الخميس، 17 فبراير 2022

كيف أنقذ مرسي جميل عزيز خيري شلبي من الانتحار؟




مع روائي مثل الراحل الأستاذ خيري شلبي، ستقف احترامًا لجبروت الموهبة، فلو لم تكن موهبة شلبي تمثل تسعة أعشاره ما كان له أن يصعد إلى قمة تربع عليها، فهو ـ بعد محفوظ ـ الأغزر إنتاجًا، بجملة مؤلفات وترجمات تجاوزت الستين كتابًا، ثم هو الأكثر تنوعًا واختلافًا عن كل أبناء جيله، فقد ضرب بسهم في كل فن من فنون الكتابة، وحققت سهامه جميعًا أهدافها.

لم أكن من الصفوة المختارة التي يفضي إليها العم خيري بأسراره، لكن شاء حسن حظي أن أكون شاهدًا على ساعة من ساعات بوحه.

ذات ليلة قال لنا العم خيري: أنا ابن الصور البراقة والمجد الغابر، ولدت لعائلة عريقة كانت ذات صيت وأملاك، وكانت محبة للفن، وكانت عائلتي تقدر التاريخ وتحترمه، فلقد وضعت صور أكابرها على حوائط «المندرة» التي كانت مخصصة لاجتماعات العائلة المهمة، ولاستقبال ضيوفها.

يضيف خيري: «عندما كنت طفلًا تعلقت بتلك الصور، إنها لأجدادي وأعمامي، فلان بك وعلان باشا، هذا صاحب أملاك وذاك صاحب سلطة، كانت وجوههم منيرة بطريقة ما، وكنت أخرج نفسي من حالة التأمل تلك بمشقة، أعود لواقعي، لقد ماتوا وذهبت معهم أمجادهم، الواقع كان قاسيًا بطريقة جهنمية، فقدت ولدت لأبوين، عيالهما كثر ومواردهما ضئيلة.. ذقت كل أنواع المعاناة، ولكن في وقت مبكر من حياتي عرفت أنني سأكون كاتبًا يخلد حياة الذين أغفل التاريخ ذكرهم".

أوفى العم خيري بوعده الذي قطعه على نفسه وأصبح كاتبًا، وقبل ربع قرن من عامنا هذا خرج على الناس بواحدة من قنابله. لقد نشر كتابه «مرسى جميل عزيز.. موسيقار الكلمات». الكتاب صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وقد نفدت طبعته الأولى، ولكن لم تُعد الهيئة ولا غيرها من دور النشر طباعته. قسّم الأستاذ خيري كتابه إلى خمسة أقسام رئيسية هي: مرسي شاعر الحب والأمل، مختارات من شعر مرسي، لمحة عن مشوار حياته، مشواره الفني، نماذج من أغانيه.




هل كان مرسي جميل عزيز يستحق كتابًا بقلم خيري شلبي؟

الإجابة هي نعم، قاطعة حاسمة.

ولد الأستاذ مرسي رحمه الله في التاسع من يونيو من العام 1921 بمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، كان والده الحاج جميل عزيز مرسي ثريًا من كبار التجار، وبفضل ثروته تلك تمكنّ مرسي الابن من التفرغ لفنه. حصل مرسي على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) من مدرسة الزقازيق، ثم التحق بكلية الحقوق (ولا أعرف هل واصل دراسة الحقوق أم لا). وتوفي في التاسع من فبراير من العام 1980، وخلال رحلته التي لم تستغرق سوى تسع وخمسين سنة صنع مجده الشعري.

البداية مع السنباطي 

بدأ مرسي التأليف وهو ابن ثماني عشرة سنة، فقد قدم للإذاعة في العام 1939 أغنية «الفراشة» التي لحنها الموسيقار الكبير رياض السنباطي (هل نلتفت لدلالة قيام موسيقار شهير جدًا بتلحين أغنية لشاب لم يكن أحد قد سمع باسمه؟). لكن جاءته الشهرة عندما غنى له عبد العزيز محمود إحدى فرائده، وهي أغنية «يا مزوق يا ورد في عود".

لا يوجد صوت غنائي لم يكن له نصيب من إبداع مرسي، بداية من سيدة الشرق أم كلثوم ونهاية بعفاف راضي، إضافة لعبد الوهاب وعبد الحليم ومحمد قنديل والسيدة فيروز وغيرهم من فحول المطربين. مكانة مرسي الشعرية جعلت الأستاذ يحيي حقي، رحمه الله، يكتب عنه دراسة وافية وينشرها في كتابة «خطوات في النقد".



في مطلع الخمسينيات، هاجمت نوبة من الظروف القاسية العم خيري شلبي الذي كان في ذلك الوقت في ريعان شبابه، فرأى أن يتخلص من حياته. لم يكن قرار الشاب خيري عشوائيًا، لقد تسلطت عليه متاعب حياته الشخصية وقراءاته المبعثرة في الفن والفلسفة، ليصنعا مزيجًا دفعه للعزوف عن الحياة.

صوت فيروز 

جاءت اللحظة الحاسمة، أحضر الشاب المقبل على كارثة زجاجة ممتلئة بصبغة اليود، واختفى في غرفة مهجورة من غرف بيت أبيه الريفي، أغلق دونه كل الأبواب، وسد كل منفذ للغرفة، كي لا يسارع أحد بإنقاذه متى صرخ من وطأة الألم. تجرع الشاب الزجاجة كاملة، سرت صبغة اليود في أحشائه فراحت تتقطع ألمًا، لم يصرخ الشاب وفاءً لعهد قطعه على نفسه، وهو في غيبوبة الألم جاءه الإنقاذ من مرسي جميل عزيز الذي كان يسمع باسمه، ولا تربطه به رابطة خاصة.

في اللحظة التي رفرف فيها طائر الموت بجناحيه فوق قلب الشاب، شاء الله أن يعلو صوت راديو الجيران. كانت فيروز تصدح بقصيدة مرسي جميل غزيز التي لحنها الرحبانية "سوف أحيا"

يقول العم خيري: كان صوت فيروز يزفه صوت الكورس البديع، القوي قوة الإصرار والأمل والرغبة في الحياة.

كانت الأغنية تقول:

لمَ لا أحيا وظل الورد يحيا فى الشفاه

ونشيد البلبل الشادي حياة لهواه

لمَ لا أحيا وفى قلبي وفى عيني الحياة

سوف أحيا سوف أحيا




يصف العم خيري مشاعره في تلك اللحظة الفارقة فيقول: «لا أستطيع وصف مشاعري لحظتها، أشرقت الدنيا في عينيّ فجأة، فشعرت بأن صوت فيروز هو الضوء المشتعل الذي أضاء كل الظلمات، وبأن كلماته المشرقة تؤنبني بشدة على ما فعلت، وتهزأ بإصراري على هذا الموقف الفج. وكان يخيل لي كأن الأكف تنهال على صدغي، لطمًا، وأنني حاول عبثًا دفعها عني. ثم بدأ كأن الكلمات تضمد جراحي بلحن غاية في العذوبة، ينفض المشاعر نفضًا، يصفيها من غبار اليأس وظلمات الأوهام والأفكار الخاطئة، ويزرع فيها المقاومة والرغبة في الحياة.

ليس سراً يا رفيقي أنّ أيامي قليلة

ليس سراً إنما الأيام بسمات طويلة

إن أردتَ السر فاسأل عنه أزهار الخميلة

عمرها يومٌ وتحيا اليومَ حتى منتهاه

سوف أحيا سوف أحيا

حينئذ –يضيف العم شلبي ـ «وعلى صوت البلبل الشادي، صرخت في طلب النجاة والإنقاذ، تيمنًا بزهرة الخميلة التي تعرف أن عمرها في الحياة يوم، لكنها تحيا اليوم حتى منتهاه. نعم، سوف أحيا، هكذا قلتها، ولا أزال أقولها كلما رن في مسمعي نشيد هذا البلبل الشادي على صوت فيروز الحبيب".

من حسن حظ الأدب العربي أن القصة قد انتهت بمواصلة العم خيري للحياة، وبإصراره على المقاومة، لكي يمتعنا نحن قراء العربية بروائعه. ثم مرت السنون وأصبح الرجلان صديقين، الشاب الذي كاد ينتحر، والشاعر المنقذ.

 يقينًا قص خيري قصته على الشاعر، لكن من سوء حظ الأدب العربي أن العم خيري لم يسجل لنا رد فعل مرسي على تلك القصة النادرة. فلو كان فعلها وأكمل بوحه، لظفر الأدب العربي بصفحات مضيئة، كنا سنرى فيها مجدا حازه شاعر أنقذت كلماته أديبا شابا، سيصبح بعد قليل أحد أعمدة الرواية العربية المعاصرة.

رحم الله الرجلين الكريمين، وألهم الناشرين إعادة طبع هذا السفر النادر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منشور بموقع أصوات 18 مارس 2019


الأحد، 13 فبراير 2022

معركة الدكتورة نفوسة


 أوّل عميدة لكلّـيّة البنـات في القصــيم وكشفت عن وجود الفصحى والعامية في كل اللغات وردت على القائلين بإن العرب فقط هم الذين يعانون من لهجة محلية عامية ولغة فصيحة قديمة.

من العجيب المريب، أن أهل الباطل يقدمون دماء رقابهم قربًا على مذبح باطلهم، بينما أهل الحق يغطون في نوم عميق مطمئن!

ينفخ بعضهم الآن في نيران معركة الفصحى والعامية، وقال أحدهم صراحة: هذه معركة أجيال وستكون الغلبة لمن يصبر ولا يترك الميدان ساعة من ليل أو نهار.

نعم هى معركة، ومعركة شرسة، لأنها تريد ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها، وتلك المعركة لها جذور قديمة جدًا، وقد نبهني لتلك الجذور فضيلة الأستاذ الإمام محمود محمد شاكر، فقد وضع في كتابه العلامة "أباطيل وأسمار" فقرة في غاية الخطورة، والذين يعرفون الأستاذ شاكر يعرفون أنه ليس من المسرفين، فهو لا يسرف في مدح أو مذمة، ويكتب بميزان الذهب.

كتب الأستاذ الإمام عن كتاب "تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر"، الذي كتبته الأستاذة الدكتورة نفوسة زكريا: "هذا الكتاب النفيس من تأليف الدكتورة نفوسة زكريا سعيد، المُدَرِّسة بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والجهد المبذول في جمع مادة هذا الكتاب جهد يدل على التجرد الصحيح السليم في طلب المعرفة، وعلى الصدق في السعي إلى الحقيقة، وعلى النفاذ في إدراك الحقائق، وعلى الصبر في معاناة التنقيب بلا كلل ولا ملل.

ولا أظنني قرأت منذ سنوات طوال كتابًا يتناول المسائل العامة في حياتنا الحديثة بَذل فيه صاحبه من الوقت والجهد والأناة ما بذلته الدكتورة نفوسة في كتابها هذا، ولا أظنني قرأت أيضًا في هذا الدهر كتابًا ينبغي لكل عربي وكل مسلم أن يقرأه من ألفه إلى يائه يضارع هذا الكتاب! وحسبها أنها استطاعت أن تجلو للناس صورة صحيحة صادقة مؤيدة بالأسانيد بلا تزيّد ولا كذب ولا ادِّعاء عن أكبر معركة تدور في العالم العربي والإسلامي؛ وهي: معركة البناء أو الهدم، معركة الحياة أو الموت، معركة الحرية أو الاستعباد، معركة وحدة العرب والمسلمين بلغة عربية واحدة هي لغة الفصحى أو تفرُّق العرب والمسلمين أشتاتًا بلغات متنابذة هي العامية.

ولو كان لي من الأمر شيء لأَمرتُ أن يطبع هذا الكتاب ليكون في يد كل شاب وشابة، وكل رجل وامرأة، ويكون له مختصر ميسر لكل من مكَّنه الله -تعالى- من القراءة، ولَستُ أريد الإغراق في الثناء وإخلاء الكتاب من كل عيب، ولكني أراه كتابًا صالحًا لكل مثقف يجد فيه مادة صحيحة لتاريخ معركة قاسية خبيثة، إذا وقانا الله شرها باليقظة فقد نجونا من المحنة الساحقة، وإذا أسأنا فابتلينا بتمام الغفلة؛ فذلك ذل الأبد -ولا حول ولا قوة إلا بالله وحده-"



مَنْ هى الدكتورة نفوسة لكي تستحق كل هذا الثناء من الشيخ شاكر أسد العربية؟ 

عن صفحة بالفيس بوك تحمل اسمها أنقل هذه الترجمة للدكتورة نفوسة: "وُلِدت الدكتورة نفوسة في الإسكندرية في 3 نوفمبر 1921، وفي عام 1946 نالت درجة الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلّيّة الآداب- جامعة الإسكندرية بتقدير ممتاز لتكون أوّل معيدة بالقسم وبالكلية، وفي عام 1953 نالت درجة الماجستير بمرتبة الشرف الأولى، وكان موضوع الرسالة «البارودي حياته وشعره»، وظلّ هذا البحث مخطوطاً قرابة أربعين عاماً حتى نشرته مؤسَّسة البابطين عام 1992.

وفي عام 1959 نالت درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف الأولى عن رسالتها "تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر"، ونُشِرَت الرسالة عام 1964. درّستْ في كلّيّة الآداب- جامعة الكويت، وفي السعودية في كلّيّة البنات في الرياض وفي الدمام، وكانت أوّل عميدة لكلّـيّة البنـات في القصــيم، ومن مؤلَّفاتها الأخرى إلى جانب رسالتيْها للماجستير والدكتوراة كتاب "عبد الله النديم بين الفصحى والعامية" (الدار القومية للطباعة والنشر 1966)، الذي قالت عنه أنه "استدراك ما فاتني ذكره في كتاب تاريخ الدعوة إلى العامية عن دور عبد الله النديم في المعارك التي خاضتها العربية الفصحى في عصره، ومنها معركتها مع العامية" ووقوفه بجانب الفصحى رغم سعة معرفته بالعامية وكثرة تجاربه في استخدامها والشهرة التي نالها عن طريقها.

كتاب "خرافات لافونتين في الأدب العربي" الذي أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب طبعه عام 2014.

بحث "الفصحى واللهجات العامية وأثرها في قومية الثقافة ومحليتها" الذي أعدّته بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية، وقُدِّم لمؤتمر الوحدة والتنوع في الثقافة العربية المعاصرة سنة 1971.

وقد توفيت الدكتورة نفوسة في 18 أكتوبر 1989 عن عمر يناهز الثامنة والستين".




يكفينا النظر في مقدمة كتاب الدكتورة نفوسة لنعرف لماذا مدحها الشيخ شاكر.

في المقدمة عرَّفت الدكتورة نفوسة بالفصحى والعامية ووجودهما في كل اللغات، وفي اللغة العربية منذ أقدم العصور، واتساع الخلاف بينهما في العربية وسببه، والميدان الذي اختصت به كل من الفصحى والعامية ومزاحمة الأخيرة للأولى بعد الدعوة إلى اتخاذها آداة للتعبير الإنساني أواخر القرن التاسع عشر.

الفقرة السابقة ترد على الذين يقولون إن العرب فقط هم الذين يعانون من لهجة محلية عامية ولغة فصيحة قديمة.

فكل اللغات لها فصحى ولديها عامية، وتلك ظاهرة قديمة جدًا، وكانت الفصحى النقية للجليل من الأمور من كتابة القصائد إلى توثيق المعاهدات الرسمية، أما اللهجة فهى للتعامل اليومي بين رجال الشارع، ثم وقعت الأمة العربية والإسلامية بين أنياب الاحتلال الغربي فبدأت المعركة، لأن الغرب لم يكن يرمي بكل سهامه سوى القرآن ، نعم هذا هو الأمر على صورته الحقيقية بدون لف أو دوران أو خداغ أو تدليس أو لبس وغموض، هذه الأمة لا يجمعها إلا القرآن، ففكر المحتل الغربي في هدم الجامع ونقضه وذلك بالاعتماد على اللهجات المحلية التي إن سيطرت وهيمنت وضغطت فلن يعرف المصري من كلام المغربي كلمة ولن يعرف العراقي من كلام اليمني كلمة.

تقول الدكتورة نفوسة: إن أول ظهور حقيقي للمعركة كان على يد الألماني ولهلم سبينا الذي كتب في العام 1880 كتاب " قواعد العامية العربية في مصر"

تأمل العنوان وتأمل عام النشر، تجد العنوان يتحدث عن العامية العربية وتجد العام يسبق وقوع مصر تحت الاحتلال الإنجليزي بعامين فقط!

 وبعد سبينا جاء الدور الإنجليزي وليم كوكس وهو مهندس طرق وكباري عمل في مصر والعراق وتركيا، ولكنه كان شديد الاهتمام بجعل العامية المصرية لغة كتابة ولغة علم، فقام بترجمة مقطوعات من مسرحيات شكسبير ونشرها بالعامية المصرية في العام 1892، ثم ترجم الإنجيل إلى العامية المصرية ونشر ترجمته في العام 1925 ثم نشر كتابًا بالعامية المصرية تحت عنوان "الأكل والإيمان" في العام 1926.

هل تأكدنا من أن المعركة قديمة جدًا؟

هل تأكدنا من أن الغربي المحتل هو الذي أشعل نيرانها؟

تكشف الدكتورة نفوسة: الستر عن الأجانب الذين كانوا يشكون من افتقار العامية إلى أدبٍ مدونٍ، فقاموا بجمع أدب العامة ونشره، ومن كتبهم التي تضمنت هذا الأدب العامي: كتاب مجموعة أرجاز مصرية (1893م) (1930م) جورج كولانو، ومجموعة من الأغاني الشعبية المتداولة في مصر العليا لجاستون ماسبيرو، حكاية باسم الحداد وما جرى له مع هارون الرشيد (1888م) للكونت كارلو دي لنـدبرج، أربع حكايات باللهجة القاهرية (1904م) دولاك، قصص عن أخبار العرب (1908م) أنو ليتمان!

المعركة التي سجلتها بكل دقة ووضوح الدكتورة نفوسة جذبت نيرانها الشيطانية بعض العرب المصريين، منهم القاضي الكبير عبد العزيز فهمي باشا الذي دعا إلى محو الحروف العربية والاستعانة بالحروف اللاتنية!

هل ـ لا قدر الله ـ لو نجحت دعوة فهمي باشا كنا سنعرف شيئًا عن القرآن؟

ثم تمضي الدكتورة نفوسة في فصول كتابها لتميط اللثام عن تلك المعركة المستعرة التي يسعى البعض الآن لاشعالها مرة ثانية بل عاشرة، في كل مرة يفشلون وتبقى الفصحى لغة لأمة كتابها هو القرآن ولكنهم لم يرفعوا الراية البيضاء بعد، بل نسمعهم يتحدثون عن صبر الأجيال وتواصل النضال من أجل طمس العربية الفصحى.

كتاب الدكتورة نفوسة نشرته دار المعارف في العام 1964 وظني أنه قد نفد من زمن بعيد، لكنه موجود على شبكة الانترنت، فمن شاء معرفة سحر الدراسات العلمية التي تدافع عن أمتها فعليه بتحميل الكتاب وقراءة كلماته كلمة كلمة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر فى موقع "صوت الأمة" 6 فبراير 2022

الخميس، 3 فبراير 2022

في ذكرى ميلادها.. ثمانون قصيدة في حب كوكب الشرق


 


حسب معظم المؤرخين، فنحن في شهرنا هذا نحتفل بالذكري الـ 121 لميلاد كوكب الشرق أم كلثوم، حيث ولدت في 31 ديسمبر من العام 1898، وإسهامًا في الاحتفال بتلك الذكري نقرأ معًا كتاب «أم كلثوم في الشعر العربي» لمؤلفه الباحث الدكتور إبراهيم عبد العزيز أبو زيد أستاذ مساعد مادة البلاغة والنقد في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة قناة السويس بالإسماعيلية.

حظي هذا الكتاب الصادر عن الهيئة العامة للكتاب بمقدمة طيبة جدًا كتبها الأستاذ الدكتور أيمن تعليب الذي قرأ مكانة الغناء عند العرب القدماء والمعاصرين بشرط أن يكون الغناء فنًا صحيح البدن سليم القلب. ثم جاء دور المؤلف الذي صنع شيئًا لم يسبقه إليه أحد، بل تعجز مؤسسات عن القيام به.

قام المؤلف الدكتور إبراهيم عبد العزيز بحصر كل القصائد التي كتبت عن أم كلثوم على مدار ثمانين عامًا كاملة. كان الدكتور إبراهيم متحفظًا في تقرير مبدأ حصر القصائد، فقال إنه حصرها على قدر جهده وفي حدود علمه، وهكذا يكون العلماء الجادون الذين لا يفاخرون بإنتاجهم وإن كان يستحق التمجيد والتعظيم.

سيرة الست

هل أم كلثوم مطربة كغيرها من المطربات، يجري عليها ما يجري عليهن من أحكام؟.. سؤال رأى المؤلف أنه قد يطرأ على عقل قارئه فبدأ كتابه بتقديم إجابة لافتة.

أم كلثوم عند الدكتور إبراهيم ما هى إلا سيرة شعبية، والسير الشعبية لا تعتمد إلا على جزء يسير من الحقيقة، ثم تقدم الشعوب إنجازها في تكريم صاحب السيرة. وساعتها ليس لك أن تتحدث عن مطابقة إنجاز الشعب لحقائق التاريخ. فالتاريخ الرسمي مثلا يقول: إن رجلًا مثل أدهم الشرقاوي كان قاطع طريق وخارجا على القانون لا أكثر ولا أقل. ثم جاءت الأمة فقامت بالاعتماد على حقيقة واحدة، وهى وجود شخص يحمل اسم أدهم الشرقاوي، ثم لجأت إلى مخيلتها فصنعت منه البطل الشعبي الذي ما يزال ذكره يجري على الألسن.

 وهكذا جرى الأمر مع أم كلثوم، فقد رأت الأمة أن تكافئ عبقريتها فجعلت منها بطلة شعبية، تضفي عليها مكارم البطولة وتصفِّي حياتها من الشوائب التي تعلق ببني الإنسان، بل تتسامح مع الأخطاء التي وقعت فيها أم كلثوم. فعندما عقر كلبها مواطنًا وأصبح الأمر منظورًا أمام الجهات الرسمية، فإن النيابة قد حفظت القضية بعد تعويض المواطن وجاء في حيثيات الحفظ: "إن أم كلثوم إذا أخطأت مرة فقد أحسنت مرات، وإذا نسب إليها الإهمال في واقعة، فكم نسب إليها من جلائل الأعمال وروائع الخدمات".




يقارن المؤلف بين سيرة «الأميرة ذات الهمة» وبين سيرة أم كلثوم فيجد قرابة مدهشة. فوالدا الفتاتين كانا يحلمان بأن يولد لهما ذكر، والد ذات الهمة كان يريد ولدا يحفظ عرش ملكه، ووالد أم كلثوم كان يريد ولدا يحفظ له عرش الإنشاد الديني.

الفتاتان اسمهما الأصلي فاطمة، وقد ولدتا في ظروف دينية لها اعتبارها، فمؤرخو حياة أم كلثوم يقولون: إن ليلة مولدها كانت ليلة القدر، وقد كان والدها معتكفًا في المسجد فأخذته سِنة من النوم رأى فيها السيدة أم كلثوم ابنة رسول الله. ثم صعدت الفتاتان رغم معاكسة الظروف، فقد وقعت الأميرة ذات الهمة في بدايات شبابها في الأسر وأصبحت من السبايا ثم قهرت العدو بفروسيتها. وكانت المغنيات قبل أم كلثوم كالجواري، فحررت أم كلثوم كل المطربات، وصعدت هى حتى حازت لقبًا رسميًا هو «صاحبة العصمة». وقد كرمتها الدولة منذ عهد الملك فؤاد الأول وحتى رحيلها في عهد الرئيس السادات.

يقول المؤلف: «إن المكانة الرفيعة التي وصلت إليها أم كلثوم كانت بفضل مثابرتها وجهدها في محراب الفن، حيث بدأت مسيرتها الفنية ضمن طوائف المغنين في فترة من الزمان لم يكن فيها الغناء دارجا بين النساء، وكان الناس يربطون هذه المهنة بالإماء وغيرها مما تختزنه الذاكرة المشتركة من صورة سلبية حول المرأة الفنانة، لكن أم كلثوم استطاعت بفضل «نزالها في معركة الغناء» أن تغير النظرة الدارجة تلك، بصوتها وما أدته من الأغاني سواء في الحب أو الأغاني الوطنية جعلها تلقّب لاحقا بالمجاهدة في دعم صفوف الجيش بالغناء"

كأني بالمؤلف يريد الجزم بأن أم كلثوم تستحق أن تكون ملهمة لشعراء تعاقبوا على مدار ثمانين عامًا


ديوان أم كلثوم

عندما يمدح المتنبي فإنه يمدح سيف الدولة أو بدرا بن عمار أو كافور، فكلهم بين ملك وأمير، وكذا كان كل الشعراء يمدحون العظماء من الملوك أو قادة الميدان، فمن تكون أم كلثوم لكي تحظى بديوان كامل يخلد حتى آهاتها؟ … سبق للمؤلف أن قدم الإجابة، أم كلثوم هي بطلة سيرة شعبية لا تملك لأحد ضرًا ولا نفعًا ولا تستطيع إجبار أحد على أن يحبها ويمدحها، لكنها بفنها العبقري أسرت القلوب والعقول فتدفق الشعر مخلدًا لها حتى بعد رحيلها بعقود. من السودان جنوبًا إلى سوريا شمالًا ومن موريتانيا غربًا إلى البحرين شرقًا، كتب الشعراء العرب قصائدهم عن أم كلثوم، ثم هناك شعراء ليسوا عربًا، من تركيا وباكستان.

وفي هذا رصد المؤلف ثمانين قصيدة تشكل ديوانًا قائمًا بذاته يحق لنا تسميته بديوان أم كلثوم. يبدأ المؤلف في ذكر القصائد بنصوصها الكاملة، فيقف مع أحمد رامي فيقول: «إن أحمد رامي هو أبرز شاعر عرف الجمهور قصائده عبر صوت أم كلثوم بل إن دارسي شعره تعاملوا مع قصائده كلها بوصفها قيلت في أم كلثوم أو على الأقل ارتبطت بها بشكل أو بآخر حيث كانت ملهمته». عاد رامي من باريس يوم 21 يوليو 1924 وبعد ثلاثة أيام استمع إلى أم كلثوم وهي تغني قصيدته (الصب تفضحه عيونه) التي لحنها الشيخ أبو العلا محمد، فطرب لها وكتب فيها قصيدة عنوانها (إليها) ويقول في مطلعها: «صوتك هاج الشجو في مسمعي/ وأرسل المكنون من أدمعي». أما آخر ما كتب رامي في أم كلثوم فقصيدة رثاء بعد وفاتها عام 1975 يقول في مطلعها:

ما جال في خاطري أني سأرثيها

 بعد الذي صغت من أشجى أغانيها

فقد كنت أسمعها تشدو فتطربني

 واليوم أسمعني أبكي وأبكيها

بعد رامي جاء دور أمير الشعراء أحمد شوقي، ويسجل المؤلف أن شوقي كتب أولى قصائده في أم كلثوم في افتتاح معهد الموسيقى الشرقي بالقاهرة يوم 26 ديسمبر 1929، حيث خاطب ملك مصر آنذاك أحمد فؤاد قائلا: «لما بنيت الأيك واستوهبته / بعث الهزار وأرسل الورقاء» قاصدا بالهزار محمد عبد الوهاب وبالورقاء أم كلثوم.

ويقول المؤلف: إن شوقي ذكر اسمها صريحا عام 1931 في قصيدته (سلوا كؤوس الطلا) التي كانت من بين بضع قصائد له غنتها أم كلثوم بعد وفاته. ويقول شوقي في مطلع هذه القصيدة: "سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها.. واستخبروا الراح هل مست ثناياها"

ثم جاء ذكر أم كلثوم صريحًا في قوله:

سل أم كلثوم من بالشرق طارحها..

 ومن وراء الدجى بالشوق ناجاها

 يا أم كلثوم أيام الهوى ذهبت كالحلم..

 آها لأيام الهوى آها




ومن بين مشاهير وعمالقة الشعر العربي في مصر يتوقف المؤلف عند قصيدة العقاد فيقول: إن العقاد الذي لم تغن له أم كلثوم شيئا، كتب قصيدة عنوانها أحد ألقاب أم كلثوم (كوكب الشرق) بمناسبة عودتها من مستشفى البحرية الأمريكية بعد أن أجريت لها عملية الغدة الدرقية عام 1949. وألقى العقاد قصيدته يوم 19 نوفمبر 1949 في حفل بمعهد الموسيقى العربية ويقول في مطلعها:

هلل الشرق بالدعاء.. كوكب الشرق في السماء

عباس العقاد يتحدث عن أم كلثوم

ابن شيخ الإسلام

إذا كان من المنطقي أن تفتن أم كلثوم الشعراء المصريين، فمن العجيب ان يفتن بها شاعر تركي. الدكتور إبراهيم عبد العزيز أورد أبياتا من قصيدة الشاعر التركي إبراهيم صبري ولكنه لم يعلق عليها، فرأيت أن أعتمد على مقال قديم كتبه الأستاذ محمد الخولي تناول فيه الشاعر وقصيدته. يقول الخولي إن: «الأستاذ إبراهيم صبري عاش في مصر في كنف والده الشيخ مصطفى صبري آخر من تولى منصب مشيخة الإسلام في ظل الدولة التركية العثمانية، وقد لجأ الى مصر عام 1923 فرارا من بطش الكماليين الذين هدموا امبراطورية بنى عثمان في إسطنبول وقد عمل الأستاذ ابراهيم صبري أستاذا للغات الشرقية في جامعة الإسكندرية وكان صديقا للعلامة محمود شاكر عليه رحمة الله، يخلو إلى بيته الواسع في القاهرة ويستمع إلى أم كلثوم فلاحة الدقهلية، في إحدى زيارات إبراهيم صبري لبيت الشيخ شاكر بلغت نشوة الطرب بالشاعر التركي المتمصر الحد الذي دفع الشاعر الى تدبيج قصيدة باللغة التركية نشرتها مجلة (الرسالة) في 26/10/1942 ورغم أن الرسالة قدمت القصيدة بقولها إنها من ترجمة الأستاذ محمود شاكر، إلا أن الأستاذ رجاء النقاش يلاحظ أن محمود شاكر لم يكن يعرف التركية وأغلب الظن في رأيه أن أحد العارفين بالتركية ترجم معانيها وقام محمود شاكر بصياغة الترجمة صياغة أدبية رقيقة وجميلة. القصيدة التركية حملت عنوان (ذكرى أم كلثوم) وجاء فيها:

"أم كلثوم.. قصيدة وردية انسكبت من أباريق اللحن في أرواحنا.. حين تأخذني سكرة الإبداع أجد قلبي نشوانا وتذهب أعصابي في إغفاءة هادئة لفرط ما سكرت بهذا الصوت.

أراني أصل بخيالي إلى القمر حيث أصادف ألحانا من عالم السحر والجمال وفي القمر يرفقني صوت أم كلثوم حيث النور الشفاف.. صوت يغرد كشدو البلبل في ربا الجنات,"

الشيخ محمود شاكر

وكانت للفن سماء

ومن تركيا إلى العراق حيث قصيدة معروف الرصافي التي ألقاها يوم 15 نوفمبر 1932 في مسرح الهلال ببغداد حيث غنت أم كلثوم حين زارت العاصمة العراقية.

وفيها يقول الرصافي:

أم كلثوم في فنون الأغاني

أمة وحدها بهذا الزمان

 هي في الشرق ربة الفن

فما أنْ للفن رب ثان

 ومع الرصافي هناك قصائد لجميل صدقي الزهاوي وجواد الشبيبي ومحمد بهجة الأثري وإبراهيم الباجه جي وبدر شاكر السياب الذي يقول في قصيدته:

وأشرب صوتها

 فيغوص من روحي إلى القاع

ويشعل بين أضلاعي غناء من لسان النار

أما الأعجب فهو أن يفتتن شاعر إسرائيلي بأم كلثوم، حيث يورد المؤلف نص قصيدة كتبها الشاعر الإسرائيلي «روني سوميك» بالعبرية عن أم كلثوم وترجمها إلى العربية سلمان مصالحة وجاء فيها:

كانت ترتدي فستان سهرة أسود

وشواكيشُ صوتها تضربُ مساميرَ فولاذيّة

في الكوعِ المُسند على طاولة المقهى

   في ساحة "سطرومة"

عوّدت عيني على رؤياك

وإن مرّ يوم من غير رؤياك

ما ينحسبش من عمري

أمّا أنا فجئتُ ومَحوتُ نسرًا كبيرًا رُسمَ بالطباشير

على قطعةٍ من غيوم

رفرفتْ تحت جناحيه خرقةٌ مطرّزة

أوثقها، بعد سنين، بعروة بنطالِه

طبّاخُ القاعدة العسكريّة في بئير أوره.

طلبتُ منه بعض حبّات من البرتقال،

وفي آلة التّسجيل اسودّ فستانُها مرّةً ثانية.

أغمضَ في عينيهِ أبخرةَ الغداء، وقشّرَ حبّاتِ البطاطا.

مَنْ ذي الّتي تُغنّي، حاولتُ الاستفسار، أمّ كلثوم؟

هزّ هو رأسَه.

من طرفه، بِوُسْعي أن أسرقَ المطبخَ بأسْرِه.

ويختم المؤلف ديوان أم كلثوم بقصيدة كتبها الشاعر أحمد عنتر مصطفى في العام 2004 يقول فيها:

سيدة من أعماق الدلتا

غمرت كل بقاع الأرض

بإيقاع البهجة

جعلت لليل مدارات أخرى

خاصرها النجم

وراقصها الحلم

وكانت للفن سماء


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نشر بموقع "أصوات أونلاين" فى 30 ديسمبر 2019

https://aswatonline.com/2019/12/30/%d9%81%d9%8a-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%89-%d9%85%d9%8a%d9%84%d8%a7%d8%af%d9%87%d8%a7-%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d9%82%d8%b5%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d8%a8-%d9%83%d9%88%d9%83/

 

 


الثلاثاء، 1 فبراير 2022

النفخ في رماد المعارك القديمة




قرر الأستاذ المترجم هكتور فهمي أن يكون مشروعه هو ترجمة كلاسيكيات العالمية إلى اللغة المصرية!

وقد بدأ مشروعه بترجمة رواية الأمير الصغير لـلأديب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، ثم ظهر على الناس بترجمته لرواية ألبير كامو الشهيرة "الغريب".

ظهور تلك الترجمة أحدث ـ كما هي العادة ـ حالة من النفخ في رماد المعارك المنتهية، فبعضهم هلل وكبر لهذا الفتح المبين، فقد جاءنا الذي سيحررنا من عبودية العربية البدوية الرملية، هكذا يشعرون تجاه لغتهم التي يكتبون بها وبها أصبحوا أساتذة يشار إليهم بالبنان!

وآخرون دافعوا عن لغتهم وهم يرونها تتعرض لهجمة شرسة، ليست هي الأولى ولن تكون الأخيرة.

حالة المد والجزر هذه دفعت زميلنا الأستاذ إيهاب مصطفى لمحاورة الأستاذ هكتور لصالح الزميلة الدستور.

في الحوار قال الأستاذ المترجم: "في البداية، أحب أوضح إن أنا بترجم باللغة المصرية الفصحى مش بالعامية. وطبعا أنا عارف إن "المصرية الفصحى" ده مصطلح جديد علينا وعمل شوية لخبطة عند المتابعين، وده طبيعي. وعشان الموضوع يبقى أوضح، لازم نتفق على نقطتين:

النقطة الأولى هي إن اللغة المصرية اللي بنتكلم بيها النهارده في مصر هي لغة كاملة ولها قواعدها النحوية وبلاغتها. وهي لغة منفصلة عن العربي اللي تركيباته اللغوية وقواعده وتصريفاته مختلفة تماما عن المصري. وده هو الأمر الواقع اللى بنعيشه واللي مفيش حد يقدر ينكره. وده بصرف النظر عن أصل لغتنا، لإن ده موضوع تاني فيه تفاصيل كتير وعليه اختلاف كبير".

حنانيك يا أستاذ هكتور، أو بالعامية" يا واش يا واش".

يا سيدنا أنت تتحدث بثقة الذي يقرر بديهيات لا مجال للرد عليها أو حتى مناقشتها.

ما معنى قولك: "أنا بترجم باللغة المصرية الفصحى مش بالعامية؟".

يا سيدنا أنت تترجم وتتكلم وتشرب وتأكل وتحلم بالعامية المصرية، فلا وجود لما تسميه أنت بالمصرية الفصحى، وعاميتك كلها جذورها فصيحة وأنت تقوم بتشويه تلك الجذور لكي تثبت لنفسك أنك قد جئت بالمستحيل.

انظر يا سيدنا إلى قولك: "أنا بترجم باللغة المصرية الفصحى مش بالعامية"

جملتك هذه مكونة من سبع كلمات، الفصيح منها ست كلمات، ولا أعرف أنا هل لأداة النفي العامية "مش " جذر فصيح أو لا.

يا أستاذ هكتور لا أنت ولا غيرك سيستطيع متى كتب بالعربية الفرار من الجذور الفصيحة، أن وضعك للباء قبل الفعل المضارع لن يجعل لك أدنى فضل في اختراع لغة جديدة تسميها الفصحى المصرية.

ثم تقرر التنظير عساك تقنع أحدًا فتقول: إن اللغة التي نتكلم بها الآن في مصر لها قواعدها النحوية والبلاغية وهي منفصلة عن العربي!

يا أستاذ هكتور من هذا الذي أغراك بوطء أرض ليست أرضك؟

أين توجد قواعد النحو تلك؟

هي يا سيدي في رأسك أنت فقط، فالنحو الذي نعرفه هو نحو عربي الأبوين والجدين، وأنت لن تستطيع اختراع نحو جديد للغة متخيلة، الفاعل في الفصحى وهو الفاعل في العامية وكذا المفعول والفعل والصفة، والبلاغة الفصيحة هي البلاغة العامية، فلا قواعد جديدة ولا لغة جديدة.

إن زعمك أن اللغة المصرية لا رابط يربطها بالعربية، لهو زعم مضحك، لأننا لا نسلم لك بوجود لغة مصرية، اللهم إلا إذا كنت تعنى لغة قدماء المصريين، وهذه أنت لا تترجم بها، الدراجة التي نتحدث بها هي لهجة وليست لغة، ومعظم مفردات العامية جاء من الفصحى، فكف رحمك الله عن أوهام لا سند لها من الواقع ولا دليل على صحتها.

ثم قال الأستاذ هكتور:"الفصحى والعامية دول مستويات لغوية مش لغات. يعني كل اللغات فيها المستوى الفصيح وهو المستوى اللغوي اللي بيستخدم في الأوساط الأكاديمية أو الثقافية وهو بيعتبر المستوى الأعلى من اللغة. وفيها المستوى العامي أو لغة الشارع وهو المستوى اللي بيستخدم في الحياة اليومية العادية أو بين الناس اللي مستواهم الثقافي قليل. والمستويات  دي موجودة في اللغة العربية زي ما هي موجودة كمان بوضوح في اللغة المصرية".

ما الجديد الذي جاء به الأستاذ هكتور؟

الرجل يملأ الفراغ بمزيد من الفراغ، هل فهم أحد شيئًا من قوله " الفصحى والعامية دول مستويات لغوية مش لغات؟".

نعم العامية ليست لغة، هي لهجة، ولكن متى كانت الفصحى مجرد طبقة من لغة؟

أين هي اللغة التي تفرعت عنها الفصحى؟

أين هي اللغة التي تعد أمًا للفصحى؟

أسئلة يجب على الأستاذ هكتور الإجابة عنها، هذا إن كان جادًا في البحث عن لغة يترجم إليها!