الاثنين، 28 أبريل 2014

إسعاف يا ريس




السيد الرئيس القادم، سأنتهز فرصة أننى لا أعلم يقينًا اسم فخامتكم، واجعل البساط أحمديًا فيما بينى وبينكم.

السيد الرئيس، جارى فلان الفلانى كان موظفًا مرموقًا فى جهة سيادية، ثم لأنه رجل غريب الأطوار فقد خرج للمعاش المبكر قبل السن القانونية بخمس سنوات كاملة، وعندما ناقشته أنا فى قراره الخطير هذا، برره بأنه يسعى لأن يضرب المثل فى إعطاء أحد البارزين من رجالات الصف الثانى فرصة لأن يتقدم ويصبح قائدًا من قواد الصف الأول.

ولأننى أعرف طبيعة هؤلاء الحالمين وأعرف مدى تشبثهم بما هو داخل قلوبهم، فلم أظهر اعتراضًا أو قبولًا لموقفه، واكتفيت بأن دعوت له بمعاش سعيد.

السيد الرئيس، لن أستطيع فى هذه العجالة وصف فرحة جارى عندما كرمته الدولة ممثلة فى هيئته السيادية التى قضى بها أكثر من ربع قرن، ومنحته وسام الاستحقاق من الدرجة الثانية.

هل لاحظت فخامة الرئيس أن الشعب حتى لو كان مرموقًا مثل جارى يفرح بأن الدولة قد التفتت إليه وشكرته على تاريخه الوظيفى؟

فجأة سيادة الرئيس، وكما يحدث فى أفلام السينما العربية، وقع جارى مريضًا بمرض أقعده عن الحركة، عاشت معه أسرته سيادة الرئيس كل مواويل المستشفيات الحكومية والخاصة والتى بين بين، ولا داعى فخامتكم لأن أذكركم بانهيار الخدمات الطبية فى مصر المحروسة.

 جارى فخامتكم يعد من الأثرياء، ولا يشكو من الزيادات الجنونية فى تكاليف المستشفيات والدواء، الرجل فقط يشكو من حرمانه من هواية وغواية حياته، ألا وهى المشى.

سيادة الرئيس، السبت والأحد الماضيين، يعنى من ثلاثة أيام فقط، اشتد الوجع على جارى وكان لابد من نقله إلى المستشفى بسيارة إسعاف، سيارة إسعاف وليس طائرة إسعاف يا فخامة الرئيس، بحثت الأسرة عنها على مدار ساعات يوم السبت ولم تحصل عليها سوى ظهيرة يوم الأحد !!!!!!!!

جاءت السيارة كأنها خارجة من قبر، وقال قائدها: ستدفعون خمسين جنيهًا مقابل كل ثلاثين كليو متر تقطعها السيارة.

ولأن أسرة جارى كانت تظن أن إسعاف المريض خدمة مجانية فقد دخلت مع السائق فى نقاش حاد حول حقوق الإنسان والحيوان والنبات، لكنه بعد أن استمع بأدب لكل كلامهم، ألقمهم جميعًا حجرًا عندما كشف لهم عن قانونية مطلبه.

الموضوع قانونى يا فخامة الرئيس، يعنى السائق لن يأخذ الفلوس لنفسه، ما علينا، تم دفع مائة وخمسين على أساس أن السيارة قطعت تسعين كيلو متر، أقسم لك يا فخامة الرئيس أن السيارة لم تقطع أكثر من أربعين كيلو متر، ولكن السائق احتسب توقفات المرور من ضمن المسافة (وهذا قانونى أيضًا).

عند وصول جارى إلى المستشفى قال السائق إن ساعة انتظاره بخمسين جنيه، لكنه انصرف لأن هناك من استدعاه، طلب جارى من المستشفى الضخم الفخم أن يوفر له سيارة، ولكن المستشفى أخبره بأن جميع سياراته فى عمل.

المستشفى لا يكذب يا سيادة الرئيس لكنه لم يذكر كل الحقيقة وهى أن يمتلك عددًا ضئيلًا أو قل حقيرًا من سيارات الإسعاف.

ظلت الأسرة الثرية تدور وتلف حول نفسها قرابة الثلاث ساعات، حتى أكرمها الذى لا يغفل ولا ينام بسيارة شاردة رضيت أن تعيد جارى لمنزله مقابل مائتى جنيه (للدقة 158 قانونى والباقى إكرامية، حق الشاى يعنى).

طيب يا فخامة الرئيس، هل هناك سطر فيما كتبته يرضيك؟

ينفع يا فندم بلد مثل بلدنا بدون سيارات إسعاف؟ طيب ينفع مريض مقعد يدفع 350 جنيهًا لكى يذهب إلى المستشفى.

طيب إذا كان جارى ثريًا أو ميسور الحال ولا تقلقه الـ 350 جنيهًا فكيف يكون حال الفقراء الذين يؤمنون أن المائة جنيه تعد ثروة طائلة.

اسمع يا صاحب الفخامة، نحن لا نطلب المستحيل، كل أملنا مجرد (حياة تبدو كالحياة) مجرد سيارة إسعاف مجانية، وإلا هيقعد لفخامتك فى عينك وعافيتك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق