الأحد، 19 مارس 2006

مدرسة الهزيمة الابتدائية المشتركة التي لا ينجح أحد من طلابها أبدًا


في الساعات الأولى من يوم الجمعة الرابع من المحرم 1427هـ الثالث من فبراير 2006م السادس والعشرين من طوبة 1722ق، سكنت أرواح ألف شهيد حواصل طيور خضر،  وحاولنا نحن أهلهم ألا نسكن في برج الخيبة والعار والحزن العقيم.
فماذا فعلنا ؟
(1)
تقدم بعضنا بالشكاوى والاستغاثات والاحتجاجات إلي الحكومة، فماذا كانت النتيجة؟
إنه "الصفر المونديالي الشهير" ذاته، حازه عن جدارة واستحقاق كل مستغيث بالحكومة، لأنه استغاث بالقاتل ولأنه تغافل عن قراءة ما جاء في الأهرام "صحيفة الحكومة الأولى" ، إذ نشرت يوم الجمعة الثالث من مارس ( لاحظ أن غرق عبارة الخراب كان يوم الجمعة الثالث  من فبراير، واحزن معي للمصادفات السعيدة!!) مقالاً لأحد كبار كتابها هو الأستاذ نبيل عمر جاء فيه: "إن السفينة المصرية "ديانا" مالت علي جنبها الأيمن 20 درجة في دلالة واضحة علي أنها ستغرق داخل بوغاز الدردنيل بتركيا وكانت تحمل 1600 طن من الأخشاب والجرارات، علماً بأن حمولتها يجب ألا تتجاوز 1300 طن!!
وكانت السفية تحمل علم كوريا الشمالية (إن كانت الليلة تشبه البارحة فكوريا تشبه بنما) ثم لما أيقن تسعة من بحارتها بالغرق ضغطوا على القبطان ليرسل استغاثة، ولكنه رفض مهونًا من الأمر.
ولما علمت الأهرام بالأمر اتصلت بصاحب السفينة فأغلق هاتفه الجوال فاتصلت باللواء "حسن الهرميل" رئيس هيئة السلامة البحرية الذي أمر البحارة بمغادرة السفينة فورًا.
ويختم الأستاذ نبيل عمر مقاله قائلاً: لقد تم إنقاذ البحارة التسعة ولكن السؤال مازال ملحًا لماذا لم ترسل السفينة استغاثة؟ ثم لماذا أغلق صاحبها تليفونه المحمول؟
ومن يومها وحتى كتابة هذه السطور لم أقرأ كلمة عن هذه الحادثة ولم أسمع أن تحقيقًا يجرى للإجابة عن سؤال الأستاذ نبيل عمر، ترى لماذا؟ لأن الحكومة هي شريك فاعل في كل عمليات القتل الجماعي التي يروح المصريون ضحيتها، لأنها لو لم تكن كذلك لما سمحت لشركة السلام بمواصلة العمل حتي الساعة، ويكفي أن شركات السياحة تعلن أن السفر لعمرة المولد النبوي سيكون بعبارات شركة السلام.
ثم إن المستغيث بالحكومة هو رجل خادع لنفسه يطمع في أن يلج "جمل" العدل في سم خياط الحكومة. الحكومة أخي الكريم شريك في كل جرائم القتل الجماعي وإليك دليل لا ينقض، نشرته جريدة روزاليوسف اليومية والتي لا يمكن اتهامها بمعاداة الحكومة لأن هذه الجريدة على وجه التحديد عاشقة حتى صفحتها ما بعد الأخيرة للجنة السياسات.
نشرت الجريدة يوم الأحد الخامس من مارس الجاري في صدر صفحتها الأولى تقرير: "الحريات الرقابية بشأن العبارة السلام 98" وجاء في التقرير:
1ــ أن حكومة بنما شهدت بوجود سلبيات في معدات سلامة العبارة وأن العبارة لا يمكن لها أن تبحر أكثر من عشرين ميلاً من اليابسة (كم المسافة بين سفاجا في مصر وضبا في السعودية ؟).
2ــ الهيئة المصرية لسلامة الملاحة البحرية لم تلزم الشركة بعدم الابتعاد عن اليابسة لأكثر من عشرين ميلاً.
3ــ العبارة أبحرت بقوارب نجاة غير مطابقة للمواصفات كما أنها غير مجهزة بالمشاعل الضوئية أو أدوات الإسعافات.
4ــ الهيئة المصرية لم تقم بالتفتيش على هذه المعدات.
5ــ لجنة خاصة من الهيئة فتشت على قوارب النجاة في الثلاثين من يوليو الماضي (أي قبل الحادث بسعة أشهر كاملة)، واكتشفت اللجنة عدم صلاحية 62 قاربًا.
6ــ أظهر تقرير الهيئة المصرية للملاحة البحرية عدم تركيب نظام الإطفاء الثابت بالمياه في العبارة ورغم ذلك استثنت الهيئة العبارة من تركيب النظام حتي انتهاء موسم الحج (لاحظ أن الحادث وقع بعد انتهاء موسم الحج ولم تكن نظم الإطفاء قد تم تركيبها بعد) .
هل بعد هذا التقرير الفضيحة تتوقع أن تنتصر الحكومة لدم الشهداء حاشاك أن تكون من الذين يطمعون في عفو الله عن إبليس.
لكل ما سبق وما سيأتي يظهر لكل ذي عقل أن الشكوي للحكومة فوق أنها مذلة فهي محض عبث أو عبث محض، فمنذ متى والقاتل يعطي القتيل حق القصاص؟
تذكروا معي أن الحكومة رفعت الحصانة عن أيمن نور في لمحة عين وسجنته خمس سنوات قبل أن يرتد طرفها إليها لأنه متهم بتزوير أوراق، أما المتهم بقتل ألف مصري فمازال ينعم بالحصانة والمال والبنين والسفر إلى عواصم أوروبا.
(2)
توجه بعضنا إلى مكتب سيادة النائب العام مطالبين بإظهار حقيقة ما حدث في مذبحة العبارة.
ونسى هؤلاء أن "شهاب الدين مثل أخيه تماماً"، فلقد سبق لنا وجربنا سيادة النائب العام شخصًا ومنصبًا فماذا حصدنا سوي "الصفر ذاته"، هل تتذكر مثلي مذبحة قطار الصعيد ثم مذبحة مسرح بني سويف؟ وفي زمن المذبحتين ذهب بعضنا أيضًا للتظاهر أمام مكتب النائب العام. هل تذكر ماذا منحنا النائب العام؟ . "إنه الصفر ذاته".
ثم هل تذكر أن النائب العام وكانت البلاد علي أعتاب كارثة طائفية بعد عرض كنيسة لمسرحية رأى من شاهدها من المسلمين أنها مسيئة لهم ــ خرج علينا قائلاً "إنه لا وجود لمسرحية ولا لـ "سي دي" الذي سجلت عليه أظنك تذكر هذا التصريح الأعجوبة وأظنك تذكر أن قسًا ــ أقول قسًا ــ نشرت له صحيفة صوت الأمة مقالاً كان عنوانه "بل هناك مسرحية وهناك سي دي". ثم هل تذكر أن مصريات انتهك أعراضهن حثالة ما يسمى بالحزب الوطني أمام نقابة الصحفيين يوم الاستفتاء الأسود وسجلت كل الفضائيات وقائع الانتهاك بالصوت والصورة، أظنك تذكر، كما أظنك تذكر أن النائب العام حفظ القضية لعدم التعرف على الجناة، والله العظيم هذا ما قاله!
(3)
لطم بعضنا وجهه في الجرائد وشق بعضنا جيبه في المجلات وانتحب بعضنا في الفضائيات وجميعنا سكبنا على الشهداء آيتين من الكتاب وما تيسر من دموع، أو كما قال نجيب سرور: ثم ماذا؟ إنه "الصفر اللعين ذاته" فالكثرة الغالبة من الصحفيين والكتاب، يبدأ الواحد منهم مقاله بتلك الجملة التي عليها لعنة الله ورسله والملائكة والشهداء والناس أجمعين، يقول واحدنا: "أعلم أن لا شىء سيحدث" بس خلاص هذا يكفي يا سيدنا، لقد وصلت رسالتك الانهزامية، إذ كانت الهزيمة هي بداية الأمر ومنتهاه فلماذا نكتب؟ إذا كنا نعلم أن الهزيمة قدر مقدور فما جدوى كل هذا الحبر الذي نشوه به بياض الصفحات؟ إذا كنا نسلم بداية بأن لا شيء سيحدث فما جدوى أي كتابة نكتبها وأي احتجاج نحتجه وأي مظاهرة نتظاهرها؟
(4)
تسألني وما العمل؟ دعني أفكر معك بصوت مسموع وأقول: أمامنا ثلاثة حلول:
الأول: أن نؤمن إيمان عقيدة واعتقاد أن التخنث أمر لا يليق برجال لهم شوارب ونساء لهن ضفائر، فنحاول، كما يليق برجال حقيقيين ونساء حقيقيات، إبقاء القضية على قيد الحياة (وهذا أضعف الايمان) كأن تخصص كل جريدة ومجلة يحترم القائمون عليها معنى الرجولة والأنوثة ركنًا ثابتًا في الصفحة الأولى يحتوي على عدد محدود من الكلمات، كأن تكتب الصحف مثلاً: "لقد مضى اليوم "كذا" على مذبحة عبارة السلام.. لن نصمت وسنظل نطالب بالحقيقة".
والذي أعلمه علم يقين أن الرجل الوحيد في مصر الذي استن هذه السنة وعمل بها هو العالم الأستاذ "قدري حنفي" إذ خصص ركنًا ثابتًا في مقاله الذي تنشره الأهرام صباح كل خميس من كل أسبوع، يطالب فيه بالكشف عن الحقيقة.
وأنا أضع هذه الأمانة في عنق أستاذي رئيس تحرير العربي "عبدالله السناوي" فمثلما قام بحشد رؤساء التحرير دفاعًا عن زميل كان مهددًا بالسجن يستطيع إن شاء الله حشدهم لتخصيص هذا الركن، فإن لم يستجيبوا يكون قد نال شرف الدعوة وعليه أن يلتزم بها في العربي.
الحل الثاني:
ثبت لنا بالتجربة أن الحكومة شريك في جرائم القتل الجماعي التي تحصد أرواحنا كما ثبت لنا أن السيد النائب العام قد يأتي تقريره وفيه: "إنه لا وجود للغرقى ولا للسفينة ومن ثم فلا وجود للبحر الأحمر" ثم ثبت لنا أن إيقاظ الشعب أمر حباله طوال طوال كطول ليل الشتاء الذي بلا دفء ولا أمان ولا طعام، فلماذا لا نلجأ للمنظمات الدولية، فقد أبلت بلاءً حسنًا في بلدان كثيرة.
سيقول قائل هل أنت تقع في المحظور وتطالب بالتدخل الأجنبي، وأنا أرد عليه قائلاً: "كف عن الرطانة بالباطل الذي لا يأتيه الحق من بين يديه ولا من خلفه"، فالمنظمات الدولية شيء والتدخل الأجنبي شىء آخر، ألا نطالب أحياناً بتدخل الصليب الأحمر وشقيقه الهلال الأحمر ، ألا نلجأ أحيانًا إلى الأمم المتحدة، ألا نستصرخ أحيانًا الفاو واليونسكو واليونيسيف وغيرها من المنظمات.
هذا يحدث وأكثر منه يقع فلماذا لا نخاطبهم ونقول لهم مدوا لنا يد المساعدة ولا تصدقوا حكومة أدمنت ذبح شعبها.
الحل الثالث:
"أن نعلن بشجاعة تليق برجال لهم شوارب ونساء لهن ضفائر أننا ننتمي حقيقية لا مجازًا لعالم الخناثي، ومن كان خنثى فلا يطمع في أن يكون له ولد، لو امتلكنا شجاعة مثل هذا الاعتراف الأليم سيحق لكل واحد منا الانكفاء على ذاته والغوص فى أوحال الواقع مطاردًا للقمة عيشه ونكف جميعًا عن "تقليب" مواجع أهل الشهداء ونقنع بالانضمام لمدرسة الهزيمة "الابتدائية" التي لن ينجح أحد من طلابها أبداً رجالاً كانوا أم نساء".
إن كانت ما تصورتها حلولاً غير مقنعة ولا لائقة فعندي حل رابع: "أن نولع في أنفسنا بجاز" وكفى الله الجبناء شر الحياة والمقاومة. ملحوظة: ليلة الأحد 12 مارس الجاري قام ستة من مملكة أمير المؤمنين محمد السادس التي نعرفها باسم المغرب بسكب الجاز على أبدانهم ثم اشعلوا النيران فيها احتجاجاً على عدم وجود فرص عمل لهم وقد تمكنت السلطات من إنقاذ ثلاثة منهم وهم الآن قيد العلاج من الحروق الشديدة. لو جربنا هذا الحل أبشركم أن حكومتنا ستدعمه وتفرح به جداً وتستورد شعبًا من الصين كما تستورد فوانيس رمضان.
__________________________
نشرت بجريدة العربي ــ 19 مارس 2006