الأربعاء، 26 أكتوبر 1994

مـن دمــي ســتنبت شقائــق النعـــــمـان



البطل عصام الجوهري



الإسم – عصام فهمي الجوهري

السن – 24 عاماً

الحالة الإجتماعية – أعزب

المؤهل – دبلوم فني صناعي

المهنة – مبيض محارة

التهمة – قتل وإصابة 15 صهيونياً

" وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أى جانبيك تميل".حتماً كانت صرخة المتنبي التساؤلية تطرح نفسها على عقل وقلب عصام الجوهري – لقد قرر أن يقاتل ولكن ضد من يوجه رصاصه؟

ضد أنظمة برعت في قهرنا ومسخ أمانينا وسرقة أعمارنا ؟ هذا اختيار سهل أم يدفع فوهة رشاشه نحو رؤوس مثقفين – كالقردة – يقفزون بمهارة بين أشجار تفاح اليمين وغابات نخيل اليسار هذا هو الإختيار الأسهل.

وهو لايريد السهل أو الأسهل أنه يريد الذهاب إلى هناك إلى أبعد عمق لأوجاعنا، وعيه الفطري قاده إلى قرار لا رجعة فيه الرصاص يجب أن يوجه نحو "دود" الأرض "الصهاينة" إنهم الباب الملكي لعبور الكوارث إلينا وابتعاد رصاصنا عنهم ليس له معنى سوى مزيد من الذل لأعناقنا إن كان قد بقى منه شىء لم نجربه ، وبدون أن يطلع أحداً على سره خبأ مصر في شرايينه وأفرد قلبه سجلاً لصور وذكريات أشيائه الخصوصية، دمعة أمه، حنان أبيه، ضحكات أشقائه، ليالي رمضان في الحسين، آذان الفجر، حرقة الفقر، نشوة النصر، التشوق لحياة أكثر رحمة وعدل.

لم يطالع التاريخ في الكتب بل حفظه منقوشاً على أوجه الفقراء، كانت حياته القصيرة أقسى من أن تتيح له رفاهية القراءة فقيرا ولد لأب يعمل في هيئة النقل العام وأم ماتت بعد مولده بقليل وعندما أنهى تعليمه لم يجد عملاً سوى "مبيض محارة" ثم التغرب في صحراوات الخليج حيث الرمال والتعب وحفنة من نقود لاتكفي لدفع غول الفقر المتوحش.

انه الأن في فلسطين جولة سريعة في دفاتر أزمنة مضت جعلته يرى الفاروق عمر وهو يتسلم مفاتيح القدس ويرى اللحظة التي خان فيها يهوذا المسيح على بقعة من هذه الأرض نمت كلمات سميح القاسم، "يموت منا الطفل والشيخ ولا نستسلم".

قبل ثلاث خطوات من ملاقاة العدو عاد السؤال الذي القاه المتنبي يفرض نفسه من جديد، من الأولى بالقتل؟ الصهاينة أم الراكعون أمامهم، حفنة الخدم الذين يظنون أنفسهم ملوكاً غالبين ؟

ومرة آخرى ينقذه وعيه الفطري مادمت تمتلك رصاصة تكفي لقتل فيل فلماذا تصوبها نحو نملة، إن الصهاينة هم الأفيال التي تدهس أجنة أحلامنا.

كان قد أصبح وجهاً لوجه مع العدو ذابح الحمام وحارق الزيتون.

فوق رأسه رفرفت كلمات محمود درويش :" حاصر حصارك لا مفر ، اضرب عدوك لا مفر فأنت الآن حر وحر وحر" . تسارعت دقات قلبه، عرق ساخن غطى جبهته. يده على الزناد ، القدس تخلع أثواب الحداد، بعد قليل سينتشر دمه لتنمو شقائق النعمان ، لحظة وتصعد روحه لتسكن حواصل طيور خضر تطوف بجنان لم تخطر على قلب بشر، تزايدت دقات قلبه ومن بعيد يأتي صوت يرتل" واقتلوهم حيث ثقفتموهم" وعلى الفور استجاب لتعلن زغاريد رصاصته أن مصر هي أم الرجال كانت وستبقى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة الاحرار: الأربعاء 26 أكتوبر 1994