الأربعاء، 29 يناير 2014

الخميس 27 - 1 - 2011




«هاتفتُ صديقى هشام أبو المكارم وكان فى نيتى دعوته للتظاهر ولو منفردين لكسر حاجز صمت شارع فيصل، قلت فى نفسى ربما كان هناك من تتوق نفسه إلى التظاهر فينضمّ إلينا، وساعتها قد تكبر المظاهرة، خاصة والشرطة ليست موجودة فى فيصل بكثافة.

وأنا فى طريقى لمقابلة هشام جاءتنى رسالة نصّية هى الأحلى على مدار عمرى كله، كانت من عبد الرحمن يوسف، وكان نصها يقول (جمعة الشهداء 28 يناير.. بعد الصلاة بمسجدك.. توجه لأقرب ميدان عامّ.. بلّغ 10 أفراد).

احتضنت هشامًا كأنه لم يكُن معى قبل ساعات، وعرضت عليه الرسالة فقال (سنرسلها إلى كل الذين فى قوائم هواتفنا).

رحنا نرسل الرسالة فى صمت كله فرح حتى ضحك هشام ضحكته المجلجلة ثم قال (هل رأيت عمى القلوب؟ كدت أرسل الرسالة إلى ضابط مباحث أمن الدولة الذى تحت يده أوراق ترخيص دار نشرى).

سألت هشامًا عن البرادعى، فقال (لقد أخطأ عندما لم يكن معنا يوم أول من أمس، ومسوغه فى الغياب لا يقنع أحدًا، هو قال إن حضوره كان سيسرق الأضواء من المتظاهرين، هل نمثل فيلمًا حتى يتحدث عن سرقة الأضواء؟!).

أقنعت هشامًا بأن الموضوع هو موضوعنا وعلينا نحن إنجازه. قطع حديثنا اتصال من صديقنا محمد سعد عبد الحفيظ قال فيه (البرادعى عاد وهو وحمدى قنديل وإبراهيم عيسى سيصلّون فى مسجد الاستقامة بالجيزة، لا بد من حمايتهم).

بعد قليل هاتفنى بلال فضل وقال (احشد من تستطيع وتعالَ إلى نقابة المهن التمثيلية، فأنا وخالد الصاوى ندعو إلى وقفة احتجاجية على قتل المتظاهرين فى السويس).

- سأتصل بزملائنا الصحفيين وسأكون عندك فى تمام السابعة.

اتصلت بأكرم القصاص مدير تحرير (اليوم السابع) وأمليته الخبر، فقال إنه سيرسل صحفيًّا ومصوِّرًا لمتابعة الوقفة لنشر مزيد من تفاصيلها. قلت لأكرم إننى سأشارك فى الوقفة، فسكت قليلًا ثم قال (الأحسن أن نوزِّع أدوارنا، دع بلال يتظاهر وكن أنت ضابط اتصال بينه وبين باقى الصحف، وأنا سأكون جاهزًا لنشر ما تريد على موقع (اليوم السابع) فور حدوثه).

فى تمام الثامنة اتصل بلال وأملانى تقريرًا وافيًا عن نجاح الوقفة وتنظيمها.

عدت إلى البيت وأرسلت بالبريد الإلكترونى تقرير بلال إلى صحف (الشروق) و(المصرى اليوم) و(الوفد) و(اليوم السابع) و(القدس العربى) (كم أفتقد (دستور) إبراهيم عيسى!).

عاد محمد سعد عبد الحفيظ للاتصال لكى يخبرنى بضرورة استرخاء الناس والنوم مبكرًا استعدادًا ليوم غد.

هاتفنى هشام قائلًا (هناك شائعات عن قيام حسنى مبارك بقطع خدمة الإنترنت والهواتف الجوالة، عليك إيقاظى غدًا لكى ننزل إلى الشارع معًا).

تليفزيون الحزب الوطنى كما هو، بليد وغائب عن الأحداث، فى (الجزيرة) تقارير مثيرة عن ملاحم فى السويس والإسكندرية وشائعات عن مقتل ضابط ومجنَّد فى القاهرة يوم الثلاثاء.

هاتفَنى بلال قائلًا (صَلاتنا ستكون فى مسجد مصطفى محمود، ومنه سننطلق إلى التحرير. هل بلغتك فتوى الشيخ القرضاوى؟ لقد أفتى بأن من مات فى التظاهر فهو شهيد.. ممكن جدًّا ندخل الجنة ببلاش يا معلم).

لم أقُل لبلال إنى لا أحب مسجد مصطفى محمود، وكنت أكره مصطفى محمود نفسه، لم أقُل له إن أكرم القصاص منعنى من الصلاة فى ذلك المسجد بدعوى أن تأسيسه تم بأموال المخابرات الأمريكية أيام كان مصطفى محمود يشنّ حملات مجنونة ضد عبد الناصر.

الليل طويل جدًّا وممل جدًّا، وأسئلتى تطحن رأسى، كيف سيكون يوم غد؟ كم سيكون عددنا؟ هل سنصبر على ضربهم لنا؟ هل نفعلها هذه المرة؟ هل سيمتدّ بى العمر حتى أرى مصر من دون حسنى مبارك؟

اللهم ثبِّتنا كما ثبَّتَّ رسولك موسى أمام فرعون.. هكذا رحت أدعو حتى سقطتُ فى النوم».


السطور السابقة كانت مقطعًا من يوميات كنت أكتبها أولًا بأول على مدار أيام الثورة، يومياتى ليس بها أسرار ولا نميمة ولا فضائح، ليس بها سوى هذا الشعب المقاوم الصابر المحتسب الذى صنع ثورته وسيدافع عنها حتى تنتصر.
ــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير 29 يناير 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق