لم يكن الحسين بن على بن أبى طالب لحظة ولادته طفلًا كغيره، لأنه ولد فى دائرة استثنائية، فأبوه هو فارس الإسلام وفيلسوفه وفتى الفتيان على بن أبى طالب، وأمه هى فاطمة الزهراء ابنة الرسول، وأخوه الذى يكبره مباشرة هو الحسن، وأخته هى زينب بنت على وجدته لأمه هى أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وجدته لأبيه فاطمة بنت أسد التى سبق لها تربية النبى نفسه، وجده لأبيه هو سيد قريش أبوطالب بن عبدالمطلب، وجده لأمه هو النور محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إجمالًا تمتع الحسين بنسب تحيط به الاستثنائية من أطرافه، ذلك النسب سيلقى بظله الأخضر على تكوين الحسين الفكرى والوجدانى.
المشهور أن ولادة الحسين كانت فى الثالث من شعبان من العام الهجرى الخامس، ولكن المحقق العلامة الشيخ محمد صادق الكرباسى قال إن ولادة الحسين كانت بعد عشية يوم الخميس الخامس من شهر شعبان من السنة الرابعة الموافق للتاسع من يناير عام 626 م.
وقد أجمع المؤرخون على أن ولادته عليه الرضوان كانت فى المدينة المنورة.
فإن كان الحسين قد ولد فى العام الرابع فقد تمتع بصحبة الرسول سبع سنوات كاملة، وإن كان قد ولد فى العام الخامس فقد فاز بها لست سنوات تامة.
سنوات الصحبة تلك هى المفتاح الرئيس بل يكاد يكون الوحيد لقراءة سيرة الحسين.
كان الواحد من الصحابة إذا ولد له مولود سارع به إلى الرسول الذى كان يتناول تمرة ويمضغها حتى تلين ثم يدفع بجزء منها إلى فم المولود، ليكون أول ما يدخل جوف المولود هو ريق النور محمد بن عبدالله، لاشك أن الحسين كان أحد الفائزين بريق النور وبجزء من تمرته، هذا الريق النبوى سيصبح النواة الصلبة لشخصية الحسين، تلك الشخصية التى ستكشف الأيام والأحداث عن صلابتها، فمنذ البدايات الأولى والرسول يعرف معدن الحسين، روى الترمذى: "حُسَيْنٌ مِنِّى وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ".
ذاق الحسين حلاوة حنان النبى، فلم يكن للنبى من ذرية سوى أولاد فاطمة فصب عليهم حنانه صبًا، حتى إنه كان يطارد الحسن والحسين وهما يلعبان مع صبيان المدينة فى الشوارع فيهربان منه، حتى إن تمكن منهما وأمسكهما، ضمهما إلى صدره وقبلهما ومشايخ الصحابة يتعجبون من ذى المهابة وهو يتدفق حبًا وحنانًا على حفيديه الطفلين.
سيتذكر الحسين أنه فى طفولته، شأن كل الأطفال تصارع مع شقيقه الحسن فى حضور أمه وأبيه وجده الرسول، فعن على قال: اصطرع الحسن والحسين عليهما السلام بين يدى الرسول فقال الرسول: إيه حسن فخذ حسينا.
فقالت فاطمة: أتستنهض الكبير على الصغير؟
فقال الرسول: هذا جبريل يقول: إيه حسين خذ الحسن.
سيتذكر الحسين فى قادم أيامه أنه كان وأخوه الحسن يثبان فوق ظهر الرسول وهو يصلى بالناس، فعن عبدالله بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فإذا قضى الصلاة وضعهما فى حِجْره وقال: "من أحبَّنى فليحبَّ هذين".. وعن أنس رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيجىء الحسن والحسين فيركبان ظهره فيطيل السجود، فيقال: يا نبى الله أطلت السجود؟.
فيقول: "ارتحلنى ابنى فكرهت أن أُعجله".
إذن شب الحسين ولم يكن يعلم له أبًا سوى الرسول، وكان ينادى أباه الذى هو من صلبه بأبى الحسن، وكان الحسن ينادى عليًا بأبى الحسين، وكانا معًا يناديان الرسول بأبى، والحال كما ترى، تخيل معى وقع موت الرسول الأب على ولديه، خاصة الحسين، تُرى كيف رأى الحسين موت أبيه الذى كان قبل قليل يطارده فى الشوارع ليقبّله، ثم بعد قليل ماتت الأم الزهراء ويا قلب الحسين تحمل واصبر واحتسب، إن مثل الحسين كمثل يعقوب بن إسحاق عليهما السلام الذى جرب وذاق مرارة فقد الأحبة، بل إنه مثله كمثل جده الأب أو أبيه الجد الذى مرت به كل النوائب والنكبات فما زادته إلا إيمانًا وتسليمًا.
ذهب الرسول الأب وفى إثره الأم الراعية الحاضنة وما بقى إلا الأب على، وهو رجل علم وزهد وفروسية ولا طاقة له على تدليل الحسين، مشايخ الصحابة سيقومون ببعض ما كان يقوم به الأب الجد، ولكن إن كان هذا هو التدليل فأين حنان الرسول؟
سيظل الحسين يتذكر طفولته فيروى متحدثًا عن نفسه قائلًا: "أتيت عمر بن الخطاب وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت انزل عن منبر أبى واذهب إلى منبر أبيك".
فقال عمر لم يكن لأبى منبر وأخذنى فأجلسنى معه أقلب حصى بيدى فلما نزل انطلق بى إلى منزله فقال لى: من علمك؟
قلت: والله ما علمنى أحد.
قال: بأبى لو جعلت تغشانا.
فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب فرجع ابن عمر فرجعت معه فلقينى بعد.
فقال لى: لم أرك.
قلت يا أمير المؤمنين: إنى جئت وأنت خال بمعاوية فرجعت مع ابن عمر.
فقال: أنت أحق بالإذن من ابن عمر فإنما أنبت ما ترى فى رؤوسنا الله ثم أنتم.
ستمضى خلافة الفاروق عمر كما مضت خلافة الصديق وحياة الحسين هادئة لا ينغصها سوى فقدان الأب الحنون والأم الراعية، ثم ستأتى خلافة عثمان بن عفان، وتقع فيها كارثة الفتنة ومحاصرة بيت الخليفة ثم قتله، فينهال الفارس فتى الفتيان "علي" على ولديه الحسن والحسين بالتوبيخ والتقريع، ويقول لهما: كيف لم تقتلا نفسيكما دفاعًا عن عثمان؟
فيعتذران بأنهما وجماعة من المسلمين حاولوا قدر الاستطاعة دفع العدوان، ولكن كثرة الفوضى غلبت شجاعة العقلاء.
ما هى إلا ساعات قد مضت على مقتل ذى النورين عثمان بن عفان، حتى اندلعت نيران الفتنة، عامة المسلمين بايعوا عليًا بالخلافة، ولكن معاوية الذى كان قد أصبح كملك فى الشام كان له رأى آخر، إنه يريد الآن وليس بعد دقيقة القبض على قتلة عثمان ومحاكمتهم.
علي كان يريد أيضًا محاكمة قتلة عثمان، ولكنه كان يحتاج لبعض الوقت لترتيب البيت من الداخل، ولكن معاوية كان فى نفسه شىء، لقد ألهب مشاعر البسطاء بالبكاء على قميص عثمان الملطخ بدمه، ثم انهار الصمت الهش ووقعت المواجهة المسلحة بين علي ومعاوية.
الآن الخليفة الشرعى صاحب البيعة هو الأب الفارس على بن أبى طالب، ولكن الزمان قد استدار وأصبح لمعاوية كلمة لا ترد.
نحن أمام أهل بيت ليس لهم من الراحة نصيب، هؤلاء نذرهم ربهم للجهاد ومعاشرة الأهوال.
الحسين هو ابن رئيس المسلمين، والمسلمون الآن إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، ولكن الحسين مجرد جندى فى جيش المسلمين، فرد بين أفراد وواحد بين ألوف، نزهته أن يحفظ القرآن والحديث ويزور قبور الأحبة الراحلين، ثم يضرب فى الأرض دفاعًا عن دين الله ثم تجىء ساعة الحقيقة، الحرب الآن بين رجلين علي ومعاوية، وعلى المسلم أن يتخذ قراره، مع أى الرجلين سيقف؟
وقف الحسين مع علي ليس لأنه والده، ولكن لأنه يعرف من يكون "علي"، يقينًا، وصله ما رواه أبو ثابت مولى أبى ذر قال: دخلت على أمّ سلمة فرأيتها تبكى وتذكر عليًّا، وقالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة".
انتهى الصراع إلى نتيجته المعروفة، علي شهيد ومعاوية رئيس.
لم تكن الرئاسة تشغل آل البيت، كان يشغلهم المعنى، والمعنى عند هؤلاء أن يكون الرئيس عادلًا تقيًا.
كان الأب فتى الفتيان «علي» قد لجأ إلى العراق فخذله العراق، ثم مشى على هديه الابن الحسن فوجد الخذلان ذاته، أى قصة بين هؤلاء وبين العراق؟ العلم عند الله وحده لأن الخذلان ذاته من العراق ذاته سيجده الحسين عندما يلبى مناشدات العراقيين فى زمن قادم.
انقضت خلافة معاوية بحلوها ومرها وخيرها وشرها، ثم قبيل موته رأى معاوية أن يورث ابنه يزيد الحكم.
الآن سأذهب إلى الأستاذ العقاد الذى عقد فى كتابه "الحسين أبوالشهداء" مقارنة بين علي ومعاوية وبين الحسين ويزيد، فقال ما ملخصه: إن أي مقارنة بين عليّ ومعاوية قد تجوز من وجوه، ولكنها باطلة من كل وجه لو كانت بين الحسين ويزيد.
الحسين كان يعرف مَن هو وكان ينزل نفسه منزلتها، وكان يعرف مَن يزيد وكان ينزله منزلته، ولذا رفض أن يبايع يزيدا.
لو كان يزيد بن معاوية عاقلًا لقال لنفسه ولفريقه: دعوا الحسين، فما هو إلا رجل من أمة.
ولكنه كان يريد إجبار الحسين على مبايعته، ليكسب الجولة النهائية من الشرعية من ناحية ولينسف أي ظن فى أي منافسة قد تأتى بها الأيام.
صمم الحسين على موقفه الرافض للمبايعة، وجاءته رسائل أهل العراق زاعمة أنها ستنصره وتنصبه خليفة متى لمست قدمه أرض العراق.
الذين لم تثقب الأيام ذاكرتهم، مثل عبدالله بن العباس حاولوا منع الحسين من الخروج من مكة إلى العراق، ولكن الحسين هو ابن علي الذى لا طاقة له على الصبر لساعة على الإخضاع، لحظتها قال الحسين جملته الخالدة التى تسرى فى بدن الزمان مذ قالها وسيظل صداها يتردد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال الحسين: هيهات منا الذلة، فقالوا له: يزيد سيقتلك، فقال: بالموت تخوفوننى؟ والموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة، فقالوا له: ستحيط بك سيوف بنى أمية، فقال: إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلى فيا سيوف خذينى.
نحن لسنا أمام شهيد، نحن أمام استشهادى، والاستشهادى هو الذى يذهب للموت بقدميه طائعًا مختارًا، بل ويرى فى موته علامة نصره الأكيد، وسواء أكان الحسين شهيدًا أم استشهاديًا، فلابد له من أن يرتكب خطأ الشهداء، وما خطأ الشهيد إلا وفرة الشجاعة وقلة الناصر، لقد انتصر للحسين جماعة من خاصة أهل بيته وبعض المسلمين، فكان كل فريقه المناصر لا يزيد عدده على المائة، بينما جيش يزيد يتجاوز الأربعة آلاف مقاتل، فانظر إلى ميزان القوة وقل الحمد لله الذى جنبنا شهود تلك الساعة الكئيبة فى تاريخ الإسلام.
مَنْ كان قائد جيش يزيد الطالب رأس الحسين؟
لم يكن فلانًا أو علانًا لقد كان "عمر".
ومَنْ يكون عمر هذا؟.
إنه عمر بن سعد بن أبى وقاص؟
أى قلب يحتمل هذه المفارقة؟
سعد بن أبى وقاص الذى كان يفاخر به الرسول ويقول: "سعد خالى فليرنى أحدكم خاله" سعد مستجاب الدعوة، سعد التقى الشجاع الفارس، يخرج من صلبه قائد جيش يقطف رأس الحسين حبيب رسول الله.
نحن الآن فى يوم الاثنين العاشر من شهر محّرم الحرام سنة 61 هجرية.
قبل هذا اليوم كان الحسين قد قطع ستًا وخمسين سنة من عمره.
قبيل أن تأخذ سيوف أبناء الطلقاء رأس الحسين، تأمل الحسين المشهد، إنه الآن وأولاده وأولاد شقيقه الحسن محاصرون، وقد حرّم عليهم جيش بنى أمية ملء قربة ماء من نهر الفرات، إنه النهر الذى تلغ فيه الكلاب ولكن الحسين وآله لا يستطيعون ملء أكفهم منه!
ثم تأمل الحسين المشهد فرأى أن هذا الدين كله قد قام على كتفَى جده الأب النور محمد بن عبدالله وعلى كتفَى والده علي بن أبى طالب، ثم بفضل جهادهما سيؤسس الدين دولة، ثم ستقوم الدولة التى أسسها جده ووالده بقتله وبقتل أولاده وذريته جميعًا!
المشهد قاتم جدًا فهل كان للحسين أن يحتفظ بحياته بكلمة واحدة "بايعتُ".
وأنقل عن الطبرانى: إن عدد الذين كانوا مع الحسين اثنان وسبعون فارسًا، وجيش بنى أمية خمسة آلاف، ولـما تواقف الفريقان قال الحسين لجيش ابن زياد: راجعوا أنفسكم وحاسبوها، هل يصلح لكم قتال مثلى؟ وأنا ابن بنت نبيكم، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبى غيرى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لى ولأخي: "هذان سيدا شباب أهل الجنة".
وصار يحثهم على ترك أمر عبيد الله بن زياد والانضمام إليه فانضم للحسين منهم ثلاثون، فيهم الحر بن يزيد التميمى الذى كان قائد مقدمة جيش عبيد الله بن زياد، فقيل للحر بن يزيد: أنت جئت معنا أمير الـمقدمة والآن تذهب إلى الحسين؟!
فقال: ويحكم والله إنى أخير نفسى بين الـجنة والنار، والله لا أختار على الجنة ولو قطعت وأحرقت.
بعد ذلك صلى الحسين الظهر والعصر من يوم الخميس، صلى بالفريقين بجيش عبيد الله بن زياد وبالذين معه، وكان قال لهم: منكم إمام ومنا إمام، قالوا: لا، بل نصلى خلفك، فصلوا خلف الحسين الظهر والعصر، فلـما قرب وقت الـمغرب تقدموا بخيولهم نحو الحسين وكان الحسين محتبيا بسيفه فلـما رآهم وكان قد نام قليلا قال: ما هذا؟! قالوا: إنهم تقدموا فقال: اذهبوا إليهم فكلموهم وقولوا لهم ماذا يريدون؟
فذهب عشرون فارسا منهم العباس بن على بن أبى طالب أخو الحسين فكلموهم وسألوهم، قالوا: إما أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد وإما أن يقاتل.
قالوا: حتى نخبر أبا عبد الله، فرجعوا إلى الحسين وأخبروه، فقال: قولوا لهم: أمهلونا هذه الليلة وغدا نخبركم حتى أصلى لربى فإنى أحب أن أصلى لربى تبارك وتعالى، فبات ليلته تلك يصلى.
فى صباح يوم الجمعة شب القتال بين الفريقين لـما رفض الحسين أن يستأسر لعبيد الله بن زياد، وكانت الكفتان غير متكافئتين، فرأى أصحاب الحسين أنهم لا طاقة لهم بهذا الجيش، فصار همهم الوحيد الـموت بين يدى الحسين، فأصبحوا يموتون بين يديه ذودا عنه حتى فنوا جميعا ولم يبق منهم أحد إلا الحسين وولده على بن الحسين كان مريضًا.
وبقى الحسين بعد ذلك نهارا طويلا، لا يقدم عليه أحد حتى يرجع لا يريد أن يبتلى بقتله، واستمر هذا الأمر حتى جاء شمر بن ذى الجوشن فصاح بالناس ويحكم ثكلتكم أمهاتكم أحيطوا به واقتلوه، فجاءوا وحاصروا الحسين فصار يجول بينهم بالسيف حتى قتل منهم من قتل وكان كالسبع، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة.
وصاح بهم شمر: ويحكم ماذا تنتظرون؟! أقدموا.
فتقدموا إلى الحسين فقتلوه، والذى باشر قتل الحسين سنان بن أنس النخعى، وحز رأسه وقيل: شمر، قبحهما الله.
وبعد أن قتل الحسين حمل رأسه إلى عبيد الله فى الكوفة فجعل ينكت به بقضيب كان معه يدخله فى فمه، ويقول: إن كان لحسن الثغر، فقام أنس بن مالك وقال: والله لأسوأنك؛ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه.
قال إبراهيم النخعي: لو كنت فيمن قتل الحسين ثم أدخلت الجنة استحييت أن أمر على النبى صلى الله عليه وسلم فينظر فى وجهى.
أمثال الحسين لا ينسحبون، لأنهم يستنكفون أن يكونوا أحرارًا سادة على قوم من العبيد، الحسين الحر السيد يريد الحرية والسيادة للجميع، تلك هى رسالة جده، أن تكون حرًا وأن تكون سيدًا مالكًا لأمرك.
الحسين لن ينسحب لأنه ينشد المعنى، معنى النصر الحقيقى، انتصار الروح وليس الجسد، انتصار الجوهر وليس العرض.
الحسين لن يقول كلمة هو لا يؤمن بصدقها، الحسين لن يلعبها سياسة، ولو لعبها سياسة لكان له ألف عذر وألف تبرير، إنه ينشد الأعمق والأنبل والأطهر، يبغى أن يسجل انتصارًا حاسمًا للدم على السيف.
قال الحسين: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون" ثم قاتل حتى قطفوا رأسه، فهل انتصر؟
نعم قتل، ونعم قتل أولاده، ونعم انتصر.
الآن انظر أين الحسين فى الوجدان العام ليس للمسلمين فحسب بل للعالمين وأين يزيد؟
فمن الذى انتصر؟
هل انتصر الذى حكم فعاث فى الأرض فسادًا ثم مات يوم مات، أم انتصر الذى يسرى ذكره وذكراه في بدن الزمن؟
جئنى بمسلم يصلى لا يقول فى صلاته: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد".
الحسين هو قلب آل محمد وعمود خيمة آل محمد، وهنا لا يهمنى البحث عن مرقد الحسين، لأن الحسين هو المعنى فما جدوى البحث عن قبر أو ضريح.
السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْد اللهِ الحسين وَعَلَى الأرواح الَّتى حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّى سَلامُ اللهِ أبدا ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّى بالكتابة عنكم، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى أولاد الْحُسَيْنِ وَعَلى أصحاب الْحُسَيْنِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بجريدة "صوت الأمة" السبت 24 يونيو 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق