الخميس، 16 يناير 2014

سور الإعلانات العظيم




                                       
في العام 1973 تخلصت إمبراطورية الشر المعروفة إعلاميًا باسم الولايات المتحدة الأمريكية من عدوها اللدود رئيس تشيلي الأسبق المناضل سلفادور الليندي، كان الليندي رئيسًا منتخبًا بطريقة ديمقراطية لا غبار عليها ولكنه كان اشتراكيًا صلدًا وهذا ما لم تغفره أمريكا له، فدعمت عسكر تشيلي الذين انقلبوا علي رئيسهم بالليل.
ما إن تسلم العسكر الحكم حتي قرروا "إلغاء الفقر وشطب الفقراء" نكاية في ذكري الليندي الذي كان مهمومًا بالفقراء، بعد طول تفكير وكما تحدثنا روائية تشيلي الفذة إيزابيل الليندي اهتدى العسكر إلى إقامة سور قسم العاصمة إلى قسمين قسم غني وهو المعترف به وقسم فقير اختفي خلف السور وبهذا قضي العسكر علي الفقر وشطبوا الفقراء، وراحوا يتفاخرون بالمعجزة الاقتصادية التي تحققت علي أيديهم!!
انقلاب تشيلي كان قد سبقه انقلاب الرئيس الراحل أنور السادات علي نهج ثورة يوليو فيما عُرف باسم "ثورة التصحيح" ولأن المصري لا يغلبه إلا الموت وهو أي المصري مبتكر بطبعه إذ سبق له دهن الهوا دوكو وتعبئة الهواء في قزايز "فقد قرر صاحب ثورة التصحيح هو الآخر إلغاء الفقر ولكن بطريقة مصرية، فقام بفتح أسواق البلاد أمام جميع أنواع وأشكال السلع بداية من "الكاوتش اللي بينور" ونهاية بطعام القطط الكلاب الذي يُستورد خصيصًا من أوروبا!!
ثم أظلنا زمن الثورة الخضراء لصاحبها الأستاذ سمير رجب، وبعدها جاءت ثورة النهضة وبعدها جاءت ثورة الصحوة وأصبحنا في غاية من الثورية قل نظيرها، ولأن التجديد يسري في عروق المصري مسري الدم فقد قرر أصحاب الثورات السالف ذكرها تطوير نظرية القضاء علي الفقر تطويرًا يناسب "الفكر" والفقر الجديدين.. الجماعة ــ الشهادة لله ــ كانوا عند حسن ظن العبقرية المصرية بهم لأنهم ــ وللحق ــ ابتكروا طريقة جديدة في إلغاء الفقر عُرفت بالاسم الكودى "سين عين" أي سور الإعلانات، فقد أغرقوا البلد بطوفان من الإعلانات علي كل شكل ولون يا باتستة!! بداية من الإعلانات عن مراعي الخراف الخضراء وليس نهاية بمراعي الرجال البنفسجية!! كل ما تشتهيه الأنفس موجود، فلو أردت شقة  مساحتها عشرة ملايين متر تطل علي نيل مدينة نصر؟ ستجدها إن شاء الله، وبقسط لا يتجاوز مليون جنيه شهريًا، هل تريد محطة فضائية تبث أغاني كلبك المفضلة؟ ادفع تحصل علي شفرة الإرسال فوراً، هل تريد الاستماع إلى موسيقي الجاز بينما خالتك تحلب الجاموسة؟ لو دفعت ستصلك خدماتنا فوراً.
بعد عشرين عاماً من عامنا هذا لن يصدق باحث ــ ولو كان منحازاً للفقراء ــ أن مصر قد شهدت فقراً "دكراً" علي امتداد زمن دولة الفكر الجديد، لأنه وكما يقولون "العينة بينة" والعينة التي تغرقنا تؤكد إلغاء الفقر، فكيف نكون فقراء ولدينا "الربوة والرحاب ومدينتي وخيبتي ووكستي"؟
المشكلة سنواجهها نحن الفقراء عندما يسألنا أحد أولادنا قائلاً: يعني ما كونتوش قادرين تشترولنا فيلا " أكس بلامنص"  دا حتي سعرها علي أيامكم كان مهاود، يعني إيه عشرة مليون جنيه؟.
ـــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بصحيفة الديار - الثلاثاء 30 ديسمبر 2008م - العدد السادس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق