الخميس، 21 أبريل 2016

أقسم بالله : عواد لم يبع أرضه






هناك مصطلح  قديم جدًا  شديد الأهمية والخطورة  سبق إليه العرب والمسلمون عندما كانوا أصحاب حضارة فاعلة ومؤثرة ، ذلك المصطلح " تحرير المصطلحات " والمقصود بتحرير المصطلحات أو المصطلح أنك عندما تناقش شيئًا أي شيء يجب عليك أولًا ـ إن كنت تبغي الإنصاف ـ أن تقدم ضبطًا لمعناه ، وعرضًا مرتبًا لزواياه وتدقيقًا لوجوهه ،و ذلك لكي يفهم منك السامع حقيقة ما تريد قوله .


وعلى ما سبق تعالوا نحرر مصطلح أزمة أو كارثة الجزيرتين .
حدثت إعادة لترسيم الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية وبين المملكة العربية السعودية ، ووفق ذلك الترسيم زعمت الحكومة المصرية : إن جزيرتي تيران وصنافير واقعتان في المياه الإقليمية السعودية .

هل حدث شيء غير ما كتبته ؟.
كل القضية من يوم أن عرفنا بها وإلى لحظة كتابتي لهذه السطور ، تحرير مصطلحها لا يتجاوز " إعادة ترسيم الحدود ".

ولذا فليس هناك أخطر من الكلام المرسل عن قيام النظام الحاكم في مصر بـ " التنازل عن الجزيرتين ".
الذي يقول بأن ما حدث هو تنازل يلزمه لكي نصدقه أن يظهر لنا وثيقة التنازل ، فإن لم يظهرها فكلامه والعدم سواء .
بعضهم يتحدث  عن  " بيع الجزيرتين " .
والمعروف المجمع عليه عقلًا أن كل بيع له أركان ، منها البائع والمشتري والمباع والعقد والثمن .
فأين كل ذلك ؟ .

ثم لو افترضنا افتراضًا أن ما حدث هو تنازل أو بيع ، فالأمران باطلان ويلزمان من قام بهما ولا نتحمل نحن من وزرهما شيئًا .
 إن الحديث عن تسليم الجزيرتين أو التنازل عنهما أو بيعهما أو حتى تأجيرهما للملكة السعودية ، هو  كلام شديد الخطورة وخطير الكذب ، لماذا ؟
لأنه ببساطة لم يحدث ، ولأنه على صعيد آخر يدعو لو تلميحًا إلى أن ننفض أيدينا من القضية برمتها ، فماذا بعد البيع أو التنازل أو التسليم ؟.
إننا بالحديث عن البيع ومشتقاته نقرر واقعًا لم يقع أصلًا لأن أحدًا أي أحد لا يستطيع القيام به .
لا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء ولا أيًا كان يستطيع قانونيًا بيع ما لا يملكه ، كما لا يستطيع التنازل عنه ، كل ما يستطيعه المسئول هو أن يزعم  ملكية  الجزيرتين لفلان أو علان .
ودورنا أن نبحث في مصداقية هذا الزعم ، نصدقه ونسلم بصحته أو نرفضه ونقول : إنه لا يَلزمنا في شيء ولا يُلزمنا بشيء .

إن الحديث المكرر المتهافت  عن البيع والتنازل هو حديث لا يسنده دليل ولا يقوم على منطق ، ما حدث هو إعادة ترسيم حدود ومزاعم تقول بها الحكومة المصرية والرئيس المصري وبعض الإعلام المصري حول أحقية السعودية في الجزيرتين.

الآن يجب أن نتحرك وفق تحرير المصطلح ، فنحن نرفض الترسيم الذي جري بليل وبعيدًا عن عيوننا وقد باغتونا به .
نصعّد رفضنا للترسيم ، ونذهب إلى كل جهة مسئولة ومختصة ، نخاطب  البرلمان ، نحتكم إلى استفتاء شعبنا ، هناك ألف طريقة وطريقة لمواجهة هذه القضية التي اخترعها النظام الحاكم غير ملتفت لخطورتها فأدت ـ حسب اعتراف الرئيس نفسه ـ إلى حدوث  شرخ في المجتمع المصري .

إن لم نحرر المصطلح فسيتسع الشرخ وسنخسر جميعًا ، فلندافع عن جزيرتينا وفق ما حدث ، وكل ما  حدث ما هو إلا  مجرد إعادة ترسيم نحن نرفضه .

أعرف كما يعرف غيري أن النظام الحاكم الآن في مصر قد غرته الدنيا فظن أنه سيطاع مهما شطح وسيسمع له مهما قال فذهب بعيدًا في الاستئثار بالقرارات الخطيرة والمهمة ، لم يعرض أمر الترسيم  على أهل الاختصاص  المنصفين ، ولم يمهد طريقه إلى قلوب الشعب ، بل قرر فجأة أنه قد فعل كذا وكذا وما علينا إلا السمع والطاعة ، فحدث الشرخ وتباينت المواقف وبدأت الناس في اللجؤ إلى الشوارع لكي يسمع الحاكم صوت اعتراضها على قراره بل ورفضها له .

كل ذلك معروف ومن المؤسف أن الوقائع التي على الأرض تشير إلى تمسك كل فريق برأيه واستعداده للذهاب إلى حافة الهاوية .

نحن نرفض الترسيم الذى لم نكن من شهوده والنظام يؤمن أن ما حدث قد حدث ويجب ألا نتوقف عنده وإلا كنا من أهل الشر والفتن والمتربصين ببلادهم .

فإذا كان الحال كما ترى من عناد واستكبار وغطرسة ، فلماذا نصعبها على أنفسنا وننشر اليأس فوق رؤؤسنا ، ونقول : كذبًا أو يأسًا أن البيع قد تم .
يا خلق الله أقسم بالله : إن عودًا لم يبع أرضه لأنه لا يمتلكها حتى يبيعها .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش
لا يكون البيع صحيحاً حتى تتوفر فيه سبعة شروط متى فقد شرط منها صار البيع باطلا :
1- التراضي بين المتبايعين .
2- أن يكون العاقد جائز التصرف .
3- أن تكون العين مباحة النفع من غير حاجة .
4- أن يكون البيع مِنْ مالك أو مَنْ يقوم مقامه .
5- أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه .
6- أن يكون المبيع معلوماً برؤية أو وصف منضبط .
7- أن يكون الثمن معلوماً .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت في جريدة المقال بتاريخ 21 ابريل 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق