الاثنين، 19 مايو 2014

فى خطورة "الشوارعجية"





صرخ بعضهم بصوت جهير: لا خوف من تشييد إثيوبيا سد نهضتها، لأن البدائل لدينا كثيرة، وعلى رأس تلك البدائل حفر قناة تربط بين نهر الكونغو ونهر النيل.

صراخ هذا البعض قابله همس مرتجف متردد متقطع من آخرين يقطع باستحالة قيام مثل هذا المشروع.

الذين مثلى وقعوا فى متاهة التخمينات، ولكى أنجو منها هاتفتُ واحدا من العلماء تشهد له دراساته بأنه رجل جاد لا يسخر علمه لدغدغة عواطف المارة.

قال لى الرجل كلاما كثيرا ملخصه أن مشروعا كهذا هو ضرب من الأوهام، التى يجب أن لا نتعلق بها لكى لا ننشغل عن المطالبة بحقنا فى الحياة.

سألته: ولماذا يا سيدى وأنت العالم العارف غير المنحاز إلا لما تراه حقا، لا تخرج على الشعب وتصارحه بحقيقة الموقف.

أجاب الرجل بصوت يقطر خجلا: أخاف على عرضى وشرفى وشيبتى وأسرتى من الشوارعجية.

أفزعنى أن عالما يكتم علمه فى أمر هو ألف باء حياتنا خوفا من أن يتناوله أحد بسوء، لكن سرعان ما شعرت بالعطف عليه، فلسنا جميعا على قدم المساواة فى تحمل أذى هؤلاء الشوارعجية، الذين كانوا قبل سنوات يكتفون بالتلميح والغمز واللمز، ثم رأت دولة مبارك أن تستفيد من بذاءتهم فسمحت لهم بامتلاك صحفا فأصبح تلميحهم تصريحا، كان جميع هؤلاء الشوارعجية تحت عين الدولة ورعايتها، تطلقهم متى شاءت على من شاءت، وتكف أيديهم متى شاءت، ثم فى لحظة فارقة غاب فيها عن الدولة رشدها، سمحت لهم بأن يتملكوا قنوات فضائية، وكانت الدولة المختلة تؤمن أن (الريموت كنترول) سيظل دائما فى قبضتها، وستبقى هى المانح المانع، ثم جرت فى النهر مياه كثيرة جرفت سدود الدولة، فاتسع الخرق على الراتق، فلم يعد فى استطاعة الدولة حتى لو أرادت إسكات هؤلاء أو حتى ترشيد بذاءتهم، كما كانت تفعل فى ما مضى، لأن الأمر صار على المشاع، وأصبحت الشوارعجية منهج حياة، فإن أنت ذهبت تتصدى لها فى الصحف والفضائيات، فماذا ستفعل معها وهى متمركزة فى مواقع التواصل الاجتماعى، التى استطاع الشوارعجية مسخ معناها وتشويه مبناها، حتى إن أحد الأصدقاء قال لى إن الانتحاريين فقط هم الذين يتفاعلون على هذه المواقع.

إن واقعة العالم الجليل الذى خاف من الشوارعجية، فلم يتحدث فى أمر حياة أو موت، هو أدرى الناس به، وعندما تشجع وتكلم فى إحدى الفضائيات كان يقدم قدما ويؤخر أخرى، تفتح الباب على مصراعيه لكى نواجه هذه الظاهرة التى لها فعل السوس فى الخشب، وفعل السرطان فى الأجساد، يجب أن ندرك قبل فوات الأوان أن الحضارات ليست منجزا صناعيا، إذ إنها فى أساسها الأول منظومة أخلاقية حاكمة، يخضع لها الجميع، وتسرى قوانينها على الجميع، لكن ترك الحبل على الغارب هكذا كما نرى، لكى يقول من شاء ما شاء دون مراجعة ودون عرض على المنظومة الأخلاقية سيدمر ما بقى لنا من كرامة، وما بقى لنا من معنى الوطن العام، لقد سمعت اثنين من هؤلاء فى يومين متتاليين، وقد تفرغا لسب المرشحين الرئاسيين، أولهما قال إن أبا حمدين صباحى وأمه قد أقاما ضده دعوى نفقة!

وثانيهما قطع بأن السيسى صديق للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، وهيكل عند هذا الشوارعجى عميل للأمريكان، وصديق العميل عميل.

هل رأيتم خطورة الأمر؟ هل أدركتم الجرم الذى اقترفته دولة مبارك عندما سمنت هؤلاء وأطلقتهم على هذا الشعب المسكين الذى أصبح حسب الفضائيات مخيرا بين عاق وعميل!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 14 مايو 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق