السيد الرئيس القادم، سأنتهز فرصة أننى لا أعلم يقينًا اسم فخامتكم، وأجعل البساط أحمديًا فيما بينى وبينكم.
فخامة الرئيس، هل تعرفون شارع التحرير؟ ستكون كارثة إن لم تكن تعرفه، عمومًا هو شارع استراتيجى، كثيرًا ما تسبب ارتباك مروره فى إصابه العاصمة بالشلل، فى بداية هذا الشارع من ناحية تقاطعه مع شارع السودان، أقام الزمان سويقة، نعم أقامها الزمان، سويقة فيها كل ما تريد، من بذاءة الميكروباص إلى غيبوبة البانجو والترامادول وصولًا إلى كافة أنواع السلع المهربة التى لا تخضع لأى قانون كان.
من أبرز معالم هذه السويقة أهرامات من كشافات الكهرباء، الواردة من دول النمور الأسيوية، أصارح فخامتكم أننى ساهمت فى انتعاش الاقتصاد الأسود بشرائى كشافين، لقد وقفت يا فخامة الرئيس أمام أحد الباعة لخمس دقائق لا تزيد، قام خلالها ببيع عشرة كشافات متنوعة الأحجام والأثمان، تبدأ من 35 جنيهًا وتصل إلى مئة جنيه، طبعًا لا حديث عن جمارك أو استحقاقات ضرائب ولا كل هذا الكلام المثقف الذى لا يجد له صدى لدى شعب يعانى من الظلام معظم ساعات الليل.
هنا يا صاحب الفخامة تذكرتُ الفنان فريد شوقى، ملك الترسو أو وحش الشاشة، التوصيف متروك لفخامتكم، حسب طبيعة مشاعركم تجاه الفنان الراحل.
كان فريد شوقى رحمه الله حلانجيًا وفهلويًا شأنه شأن أولاد البلد، لعلكم تذكرون له من بين أدواره دور المطرب حسن أبو الروس فى فيلم بداية ونهاية، حسن الذى كان له صوت وابور زلط ومع ذلك كان يرتزق من الغناء، الأستاذ فريد يا فخامة الرئيس، عاش فترة اشتعال حمى معارك الحرب العالمية الثانية، وما صاحبها من أزمات شملت جميع مناحى الحياة، بداية من الأخلاق ونهاية بـ (الشاليمو) ملك الترسو يا صاحب الفخامة لم يكن مرفهًا حتى يفتقد الشاليمو، ولكنه بطريقة أولاد البلد قال فى قرارة نفسه: "يا بخت من نفع واستنفع".
ملك الترسو يا فخامة الرئيس قال لبرنامج إذاعى قديم إنه فكر بطريقة مصرية فى تقديم علاج ناجح لأزمة اختفاء الشاليمو المصنوع من البلاستيك، لقد قام بشراء فدان من أولاد القمح، ثم دعا صبيان وصبايا المنطقة التى كان يسكنها، وأعطى لكل واحد منهم مقصًا صغيرًا وطلب منه أن يقص كل عود إلى أطوال تناسب طول عود الشاليمو، تصدق بالله يا صاحب الفخامة أن كل عود قمح قدم خمسة شاليموهات، ملك الترسو المصرى الحلانجى الفهلوى عرض على محلات العصائر، الشاليمو المصرى المصنوع من أعواد القمح، المحلات تلقفت شاكرة هذا المنتج الذى حل لها أزمة قاسية، بل وطلبت من فريد مضاعفة الكميات، بعد هذا النجاح السريع والمدوى لفكرته حسب ملك الترسو حسباته فعلم أنه سيربح من شراء كل فدان من أعواد القمح بعد خصم كافة المصاريف أربعمائة جنيه، أربعمائة جنيه بحساب الأربعينيات، يعنى شىء يشهق منه الخيال حسب تعبير نزار قبانى.
فخامة الرئيس، ما القصد من كل هذا الكلام، صنع كشاف مصرى يا صاحب الفخامة، مادام قد كُتب علينا الظلام، ومن الواضح أن الموضوع سيطول، فمن الواجب أن نفكر فى صنع كشاف، مجرد كشاف، سنحقق من مبيعاته المليارات، حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولًا بخصوص فيلم الكهرباء السخيف.
طبعًا فخامتكم لن تصنعوا الكشاف فلستم من طائفة الكهربائية، وليس هناك عاقل أو حتى مجنون يطالبكم بذلك، ولكنكم مطالبون بأن تستغلوا طاقة المصريين على الفهلوة، هذا كشاف وليس أكثر، والمصرى الذى هدم خط بارليف بخراطيم المياه وتسلق قمته بأحبال الليف يستطيع صنع كشاف من مخلفات بلاستيك علب العصائر، صدقنى يا صاحب الفخامة، المصرى لا يبحث إلا عن الكثير من الكرامة وبعض الخبز وبعض الهدوء، ثم انتظر منه الأعاجيب، فلو وفرت له المناخ المناسب لكافة أشكال الابتكار فلن يخيب أملك بل سيأتى بالمدهشات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق