الأحد، 30 نوفمبر 1997

غسيل الأشعار



يجمع أحدهم أموالاً من مصادر قذرة مثل تجارة المخدرات أو الرشاوي أو تجارة السلاح ثم يشتاق إلى "الشرعية" فيؤسس بماله الحرام مشروعاً "نظيفًا" فيختلط ماله القذر بمال المشروعات النظيفة فيصبح الجميع – الرجل وماله – شرعيًا ومشروعًا في نظر المجتمع صاحب الذاكرة المثقوبة أو المتثاقبة.

رجال الاقتصاد يطلقون على مثل هذه العمليات "غسيل أموال" غسيل الأموال هذا انتقل بقدرة قادر من أروقة البورصة وزوايا البنوك إلي قلب الندوات الأدبية ليأخذ اسم "غسيل الأشعار" فأحدهم بعد أن يسطو على إبداعات الآخرين يلجأ إلي أعوانه الذين يسارعون إلى إقامة ندوة يتحدثون فيها عن تجربة صاحبهم الشعرية ومعاناته الإبداعية ودوره التنويري ومسيرته النضالية.. ثم يلتقط صاحبنا خيط الحديث ويصنع "كرة" من الأكاذيب يراوغ بها أصحاب اليقين ويظل يزعم أنه يرهق نفسه في الإطلاع على أمهات الكتب "ليتواصل" مع التراث وأنه وأنه وأنه...!.

ومن مباخر الأعوان ومفاخر صاحبنا يتصاعد دخان يعمي الأبصار عن حقيقة ما يجري على المسرح.. ففي مثل هذه الندوات يتم غسل الأشعار والروايات والقصص والمسرحيات بل يتم غسل الكُتاب أنفسهم.. يدخل الواحد منهم إلي الندوة وحبل سرقاته ملتف على عنقه ثم يغادرها وهو صاحب تجربة وفارس من فرسان الكلمة. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
 
____________________________
نشرت بجريدة الدستور ــ 31 نوفمبر 1997

الأربعاء، 19 نوفمبر 1997

أحمد الشهاوى يسرق أشعار الشهداء ويشوه اللغة ويفوز بمديح النقاد


 

-  لوجه الله الكريم أرجوك سيدى القارئ أجب عن أسئلتي:

1- لماذا يسافر الأستاذ أحمد الشهاوي كثيرًا؟

2- لماذا يحتل وحده معظم فقرات برنامج "شعر وموسيقى" بإذاعة الشرق الأوسط؟!

3- لماذا تنشر الصحف صوره وتتابع أخباره ويكتب عنه النقاد أربعين دراسة؟!

- أسمعك سيدي القارئ تقول: إن أحمد الشهاوي يسافر كثيرًا وعلى نفقة جريدة "الأهرام" إحدى مؤسسات الدولة لكي يمثل مصر في المؤتمرات الأدبية بوصفه شاعرًا كبيرًا، كما أن الإذاعة لا تجامله فهي تبث قصائده كما تفعل عادة مع كبار الشعراء، ثم إن النقاد كتبوا عنه أربعين دراسة لأنه أبرز شعراء جيله.

- إجابتك سيدي على "العين والرأس" لكن بربك اصبر قليلاً حتى تقرأ باقي السطور لتكتشف معي أن الأستاذ الشاعر الفحل والنجم الرائع الفظيع... إلخ متخصص إلى حد الاحتراف فيما يمكن أن يسمى السطو المسلح على قصائد الشعراء الشهداء ولأنه بسلامته مثقف فهو يعتمد على النظرية "التفكيكية" التي تعتمد على طريقة الأخوة لصوص السيارات الذين يجعلون "الموتور" في ناحية و"الشاسيه" في ناحية أخرى ولكنهم ينسون أن لكل شىء "رقم مسجل" وبالرجوع إلى الأرقام تعود السيارة إلي صاحبها.

وهذا بحمد الله ما فعلناه مع سرقات الشهاوي ، عدنا إلي الأرقام فقط لنخلص قصائد الشهداء من بين أنيابه.

- نبدأ بجسم الجريمة كتاب يحمل عنوان "كتاب الموت" وقد صدر مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية، وهذا الكتاب امتداد لطريقة الشهاوي "الشعرية" ففيه يواصل الاعتماد على لغة الصوفيين ومصطلحاتهم ورموزهم وإشاراتهم لكي يبكي كثيرًا وطويلاً ذكرى رحيل والدته السيدة نوال عيسى وأخته السيدة سعاد الشهاوي رحمهما الله ويقيم معهما حوارات حول اليتم والفقد والموت والحياة.

وهذه الحوارات مكدسة بمفردات وصياغات من عينة"سر سرى وكل كلى وبعض بعضى واشتمالي وحلولي" وإلى غير ذلك من مفردات الصوفيين والحقيقة لقد استخدم الشهاوي هذه المفردات بوصفها "قنابل دخان" يتسلل تحت سترها إلى عيون قصائد الصوفيين وينهب منها كما يشاء "وكله عند نقاده صوفية".

- ولكيلا يتوج لص بما سرقته يداه كما قال أمل دنقل فسأنقل لك الآن وقائع سرقات الشهاوي الشعرية سرقة سرقة والله من وراء القصيد.


1- في "ص 17" يقول الشهاوي "سينٌ هي الدنيا ونونٌ مدخل ونهاية ذاتي بآياتي عليّ استدلت وأنت شاردة".

بعد أن أطلق الشهاوي قنبلة الدخان التي هي هنا "السين والنون" تسلل إلى ديوان ابن الفارض حتي وصل إلى قصيدته التائية الكبرى المسماة "نظم السلوك" وهبش منها "ذاتي بآياتي عليه استدلت" فعلها الشهاوي وهو مطمئن إلى فاعلية دخان قنابله ولكن "الرقم المسجل" وشى به يقول سلطان العاشقين عمر بن الفارض المصري المولد والمدفن سقتني حميا الحب راحة مقلتي / وكأس محيا عن الحسن جلت / وذاتي بأياتي عليه استدلت .

2 – في ص 27 يقول الشهاوي: "وأنا بوصاله لا اكتفى دمي دمه دمي لكم ودمي مباح فاقتلوني أبدا تحن إليكم الأرواح الوقت منقطع والحلم منسرب والعشق تحت يدي فضاح وأنا شهيد فراقها سينها ليل وعينها ماء ومصباح وللسماء لم ترفع عينا منذ تكلمت أشجارها وتحدثت أقداح لحت في النور ومن بعد لاح العاشقون فباحوا".

هذه المرة نجح الشهاوي في نظرية "التفكيكية" نجاحًا ساحقًا وأضاف إليها نظرية أخرى هي "البلحية" نسبة إلي وكالة البلح حيث يتم بيع أجزاء السيارات يا أستاذ شهاوي هناك رجل اسمه شهاب الدين عمر السهروردي ولد في مدينة سهرورد وعاش في بغداد وحلب وكان من كبار علماء التصوف والفقه والحكمة والمنطق ودس له بعضهم عند صلاح الدين الأيوبي فأمر بقتله بدعوى الزندقة. هذا الشاعر الشهيد جئت أنت يا شهاوي لقتله مرة أخرى.

يقول الشهروردي:

أبداً تحن إليكم الأرواح / ووصالكم ريحانها والراح

وأرحمتا للعاشقين تحملوا

ثقل الهوى والهوى فضاح

صافاهمو فصفوا له فقلوبهم

في نورها المشكاة والمصباح

والكاتمون لسردهم شربوا الهوى

ممزوجة فحمتهموا الأقداح

لا ذنب للعاشقين إن غلب الهوى

كتمانهم فنما الغرام فباحوا

بخٍ بخٍ يا شهاوي تسرق من شهيد قتل ظلما صفحتين كاملتين دون أن تلتقط أنفاسك والله إنها لمقدرة فذة.

3- هذه السرقة تظهر القدرات الخاصة التي يتمتع بها الشهاوي، ففي الوقت الذي كان يسرق فيه شعر السهروردي كان يسرق أيضًا – مجددًا – شعر ابن الفارض!

اذهب يا شهاوي فقد أصبحت فارس "السرقات المزدوجة" تسرق شاعرين في صفحة واحدة مرة أخرى بخ.. بخ يا شهاوي في ص 28 يقول الشهاوي: "وأنا شهيد فراقها سينها ليل وعينها ماء ومصباح، أهل الهوى جندي وهي أهلي ودالها دالي وصمتها إلماح" بالله عليك يا شهاوي متى رضى أهل الهوى الإلهي أن يكون قائدهم مجرد سارق؟

أهل الهوى يا هذا هم جند ابن الفارض الذي يقول: نسخت بحبي آية العشق من قبلي / فأهل الهوي جندي وحكمي علي الكل / وكل فتي يهوى فإني إمامه / وإني برىء من فتى سامع العذل.

4- في ص 31 يقول الشهاوي: "كل العاشقين رعيتي وأنا من نقطة في قلبها طالع عارفا أسود اللحظة" يا شهاوي ليس هناك أسود ولا أبيض هناك سرقة أخرى قمت بها ضد ابن الفارض الذي يقول: "ملك معاني العشق ملكي وجندي / المعاني وكل العاشقين رعيتي / فتي الحب ها قد نبت عنه بحكم من يراه حجابًا فالهوى دون رتبتي.

5- في ص 80 خاف الشهاوي من ظهور ورثة لابن الفارض فقال لشيطانه يا شيطاني العزيز هيا بنا إلى حديقة شاعر آخر نفسد كرمها وندمر وردها فذهبا هو وشيطانه إلى حيث يقول: "إليك سعيت لاعرف وأفض السر وأعرج سائلاً لماذا هذه الجدران نائمة على موت كأني تحتها".

هل قرأت سيدي القارئ هذه الجملة الركيكة "لماذا هذه الجدران نائمة على موت كأني تحتها"؟؟ شهد الله أن هذه الجملة هي في أصلها الأول من أشرف وأثمن كلام العرب ولكن ماذا نفعل مع الشهاوي الذي وضع عليها تراب صياغته لكي يخفي بريق معدنها النفيس؟ الجملة في الأصل سرقها الشهاوي من المتنبي الذي يقول:" فما حاولت في أرض مقاما / ولا أزمعت عن أرض زوالا / على قلق كأن الريح تحتي / أوجهها جنوبًا أو شمالاً.

عمومًا ليست هذه هي المرة الأولى التي يمسخ فيها الشهاوي جملة المتنبي لقد فعلها قبل ذلك في كتابه الصادر عام 1996 "أحوال العاشق" ص 57 عندما قال: "على سفر أنا كأن الموت تحتي"!!!

6- وكنت أظن أنه بعد أن مسخ جملة المتنبي سينصرف إلي حال سبيله ولكنه عاد بإصرار عجيب إلى نظريته التفكيكية في ص 82 يقول الشهاوي: "أنت فتقي وأنت رتقي نقطة من ماء مائى فجرت في الشمس شمسا فدنت حائي تجلب قلوب العاشقين لها عيون" أولا شفاك الله من الفتق والفتاق، ثانيًا "قلوب العاشقين لها عيون" أشهر من أن تسرق.. ولكنه اطمع.. هذه القصيدة تحديدًا لا تقام في الصعيد "حضرة" إلا وأنشدها المنشد هكذا.

قلوب العاشقين لها عيون / ترى ما لا يراه الناظرونا وأجنحة تطير بغير ريش / إلى ملكوت رب العالمينا

7- وبعد قلوب العاشقين يشتاق إلي سفك دم الشهداء فيقول ص 93 "أيهرب الموت مني أم يسجل سيرته في هوائي أيضرب محتوما أم تحررني يداه، من ذا يرد الموت عني؟ قلت: وإذا المنية أنشبت أظفارها فكل تميمة لا تنفع".

لقد بلغت بك البجاحة حدا غير مسبوق يا شهاوي، هل تأملت سيدي القارئ كلمة "قلتُ" التي أثبتها الشهاوي لكي يؤكد أن ما بعدها هو شعره الذي جادت به قريحته؟ لقد تسلق الشهاوي مواسير بيت الهذلي وسرق بداية قصيدته التي يقول فيها:

"أمن المنون وريبة تتوجع / والدهر ليس بمعتب من يجزع

أودي بني وأعقبوني حسرة / بعد الرقاد وعبرة ما تقلع

وإذا المنية أنشبت أظفارها / الفيت كل تميمة لا تنفع".

أبو ذؤيب الهذلي يا سيد شهاوي مات أولاده الخمسة في عام واحد بمرض الطاعون ثم انخرط هو في صفوف المجاهدين وظل يحارب أعداء الإسلام إلى أن مات شهيدًا في عهد الخليفة عثمان بن عفان وبعد هذه الحياة الجهادية يأتي الجالس في طراوة "الأهرام" ليسرقه ويفوز بأربعين دراسة تشيد به. ألا لعنة الله على الغاصبين.

8- للأسف نفدت مراجعي ولذلك أدعو كل محب للحقيقة أن يقرأ كتاب الشهاوي لكي يحكم على صحة نسب العبارات الآتية إليه:

"أنا شجر الكلام أجمع في العالم في وأحد" و"حسب الواجد إفراد الواحد له" و"وما الوجد إلا وأحد غير أنه إذا أنت عددت المرايا تعدداً" هل هذه العبارات للشهاوي أم هي الأخرى لغيره ونسبها لنفسه؟

9- وإذا تركنا السرقات وذهبنا إلى اللغة فستجد الكوارث يصنعها الشهاوي وهو مطمئن القلب وانظر إليه وهو يقول في ص 68 "ذابت الأرض من جروحي وأحرق القلب قلب أنت" الشهاوي يقول "قلب أنت" لأنه لا يعرف أن طلاب الإعدادية يدرسون درسًا عن الضمائر المنفصلة والضمائر المتصلة وكيفية استخدامهما. وفي ص 81 يقول "أنتما ديني وكشفي ما أكون هي أنت أنت هي انتمائى" هل رأيتم "انتمائى" هذه من قبل؟؟ بالتأكيد لا ولكن ماذا نفعل مع الشهاوي الذي يكره اللغة فيدمرها.

10- أعرف والله الكلمات التي تتجمع على طرف لسانك. أعرف أنك تقول كيف إذن علا شأن الشهاوي فأصبح يسافر كثيراً ليتصدر المؤتمرات وأصبحت الإذاعة تبث قصائده وفاز بأربعين دراسة كتبها عنه نقاد كبار؟

ويا أخى وصديقي وسيدي التحق فوراً بكلية التجارة لكي تدرس مناهج التسويق والإعلان وساعتها ستجد الإجابة على أسئلتك كاملة ولله الأمر من قبل ومن بعد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 19 نوفمبر 1997

الأربعاء، 12 نوفمبر 1997

سامحيني يا سعاد




- وسعاد هذه تملك جسدًا كان قادرًا بلفتة واحدة على إيقاف حركة مرور شارع بأكمله، هذا عن جسدها عمومًا، أما التفاصيل فتحتاج إلى حضور مأذون– إن كنت من أولاد الحلال ـ لا أدري ما الذي جعل سعاد مبهورة "بجو المثقفين" فطلبت مني ومن صديقين آخرين ( دروسًا في الثقافة) فهمنا نحن الأبرياء كلمة ثقافة فهما أكاديميًا معقدًا، اجتمعنا وقررنا أن يعطيها صديقي "ع" دروسًا في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، أما صديقي "س" فسيحاضرها في التاريخ الإسلامي وأنا كنت مختصًا بالشعر القديم.

- وبعد أسبوع جاء صديقي "ع" غاضبًا وقال لنا: هذه البنت لن تفلح في شيء، لقد اختبرتها في المعلومات التي شرحتها لها فقالت لي إن سبب نكبة فلسطين هو وعد "بلوفر" وعندما جاء الدور على صديقي "س" قال: إن سعاد تصر علي أن الذي اغتصب الخلافة من علي بن أبي طالب كان اسمه "معاوية بني أبي شعبان"!!!

- أما أنا فقد مكثت شهرًا كاملاً أشرح لها قصيدة ابن زيدون "أضحي التنائي" ولما قلت لها هل حفظت القصيدة قالت نعم لقد حفظت قصيدة "الأستاز ابن ذيتون" هكذا نطقتها وهكذا طردتها.

- والآن وبعد كل ما رأيته من نماذج اغفرى لي يا سعاد واسمحي لي أن أقبل قدميك، فلو رضينا بوعد "بلوفر" و"معاوية بن أبي شعبان" و"الأستاز ابن ذيتون" لأصبحت الآن يا سعاد مثل فلانة أو علانة، تصدر لك الكتب ويكتب عنك النقاد.. فعلى الأقل أنت أجمل منهن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 12 نوفمبر 1997