الخميس، 30 أبريل 2015

صورة الرسول






مظلوم والله رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، لقد أصبح فى أعيننا جميعا -المؤمنين به والمخالفين له- كأنه السماء، لا نستمتع بزُرقتها ما دامت زرقاء، نفتقدها فقط عندما يتغير لونها، كأنه البحر لا نفتقد نعومة موجاته إلا عندما يثور ويتوعد ويهدد، كلنا نتعاطى مع هذا الرسول الكريم بوصفه أمرا من أمور الطبيعة لا ننشغل به إلا عندما يمسه التغير ولو مسًّا لطيفًا.

عندما يمنّ الله علينا بنعم مثل نعم الإنصاف وسكينة النفس وتفتُّح العقل، سنرى جيدا بعين البصيرة المضيئة، معجزة من معجزات عظمته، أعنى معجزة يُتمه.

سنرى طفلا اسمه محمد (لم يكن الاسم شائعا فى زمنه الأول) هذا الطفل لن يرى أباه، مات الأب والطفل لا يزال جنينًا يتقلب فى بطن أمه، ثم عندما يُولد لا ينعم بحضن أمه إلا أقل القليل، يرحل مع مرضعته إلى البادية (وفق أعراف كانت سائدة فى ذلك الزمان) وعندما يعود صبيًّا تلوح من قسمات وجهه علامات الذكاء والنجابة، تموت أمه.. يشهد خروج روحها من جسدها.. يشهد دفنها فى صحراء شاسعة (الله وحده يعلم بدموعه الحبيبة الغالية، الله وحده يعلم بحرقة قلبه وارتجاف بدنه).

وعندما يأوى لحضن جده يرحل الجد!

أىّ يُتم هذا الذى ذاقه الطفل الحبيب؟

أىّ قلب كان قلبه؟

كيف لم يتفتت قلبه تحت وطأة كل هذا الفقد، كل هذا الهجر، كل هذا اليتم؟

أكان من حقه أن يصرخ بكل كيانه: يا وحدى، يا وحدتى، يا وحشتى، يا غربتى، يا يتمى؟

أكان من حقه أن يتشرد فى صحراء بلا ملامح حتى يتهرب من ذكريات لم يشبع منها؟

كان من حقه، ولكنه تنازل طائعا مختارا عنه، وصرخ فى ضمير العالم مذ كان العالم وإلى يوم النهاية: يا كلنا، يا جمعنا، يا حشدنا، كونوا بشرا من حب، ولا تكونوا قلوبًا من حجارة.

ثم يكبر الطفل ويصبح رجلا، ويمنّ الله عليه بنعمة الحب، يحب أمنا خديجة عليها السلام، يحبها بكل يتمه وغربته، يحبها فتصبح الأم والأخت والخالة والعمة والصديقة والزوجة وأم البنين والبنات، يحبها حتى إنه يشتاق إلى وقع خطواتها على الأرض.

ثم تباغته خديجة الطاهرة برحيل مبكر، تلحق بأبيه وأمه وجده وعمه، تلحق بكل أحبابه الذين لم يرتوِ من محبتهم.

وآه يا خديجة يا حبيبة يا طاهرة، يا من كنتِ له بعد الله المأوى والسند والملاذ، ترحلين فيتفجر اليتم مجددا وتبكيكِ أركان البيت الشريف.

حتى بناتك يا خديجة يلحقن بك، وحبيبك الذى كنت تضمينه بين جلدك وقميصك، يصلى عليهن صلاة الجنازة، الواحدة بعد الأخرى، ولا تواصل معه الرحلة سوى الزهراء عليها السلام.

والآن.. هل فتح الله لنا بابًا من أبواب الإنصاف لكى نتأمل حال رجل ابتلاه الله بكل ما فى اليتم من يتم؟

هل قسا قلبه؟

هل تحجرت مشاعره؟

هل أذلَّ يومًا رقاب العباد؟

أمامنا سيرته وبين أيدينا أدق تفاصيل حياته، ثم لن نجد سوى طيب العطر ونعومة الحرير.

يا سيدنا نحن لا نحتفل بك، فأنت عيدنا الدائم.

يا سيدنا نحن لا ندافع عنك، لأنك لست متهمًا.

يا سيدنا نحن نتقرب إلى الله بأن ننظر نظرة منصفة إلى سيرتك.


يا سيدنا طبتَ حيًّا وميتًا، عليك منا سلام الله ما دامت السماوات والأرض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير بتاريخ 23 يناير 2015

هناك 3 تعليقات:

  1. صلى اللع عليه وسلم

    سلمت يمينك
    ابدعت


    تحياتى

    ردحذف
  2. تصويب الخطأ

    ( صلى الله عليه وسلم )

    ....

    ردحذف
  3. اللهم صل وسلم عليه ولك الشكر والتحية يا حمدى
    هذه مدونتى http://7arfwaw.blogspot.com/
    واحب اقابلك وانا أسيوطى مثلك

    ردحذف