكر تفسير الدين لنفسه إلا وسط الجهلاء وقانا الله شرهم. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور 28/8/1996

الأربعاء، 7 أغسطس 1996

الختان فى الأدب .. مش قلة أدب






بداية أعتذر عن ضياع مقدمة هذا الاستطلاع الذى نشرته لى جريدة الدستور منذ حوالى سبعة عشر عاماً ، أظن أن المقدمة كانت تشيد بقرار أصدره وزير الصحة فى تلك الأيام يقضى بتجريم قيام ( الدايات ) بإجراء عمليات الختان ، وقد جاء قرار الوزير على خلفية فيلم أو برنامج بثته قناة ( السى إن إن ) الأمريكية عن ختان البنات فى مصر والفواجع التى تشهدها تلك العملية . 

هنا نص الاستطلاع مع أكثر من عشر سيدات مصريات عن الختان وقد كنت حريصاً على نشر كلماتهن مرقمة لكى لا يختلط كلام بكلام . 

منى حلمى .. كاتبة وتعد لإذاعة الشرق الأوسط برنامجاً يومياً بعنوان يوميات امرأة عصرية تقدمه السيدة نادية صالح رئيسة المحطة 

1 - لهجتك تحمل اتهامات بالتقصير،أنا بعيدة عنها فقد كتبت عن موضوع الختان في الأهرام منذ عام كما نشرت لي مجلتا صباح الخير وروزاليوسف مقالات عن الأمر نفسه. 

2 - البرنامج الذي أعده لإذاعة الشرق الأوسط لا يحتمل مناقشة هذا النوع من القضايا.. وأنا في الحقيقة لم أفكر في طرح موضوع الختان في برنامجي. 

3 - لنكن صرحاء.. قضية الختان لن تحسمها أي كتابات مهما كان شأن كابتها.. الذي سيحسم الأمر هو اللقاء الحي بالناس.. والأسبوع الماضي ذهبت بصحبة الدكتورة نوال السعداوى والدكتور شريف حتاتة إلي مركز شباب كفر طلحة قرية الدكتورة نوال وأقمنا ندوة حول الموضوع.. وهذه اللقاءات تساعد بشكل فعال في توضيح أبعاد كارثة الختان. 


آمال فهمى من كبريات مذيعات الإذاعة المصرية وبرنامجها على الناصية تقدمه باستمرار منذ 37 سنة. 

1 - الحقيقة.. أنه يعني.. لابد.. هناك.. نعم الدين.. لا.. ثم.. ولذلك. 

2 - لا.. لا أعارض القرار.. ولا أؤيده.. الموضوع لابد أن نتعامل معه من خلال رؤية الدين.. وأنت تعلم أن الرسول قال لمن سألته عن الختان: " اخفضي ولا تنهكى". 

3 - أنا ضد آراء نوال السعداوى ولا أقرأ لها.. وكذلك لم أقرأ رواية سليمان فياض لأني لا أقرأ إلا لكبار الكتاب فقط.. 

4 - طبعاً مررت بتجربة الختان لأن ذلك عرف وتقليد 

5 - في برنامجي علي الناصية تناولت موضوع الختان بعد حادثة «CNN» وكانت ضيفة الحلقة الدكتورة أسماء فريد الأستاذة بطب القاهرة وقالت :" الختان يجرى علي يد طبيب متخصص.." وبهذه الحلقة أنا حسمت الموضوع.. وأرى أنه لا كلام بعد ما أذيع في برنامجي.. نعم أنا حسمت الموضوع.. وقد كتب الأستاذ صلاح منتصر نقداً للحلقة ومدح ما جاء فيها من آراء والتناول الذكى لهذه القضية. 

6- هذا السؤال أجبت عنه.. أنا وراء كلام الدين في موضوع الختان. 


الدكتورة عواصف عبدالرحمن - أستاذة بكلية الإعلام جامعة القاهرة. 

1 - أسمع يا ابني.. كل أولادى في الدستور إبراهيم عيسى وبلال فضل يعرفان أني ضد صحافة التليفون لابد من لقاء المصدر واحترامه.. لأنك هكذا تفسد المهنة.. صحافة التليفون أنا أرفضها. 


سلوى بكر نشرت ثمانية أعمال ما بين مجموعات قصصية وروايات . 

1 - هذه الأسئلة لماذا لا توجهها إلى الرجال أيضاً.. بما أن موضوع الختان لا يخص النساء وحدهن. 

2 - لم أكتب عن هذه التجربة لأنى لا أقصد الكتابة في موضوع بعينه. 

3 - هناك عمل أنصحكم بنشره فى الدستور وهو (من يكون الرجل) لأليفة رفعت وهذا العمل أحاط بالموضوع بدقة وفن عظيمين.. وهناك أيضاً كتابات نوال السعداوى إضافة لرواية) أصوات ) لسليمان فياض 


نورا أمين قاصة أصدرت مجموعتين هما جمل اعتراضية و طرقات محدبة 

1 - لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال.. عموماً الختان ظاهرة منتشرة بين معظم الأسر المصرية. 

2 - بالتأكيد أساند قرار وزير الصحة. 

3 - لم أكتب عن هذه المحنة التي تتعرض لها غالبية النساء في مصر.. ربما لأني أشعر أن هناك من يحسها بشكل أعمق فيكون تعبيره عنها أعمق. 

4 - الكتابات التي قرأتها عن هذه التجربة قليلة وعلى رأسها كتابات نوال السعداوى. 


هناء عطية قاصة لها مجموعة واحدة .. شرفات قريبة. 

1 -أنا كتبت عن ابن عم موضوع الختان وهو غشاء البكارة في قصتى تحليل دم وتدور أحداثها حول رجل يذهب بزوجته إلي الطبيب ليحلل لها دمها لكي يتأكد الزوج أن دماء ليلة الزفاف تخص زوجته. 

2 - أجهز الآن رواية موضوع الختان يمثل حجر زاويتها. 

3 - بدون ذكر أسماء هناك من يكتب ومن تكتب حسب رغبات جهات الترجمة ولذا تميع القضايا ويصبح تناولها سخيفاً. 

4 ـ بالتأكيد أنا مع قرار وزير الصحة. 


المخرجة التليفزيوينة إنعام محمد على . 

1 - بلاش والنبي الأسئلة اللي من النوع ده.. لأن الجمهور يصنع هالة حول النجوم ولا يريد أن يصدق أن النجوم تعيش نفس المشاكل وربما بصورة أسخف وأكثر تعقيداً. 

2 - طبعاً لو عندي بنات لا يمكن أن أجعلهن يعشن هذه التجربة. 

3 - آه كل جيلى تقريباً تعرض لهذه العملية. 

4 - إحدى جمعيات حقوق الإنسان عرضت مرة علىَّ إخراج فيلم تسجيلى عن موضوع الختان وأنا رحبت بالفكرة ولكنها لم تنفذ لعدم وجود تمويل. 

5 - تقديم مسلسل أو سهرة في التليفزيون عن عملية الختان شىء مهم جداً.. ولكن الأمر يحتاج إلى ذكاء لأن القضايا المرتبطة بالجنس في غاية الحساسية.. وعندما أجد النص الملائم لن أتردد في تقديمه. 


مي التلمساني نشرت مجموعة.. نحت متكرر. 

1 - أنا ضد كتابات البيانات السياسية في العمل الإبداعى.. أعرف خطورة عملية الختان ولم أكتب عنها لأنها لم تسمّع داخلى. 

2 - لا.. أنا من أسرة برجوازية مستنيرة ومثل هذه العمليات لا وجود لها في تراث أسرتى. 

3 - طبعاً مع قرار الوزير. 


عطيات الأبنودى مخرجة تسجيلية أخرجت عشرين فيلماً. 

1 - وزير الصحة السابق هاجم عملية الختان أمام مؤتمر السكان وبعد انتهاء أعمال المؤتمر رجع الوزير في كلامه وأقر الختان بشرط إجرائه على يد طبيب وعلى ذلك اشتركت وزميلاتى في جمعية المرأة الجديدة في رفع دعوي أمام المحكمة الإدارية العليا ضد الوزير الذي قال كلاماً أمام الأجانب ثم لم يلتزم به. 

2 - أين السيدات (اللي مطلعين روحنا) بالكلام الفارغ حول القضايا التافهة ؟ ولا هو ساعة الجد كله يدخل البيت. 

3 - الحكومة عملت اللي عليها.. والقرار قرار ثوري ويحتاج لمساندة الهيئات والمؤسسات لا الأفراد. 4 - لم أخرج فيلماً عن الختان ولن أفعل ذلك.. يعني يا أستاذ أعمل الفيلم وأشيله على كتفى وألف بيه على الجيران؟ يعني لو عملت فيلم التليفزيون هيعرضه؟!. 

5 - كفاية بأه شغل مثقفين وكلام نخبة.. الأمية ضاربة في جدر المجتمع 70٪ أمية.. فلا عطيات الأبنودى ولا غيرها ممكن تأثر.. لازم حملة.. عارف يعني إيه حملة؟؟ وبغير كده.. القرار كأنه لم يكن.. ليه التليفزيون ميتبناش القرار؟؟ وليه الوزارات الباقية تقف ساكتة.. إن لم تكن هناك حملة قومية فسنظل نصدر قرارات تنام في الأدراج. 


إلهام شاهين مثلت أفلاماً ومسلسلات وسهرات متعرفش عددها بالضبط. 

1 - أنا مش دكتورة.. أنا فنانة.. الأطباء هما اللي يقرروا إن كان الختان ضرورى أم لا. 

2 - لأن الوزير طبيب في المقام الأول فهو حتماً يستند في قراره على أبحاث علمية ولذلك أنا موافقة على القرار. 

3 - لست أنا التي تكتب الموضوعات.. ولكن لو وجدت نصاً مقنعاً لن أتردد في تقديمه. 


رجاء الجداوى قالت: 

1 - لا بلاش الكلام في الموضوعات دي.. لأني والله العظيم وبرغم أنك بتكلمنى في التليفون إلا أني مكسوفة جداً.. ووشي بيحمر.. أصل فيه عادات وتقاليد.. والموضوعات دي حساسة.. لا.. الموضوع في إيد الدكاترة.. آه الموضوع دا بيتم بوحشية ولكن.. أصل أنا معرفش أتكلم في الحاجات دي.. أنا من الإسماعيلية يعني لازم فيه عادات وحاجات اتربينا عليها.. طبعاً وزير الصحة دكتور قبل ما يكون وزير وهو عارف بيعمل إيه.. أصل الموضوع محرج جداً.. أنا ممكن أتكلم في حاجات تانية . 

ما رأيك أخى القارئ لو جعلنا الفنانة رجاء الجداوى «تتكسف أكتر و وتقرأ معنا ما سجلته نوال السعداوى عن حادث ختانها في سيرتها الذاتية أوراق شخصية والتي نشرتها في حلقات مجلة المصور أوآخر عام 1995 وأوائل عام 1996 ثم نشرتها في كتاب سلسلة روايات الهلال. مع ملاحظة أن دار الهلال تدخلت بالحذف في مذكرات نوال السعداوى كما قالت لى.تقول نوال السعداوى :" أربع نسوة في حجم الداية أم محمد، تجمعن حولي، مكتوفة الذراعين والساقين، دقوا يدي وقدمي بالمسامير كالمسيح المصلوب. عرفت من زميلتي القبطية في المدرسة أن المسيح صلبوه.. من هو المسيح؟ قال أبي إنه سيدنا عيسي عليه اسلام، وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم كما جاء في القرآن. كان اسمها مريم كانت في السادسة من عمرها، أمسكتها الداية أيضاً قطعت من بين فخذيها البظر، لم تكن البنات المؤمنات بالمسيح يفلتن كالمؤمنات بسيدنا محمد، عمتي رقية تقول النبي أمر بقطع بظور البنات .. لم أتصور أن النبي محمد أو النبي عيسي أو النبي موسى أو أى نبى آخر يصدر أمراً مثل هذا. 


فاطمة قنديل شاعرة لها ثلاث مجموعات شعرية ومسرحية واحدة. 

1 - القرار شجاع ويجب مساندته. 

2 - أكتب عن الجسد بعمومه في إطار الدعوة إلي تحريره من ربقة الخرافات بما في ذلك موضوع الختان. 


د. لطيفة الزيات تقول: 

1 - خصصت سيرتي الذاتية حملة تفتيش لذكر ما تعرضت له شخصياً من أحداث.. طبعاً سمعت عن الختان من بعض الصديقات ولكنه ذلك السماع الذي لا يمثل دافعاً للكتابة الإبداعية. 

2 - أنتمي لعائلة بمقياس عصرها كانت متقدمة جداً فلم تجر لأي من بنات العائلة هذه العملية. 

3 - يجب طبعاً الإشادة بقرار وزير الصحة إضافة لكتابات نوال السعداوى ورواية سليمان فياض كان فيها مبالغة ولكنها المبالغة المقصودة والحميدة في ذات الوقت. 


د. حكمت أبو زيد وزيرة الشئون الاجتماعية السابقة. 

1 - كتبت كثيراً ضد هذه العادة ولكن للأسف نشرت كتاباتي في الخارج أيام اغترابي القهرى عن مصر كما كتبت أبحاثاً وأرسلتها إلي اليونسكو. 

2 - لماذا لا يطرح الموضوع للاستفتاء العام وذلك لضمان التعبير عن جميع الاتجاهات.. حتى لا تكون هناك معارضة سرية تؤدى إلي قتل القانون في أدراج مكاتب المسئولين. 


أمينة شفيق كاتبة صحفية وعضو مجلس نقابة الصحفيين لدورات متعددة. 

1 - يعني لما الحكومة تأخذ قراراً ثورياً نقوم نقول رأى عام.. واستفتاء.. اشمعني في القضية دي بالذات؟.. ما إحنا طول عمرنا دولة مركزية! 

2 - أنا كتبت كتير في الأهرام. 

3 - لازم نساند الوزير.. لأن الموضوع بعيد عن الطب أو الدين.. نساء سيناء والواحات معندهمش ختان ودول مصريين وعرب ومسلمين زينا.. العادة دي لازم تقف لغاية كده.. وكفاية بأه تنظير فيها. 


صاحبة الفرح الدكتورة نوال السعداوى طبيبة ولها 31 كتاباً ما بين رواية وقصة قصيرة وكتب علمية. 

1 - قرار وزير الصحة الشجاع أحس كأنه باقة ورد زرع خصيصاً لي.. كأنه زغرودة الفرح الذي انتظرته طويلاً.. كأنه مكافأة نهاية الخدمة. 

2 - في حدود علمى لم يكتب أحد ضد هذه العادة قبلى. 

3 - بسبب هجومى الدائم وفضحى المستمر للختان لم ينشر لي كتاب كامل في مصر أو حتى بيروت.. حتى قصة حياتى حذفت دار الهلال فقرات مطولة منها. 

4 - عندما قدمت روايتى امرأة عند نقطة الصفر للسيدة أمينة السعيدة لتنشرها عبر روايات الهلال وكان ذلك عام 1974 رفضت نشرها وقالت لي : ما هذه الرواية الجنسية المكشوفة؟ 

5 - لم أكتف بالكتابة الإبداعية فقط بل هناك كتب بحثية وعلمية مثل المرأة والجنس و الوجه العام للمرأة العربية وغير ذلك.. وكل هذه الكتب لم تنشر كاملة.. دائماً هناك أجزاء يحذفها الناشر، ولي أيضاً مسرحية بعنوان إيزيس وهي عن الختان والإخصاء في التاريخ. 

6 - أنا أدعو للكف عن العدوان على جسد المرأة والرجل معاً والعلم حكم بينى وبين من يعارضوننى. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بجريدة الدستور 7/8/1996 

الثلاثاء، 16 يوليو 1996

أخي أشرف.. قل هذا للملائكة





يا أشرف سيجيئك الملكان فقل لهما: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن الموت حق وأن الحياة سخف وقل لهما أنا عبدالله أشرف بن يوسف بن إبراهيم لم ترقص أمي في عرسي ولم ترم أختي عليّ حبات الملح ولم يطلق عمي طلقات الرصاص احتفالاً بزفافي ولم يتصدر اسم أبي بطاقة الدعوة قل للملكين أنا أشرف لم تأخذني أمي على صدرها, بينما ملاك الموت يرفرف بأجنحته حول سريري ولم يحضر خالي مراسم غسلي ولم يتشبث ابن عمي بجسدي العاري.

 قل للملكين يا أشرف أنا الولد الغريب عشت غريبًا ومت غريبًا, قل لهما يا أشرف أنا أصلي الصبح وأفطر بكوب شاي أسود ولا أحلم إلا بالضروري والمتاح وأنا عشت أضاحك زملائي وأحبهم وأرقص في أفراحهم, قل يا أشرف لملائكة الرحمن أن الحياة سخيفة وقاسية وخشنة وأنها تمص دمنا وتدهس أحلامنا وتبتر أشواقنا, قل يا أشرف لملائكة الرحمن إن الولد خالد الدخيل أخذ يصرخ يا رب يكون حلم يا رب يطلع كابوس, قل لملائكة الرحمن يا أشرف أنك زميل الغريق رضا زعفان وأنك حبيب زملائك وأنك لم تغضبهم أبدًا, قل لملائكة الرحمن يا أشرف أن يدعوا لنا ربهم يخفف عنا قسوة هذه الحياة التي نعيشها رغم أنوفنا

 وآه يا أشرف يا ابن أم ... يا ابن ذات الجروح والقروح والمواجع والدمامل لقد وقفت صباح غيابك في صالة التحرير وأخذت أشرب بعيني وجوه الأولاد والبنات وقلت لهم من فيكم يا أولاد الكلب سيخون ويذهب للراحة الأبدية الصموت ويتركنا نحن في هذه المتاهة. أشرف ربما أكون أنا من سيخون ويرحل مبكرًا ربما يكون هذا الولد الضاحك أو هذه البنت الشقية لا أحد يعلم يا أشرف من منا سيلحق بك أولاً.

أشرف قل لملائكة الرحمن إن قلوبنا لم تعد تحتمل وأننا شخنا قبل الأوان قل لهم يا أشرف لقد عذبتم قلوب زملائي.. وآه يا أشرف متى سنلتقي متى
__________________________________
*أشرف زميل صحفي توفي فجأة في حادث أليم
نشرت فى جريدةالأحرار - 15 يوليو 1996

الخميس، 11 يوليو 1996

سيد مكاوي من "خندق" الإبداع إلى "خية" الحرفية





هل امتلكت المواجع قلب صلاح جاهين إلا "لينزف" الرباعيات فيكتب لها سيد مكاوي خلودًا أبديًا فتظل أصواتنا تقطر أسى وهي تردد خلفه "دخل الربيع يضحك لقائي حزين.. نده الربيع على اسمي.. لم قلت مين.. حط الربيع أزهاره جنبي وراح.. وإيه تعمل الأزهار للميتين؟". 

إنه سيد مكاوي من أجله خطفت زحمة الموالد قلب صلاح جاهين وانبجست روحه شعرًا صافيًا ليكتب الليلة الكبيرة ويأخذها "عود" مكاوي ويجعلها النشيد الرسمي الذى به يفتتح السهارى مهرجان لياليهم.. ومكاوي هو المسحراتي الذي عانقت "طبلته" جلال شعر فؤاد حداد.. وغناه كأنه يرتل تاريخ أحزاننا.. تسمعه وهو يصرخ "إن الفجر لمن صلاه" فينتفض قلبك من جلال الشعر والموسيقى. 

لا تحس وأنت تسمع سيد مكاوي إنه غريب عنك لأنه ظل وفيًا ومخلصًا لأعظم ما في موسيقى الشعب من معان حتى ليبدو وكأنه يترجم نداءات البائعة وأشواق "المجاذيب" الذين يريدون الهروب من حصار أجسادهم ليلحقوا بركب النور الإلهي. 

ولكن الرجل يركل بفظاظة كل هذا المجد ويدمي قلوبًا أحبته ويكون الوحيد والأوحد الذي يغني للسادات وهو يخون دم الشهداء في تل أبيب سمعناه يغني "كان قلبي معاك طول ما أنت هناك / الله يخليك ويبارك فيك / ويخلينا لك وتعيش يا سادات"!!.. لم يجرؤ أحد على أن يغني للسادات وهو واقف في الكنيست يمحو بكلماته تاريخًا من النضال وتراثًا من دم الشهداء لماذا فعلها سيد مكاوي؟ لا إجابة. 

ومن يومها تباعدت موسيقاه عن نبعها الذي طالما نهلت منه وأصبحت ألحانه ترزح تحت وطأة زخارف إيقاعية لا تمس سوى سطح جلود "العوالم" ولا تنفذ أبدًا إلى قرار أرواحنا كما كانت تفعل ألحانه السابقة. 

وفي الأسبوع الأخير من يونية 1996 شن مكاوي هجومًا تعافه نفس أي فنان على فنان الشعب الراحل الشيخ إمام عيسى فقد صرح لمجلة الوسط بما نصه "لم أسمع إماما في حياتي إلا في ثلاث أغنيات!! الأولى كان يشتم فيها عبدالناصر, والثانية كان يشتم فيها السادات, والثالثة كان يمجد فيها واحد اسمه جيفارا!! ومعلوم أن أي شهيد من شهداء حرب أكتوبر أحسن من جيفارا مائة مرة"!! 

انتهى كلام مكاوي وعلامات التعجب من عندنا ولا نستطيع مناقشة التزوير والخلط الذي مارسه الرجل.. فما عادت تجدي المناقشة. 

فقط تحيرني هذه الأسئلة.. لماذا "يخيبون على كبر؟". 
لماذا لا يكتملون؟ لماذا لا يواصلون رحلتهم؟ كلها أسئلة تفرضها حالة سيد مكاوي وغيره من المبدعين الذين ينتقلون بيسر وسهولة من خندق الإبداع إلى "خية" الحرفية. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار - 11 يوليو 1996 


الخميس، 4 يوليو 1996

الشيخ إمام.. الحصار قدرك




تعلم يا شيخنا أن مصر "مصران" الرسمية منهما حاصرتك حيًا وميتًا "معها حق" والشعبية أنابت بنتًا في العشرين من عمرها وقفت ليلة رحيلك في شهر يونيو من العام الماضي على باب سرادق العزاء تغني أغانيك وتحتفي بك بمزاج مصري صاف.. وغني معها المعزون.. وتوقعنا حضورك ليلتها ليكتمل الفرح ويرتفع النشيد.

عمي الشيخ إمام.. نحن والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه كما تركتنا نلف وندور في ذات الحلقة الجهنمية التي تمكنت من رقابنا ولا نستطيع الخلاص منها.. طبعًا أنت في شوق لمعرفة أحوال أبو النجوم الفاجومي أحمد فؤاد نجم رفيق الرحلة و"أخو الوجيعة" هو بخير ومنتشر ومتوغل في عدة جرائد ومجلات وقنوات تليفزيونية وأخيرًا "تعارك" مع حبيب إسرائيل "علي سالم" وهذه "العركة" لم تمنعه من كتابة الأغاني لواحد اسمه "إسلام" وواحد آخر اسمه "مدحت صالح" والاثنان سافرا إلى إسرائيل فتأمل يا شيخنا وتعجب!!

المؤسف يا عم الشيخ أن أحدًا لم يعد يغني أغنيتك "يا فلسطينية" فقد أصبح اسم فلسطين الرسمي والشعبي أيضًا هو "غزة + أريحا أولاً"!!

كما أحب أن أعرفك أن زمان المعتقلات قد انتهى تماماً فلا هناك "قلعة" ولا "واحات" ولا "طرة" فلقد تكفلت التكنولوجيا الأمريكية بإنشاء معتقلات "أنعم" من أنوثة "سعاد حسني" وأطلقوا عليها أسماء أجمل من "آهات" فيروز مثل معتقلات التليفزيون ومعتقلات أن يحكمك فلان وعلان وترتان ومعتقلات البحث عن شقة ومعتقلات البحث عن عمل وعن كرسي فاضي في الأتوبيس وهكذا نحن نعيش في زمن "حرية المعتقلات". وبمناسبة المعتقلات أرجو منك أن تتفضل وتبلغ المعتقل فؤاد حداد أن دواوينه لم تطبع بعد ولن تطبع وذات الرسالة بلغها ليحيي الطاهر عبدالله, كما أرجو أن تبلغ أمل دنقل أن "لصًا" قد نشر ديوانه مشوهًا وربح آلاف الجنيهات.

وإن صادفت يوسف إدريس فأبلغه السلام وقل له "النداهة" لم تحتفل ولو بكلمة بذكرى رحيلك السادسة.. وأعرفك يا عم الشيخ أنه في الطريق إليكم صلاح أبو سيف فبرجاء مراعاة جلال شيخوخته وأرجو أن "تهش" من حوله كل الذين عطلوا مشاريعه السينمائية فلعله يتمكن من إخراج فيلمه "مدرسة الحب".

عمي الشيخ أعرف أن بينك وبين عبدالناصر "شوية حسابات" ولكن "يا بخت من قدر وعفي" والنبي يا عمي الشيخ تبقى تشقر عليه وتطيب جروحه لأنك عارف هو عزيز علينا قد إيه.. عمي الشيخ من ناحيتنا يهديك السلام صلاح عيسى وفؤاد قاعود وسيد حجاب وكل طلاب الجامعة والثانوي وكل أعضاء حزب الله وحركة حماس والجهاد كما تبلغك السلام السيدة صافيناز كاظم وتعرفك أنها لا تستمع سوى لأغانيك ولقرآن الشيخ محمد رفعت.

عمي الشيخ "سايق عليك المحبة" ابقى افتكرنا ومتنسناش ومن ناحيتنا سنظل نردد مع صلاح عبدالصبور "موتانا يا قوت القلب في زمن شحت فيه الأقوات لا تنسونا حتى نلقاكم".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة الأحرار - 4 يوليو 1996

الخميس، 27 يونيو 1996

عبدالحليم .. عبقرية الحياة والرحيل

/ 


كان حزينًا رقيقًا ونحيلاً وعبقريًا.. لا يبذل مجهودًا ليقنعنا بصدقه.. يكفيه فقط أن يفتح فمه ويلقي علينا آهاته لتخرج قلوبنا من صدورنا وتكون في شرف استقبالها.. منذ ولد في 21/6/1929 وهو يغني كما لم يغن أحد من قبل.. فهو ليس مطرب الملوك ولا أمير المطربين ولا طاووس الغناء, إنه عبدالحليم حافظ وفقط.. يعتصر موهبته ليؤرخ لكل قصص الحب لم تكن هناك قصة إلا وهو شاهدها من أول "لمسة يد " إلى لحظة الفراق المر.. لم نفتقده أبدًا, ففي أيام الانتصار هو في قلب الساحة تزين أغانيه "كوشة الوطن" وفي أيام الانكسار يحمل صوته الرقيق عبء التبشير بأن "بلدنا بتحب موال النهار" ضابطًا "رادار قلبه" على موجات أشواقنا وأمانينا مترجمًا للغامض من أحاسيسنا ومنتصرًا لنا دائمًا.. لم يكن يعنيه كثيرًا "الغناء المعلب" فسافر صوته صوب الجنوب معتمدًا على كلمات الأبنودي وموسيقى بليغ لتبدأ مرحلة جديدة في فن الغناء العربي يلعب عبدالحليم فيها دور البطولة ناقلاً لنا زغاريد قلوب الأمهات في أفراح أولادهن.. ومواجع الصعيدي الذي دائماً ما يعلن توبته ولكن "ترميه المقادير".

ورغم مرضه المتوحش كانت ثمة بهجة تنطلق من أغانيه لتغسل القلب وتشفيه من جروحه.. ولأنه عبقري فقد اختار موعدًا مبكرًا للرحيل لكي لا يتورط في الغناء لأشياء كان ضدها ورحل مثلما ولد نظيفًا مؤمنًا أن الآهة من القلب مخرجها.. لا من الحنجرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت فى جريدة الأحرار - 27 يونيو 1996

الخميس، 13 يونيو 1996

صلاح أبو سيف .. المقامر




له ملامح هادئة وحديث رصين وحضور أبوي حميم عندما يطل علينا من شاشة التليفزيون نظنه مؤرخًا أو أستاذًا جامعيًا يبحث قضية كونية تستلزم الحذر في التناول والدقة في العرض, وهذا ما يحيرنا في هذا الرجل الهادئ الذي يستيقظ مبكرًا "جدًا" في الخامسة صباحًا ويذهب إلى قلب العاصمة حيث يتناول قهوته ويجالس "المبكرين" من أصحابه.. خلف الكاميرا له حضور مختلف تمامًا, فهو الفنان المجرب المغامر بل قل المقامر.. إنه يتصدى لأعقد القضايا ويحولها إلى شريط من الفن المصفى, هل ننسى تشنجات وجه "نفيسة" في بداية ونهاية؟ هل ننسى "عنوسة" ملامحها وهذا الأسى الذي يسكن عينيها؟..

 إنه صلاح أبو سيف ابن العمدة الذي جرفته دوامة النداهة "السينما", فسافر إلى عاصمة الفن الأولى باريس وهناك شاهد وتعلم وعاد إلينا متعلمًا أدق فنون السينما ليتدفق علينا بروائعه حافرًا اسمه بجوار أسماء عظماء الفن السابع وكاتبًا من جديد لتاريخ الواقعية السينمائية.. كلنا مازال يذكر تحفته الخالدة "القاهرة 30" وكيف قامر فأسند دورين مهمين لشابين كانا في بدايتهما أعني حمدي أحمد وعبدالعزيز مكيوي ليسجل هذا الفيلم مولد نجمين, سيواصل أحدهما العطاء ويغيب الثاني لأسباب لا ندركها..

 ثم من جعل السندريللا سعاد حسني ترتدي ثوب الفلاحات وتتحدث بلهجتهن سوى صلاح أبو سيف في عمله الرائع "الزوجة الثانية" وتمضي رحلة إبداعه غزيرة متدفقة وهو على طول الخط ينحاز للجمال والحرية والعدل.. لا يتشنج ولا يتعصب بل فقط يعلم الجميع كيف يكون الإنسان عظيمًا ومتواضعًا وبسيطًا مثل زرقة السماء وخضرة الشجر.

ويا أستاذنا صلاح لك وعليك السلام ولك العافية والإبداع دائمًا وهيا انتصر على مرضك وعد إلينا لتكتب لنا مجددًا "بداية" الفرح وأول النجاح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصورة من اليمين المخرج صلاح أبوسيف مع أحد أصدقائه
نشرت فى جريدة الأحرار - 13 يونيو 1996

الخميس، 4 أبريل 1996

فتاوى الريموت كنترول





سريعًا كشر صاحب الفضيلة عن أنياب فتاويه وصفعنا بفتوى جديدة كانت – مرة أخرى – عن دم شهداء حماس وحزب الله والجهاد هؤلاء الذين ضاقت عليهم الأرض فلم يجدوا إلا أجسادهم يلغمونها لتبقى في الأذهان قضية فلسطين.. في مجمل تصريحاته الصحفية التي نشرتها الجرائد صباح الاثنين 1/4/1996 قال شيخ الأزهر الجديد إن صانعي العمليات الفدائية ليسوا شهداء لأنهم يقتلون أنفسهم ويقتلون الأبرياء "الأبرياء في نظر الشيخ هم الصهاينة"!! 

يا صاحب الفضيلة لماذا بدأت المعركة مبكرًا ولماذا دم الشهداء هو أول الفتاوى؟ لن نطيل معك النقاش.. بل لن نناقشك أصلاً.. فالموضوع بديهي ولا يحتاج إلى أدلة.. إن الفلسطينيين ولعلكم تعلمون ذلك – قوم محتلون جربوا كل وكافة وسائل الحلول السلمية ولكنهم لم يحصلوا إلا على وعود زائفة فلم يجدوا أمامهم غير تفجير أنفسهم.. فهل هذا حرام؟ 

يا صاحب الفضيلة اليوم دنيا وغدًا آخرة ستسأل عن كل كلامك فاتق الله في فتاويك ولا تكن من أصحاب الفتاوى سابقة التجهيز.. فدم الشهداء سيطالب بالقصاص الإلهي من كل الذين لا يحترمونه. 

ونحن أمة المستضعفين في الأرض لن نحترم ولن نؤمن بغير الدم مفتاحًا لحل قضية فلسطين, أما فتاويك وفتاوي الألباني فلن تقدم ولن تؤخر. 

وأخيرًا عاش يحيي عياش وسناء محدلي وهاني العبد وكل الشهداء الأبرار. 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار - 4 أبريل 1996 

الاثنين، 11 مارس 1996

هل عادت نهى إلى بيتها؟







لماذا تكره إسرائيل؟
سؤال طرحه الصديق الكاتب خالد محمود، فتح علىّ بوابات من جحيم الذكريات التي ترسبت في قرار طينة القلب ولم تغادره.

اسمع يا صديقي! في طفولتي لم أر أمي إلا باكية خوفًا على حياة أخي الذي "يعارك" إسرائيل.. وإسرائيل كما علمتني أمي هي "أس" كل "المصائب" فهي التي قتلت حمادة عبدالحافظ نعمان زينة شباب قريتى التمساحية ، الذي لم يفرح بعروسه غير أربعين يومًا.. هذا البكاء اليومي لأمي مازالت ملوحته في حلقي.. تشنجات وجهها.. وارتعاشات يديها وهي تدعو بالخراب على إسرائيل مازالت هناك في أصفى نقطة من دمي مقيمة وعندما ذهبت إلى الأزهر لم يكن شيوخي يتركون مناسبة تمر إلا وحاضرونا عن يهود خيبر وبني قينقاع وبني النضير وكيف أوقعوا العداوة بين الأوس والخزرج وكل قبائل العرب لتروج تجارة السلاح التي تخصصوا فيها ثم ينطلق الشيخ من هؤلاء ليربط بين الماضي والحاضر ويذكر كيف أحرق أحفاد بني النضير أكباد كل العرب.. وكنت يا صديقي أسمع كلامهم وأتشربه على مهل وأفتح له أبواب القلب ليدخل من أيها شاء.



لماذا نسيت "نهى" بطلة رواية يوسف السباعي "الساذجة" "طريق العودة" كانت نهى يا خالد سمراء وشاحبة هي من لاجئي 1984 تجلس على قارعة الطريق ترقب طريق العودة للقدس.. قرأت الرواية وأنا طفل ومازلت مشغولاً بنهى.. هل تزوجت؟ هل أنجبت؟ في أي غارة قتل أولادها؟ هل عادت للقدس أصلاً أم أنها مازالت على قارعة الطريق؟

خالد نحن الصعايدة نؤمن بالثأر ونحافظ على جمرته حارقة لكل حرير النسيان.. وطاردة لذباب يتحلق فوق القلوب التي تنسى.

هل يصلح أن أذكر أغاني الشيخ إمام عيسى ودموع "أبو كامل" طالب الشريعة بجامعة الأزهر الذي استمع معي للشيخ إمام وهو ينشد.


ودا قبر مين اللي البقر داسه

دا قبر الغريب اللي ترك ناسه

ودا قبر مين اللي البقر هده

دا قبر الغريب اللي ترك أرضه


انتهت الحفلة وبعدها بشهر قرأت في جريدة الأهالي خبرًا عن طالب الأزهر الفلسطيني "أبو كامل عيسى" الذي صرعته رصاصات الصهاينة وهو يحاول التسلل إلى داخل فلسطين.

خالد أيها الصديق هل أذكر أشعار محمود درويش وأمل دنقل ومعين بسيسو؟
هل رواية بهاء طاهر "الحب في المنفى" التي تؤرخ لمذبحة "صبرا وشاتيلا" لها دخل بموضوعنا؟



هل أنسى وصايا "حنظلة" ابن ناجي العلي الذي فضح الجميع وحارب حتى النفس الأخير, ما أشبه الأمر يا صديقي بنهر دافق لا تستطيع أن تحدد أول قطرة ماء نزلت فيه.. نعم أكره إسرائيل وعهدًا سأظل أكرهها حتى ترد على ندائنا عظام ماجد أبو شرار وأبو جهاد وسعد إدريس حلاوة وسليمان خاطر.

عم خالد متى ستفرح البنت " سناء محيدلى " بابن الحلال و " لولا عبده " متى ستلبس الطرحة البيضاء و" دلال المغربي " هل "ستعزمنا" على "ليلة حنتها" و" نهى " هل وجدت طريق عودتها؟

إن حدث هذا سأقول وداعًا للكره, أما الآن فالكره هو آخر أسلحتنا وإن كُسر ضعنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشرت بجريدة الأحرار - 11 مارس 1996
*الصورة للشهيدة اللبنانية سناء محيدلي

الاثنين، 22 يناير 1996

من أقوال السيدة فيفي عبده: السوستة ما بتقفلش!!







قبل أن تقرأ.. نؤكد لك أننا ضد – وبمنتهى الحسم – جميع أشكال المنع أو المصادرة ونؤكد في الوقت ذاته أننا مع كل ما يمكث في الأرض وينفع الناس. 
فهل برنامج سمير صبري ( هذا المساء ) مما يمكث في الأرض وينفع الناس؟! 
وهل يجوز لنا أن نطرح سؤالاً حول استمرارية هذا البرنامج في الشهر الكريم؟! 
ولأنك مثلي تأكل الفول ( طعام حيوانات أوروبا) وتدوخ من الحاجة الساقعة وتمز بمية الطرشي وتبحث عن شقة أوضة وصالة وجوازة بالتقسيط , لأنك مثلي في أسوان كنت أم في الإسكندرية لم "تهوب" ناحية أي فندق ولو نجمة واحدة أو حتى نصف هلال، لكل هذه الأسباب ولأسباب أخرى غيرها لا يبقى أمامك وأمامي إلا الجلوس إلى التليفزيون اللي جدتي تسميه "المفسديون" تشاهد إعلاناته وتتحسر وتشاهد أفلامه وتشكو من التخلف العقلي وتشاهد برامجه وتفكر في الهجرة إلى الآخرة, ويطاردك سمير صبري ببرنامجه فاحش وفاجر السواد فتصرخ "استر علي ولايانا يا رب". 

وليلة رأس السنة ( لن تكون أحسن من التي قبلها ) كان ميعادنا نحن أسري البيوت ( من الفلس) لنشاهد آخر إنجازات سمير صبري التاريخية بعد حملة دعاية بدأ البرنامج وكان أول لقاء يجريه الأستاذ سمير صبري "مالك البرنامج" مع السيدة فيفي عبده التي تفضلت – جزاها الله خيرًا – فقالت ما سأقوم بتسجيله في نقاط محددة لتعميم الفائدة, قالت – بارك الله فيها -: 

أولاً: "السوستة ما بتقفلش". 

ثانيًا: "الست الحلوة لازم تكون زي المغماطيس لجوزها" – المغماطيس – هذا هو نطقها للكلمة. 

ثالثاً: "دحديرة إيه يا بابا دانا فيفي عبده". 

رابعًا: "مال شكلك عامل زي الضمير". 

ولأن كلمات السيدة فيفي عبده من "الدرر" فيجب أن أشرح لمن لا يعلم النقطة الرابعة "مال شكلك عامل زي الضمير" الجملة "تصريح" لا "تلميح" جنسي صارخ يقوله "الشوارعيون" في لحظات "الفرفشة". 

خامسًا: "إيه يا حبيبتي أنت كاتمة علي نفس جوزك كدا ليه". 

سادسًا: "هما خلقوا العيون ليه.. علشان تبصبص يا حبيبتي". 

سابعًا: "الراجل لازم يدلع نفسه". 

ولأن النصائح "النظري" لا تجدي مع "الغلابة" أمثالنا فقد قامت السيدة فيفي عبده بتقديم وصلة من الرقص "اللي قلبك يحبه" وأهو كله بثوابه والليلة ليلة مفترجة". 

طبعًا كان من العيب أن يلفت الأستاذ سمير صبري نظر السيدة فيفي إلى أن البرنامج يذاع على التليفزيون وليس في أماكن عملها الرسمية" لأن الأستاذ سمير يعلم – بحكم الزمالة – آداب حديث السيدة فيفي وقاموس لغتها الذي يبدأ "بهوبا" ولا ينتهي "بكخه". 

وبعد أن شاهدنا نحن الغلابة رقص السيدة فيفي "ببلاش" قدم لنا الأستاذ سمير امرأة أجنبية أخذت هي الأخرى تستعرض مواهبها الراقصة "يعني قال إحنا ناقصين رقاصات". 

ولأن مساء الأستاذ سمير الأسود من الغراب النوحي مثل "الكشري" "كله على بعضه", فقد استضاف الدكتور علي السمان وما أدراك ما علي السمان, إنه مثقف مصري بارز يعيش في باريس منذ سنوات ويشارك بفاعلية في مؤتمر "حوار الأديان" وهو حتماً يعلم الكثير عن المجتمع الفرنسي والأوروبي ولأنه يتمتع بكل هذه القدرات فقد سأله الأستاذ سمير عن "الإر" أو "الإغ" وهل الراجل اللي في باريس بينده على ابنه ويقول له ولد يا "مرسي" تعالى هنا ولا بيقوله ولد يا "مغسي" تعالى هنا. 

ولكي لا تكتم الثقافة على أنفاس ضيوف البرنامج وتتحول "قعدة الفرفشة" إلى ندوة ثقافية فقد عاد الأستاذ سمير إلى قواعده سالماً فقدم حوارًا سريعًا مع صحفية كبيرة قالت لنا فيه ذكرياتها عن اليوم الذي نسيت فيه عيد ميلاد جوزها.. ثم "استفرد" الأستاذ سمير برجل محترم يعمل في الهندسة الزراعية "وقام طالق عليه امرأة صاروخية" أخذت تغني للرجل وتداعبه بـ "يالآهات و النظرات والصمت الرهيب ا" وهو الأمر الذي جعل زوجة الرجل المحترم تكاد تفقد أعصابها ولولا لطف المولى عز وجل لشاهدنا "خناقة حريمي آخر جمال". 

ولكي "يلم الأستاذ الدور" ولأنه يتقن كل شيء من "الإغ" إلى الرقص فقد قام بغناء مقاطع من أشهر الأغاني لأعظم المطربين. وطبعاً لم يعترض أحد على غنائه ولن يعترض أحد, ومن ناحيتنا "هروح فين من سمير صبري ونحن نعيش أيامًا من "البرد والفلس". 

وبعد أن "أوسعنا طربًا" استضاف امرأة غربية "وهات يا رطن معها بالإنجليزي" ويا عيني علينا نحن الذين لم ندخل مدارس اللغات.. وطبعًا جلسنا "نخمن" "يا ترى بيقول لها إيه"؟ 

وبعد هذا الاستعراض السريع لأهم فقرات البرنامج تعال معي نحصي إنجازاته: 

أولاً: نجح البرنامج في أن ينقل لنا أجواء الكباريهات وذلك لأجل أن ننسى "شوية" من همومنا. 

ثانيًا: شاهدنا فيفي عبده وهي ترقص "ببلاش" علمًا أن هناك من يمتطي صهوة طائرته الجامبو لكي يشاهد السيدة فيفي وهي تغني لأخيها "الزواوي بيه". 

ثالثًا: شاهدنا نحن الغلابة الذين تصلي أمهاتنا العشاء ثم ينمن "حبة استرتش على شوية قمصان نوم "بيسموها فساتين سهرة" "سواريه" وكل ذلك "ببلاش" أيضًا. 

رابعًا: عرفنا لماذا "السوستة مبتقفلش". 

هذه هي الإنجازات "التاريخية" قدمها لنا الأستاذ سمير صبري صاحب أحدث أنواع "البارفانات" وصاحب الفرقة الاستعراضية التي تضم بنات روسيات "إلهي يخرب بيتك يا جورباتشوف" وصاحب السطوة التي تسمح له أن يدخل الكباريه إلى بيوت أكلي الفول والطعمية المحشورين في أتوبيسات ق. ع الباحثين عن أوضة وصالة الحالمين "بجوازة بالتقسيط". 

وماذا في أيدينا سوى أن "نمسح" إن استطعنا ما يرمونه على "عقولنا من بصاق" نحن هنا وهم هناك في عالم آخر وبلد آخر "وعيشة هنية".. إنه القهر بل قل إنها غطرسة القهر.. أن تظل أنت مصلوباً طوال اليوم لكي تعود "لأم العيال" بنصف كيلو "عظم" بينما هم هناك حيث كل ما لا يخطر على بالك المصاب بكل "فقر أحلام الفقراء". 

إنها ليست قضية الأستاذ سمير صبرى وفرقته وضيوفه.. إنها قضية من يصرون على أننا "آخر فل" ولا ينقصنا سوى معرفة هل الحب مسئولية القلب أم المخ أم المعدة "باعتبار أن أقصر طريق إلى قلب الرجل معدته". 

ولأننا – ولله الحمد – قد سددنا ديوننا أو بالأصح "ديونهم".. ولأننا قد حققنا طفرة في كل شيء من كرة القدم حتى ملابس البحر, فقد طلع علينا الأستاذ سمير ببرنامجه الأسود ليجعلنا نقسم "والله العظيم مفيش فايدة".. سادتنا في ماسبيرو يعلمون أحوالنا أكثر منا.. وعلينا أن نصدق ذلك. 

ثم استضاف البرنامج السيدة يسرا "الكلام عن يسرا ليس مجاله الآن أو هنا" كانت ترتدي فستانًا يقال إن فتحة صدره حوالي 1500 ميل بحري "ما علينا فالدنيا حر" غنت يسرا وتمايلت "مفيش مشاكل" وتمنت العثور على رجل يمنحها طفلاً "ده.. حقها" وبعد يسرا جاء إلينا "الجراد" من كل مائدة أناس مرتاحون على وجوههم "نضرة أكل الكافيار" تراهم فيحرق دمك "موال السيول والزلزال ودماء الأسرى ومخطط الشرق أوسطية و".. أين هؤلاء منا؟". 

ومن قال إن هؤلاء منا؟ 

لا نريد أن يتحول التليفزيون إلى "مندبة" ولكننا نرفض أن يتحول إلى "كباريه". 

إنهم يقولون تطرف وإرهاب وتشنج ثم لا ينظرون إلى ما يصنعه هذا البرنامج في نفوس "أكل الفول صباحًا وغشى". 

ويا سادتنا في ماسبيرو المهيب.. قليلاً من الإحساس بما نحن فيه.. اضحكوا علينا وقولوا لنا نحن نحس بأوجاعكم.. اخدعونا وقولوا لنا إنكم معنا. 

أما أن "تطلقوا" علينا إعلاناتكم وأفلامكم ومساء سمير صبري فهذا كثير, بل كثير جدًا. 

ما الذي يقدمه هذا البرنامج "الكباريه"؟ هل يقدم ما ينفع الناس ويمكث في الأرض؟ سؤال أجابت عنه حادثة يسرا. 

وأخيرًا لا نملك إلا أن نقول "استر عرض ولايانا يا حليم يا ستار". 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت فى الأحرار – 22 يناير 1996 

السبت، 6 يناير 1996

إلى أطفال العرب.. قصة عمو سليمان خاطر



لم تعرفوا بعد ما كامب ديفيد وما هي أوسلو, أنتم مازلتم في طهارة الندى ولذا سأحكي لكم عن الشاطر حسن واسمه في حكايتنا عمو سليمان خاطر.

عصر السبت 5/10/1985
لم يكن هناك سوى الله والأرض والسماء وزرقة البحر وقسوة الجبال وأنين دماء الشهداء التي تشكو الظمأ. وكانت الشمس تلقي على المشهد الكوني نظرتها الأخيرة قبل أن تسقط في جب الظلام.. ولد فلاح من قرية اسمها أكياد مركز فاقوس محافظة الشرقية اسمه سليمان محمد عبدالحميد خاطر, أكمل بالكاد الخامسة والعشرين من عمره, فهو مولود في سبتمبر من العام 1960, وجه أسمر وسيم ويبدو عفيًا رغم إصابته بالمرض القومي ( البلهارسيا ) .

حول عنقه تتدلى قلادة تنتهي بأية الكرسي وتحت إبطه الأيمن يرقد ( حجاب سيدنا الشيخ) في جيب سترته الكاكي حافظة بها "ربع جنيه جديد" مكتوب عليه بالقلم الكوبيا "للذكرى الخالدة أخوك عبدالمنعم" وصورة منفردة لأمه وأخرى جماعية تجمعه بوالده الذي توفي في العام 1979 وأمه وأخويه وأختيه.


في هذه اللحظة ( الخارجة عن السياق ) كان سليمان يقف على نقطة ترتفع عن أرض سيناء بمائة وخمسين متراً. وكانت بدايات الليل قد ألقت ستائرها على المكان.. فجأة وجد سليمان تسعة من الصهاينة يصعدون إلى حيث يقف.. ماذا حدث لكي يضغط سليمان على زناد رشاشه وتنهمر الطلقات مخترقة صدور الصهاينة؟

لا أحد يعرف الإجابة على وجه اليقين.. فلم يكن هناك سوى الله والأرض والسماء وزرقة البحر وقسوة الجبال وأنين دماء الشهداء التي تشكو الظمأ ألقى نظرة فاحصة على المكان.. كانت هناك جثث سبعة صهاينة إضافة لرجلين جريحين يحاولان الفرار. صنع سليمان من كفيه بوقًا وراح يصرخ "اقفلوا الطريق علشان محدش يبلغ إسرائيل والبلد تنضر".

الأحد 6 أكتوبر 1985

صدرت من القاهرة ثلاثة بيانات رسمية. كان الأول يقضي بإلغاء احتفالات أكتوبر حدادًا على أرواح شهداء منظمة التحرير الفلسطينية الذين أغارت على مقر إقامتهم في تونس الطائرات الصهيونية يوم الثلاثاء الأول من أكتوبر 1985 وحمل البيان الثاني اعتذارًا عن حادث سيناء. كما وصف وزير الخارجية عصمت عبدالمجيد الجندي سليمان خاطر بأنه مجنون. أما البيان الثالث فقد أكد أن جندي سيناء مختل عقليًا وسيحاكم .

ترون معي أن سليمان قد فتح على نفسه بوابات الجحيم عندما "اقترف" البطولة في زمن الذل..

فلماذا فعلها سليمان؟

وقد كانت القرارات الرسمية توصي المصريين بنسيان الماضي وتجاوز بحور الدم ورفع صور الشهداء من صالونات البيوت.. فلماذا خرج سيمان عن النص الرسمي وأفرغ رصاصاته في صدور الصهاينة؟

كان سليمان أحد تلاميذ مدرسة بحر البقر الابتدائية التي عجنت طائرات صهيون لحوم أولادها وبناتها وقد قيل إنه في عصر السبت جاءته دماء زملائه تلاميذ المدرسة تسعى وقالت له أجساد الأولاد محمد وجرجس وأحمد والبنات مريم وفاطمة وسعاد: "هل نسيتنا يا سليمان؟".

وقيل أيضاً أن من "ملأ" خزينة رشاشة بالطلقات كان أحد شهداء غارة إسرائيل على حمام الشط وأقسم البعض إن الذي أوحي لسليمان بأن يطلق الرصاص على الصهاينة لم يكن سوى سمية سليمان الحلبي الذي ذبح كليبر يوم السبت 21 محرم 1215 هجرية يونيو 1800 ميلادية. ترون أن هذه أسباب تتعلق بعالم الأرواح "الفسيح" فماذا عن أسباب الأرض "الضيقة"؟

هل صوب سليمان رشاشه نحو الصهاينة لأنهم قالوا له "شالوم"؟! أم لأنهم بصقوا على علم مصر؟ أم لأنهم جواسيس كانوا يريدون تصوير الموقع وما به من أجهزة عسكرية؟ أم لأنهم صهاينة وهذا يكفي؟

الأربعاء 9 أكتوبر 1985

كانت مصر قد تأكدت أن ولدها فلاح الشرقية ليس مجنونًا وإنما هو عاشق لمواويل الحرية والكرامة. فبعثت من "الفجرية" ببرقية إلى أولاد وبنات الجامعة كان نصها "أولادي وبناتي أيها الورد الصابح ، ابني سليمان منكم ومريض مثلكم بالوطن والبلهارسيا والكرامة ، فلا تتركوه وحيدًا يلوث المستسلمون بطولته" ، وكان طلاب جامعة عين شمس أول من استجاب لبرقية مصر, فخرجت مظاهراتهم تهتف بكل ما في القلب من حزن وكرامة.

سليمان خاطر مش مجنون

قولوا عليه مقدرش يخون

ولقد كانت مصر تبحث عن "شمعة" "تكنس" عتمة دهاليز الاستسلام للصهاينة. وجاء سليمان قمرًا مكتملاً. وكلما توغل "النص الرسمي" في فجوره ووصف سليمان بالجنون كلما ارتفع النشيد الشعبي عاليًا:

قولوا لساسون الكلب بره

مصر بلدنا هتعيش حرة

الشعب ارتفع بسليمان وبطولته ووضعه في القلب ذاته الذي يحمل أسماء زهران بطل دنشواي وإبراهيم الورداني قاتل بطرس غالي وسعد إدريس حلاوة القمر النازف الذي كان أول من قال لا بدمه للتطبيع.

ما فعله سليمان جعل الوطن العربي يعود واحدًا مرة أخرى.. في الكويت اجتمع مجلس الأمة وأصدر بيانًا مؤيدًا لسليمان خاطر, كما فتح الباب أمام تلقي تبرعات مالية لإعانة أسرته وفي بيروت وضعت صور سليمان بجوار صور شهداء حرب بيروت 1982 وفي دمشق صنع شاعر سوريا الكبير ممدوح عدوان زفة شعبية للعريس سليمان خاطر

أوقف غناءك يا ولد

ردد معي.. وأنا أقول

سنزف في هذا المساء ابن البلد للصبح سهرتنا تطول

ألف الصلاة على النبي وسلامنا المقرون بالبركات

للسيف المورث للصحابة ولغضبة كبرت كطفل حكاية بين الغلابة

سليمان كالنبوت في كف الفتوة إذ يعارك وهو صداح كناي عب من تنهيدة الأنفار ألحانا.

طويل مثل أوف رافقت وجع الربابة

هذا سليمان الذي عرف الأصول عاش تعرفه الأصول

دقي إذن مزيكة الحرب البهيجة

واضربي في القلب وحدك يا طبول تصيح الأرض بالعربية الفصحى

سليمان الذي بالفاس انطقها وعربها

سليمان الذي بالقهر أيقظها فقالت كل ما تبغي النفوس

السبت 28 ديسمبر 1985

صدر الحكم على سليمان خاطر بالسجن خمسة وعشرين عاماً. وانفجر الشارع المصري خاصة وقد تبنت صحف المعارضة الأهالي والشعب والوفد والأحرار قضية سليمان وقدمته بما يليق ببطولته واستمعت العواصم العربية كلها لصوت شاعر العراق مظفر النواب وهي يغني لسليمان.

هذا الهرم الطفل

احتوى أسرار مصر كلها وأقانيم الروح والخلود

أما كان كليم الله في رابية الطود

وناداه: سليمان بن خاطر طهر البيت من الأرجاس وانزل أرض مصر

حذر الأحزاب من دوامة السلطة والنصفية العاهر

بلغها بأن الله لا يقبل إلا بالبواريد السلاما

الأربعاء 1 يناير 1986

عرف المصريون ما في الأمر فأطلقوا حديثًا يدور حول اعتداء مصور تليفزيوني صهيوني على سليمان أثناء مقابلة له معه وأن سليمان قد نقل إلى المستشفي للعلاج من إصابته وبهذا الحديث رشح المصريون الصهاينة كأول من سيحاول قتل سليمان وما جاء صباح الخميس حتي تفجرت مظاهرات الجامعات المصرية وكان شعارها:

صحوا مصر يا شبان

الصهاينة على البيبان

الأحد 5 يناير 1986

طلب سليمان من أمه التي زارته في مستشفي السجن الحربي حيث كان يعالج من البلهارسيا أن تحضر له في الزيارة القادمة ملابس جديدة وكتبه الدراسية ليؤدي امتحان السنة الثالثة لكلية الحقوق التي انتسب لها وهو في الخدمة العسكرية وقد وصف رئيس تحرير المصور مكرم محمد أحمد الذي زار سليمان في اليوم نفسه أن حالته النفسية جيدة وأنه يأمل تخفيف الحكم الصادر ضده.

الاثنين 6 يناير 1986

في تل أبيب صدر قرار بالعفو عن "إلن هاري جودمان" الذي أطلق الرصاص على المصلين بالمسجد الأقصى صباح أول أيام عيد الفطر عام 1982 فأصاب مائة وقتل اثنين وجاء في قرار العفو إن جودمان سيطلق صراحه صباح اليوم التالي الموافق الثلاثاء 7 يناير 1986.

صباح الثلاثاء 7 يناير 1986

مات سرب من الفراشات وتوقف النحل عن إفراز العسل.. كما كف النسيم عن وشوشة شواشي الكافور ورفعت صفصافة ضفائرها من ماء النيل.. كما سأل أحمس من يجاوره في القبر هل عاد الهكسوس إلى مصر؟!

صباح الثلاثاء 7 يناير 1986

ظهر جمال عبدالناصر وهو يمشي مرهقًا حاملاً على ذراعيه جثمان عبدالمنعم رياض النازف واستمع الناس في حي السيدة إلى صوت عبد الحليم حافظ يغني "عدى النهار والمغربية جاية تتخفي وراء ظهر الشجر", أما في حي الحسين فقد كان الشيخ إمام يغني "الجدع جدع والجبان جبان" وجاءت الأنباء من قنا بأن أعمدة الكرنك قد اهتزت وأن السكر قد جف في عيدان القصب.

صباح الثلاثاء 7 يناير 1986

نسى صوفي ورد الصباح وتمزقت أوتار عود كان يدندن عليه عازف من سنباط.. كما بكت أرملة في أسيوط لما تذكرت فجأة ابنها الذي استشهد وهو يعبر القناة.. وشهدت حديقة الأورمان لقاء الوداع بين حبيبين.

صباح الثلاثاء 7 يناير1986
التقطت إذن مصر فحيح مذيعة رمادية النبرات تقرأ خبراً رسمياً عاجلاً كان نصه : " في صباح الثلاثاء السابع من يناير 1986 حوالي الساعة العاشرة وأثناء مرور الحارس على الرقيب المسجون سليمان محمد عبد الحميد خاطر المحكوم عليه في القضية 142 لسنة 1985 جنايات عسكرية وجد الرقيب المذكور معلقًا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك غرفته بالمستشفى فأبلغ الحارس طبيب المستشفى الذي قام بإجراء التنفس الصناعي وتدليك عضلة القلب إلا أن المذكور كان قد فارق الحياة.

لم تصدق مصر كلمة واحدة من بيانهم الرسمي فأولادها لا ينتحرون إنهم ينتصرون أو يستشهدون. ومن قبلها أطلقت مصر صرختها "قتلوك يا ضنايا" كيف ينتحر من كل جملة هاربة من كتاب الهزائم؟

ومصر التي أنجبت سليمان خاطر هي نفسها التي كلفت الصعيدي عبدالرحمن الأبنودي بإبداع قصيدة تليق بكل الشهداء في الماضي والمستقبل:

يا أمي إن يسألوكي

لا يترعش لك حضن

ولا تردي بحزن

وتقولي: مات في السجن

ساعتها يبقي الحزن بلا موضوع

والسجن بلا موضوع

والموت بلا أكفان

وكفاية جربنا سنين الموت بالمجان والتافه المتهان

أهاننا بالمجموع

يا أمي كل ما يهتفوا بموتي

اتذكري صوتي

بذمتك مش كان عظيم الشأن

قالت له "صوتك نشان"

طالع يقول موجود

ياسمر يا أبو عيون سود

فكيت طلاسم سحرنا المرصود

وعدلت وش الزمن

كان لي ولد.. مات

صحيت الأوطان

ويا أطفال العرب.. توتة.. توتة.. ولن تنتهي الحدوتة.. إلا يوم خلاصنا من قتلة سليمان والأنبياء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار - 6 يناير 1996