الخميس، 12 أكتوبر 2017

آدم .. رجل وحيد فى مواجهة الحياة






مَنْ منا إذا سمع اسم أبينا آدم عَقّب قائلًا: صلى الله عليه وسلم؟ مّنْ منا إذ ذكرت أمنا حواء تمتم قائلًا: عليها السلام؟..
أليس تجاهل السلام على هذين الأبوين الكريمين يعد من العقوق؟! بل الأمر يتجاوز العقوق ليذهب إلى سوء الأدب مع هذين الأبوين الكريمين الجليلين، ألا تسمع أحدهم وهو يصب اللعنات على حواء وبناتها؟! ثم ألم يأتك صوت الجهول وهو يتحدث عن الأب الكريم الجليل آدم عليه الصلاة والسلام حديثه عن جليسه فى المقهى؟! لماذا خف عند أكثرنا وزن هذين الكريمين؟!
 
ربما تكون الألفة هى السبب، فكل ألفة تهدر شيئًا من المهابة، وربما تكون السنوات بل القرون المتطاولة هي السبب، فتباعد الزمان يفعل فعله فى النفوس.
 
على كل حال، يجب أن نعيد النظر فى قلوبنا لكى ننزل أبانا آدم صلى الله وعليه وسلم وأمنا حواء- عليها الرضوان والسلام- منزلة تليق بهما.


عندما نتحدث عن الأب آدم عليه السلام فنحن نتحدث عن البدايات المتعلقة بالبشر، البدايات الحاكمة لكل سلوك ولكل سبيل ، شاء ربنا عز وجل أن يخلق الأرض فخلقها ، ثم شاء أن يعمرها لا بالوحوش ولا بالملائكة ولا بالجن، لقد شاءت إرادته أن يعمرها بالإنسان، مخلوق اسمه الإنسان، سيخلقه الله من مادة هي بين المواد في المرتبة الدنيا، سيخلقه من التراب ، ليصبح سيد الكائنات، ثم سيسخر له الله كل ما يصلح شأنه ، وسيجعله يغلب الأرض بجبالها وبحورها وسهولها وصخورها ووديانها ، ثم سيجعله يرقى إلى السماء حتى يصل إلى القمر، ثم سيجعله يكتشف الكواكب المجهولة والقارات المنسية، فأي معجزة تلك؟ وأي نعمة أنعم الله بها على الإنسان.

الإنسان الأول الذي علمه الله كل شيء كان أبونا آدم عليه السلام، ولكي نستشعر النعمة التي أنعم بها الله عليه، نقرأ قول الحق عز وجل وهو يوبخ ويبكت إبليس اللعين:"يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ".

آدم خلقه الله بيديه المباركتين وقد نص سبحانه على مراحل وترتيب عملية الخلق، وقد أحسن العلامة الأستاذ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله عندما قال: "أعلم أن الله جل وعلا أوضح في كتابه أطوار هذا الطين الذي خلق منه آدم، فبين أنه أولاً تراب، بقوله: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ) ثم أشار إلى أن ذلك التراب بُلَّ فصار طيناً يعلق بالأيدي (إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍوبيَّن أن ذلك الطين أسودَّ، وأنه متغير بقوله: (حَمَأٍ مَسْنُونٍ). وبيَّن أيضاً أنه يبس حتى صار صلصالاً، أي: تسمع له صلصلة من يبسه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ).

وجاء في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي وصححه الألباني:"إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُمْ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَبَيْنَ ذَلِكَ".

ثم كانت النفخة الإلهية فكان آدم ولم يكن قبله إنسان، ودع عنك ما قاله الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه "أبي آدم" من وجود بشر قبل آدم ، فما ذهب إليه الدكتور شاهين غفر الله له يعارض منطق آيات كثيرة تحدثت عن فرادة أبينا آدم، ويعارض أحاديث شريفة هي في أعلى درجات الصحة تقطع بأن آدم هو أب البشر ولا أب له ولا أم.

وقد شاهدت قبل سنوات مناظرة تليفزيونية بين الدكتور زغلول النجار والدكتور شاهين، وفيها فنّد النجار منطق شاهين حتى أنه سأله سؤالا مباشرًا: "ألم تقل لتلاميذك إن آدم كان له بابا وماما مثلكم؟فلم يرد الدكتور شاهين وتهرب من الإجابة.

إذن الكلام عن أولية آدم مقطوع به، أما غيره من كلام عن السلالة الأولى التي تطورت فأصبحت بشرًا فلا شأن لنا به ولا بقائليه ولا بمصدقيه.

خلق الله أبانا آدم عليه الصلاة والسلام فأصبح الرجل الأول الوحيد الفرد الذي بلا أهل ولا ولد، المتصدي بمفرده لكل صعوبات الحياة.



ضع في قلبك دائمًا أن آدم مخلوق للأرض وليس للجنة، ومهمته أثقل من أي مهمة، مهمته هي خلافة الله في الأرض، مهمته كانت حمل الأمانة التي أبت أن تحملها الجبال والسموات والأرض لقد خافت تلك الكائنات العملاقة العظيمة من حمل الأمانة وأشفقن على أنفسهن منها، ولكن قدر آدم كان أن يحمل هو الأمانة.

وتحمله للأمانة يؤكد بأنه كان نبيًا ورسولًا "فعن أَبُي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَبِيًّا كَانَ آدَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، مُعَلَّمٌ مُكَلَّمٌ، قَالَ: كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نُوحٍ؟ قَالَ: عَشْرُ قُرُونٍ، قَالَ: كَمْ بَيْنَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: عَشْرُ قُرُونٍ ، قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، كَمْ كَانَتِ الرُّسُلُ؟ قَالَ: ثَلاثَ مِائَةٍ وَخَمْسَ عَشْرَةَ جَمًّا غَفِيرًا" أخرجه ابن حبان وصححه الألباني.

هذا عن كونه عليه السلام نبيًا أما عن كونه رسولًا فقد قال جمهور العلماء: "إن آدم وشيث عليهما السلام، كانا نبيين مرسلين قبل نوح عليه السلام إلا أن آدم أرسل إلى بنيه ولم يكونوا كفاراً بل أمرهم بتعليم الإيمان وطاعة الله، وأما شيث فكان خلفا له فيهم بعده، بخلاف نوح فإنه مرسل إلى كفار أهل الأرض".

وبعد آدم كانت الأم العظيمة الجليلة حواء عليها السلام، وتلك البعدية ليست مقدرة بزمن فلا يليق بنا الخوض في تحديد الفترة الفاصلة بين خلقه عليه السلام وخلقها عليها السلام، ولكن عملية خلق أمنا حواء جاء فيها كلام كثير يمكن اختصاره إلى ثلاثة أقوال.

ـ القول الأول ما قاله جمهور العلماء ومن بينهم الشيخ الشعراوي رحمه الله. وملخصه أن أمنا حواء قد خلقها الله من ذات الطينة التي خلق منها أبانا آدم، وفي هذا السياق قال الشيخ الشعراوي في كتابه "قصص الأنبياء" كلامًا غاية في اللطف والدقة عن سبب "التنافس" الذي بين الرجل والمرأة، فكلاهما من أصل واحد فلا يسمح أحدهما للآخر أن يستطيل عليه بشيء ولا أن يمن عليه بمنة.

ـ القول الثاني يقول به بنو إسرائيل وبعض علماء الإسلام، وهو أن الله خلق حواء من ضلع آدم يعني من جسد آدم.
لبني إسرائيل أن يقولوا كما شاءوا، فلسنا في سياق مناقشتهم، أما علماء الإسلام فقد اعتمدوا في كلامهم على حديث شريف تعسفوا في التعامل معه، الحديث رواه الإمام البخاري ونصه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْء فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ".
كل علماء الحديث أصحاب البصيرة بهذا العلم الصعب المتين قالوا: إن معنى الحديث قائم على المجاز وليس الحقيقة، فالرسول الكريم كأنه يقول استوصوا بالنساء لأنهن مخلوقات مختلفات عن الرجل فكأنهن خلق من ضلع، الكلام هنا مجازي وليس حقيقي، وليس به أدني درجة من درجات التهوين من شأن المرأة بل العكس هو الصحيح ، فالمنطوق النبوي الشريف يوصي بالنساء ويؤكد أنهن مختلفات على الرجال ويجب على الرجل أن يعامل المرأة لا كما يعامل أخاه الرجل.

ـ ثم تبقي منطقة ملتبسة في النشأة الأولى، وهى الخاصة بالجنة التي عاش فيها الأبوان الكريمان.
بعضهم يقول: هي جنة الخلد التي وعد الله بها عباده المتقين، والكثرة من العلماء تقول: بل هي جنة أرضية، وقد أحسن الأستاذ أبو سعيد الغامدي عندما اختصر لنا أهم ما قاله الإمام ابن القيم في كتابه "مفتاح دار السعادة"، ولدواعي المساحة سأقوم باختصار للاختصار، ومن شاء الاستزادة فعليه بالرجوع إلى كتاب الإمام ابن القيم.
يقول الإمام ابن القيم
:

1
ـ الجنة التي تدخل بعد القيامة هي من حيز الآخرة وفي اليوم الأخر تدخل ولم يأت بعد.

2 ـ  
وصف الله عز وجل الجنة في كتابه بصفات لم تكن موجودة في جنة آدم، من تلك الصفات، وصفه لها بأنها دار المقامة ولم يقم آدم فيها.
3
ـ ووصفها بأنها جنة الخلد ولم يخلد آدم فيها.
4
ـ ووصفها بأنها دار جزاء ولم يقل إنها دار ابتلاء وقد ابتلى آدم فيها بالمعصية والفتنة.
5 ـ ووصفها بأنها ليس فيها حزن وأن الداخلين إليها يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وقد حزن فيها آدم.
6
ـ ووجدناه سماها دار السلام ولم يسلم فيها آدم من الآفات التي تكون في الدنيا.
7 ـ وسماها دار القرار ولم يستقر فيها آدم.
8
ـ وقال فيمن يدخلها وما هم منها بمخرجين وقد اخرج منها آدم بمعصيته.
9
ـ وقال لا يمسهم فيها نصب وقد ند آدم فيها هاربا فارا عند إصابته المعصية وطفق يخصف ورق الجنة على نفسه وهذا النصب بعينه الذي نفاه الله عنها.
10
ـ وأخبر انه لا يسمع فيها لغو ولا تأثيم وقد أثم فيها آدم واسمع فيها ما هو اكبر من اللغو وهو انه أمر فيها بمعصية ربه وأخبر أنه لا يسمع فيها لغو ولا كذب وقد اسمعه فيها إبليس الكذب وغره وقاسمه عليه أيضا بعد أن اسمعه إياه.
11
ـ وقد شرب آدم من شرابها الذي سماه في كتابه شرابا طهورا أي مطهرا من جميع الآفات المذمومة وآدم لم يطهر من تلك الآفات.
12
ـ وسماها الله تعالى مقعد صدق وقد كذب إبليس فيها آدم ومقعد الصدق لا كذب فيه.

وعلى ما سبق فجمهور العلماء يؤكدون أن جنة آدم عليه السلام ليست جنة الخلد.

ثم تأتي مرحلة الذرية البشرية، وفيها قتل أحد ابني آدم شقيقه، وأنت إذا نظرت إلى حجم ونوعية الابتلاء الذي تعرض له الأب الكريم آدم عليه السلام ستحمد الله على أنك لم تكن آدم
.

نحن أمام الرجل الأول بكل ما تعنيه الأولية من متاعب، ثم هذا الرجل الأول يتعامل مع المرأة الأولى، ثم يتربص به إبليس اللعين ويكاد يفسد عليه حياته، ثم يمن الله عليه بالذرية، ثم يأتي اثنان من أولاده فيقتل أحدهما الآخر.


أي قلب يتحمل كل هذا الابتلاء؟


اقرأ معي الآيات الكريمة التي تقص قصة ابني آدم: "وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِن الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَاف اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين".

ستشعر بحرارة المأساة، شقيقان يقتل أحدهما الآخر ظلمًا وعدوانًا، والشقيقان هما ابنان لنبي مرسل، فلو لم يكن سيدنا آدم مرسلًا فمن أين عرف ابنه الصالح كلمات مثل (يتقبل الله من المتقين، أخاف الله رب العالمين، أصحاب الجنة، أصحاب النار، جزاء الظالمين؟) هذه كلمات تعلمها من رسول أُرسل إليه فدعاه الرسول فصدقه وآمن به وبرسالته.

هذا أولًا، أما ثانيًا فالآيات الكريمة تؤكد بوضوح أن المتحاربين هما من صلب آدم وليس من ذريته، فلو كانا من ذريته لكانا قد شاهدا مرارًا وتكرارًا عملية الدفن، ولكن كونهما من صلبه عليه السلام يفسر كيف لم يعرف القاتل كيف يدفن شقيقه القتيل، وعلى ذلك فقد تعجبت وأنا أسمع الشيخ الأستاذ خالد الجندي وهو يحاول إثبات أن ابني آدم الوارد ذكرهما في القرآن ليس من صلبه وإنما هما من ذريته.

لا يتبقى من المساحة سوى أن نرفع العقوق عن قلوبنا ونقول: اللهم صل وسلم وبارك على أبينا آدم وعلى زوجه أمنا حواء وعلى ذريتهما من الرسل والأنبياء والصالحين والعلماء والشهداء وسلم تسليمًا كثيرًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة "صوت الأمة" أغسطس 2017







الاثنين، 9 أكتوبر 2017

عذاب فيللينى مدمر كطوفان.. عابر كدخان سيجارة


                             



عندما نشر وحيد الطويلة روايته "باب الليل" قال أحدهم في نوبة حماس: "لقد وصل الطويلة".
ضحكت في كمي من تلك الكلمة، وقلت لنفسي: إن الطويلة سيمضى إلى الأمام محاولا حفر اسمه في سجل الروائيين الجادين.
لم يخب رهاني على الطويلة وأنا أقرأ له روايته الأحدث "حذاء فيلليني".
ضربة البداية التى نفذها كانت أكثر من رائعة لقد ضمنت له التقدم بهدف مباغت يربك حسابات المنافس.
نحن أمام حفل لحزب عربى حاكم، الحفل مخصص لمقاومة أعداء الأمة وسحقهم بقنانى مسكر « العرق» وبالخطب الرنانة وبأوراق بحثية تشبه إلى حد كبير اختراعات عقيد ليبيا فى كتابه الأخضر الشهير.
طبعًا ثمة نساء فى الحفل سيبرز دورهن بعد قليل، الحفل يقوده الرجل المسئول الذى يستولى على كل أوكسجين القاعة وينفث ثانى أوكسيد الكربون، وعلى الحضور جميعًا استنشاق ثانى أوكسيده!
حضور المسئول يرعب الجميع حتى أنهم يخافون من تحريك أصابع أقدامهم بداخل أحذيتهم.
كل الحاضرين وعلى رأسهم بطل الرواية "مطاع" الذى سيصبح مطيعًا يتحرقون لنسيان اللحظة بالقفز فى قلب لحظة سكر فاجر، ولكن من يجرؤ على طلب الإذن ببدء حفلة الشراب؟!
طلب الحضور من مطيع بوصفه المعالج النفسى الشهير والكبير أن يطلب الإذن، فطلبه، فسمح المسئول فشرب الجميع حتى وصلوا إلى ما بعد السكر، هنا يبرز دور نساء الحفل، فكل واحدة سحبت واحدًا إلى مخدعها، الأمر ليس أمر فاحشة مجانية، إنهم الآن يتخلصون من رعبهم بالسكر والمضاجعة، إنهم يسعون وراء إثبات بقائهم على قيد الحياة ولو فى حالة سكر بين ومضاجعة فاحشة.
«الطويلة» يعرف أن قص القصة يحتاج لتحديد مكانها وزمانها، المكان هو سوريا حتى ولم يذكر الروائى ذلك صراحة فى سرده، هناك قرائن تحدد المكان، بداية من الاستشهاد بصوت صباح فخرى ونهاية بالذكر العابر لسجن «المزة» ومذبحة حماة، أما الزمان فهو عصرنا هذا الذى يبدأ من أفلام فيللينى وينتهى بمؤخرة كيم كاردشيان.

لقد حيرنى "الطويلة" وهو ينسب روايته إلى حذاء فيللينى، واشتدت حيرتى عندما رأيته يكاد يسرف فى ذكر فللينى نفسه والاستشهاد بمشاهد من أفلامه، لم يكسر دائرة حيرتى ما جاء فى سرد «الطويلة» حول أن البطل معرف باسم فيللينى بين أهل مدينته.
الأصل عندى أن "الطويلة" عربى الثقافة وعروبى الانتماء، وقد أجاد عرض ثقافته العربية على مدار صفحات الرواية، فهو يشير إلى مقولة منسوبة إلى عائشة بنت طلحة: "إن الخيل لا تشرب إلا بالصفير"، ويضع المقولة فى موضعها الحق فى بناء الرواية دون إقحام أو استعراض، ثم هو قارئ جيد جدًا لمظفر النواب، حتى أنه يشير إلى النهد الذى كرأس القط، وهى صورة من صور مظفر الفاتنة، فلماذا فيللينى بتغريبه وبغربته عن بناء روائى عربى؟!
عودة إلى زمن الرواية أرى أن "الطويلة" قد أفلح عندما جعل بطله يتقلب بين أزمنته هو الخاصة التى تبدأ من لحظة أن أجبر على التخلى عن اسمه، لقد كان اسمه مطاعًا فأصبح مطيعًا!
ما الذى جعل من مطاع مطيعًا؟
إنها مجرد غلطة!
وبداية القصة أن ضابطًا شك فى سلوك زوجته فأرسل خلفها مخبره السرى الذى عاد ليقول له: إنها تصعد إلى بناية بها طبيب نفسى، المشكلة أن البناية بها أكثر من طبيب نفسى، ولكن لأن بعضهم كُتب عليه الشقاء فقد وقع مطاع تحديدًا بين أنيابهم، رغم أنه لم يلمس يد زوجة الضابط بل لم يكن يعرف بوجودها على ظهر الأرض.
تم القبض على مطاع، وراح الضابط ينكل به حتى جعله مسخًا تحت مختلف أنواع التعذيب، وأمره بالتخلى عن اسمه، وقد فعلها مطاع ليصبح المطيع فى كل شىء ولأى شىء.
لو لم يكن بالرواية سوى حرارة تلك الصفحات الخاصة بتعذيب مطيع لكانت رواية طيبة.
حفلات التعذيب هى النواة الصلبة للرواية، وفى سردها سيبرز وعى الروائى وحيد الطويلة، هو يعرف يقينًا ما التعذيب وما هى آثاره وهو يعرف أنه يؤذن فى مالطة، فتلك البقعة من العالم المسماة بالوطن العربى هى بقعة التعذيب بامتياز، لا يلحق بها سوى ما كان يعرف بجمهوريات الموز فى أمريكا اللاتينية.
قضية التعذيب هى فى حقيقتها مدمرة كأنها الطوفان ولكنها عند الجموع العربية عابرة كدخان سيجارة، مَنْ الذى يهتم بالتعذيب فى الوطن العربى؟!

إنهم أربعة نفر، حقوقى ممول يريد تسديد خانات المصاريف بزعم مقاومة التعذيب أو إعادة تأهيل المعذَبين، أو حقوقى غير ممول يريد نصف الحقيقة لأن الحقيقة الكاملة ستنسف مشروعه، ثم شخص المعُذَب، وهو أحرص الأربعة على عدم مواجهة تعذيبه لأنه إن واجهه سيكون أمامه خيار من ثلاثة، إما الانتقام أو الانتحار أو الجنون، ولأن كل خيار أسوأ من أخيه فهو سيختار خيارًا رابعًا، سيختار السقوط فى هاوية النسيان.
رابع الأربعة هو شخص المعِذِب وهو أحسنهم حالًا لأنه سيدافع عن وجهة نظره دفاع القطة عن بنيها، غير هؤلاء لا يهتم أحد بالتعذيب، بل لا يريد أحد فتح جرح هذا العار القومى الذى يلطخ الجميع.
هنا يبرع "الطويلة" فى تقمص شخصية القائم بالتعذيب ويقدم فصلًا يناطح ما كتبه شيوخ الرواية عن طواغيت التعذيب، طاغية التعذيب لا يرى ولو لثانية أنه يعذب الناس، إنه يحميهم، يحميه حتى من أحلامهم ويحرسهم من كوابيسهم، يحميهم حتى أنه يقتلهم ليخلصهم من عبء الأحلام والأشواق والأمانى، ذلك الطاغية الجبار أذل زوجته عشرين عامًا لم يأتها ولو مرة من حيث أمره الله، الزوجة كانت فرسًا عربية أصيلة فأصبحت بغلة أو كلبة، إنه لم يمتهن أنوثتها أو جسدها لقد مسخ روحها.
الاثنان، مطيع والزوجة، عذبهما الرجل نفسه، وجع مطيع مختلف لأنه لا يعرف له اسمًا ولا هيئة، فقط يعرف صوته، وقد عاش دهورًا على أمل أن يعرف شخص الذى عذبه، فقط مجرد معرفة.
جبار  السموات والأرض القاصم لظهر كل طاغية سيجعل الضابط يخرج إلى المعاش، تخيل معى ضابطًا ينازع الله ملكه قد فقد السلطة!
مع فقده للسلطة فقد كل شىء، لقد فقد آلته الجهنمية التى عذب بها زوجته لسنوات، أصبح مجرد رجل يعيش مع قطعة جلد ميتة، هو الآن مع زوجته فى عيادة المعالج النفسى مطيع الذى كان فيما سلف مطاعًا، لقد جاءت به زوجته لتتشفى فيه، لتفضحه، لتبحث عن طريقة جهنمية لقتله، ستفكر فى إغواء المعالج لكى يخلصها منه، ولكن المعالج وقد ضاع فى الإغواء عمره كله، فمن أول لفظ لفظه صاحب الجلدة الميتة عرفه، إنه الضابط الذى عذبه، فلا صوت يشبه صوته ولا نبرة كنبرته.
ليت "الطويلة" واصل تلك المواجهة، لا أعرف سببًا لكى يقطعها ويعود لماضى المعالج ويسود صفحات قطعت جمال السرد بقص قصة المعالج وأبيه مع جارتهما، أرى تلك الصفحات مثل حاجز أعاق التدفق الفاتن.

المعالج الآن على المحك، بيده أن ينتقم أو يعفو، إن انتقم أصبح جلادًا وإن عفا وسما عادت له إنسانيته واسترد الاسم والعنوان والهيئة التى خلقها الله عليها.
فى تلك الصفحات من الرواية يعود "الطويلة" لتألقه حاشدًا كل أسلحته الثقافية والمعرفية ليدلل على صحة الخيار الثانى، ألا تسمح لجلادك بأن يمسخ روحك فتصبح جلادا مثله.
ختامًا لم يصل "الطويلة" بعد، ومن الأفضل له ولنا أن يواصل السعى وراء حلم حفر الاسم فى سجلات الروائيين الجادين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة "صوت الأمة" السبت 7 أكتوبر 2017

الخميس، 5 أكتوبر 2017

الحسين .. عمود خيمة آل محمد





لم يكن الحسين بن على بن أبى طالب لحظة ولادته طفلًا كغيره، لأنه ولد فى دائرة استثنائية، فأبوه هو فارس الإسلام وفيلسوفه وفتى الفتيان على بن أبى طالب، وأمه هى فاطمة الزهراء ابنة الرسول، وأخوه الذى يكبره مباشرة هو الحسن، وأخته هى زينب بنت على وجدته لأمه هى أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، وجدته لأبيه فاطمة بنت أسد التى سبق لها تربية النبى نفسه، وجده لأبيه هو سيد قريش أبوطالب بن عبدالمطلب، وجده لأمه هو النور محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إجمالًا تمتع الحسين بنسب تحيط به الاستثنائية من أطرافه، ذلك النسب سيلقى بظله الأخضر على تكوين الحسين الفكرى والوجدانى.

المشهور أن ولادة الحسين كانت فى الثالث من شعبان من العام الهجرى الخامس، ولكن المحقق العلامة الشيخ محمد صادق الكرباسى قال إن ولادة الحسين كانت بعد عشية يوم الخميس الخامس من شهر شعبان من السنة الرابعة الموافق للتاسع من يناير عام 626 م.

وقد أجمع المؤرخون على أن ولادته عليه الرضوان كانت فى المدينة المنورة.

فإن كان الحسين قد ولد فى العام الرابع فقد تمتع بصحبة الرسول سبع سنوات كاملة، وإن كان قد ولد فى العام الخامس فقد فاز بها لست سنوات تامة.

سنوات الصحبة تلك هى المفتاح الرئيس بل يكاد يكون الوحيد لقراءة سيرة الحسين.

كان الواحد من الصحابة إذا ولد له مولود سارع به إلى الرسول الذى كان يتناول تمرة ويمضغها حتى تلين ثم يدفع بجزء منها إلى فم المولود، ليكون أول ما يدخل جوف المولود هو ريق النور محمد بن عبدالله، لاشك أن الحسين كان أحد الفائزين بريق النور وبجزء من تمرته، هذا الريق النبوى سيصبح النواة الصلبة لشخصية الحسين، تلك الشخصية التى ستكشف الأيام والأحداث عن صلابتها، فمنذ البدايات الأولى والرسول يعرف معدن الحسين، روى الترمذى: "حُسَيْنٌ مِنِّى وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ".

ذاق الحسين حلاوة حنان النبى، فلم يكن للنبى من ذرية سوى أولاد فاطمة فصب عليهم حنانه صبًا، حتى إنه كان يطارد الحسن والحسين وهما يلعبان مع صبيان المدينة فى الشوارع فيهربان منه، حتى إن تمكن منهما وأمسكهما، ضمهما إلى صدره وقبلهما ومشايخ الصحابة يتعجبون من ذى المهابة وهو يتدفق حبًا وحنانًا على حفيديه الطفلين.

سيتذكر الحسين أنه فى طفولته، شأن كل الأطفال تصارع مع شقيقه الحسن فى حضور أمه وأبيه وجده الرسول، فعن على قال: اصطرع الحسن والحسين عليهما السلام بين يدى الرسول فقال الرسول: إيه حسن فخذ حسينا.

فقالت فاطمة: أتستنهض الكبير على الصغير؟

فقال الرسول: هذا جبريل يقول: إيه حسين خذ الحسن.

سيتذكر الحسين فى قادم أيامه أنه كان وأخوه الحسن يثبان فوق ظهر الرسول وهو يصلى بالناس، فعن عبدالله بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّى فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فإذا قضى الصلاة وضعهما فى حِجْره وقال: "من أحبَّنى فليحبَّ هذين".. وعن أنس رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيجىء الحسن والحسين فيركبان ظهره فيطيل السجود، فيقال: يا نبى الله أطلت السجود؟.

فيقول: "ارتحلنى ابنى فكرهت أن أُعجله".

إذن شب الحسين ولم يكن يعلم له أبًا سوى الرسول، وكان ينادى أباه الذى هو من صلبه بأبى الحسن، وكان الحسن ينادى عليًا بأبى الحسين، وكانا معًا يناديان الرسول بأبى، والحال كما ترى، تخيل معى وقع موت الرسول الأب على ولديه، خاصة الحسين، تُرى كيف رأى الحسين موت أبيه الذى كان قبل قليل يطارده فى الشوارع ليقبّله، ثم بعد قليل ماتت الأم الزهراء ويا قلب الحسين تحمل واصبر واحتسب، إن مثل الحسين كمثل يعقوب بن إسحاق عليهما السلام الذى جرب وذاق مرارة فقد الأحبة، بل إنه مثله كمثل جده الأب أو أبيه الجد الذى مرت به كل النوائب والنكبات فما زادته إلا إيمانًا وتسليمًا.

ذهب الرسول الأب وفى إثره الأم الراعية الحاضنة وما بقى إلا الأب على، وهو رجل علم وزهد وفروسية ولا طاقة له على تدليل الحسين، مشايخ الصحابة سيقومون ببعض ما كان يقوم به الأب الجد، ولكن إن كان هذا هو التدليل فأين حنان الرسول؟

سيظل الحسين يتذكر طفولته فيروى متحدثًا عن نفسه قائلًا: "أتيت عمر بن الخطاب وهو يخطب على المنبر فصعدت إليه فقلت انزل عن منبر أبى واذهب إلى منبر أبيك".

فقال عمر لم يكن لأبى منبر وأخذنى فأجلسنى معه أقلب حصى بيدى فلما نزل انطلق بى إلى منزله فقال لى: من علمك؟

قلت: والله ما علمنى أحد.

قال: بأبى لو جعلت تغشانا.

فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب فرجع ابن عمر فرجعت معه فلقينى بعد.

فقال لى: لم أرك.

قلت يا أمير المؤمنين: إنى جئت وأنت خال بمعاوية فرجعت مع ابن عمر.

فقال: أنت أحق بالإذن من ابن عمر فإنما أنبت ما ترى فى رؤوسنا الله ثم أنتم.

ستمضى خلافة الفاروق عمر كما مضت خلافة الصديق وحياة الحسين هادئة لا ينغصها سوى فقدان الأب الحنون والأم الراعية، ثم ستأتى خلافة عثمان بن عفان، وتقع فيها كارثة الفتنة ومحاصرة بيت الخليفة ثم قتله، فينهال الفارس فتى الفتيان "علي" على ولديه الحسن والحسين بالتوبيخ والتقريع، ويقول لهما: كيف لم تقتلا نفسيكما دفاعًا عن عثمان؟

فيعتذران بأنهما وجماعة من المسلمين حاولوا قدر الاستطاعة دفع العدوان، ولكن كثرة الفوضى غلبت شجاعة العقلاء.

ما هى إلا ساعات قد مضت على مقتل ذى النورين عثمان بن عفان، حتى اندلعت نيران الفتنة، عامة المسلمين بايعوا عليًا بالخلافة، ولكن معاوية الذى كان قد أصبح كملك فى الشام كان له رأى آخر، إنه يريد الآن وليس بعد دقيقة القبض على قتلة عثمان ومحاكمتهم.

علي كان يريد أيضًا محاكمة قتلة عثمان، ولكنه كان يحتاج لبعض الوقت لترتيب البيت من الداخل، ولكن معاوية كان فى نفسه شىء، لقد ألهب مشاعر البسطاء بالبكاء على قميص عثمان الملطخ بدمه، ثم انهار الصمت الهش ووقعت المواجهة المسلحة بين علي ومعاوية.

الآن الخليفة الشرعى صاحب البيعة هو الأب الفارس على بن أبى طالب، ولكن الزمان قد استدار وأصبح لمعاوية كلمة لا ترد.

نحن أمام أهل بيت ليس لهم من الراحة نصيب، هؤلاء نذرهم ربهم للجهاد ومعاشرة الأهوال.

الحسين هو ابن رئيس المسلمين، والمسلمون الآن إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، ولكن الحسين مجرد جندى فى جيش المسلمين، فرد بين أفراد وواحد بين ألوف، نزهته أن يحفظ القرآن والحديث ويزور قبور الأحبة الراحلين، ثم يضرب فى الأرض دفاعًا عن دين الله ثم تجىء ساعة الحقيقة، الحرب الآن بين رجلين علي ومعاوية، وعلى المسلم أن يتخذ قراره، مع أى الرجلين سيقف؟

وقف الحسين مع علي ليس لأنه والده، ولكن لأنه يعرف من يكون "علي"، يقينًا، وصله ما رواه أبو ثابت مولى أبى ذر قال: دخلت على أمّ سلمة فرأيتها تبكى وتذكر عليًّا، وقالت: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة".

انتهى الصراع إلى نتيجته المعروفة، علي شهيد ومعاوية رئيس.

لم تكن الرئاسة تشغل آل البيت، كان يشغلهم المعنى، والمعنى عند هؤلاء أن يكون الرئيس عادلًا تقيًا.

كان الأب فتى الفتيان «علي» قد لجأ إلى العراق فخذله العراق، ثم مشى على هديه الابن الحسن فوجد الخذلان ذاته، أى قصة بين هؤلاء وبين العراق؟ العلم عند الله وحده لأن الخذلان ذاته من العراق ذاته سيجده الحسين عندما يلبى مناشدات العراقيين فى زمن قادم.

انقضت خلافة معاوية بحلوها ومرها وخيرها وشرها، ثم قبيل موته رأى معاوية أن يورث ابنه يزيد الحكم.

الآن سأذهب إلى الأستاذ العقاد الذى عقد فى كتابه "الحسين أبوالشهداء" مقارنة بين علي ومعاوية وبين الحسين ويزيد، فقال ما ملخصه: إن أي مقارنة بين عليّ ومعاوية قد تجوز من وجوه، ولكنها باطلة من كل وجه لو كانت بين الحسين ويزيد.

الحسين كان يعرف مَن هو وكان ينزل نفسه منزلتها، وكان يعرف مَن يزيد وكان ينزله منزلته، ولذا رفض أن يبايع يزيدا.

لو كان يزيد بن معاوية عاقلًا لقال لنفسه ولفريقه: دعوا الحسين، فما هو إلا رجل من أمة.

ولكنه كان يريد إجبار الحسين على مبايعته، ليكسب الجولة النهائية من الشرعية من ناحية ولينسف أي ظن فى أي منافسة قد تأتى بها الأيام.

صمم الحسين على موقفه الرافض للمبايعة، وجاءته رسائل أهل العراق زاعمة أنها ستنصره وتنصبه خليفة متى لمست قدمه أرض العراق.

الذين لم تثقب الأيام ذاكرتهم، مثل عبدالله بن العباس حاولوا منع الحسين من الخروج من مكة إلى العراق، ولكن الحسين هو ابن علي الذى لا طاقة له على الصبر لساعة على الإخضاع، لحظتها قال الحسين جملته الخالدة التى تسرى فى بدن الزمان مذ قالها وسيظل صداها يتردد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال الحسين: هيهات منا الذلة، فقالوا له: يزيد سيقتلك، فقال: بالموت تخوفوننى؟ والموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة، فقالوا له: ستحيط بك سيوف بنى أمية، فقال: إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلى فيا سيوف خذينى.

نحن لسنا أمام شهيد، نحن أمام استشهادى، والاستشهادى هو الذى يذهب للموت بقدميه طائعًا مختارًا، بل ويرى فى موته علامة نصره الأكيد، وسواء أكان الحسين شهيدًا أم استشهاديًا، فلابد له من أن يرتكب خطأ الشهداء، وما خطأ الشهيد إلا وفرة الشجاعة وقلة الناصر، لقد انتصر للحسين جماعة من خاصة أهل بيته وبعض المسلمين، فكان كل فريقه المناصر لا يزيد عدده على المائة، بينما جيش يزيد يتجاوز الأربعة آلاف مقاتل، فانظر إلى ميزان القوة وقل الحمد لله الذى جنبنا شهود تلك الساعة الكئيبة فى تاريخ الإسلام.

مَنْ كان قائد جيش يزيد الطالب رأس الحسين؟

لم يكن فلانًا أو علانًا لقد كان "عمر".

ومَنْ يكون عمر هذا؟.

إنه عمر بن سعد بن أبى وقاص؟

أى قلب يحتمل هذه المفارقة؟

سعد بن أبى وقاص الذى كان يفاخر به الرسول ويقول: "سعد خالى فليرنى أحدكم خاله"  سعد مستجاب الدعوة، سعد التقى الشجاع الفارس، يخرج من صلبه قائد جيش يقطف رأس الحسين حبيب رسول الله.

نحن الآن فى يوم الاثنين العاشر من شهر محّرم الحرام سنة 61 هجرية.

قبل هذا اليوم كان الحسين قد قطع ستًا وخمسين سنة من عمره.

قبيل أن تأخذ سيوف أبناء الطلقاء رأس الحسين، تأمل الحسين المشهد، إنه الآن وأولاده وأولاد شقيقه الحسن محاصرون، وقد حرّم عليهم جيش بنى أمية ملء قربة ماء من نهر الفرات، إنه النهر الذى تلغ فيه الكلاب ولكن الحسين وآله لا يستطيعون ملء أكفهم منه!

ثم تأمل الحسين المشهد فرأى أن هذا الدين كله قد قام على كتفَى جده الأب النور محمد بن عبدالله وعلى كتفَى والده علي بن أبى طالب، ثم بفضل جهادهما سيؤسس الدين دولة، ثم ستقوم الدولة التى أسسها جده ووالده بقتله وبقتل أولاده وذريته جميعًا!

المشهد قاتم جدًا فهل كان للحسين أن يحتفظ بحياته بكلمة واحدة "بايعتُ".

وأنقل عن الطبرانى: إن عدد الذين كانوا مع الحسين اثنان وسبعون فارسًا، وجيش بنى أمية خمسة آلاف، ولـما تواقف الفريقان قال الحسين لجيش ابن زياد: راجعوا أنفسكم وحاسبوها، هل يصلح لكم قتال مثلى؟ وأنا ابن بنت نبيكم، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبى غيرى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لى ولأخي: "هذان سيدا شباب أهل الجنة".

وصار يحثهم على ترك أمر عبيد الله بن زياد والانضمام إليه فانضم للحسين منهم ثلاثون، فيهم الحر بن يزيد التميمى الذى كان قائد مقدمة جيش عبيد الله بن زياد، فقيل للحر بن يزيد: أنت جئت معنا أمير الـمقدمة والآن تذهب إلى الحسين؟!

فقال: ويحكم والله إنى أخير نفسى بين الـجنة والنار، والله لا أختار على الجنة ولو قطعت وأحرقت.

بعد ذلك صلى الحسين الظهر والعصر من يوم الخميس، صلى بالفريقين بجيش عبيد الله بن زياد وبالذين معه، وكان قال لهم: منكم إمام ومنا إمام، قالوا: لا، بل نصلى خلفك، فصلوا خلف الحسين الظهر والعصر، فلـما قرب وقت الـمغرب تقدموا بخيولهم نحو الحسين وكان الحسين محتبيا بسيفه فلـما رآهم وكان قد نام قليلا قال: ما هذا؟! قالوا: إنهم تقدموا فقال: اذهبوا إليهم فكلموهم وقولوا لهم ماذا يريدون؟

فذهب عشرون فارسا منهم العباس بن على بن أبى طالب أخو الحسين فكلموهم وسألوهم، قالوا: إما أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد وإما أن يقاتل.

قالوا: حتى نخبر أبا عبد الله، فرجعوا إلى الحسين وأخبروه، فقال: قولوا لهم: أمهلونا هذه الليلة وغدا نخبركم حتى أصلى لربى فإنى أحب أن أصلى لربى تبارك وتعالى، فبات ليلته تلك يصلى.

فى صباح يوم الجمعة شب القتال بين الفريقين لـما رفض الحسين أن يستأسر لعبيد الله بن زياد، وكانت الكفتان غير متكافئتين، فرأى أصحاب الحسين أنهم لا طاقة لهم بهذا الجيش، فصار  همهم الوحيد الـموت بين يدى الحسين، فأصبحوا يموتون بين يديه ذودا عنه حتى فنوا جميعا ولم يبق منهم أحد إلا الحسين وولده على بن الحسين كان مريضًا.

وبقى الحسين بعد ذلك نهارا طويلا، لا يقدم عليه أحد حتى يرجع لا يريد أن يبتلى بقتله، واستمر هذا الأمر حتى جاء شمر بن ذى الجوشن فصاح بالناس ويحكم ثكلتكم أمهاتكم أحيطوا به واقتلوه، فجاءوا وحاصروا الحسين فصار يجول بينهم بالسيف حتى قتل منهم من قتل وكان كالسبع، ولكن الكثرة تغلب الشجاعة.

وصاح بهم شمر: ويحكم ماذا تنتظرون؟! أقدموا.

 فتقدموا إلى الحسين فقتلوه، والذى باشر قتل الحسين سنان بن أنس النخعى، وحز رأسه وقيل: شمر، قبحهما الله.

وبعد أن قتل الحسين حمل رأسه إلى عبيد الله فى الكوفة فجعل ينكت به بقضيب كان معه يدخله فى فمه، ويقول: إن كان لحسن الثغر، فقام أنس بن مالك وقال: والله لأسوأنك؛ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه.

قال إبراهيم النخعي: لو كنت فيمن قتل الحسين ثم أدخلت الجنة استحييت أن أمر على النبى صلى الله عليه وسلم فينظر فى وجهى.

أمثال الحسين لا ينسحبون، لأنهم يستنكفون أن يكونوا أحرارًا سادة على قوم من العبيد، الحسين الحر السيد يريد الحرية والسيادة للجميع، تلك هى رسالة جده، أن تكون حرًا وأن تكون سيدًا مالكًا لأمرك.

الحسين لن ينسحب لأنه ينشد المعنى، معنى النصر الحقيقى، انتصار الروح وليس الجسد، انتصار الجوهر وليس العرض.

الحسين لن يقول كلمة هو لا يؤمن بصدقها، الحسين لن يلعبها سياسة، ولو لعبها سياسة لكان له ألف عذر وألف تبرير، إنه ينشد الأعمق والأنبل والأطهر، يبغى أن يسجل انتصارًا حاسمًا للدم على السيف.

قال الحسين: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون" ثم قاتل حتى قطفوا رأسه، فهل انتصر؟

نعم قتل، ونعم قتل أولاده، ونعم انتصر.

الآن انظر أين الحسين فى الوجدان العام ليس للمسلمين فحسب بل للعالمين وأين يزيد؟

فمن الذى انتصر؟

هل انتصر الذى حكم فعاث فى الأرض فسادًا ثم مات يوم مات، أم انتصر الذى يسرى ذكره وذكراه في بدن الزمن؟

جئنى بمسلم يصلى لا يقول فى صلاته: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد".

الحسين هو قلب آل محمد وعمود خيمة آل محمد، وهنا لا يهمنى البحث عن مرقد الحسين، لأن الحسين هو المعنى فما جدوى البحث عن قبر أو ضريح.

السَّلامُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْد اللهِ الحسين وَعَلَى الأرواح الَّتى حَلَّتْ بِفِنائِكَ عَلَيْكَ مِنّى سَلامُ اللهِ أبدا ما بَقيتُ وَبَقِيَ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنّى بالكتابة عنكم، اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى أولاد الْحُسَيْنِ وَعَلى أصحاب الْحُسَيْنِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بجريدة "صوت الأمة" السبت 24 يونيو 2017

الاثنين، 27 مارس 2017

شائعة الـ 600 مليار دولار بين المتآمرين والساخرين والمصدقين



البيان الرسمى تحدث عن 300 ألف جنيه بجبل الحلال فنفخ فيها الإخوان وجعلوها 600 مليار دولار.
 
متى ندرك أن للحرب النفسية تأثير القنابل والصواريخ ؟






تقول الطرفة المصرية إن ولدًا رأى أباه منكبًا على كتابة ما فسأله متعجبًا : ماذا تفعل ؟.
فرد الأب: أكتب خطابًا لعمك.
فقال الابن: لكنك لا تعرف الكتابة.
فقال الأب: اطمئن، فعمك لا يعرف القراءة.
تلك الطرفة التى تسخر من مزاعم الجهلاء أراد بعضهم فرضها علينا بوصفها حقيقة ثابتة، السخفاء أرادوا التلاعب بالعقل المصرى كأنه لم يعرف فى حياته القراءة والكتابة، وأصل القصة أن بيانًا رسميًا صدر يوم السادس والعشرين من فبراير الماضى تحدث عن المعارك الضارية التى يخوضها الجيش ضد عصابات الإرهاب فى جبل الحلال بسيناء، وجاء فى سياق البيان أن قوات الجيش قد عثرت على ثلاثمائة ألف جنيه كانت بحوزة الإرهابيين.

البيان الرسمى كان واضحًا جدًا ولا لبس فيه، والرقم المالى الذى ذكره هو رقم معقول جدًا بل وعادى تمامًا، فلو أن الإرهابيين كانوا ثلاثين فالواحد منهم لديه عشرة آلاف فقط لا غير، يعنى أقل من سبعمائة دولار.

ومع هذا الوضوح الذى تحلى به البيان الرسمى ومع معقولية الرقم الذى ذكره فقد حدث ما يشيب له الغراب.
فجأة وبدون مقدمات قفز الرقم فى الفراغ وعندما عاد إلى الأرض وجدناه قد تضخم وتعاظم وتكاثر ليصبح ستمائة مليار دولار.

بهذا التضخيم بدأت لعبة قصف عقول المصريين والتلاعب بها، بدأ الهجوم من جماعة الإخوان، وهم كما خبرناهم يكذبون كما يتنفسون، لكنهم هذه المرة تصرفوا بذكاء أو قل خبث يحسدون عليه.
ظهر خبثهم بثلاثة وجوه، الأول: تثبيت الرقم الخرافى وترويجه كأن البيان الرسمى قد نص عليه.
الثانى: السخرية منه ومن مطلقيه مع الإشارة العابرة إلى أن الجهات الرسمية هى التى أطلقت الرقم.
الثالث: تأليب الشعب على الدولة وتحريض الجماهير بزعم أن الدولة سوف تأكل المال بمفردها وستحرم منه الشعب.

هذا الخبث بدأه "محمد الجوادى" بتغريده بثها على حسابه الشخصى بموقع تويتر، وظاهر التغريدة هو السخرية من الرقم والقول بأن المال مطبوع فى شارع "محمد على" وفى ذلك إشارة سخيفة إلى العوالم والقائمات على أمور الزفة.
أما الهدف الذى أراد الجوادى تسجيله فهو تثبيت الرقم ووصم البيان الرسمى به، وكأن البيان قد تباه أو أكد عليه.

بعد الجوادى بدأت قناة الجزيرة فى ممارسة سخافاتها بأن تعاملت مع الستمائة مليار دولار المزعومة وكأنها حقيقة، فقامت باستكتاب مصرى يدعى "عبد العزيز مجاهد" الذى راح يبكى على تلاعب الدولة المصرية بعقول بنيها.
إنه الخبث ذاته الذى يريد به صاحبه التأكيد على دورٍ للدولة فى هذه الملهاة، وهو يعلم أن الدولة بريئة من هذا العبث براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

وبعد تسجيل الأهداف الخفية جاء دور تسجيل الأهداف العلنية، وهذا ما تورطت فيه مواقع عديدة نذكر منها مواقع "الحق والضلال" و"123 نيوز" و"عرب ميرو" و"الأهرام الكندى" وكل هؤلاء روجوا لأكذوبة العثور على ستمائة مليار دولار فى جبل الحلال.

ذلك القصف المرّكز المتعمد للمصريين ومشاعرهم جعل الناس ينقسموا فى تناولهم للأمر إلى أربع فرق.
فريق عاقل لم يتورط فى القصة كلها لأنه أدرك خبث معناها، وفريق يهوى جلد ظهره وتعذيب ذاته فراح يسخر ثم يسخر ثم يسخر، وكأن الأمر يستوجب السخرية وكأن الأمر شائعة لها ظل من الحقيقة، لم يدرك هذا الفريق الساخر أن سخريته تسخف وتقلل من حجم المواجهة التى يخوض الجيش غمارها دفاعًا عن الأرض والهوية، لقد فقدت سخريتهم بريقها خاصة والجيش لم يتورط ولو بكلمة واحدة فى هذه الشائعة العبثية، التى هى والهراء سواء.
وفريق متآمر بتكوينه ومعتقده يقوده الإخوان ومعهم كل الذين يقولون إن علم الوطن ليس أكثر من قطعة قماش ملونة.
ثم وللأسف ظهر فريق مسكين أراد أن يكحلها فأعماها، وأعنى به الفريق الذى صدّق فرّوج، وقد حلقت بهم الأوهام والآمال الخادعات فقاموا بقسمة الستمائة مليار دولار على التسعين مليون مصرى!!
بل أوغل بعضهم فى صحراء السراب وراح يتفنن فى كيفية إنفاق المال.

والآن لا يهمنا الفريق الأول فقد أنجاه عقله ولا يهمنا فريق المتآمرين فهؤلاء لن يعرفوا استقامة المنهج ولا طهارة الهدف، يهمنا باقى الفرق التى تورطت بحسن نية أو بضيق صدر من عبث يحيط بنا، فعلى هؤلاء أن يعلموا أن الحرب النفسية لها على القلوب والعقول وقع حروب الصواريخ والطائرات والدبابات، فعل كلمة يلقى بها أحدهم تكون سببًا لأن تهوى أمة إلى الحضيض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة السبت 11 مارس 2017

الخميس، 23 مارس 2017

كلهم أبرياء.. فمَنْ قتل المتظاهرين!


                                     



# مَنْ الذى وجه ضربة طيران صاعقة لقوات العدو فى معركة رمضان الخالدة؟
- الرئيس مبارك.

 # مَنْ الذى أدخل مترو الأنفاق إلى مصر؟
- سيادة رئيس الجمهورية الأسبق السيد حسنى مبارك. 

# مَنْ الذى جاء بخدمة الاتصالات المتقدمة من إنترنت وهواتف محمولة إلى البلاد؟
- إنه سيادة الرئيس مبارك.

# مَنْ الذى أنشأ الجسور والطرق العملاقة؟
- هو الرئيس مبارك.

# مَنْ الذى توسع فى بناء المدن الجديدة وفى تعميرها؟
- لا أحد سوى الرئيس مبارك.

# هل رأيت بعينيك سيادة الرئيس مبارك وهو يقود طائرة ويصب قنابلها على رأس العدو؟ هل رأيته وهو يحمل معولًا ويحفر الأنفاق؟ هل وقعت عيناك عليه وهو يهندس الجسور ويعبّد الطرق ويبنى المدن؟
- طبعًا الإجابة هى لا، فليس من مهام منصبه أن يحفر بيده ويحارب بمسدسه الشخصى.

# إذن كيف جاز لك أن تنسب إليه جلائل الأعمال السابق ذكرها؟
- هذا طبيعى جدًا، فسيادته كان القائد الآمر الناهى، وكل الأعمال العظيمة التى ذكرتها ما كان لها أن تكون لو لم يأمر سيادته بتنفيذها.

# يعنى كان مسئولًا عن تنفيذ كل عمل خطير؟
- نعم والتاريخ شهد له بذلك، ونحن الذين عاصرنا حكمه نشهد له بذلك.

#  حسنٌ، هل ترى أن قتل الشباب من الأعمال الخطيرة؟
- نعم، بل كل قتل هو عمل خطير.
- جيد جدًا، وأنا أوافقك تمامًا فى أن كل قتل هو عمل خطير، وأزيد فأقول إنه عمل يحتاج لشدة خطورته لآمر ومنفذ وشبكة حماية، وجماعات تغطية.
-  وأنا أيضًا أوافقك فى كل ما ذهبت إليه.

# مّنْ كان على رأس البلاد عندما قُتل شباب ثورة يناير؟
- الحقيقة..
 - أرجوك لا تبدأ معى بهذه الكلمة، فقد خبرتها كثيرًا وتأكد لى أن ما سيأتى بعدها سيكون مخالفًا لها.
- أقصد يعنى أن موضوع الثورة هو موضوع ملتبس.
- يا سيدى أنا لا أريد رأيك فى الثورة، أنا أسألك عن حوادث قتل جرت عمدًا مع سبق الإصرار والترصد.
- ها، لقد فهمتك الآن أن تريد جرجرتى لصفك لكى أتهم الرئيس بقتل المتظاهرين، الرئيس مبارك لم يقتل المتظاهرين والقضاء قال كلمته وحصل القائد على براءة عليها توقيع القاضى، ثم هل رأيته أنت بعينيك وهو يهبط إلى ميدان التحرير حاملًا مدفعه الرشاش حاصدًا أرواح الشاب؟ أجب! هل شاهدته؟
- لا لم أشاهده ولم يقل واحد منا إن مبارك قد قتل بيديه.

# إذن كيف تجيز لنفسك أن تتهمه بما لم يفعله بيديه؟
- كما جاز لك أنتَ أن تنسب إليه حفر أنفاق المترو مع أن يديه أنعم من أن تحمل حجرًا فضلًا عن أن تحفر نفقًا، أنتَ ولستُ أنا مَنْ وصفه بالقائد الآمر الناهى.
- توقف ثانية واحدة لو سمحت عن طرح أسئلتك المراوغة، هل لديك ورقة أو تسجيلًا يحمل أمر مبارك بقتل المتظاهرين، حتى نتهمه بالمشاركة فى القتل؟
- لا ليس لدى دليل، فلستُ جهة تحقيق أو تحرى، أنا مواطن رأى بعينيه الرصاص وهو يذبح جماعات فوق الحصر من الشباب.
 هكذا أنت تلف وتدور لتلفق تهمة للرجل الذى حصل على براءة من القضاء.
#  ألستَ القائل بأن القائد مسئول؟
- كنت أقصد المسئولية عن الأعمال الشريفة، القتل يا سيدى فعل فردى، قتيل وقاتل، فما دخل مبارك فى الأمر؟
- يا أخى لماذا لا توافقنى على أنه مسئول ولو مسئولية سياسية إذا عز علينا إثبات مسئوليته الجنائية؟

- هل أوافقك وأجلب للرجل الطيب مصيبة برَّأه القضاء منها؟
- يا سيدى براءة القضاء كانت لنقص الأدلة وليس لعدم وقوع الفعل. 
هذا الكلام لا يدخل فى ذمتى بمليم، برأه القضاء، يعنى برأه القضاء ولا كلام آخر.
الجميع أبرياء فمن الذى قتل الشباب؟
 إذا كان الموضوع يهمك لهذه الدرجة فابحث عن القاتل.
 ليست بيدى سلطة البحث.
 إذن انس الأمر.

# هل تعلم أن القتل لعنة تطوق عنق القاتل وشركائه؟
- نعم، سمعتهم يقولون ذلك.

# هل تعلم أن الدم لا يذهب هدرًا؟
- نعم، سمعتهم يتحدثون عن أرواح القتلى إذ تصبح أشباحًا تطارد قاتليهم.

# هل تعلم أن السكوت عن القتل، قتل؟
- يقولون ذلك أيضًا.

#  هل تعلم أن هذا البلد لن يهنأ له عيش ما لم تتم محاكمة القتلة؟
- ليس هناك قتلة وليس هناك مجرمون، وكل الذين اتهمتموهم بأنهم قتلة حصلوا على براءة القضاء.

أقسم بالله، عندما تغلى دماء الشهداء صارخة بالقصاص سأتهمك بأنك شاركت ببرودك وسكوتك فى قتلهم.
دعنى أضحك قبل أن أرد عليك قائلًا، فيما لو فار الدم سأتهمك بأنك مجنون .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة السبت 11 مارس 2017

الخميس، 16 مارس 2017

أستاذ مرسي عطا الله .."صح" النوم




حمدي عبد الرحيم
شريف علي


للكاتب الروائي مجيد طوبيا رواية قديمة عنوانها "دوائر عدم الإمكان" ذكرني بها الكاتب الكبير مرسى عطا الله عندما سقط في فخ دوائر عدم "الإتقان" وآية ذلك أن الكاتب الكبير، جعل عموده  "كل يوم" الذي نشرته جريدة العرب الأولى الأهرام العريقة، يوم الثلاثاء 21 فبراير 2017 عن حوار أجرته المجلة الفرنسية الشهيرة "جون أفريك" مع الرئيس السيسي.

المدهش أن الأستاذ عطا الله وقد عمل لسنوات في الديسك المركزي للجريدة الكبرى، كما تولي رئاسة تحرير العديد من الإصدرات إضافة إلى توليه رئاسة مجلس إدارة الأهرام لم ينبه قارئه لمعلومة رآها هو هامشية بينما هي غاية في الأهمية والخطورة، نعم المجلة الشهيرة حاورت الرئيس السيسي وجعلت صورته على غلافها، ولكن هذا حدث ونشر في فبراير من  العام 2016 أي من عام مضى، ويومها تناولت كل وسائل الإعلام المصرية بل والعربية الحوار بالنقاش والتحليل خاصة وقد قال الرئيس فيه: "إن مصر تحدد مصير العالم"..

فهل لم يقرأ الأستاذ عطا كل ما نشرته وسائل الإعلام من عام مضى؟

تقرأ ما كتبه الكاتب الكبير الداعي دائمًا وأبدًا للمهنية والتأكد من صحة المعلومات وثبوتها فلا تجد ولو أدني إشارة إلى أن الحوار قديم، بل على العكس ستجد كلامًا يؤكد أن الحوار طازج، لم تمر على نشره سوى ساعات، وعلامة ذلك أن الأستاذ عطا الله قد استشهد بزياة الرئيس إلى كينيا التي جرت قبل أيام معدودة  وجعلها في صلب عموده الذي تناول فيه الرؤية الفرنسية للرئيس.

كان يجدر بالأستاذ أن يؤكد المرة تلو المرة أن الحوار الذي انفردت به المجلة الفرنسية قديم، وساعتها من حقه أن يدير حوله نقاشًا أو يستشهد به لأي غرض كان وفي سياق بحثنا عن حقيقة ما نشرته المجلة من مواد ننشر للقارئ صورا لسبعة أعداد من المجلة.

1- صورة الغلاف للرئيس التشادى أدرسي ديبى وحوار بعنوان "حوار الحقيقة"، وعناوين فرعية على الغلاف وهى "الجزائر وماذا تريد القبائل" و"ملف التعدين: الصين تحفر أوردتها"
صادر بتاريخ 29 يناير – 4 فبراير 2017

2- صورة الملك محمد السادس عاهل المغرب وعنوان رئيسى "المغرب – الأتحاد الأفريقي: أسرار العودة"  وعنوان فرعى عن الجزائر بعنوان "عندما تجسست وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على المرادية" والمقصود قصر المرادية وهو قصر الرئاسة.
صادر بتاريخ 5-11 فبراير 2017

3- صورة إيتيان تشيسكيدى السياسى الكونغولى وزعيم حزب أتحاد الديمقراطية والتطور الأجتماعى وهو حزب المعارضة الرئيسى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك بمناسبة وفاته فى الأول من فبراير.
صادر بتاريخ 5-11 فبراير 2017

4 - صورة لإيسياكا واتاو قائد الحرس الجمهورى الجديد فى ساحل العاج وكان فى السابق من قادة المتمردين بين عامى 2002 و2011 وعنوان فرعى "ليبيا: لغز خليفه حفتر"
صادر بتاريخ 12-18 فبراير 2017

5 - صورة نعش إيتيان تشيسكيدى زعيم حزب المعارضة الرئيسى فى جمهورية المونغو الديمقراطية وعنوان فرعى عن الأفارقة الذين عملوا لصالح مرشحى الرئاسة الفرنسية.
صادر بتاريخ 19-25 فبراير
6 - إصدار خاص عن أفريقيا عام 2017 وعنوان الغلاف الفرعى "كل المفاتيح لفهم الثورات والتطورات فى القارة" وأخر بعنوان "شمال أفريقيا: خمس سنوات بعد الثورات.
إصدار خاص رقم 45 - 2017
7 - صورة الغلاف للرئيس عبد الفتاح السيسى والعنوان "مصير العالم يتحدد فى مصر" – لقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسى" والعنوان لجملة قالها الرئيس السيسى فى الحوار ولهذا وضعتها المجلة بين علامتى تنصيص على الغلاف.
صادر بتاريخ 14-20 فبراير 2016


____________________________________
نشر بجريدة "صوت الأمة" فى  27- 2 - 2017

الاثنين، 13 مارس 2017

صدّق أو لا تصدق .. نحن أحسن من المانيا




لن نختلف حول كوننا نعيش الآن ظروفًا صعبة على كافة الأصعدة ، ولكن هل صعوبة ظروفنا حالة استثنائية لم تمر بها بلد من قبل؟

ثم نستسلم للصعوبات ونفقد أمل تجاوزها ونركن لراحة اليأس والرضا بالقنوط والتلذذ بالعديمة؟

أسئلة يجب أن يطرحها كل منا على نفسه، وبناء على الإجابات يقوم الواحد منا بتحدد توجهه العام في الحياة كلها.

بدايةً ظروفنا الصعبة ليست استثنائية، بل تكاد لا توجد دولة على ظهر الكوكب لم تمر بظروف أشد وأقسى، فالفارق هو في التوجه وفي القبض على الأمل البنَاء الذي يعني مزيدًا من المقاومة والمزيد من العمل.

نحن الآن، وفي عامنا هذا أحسن ألف مرة على الأقل من ألمانيا عشية نهاية الحرب العالمية الثانية.

يقول التاريخ: إن ألمانيا التي كانت قوة عظمى بين الحربين الأولى والثانية قد انهارت فى العام 1945 واحتلت قوات الحلفاء المنتصرة العاصمة برلين، وجرى  تدمير غالبية المدن الالمانية  وبعثرة الجيش وتفكيكه، ثم قام المنتصرون بتقسيم الدولة الواحدة الموحدة إلى دولتين «ألمانيا الاتحادية» و«ألمانيا الديمقراطية»، وبعد التقسيم قاموا بتجزئة البلاد، وضموا جزءا من أراضيها إلى بولندا والاتحاد السوفيتي وفرنسا، وقد وصلت الخسائر الألمانية البشرية إلى أرقام مفزعة لم تذقها الإنسانية من قبل، تشريد نحو 12 مليون ألمانى، إضافة إلى 8 ملايين أسير فى معتقلات قوات الحلفاء، والعجيب فى هذا السياق أن الاتحاد السوفيتي قد احتفظ بأسراه الألمان حتى بعد مرور أحد عشر عاما على نهاية الحرب.

 أما عن النكبة الألمانية على الصعيد الاقتصادي فقد تم تدمير السكك الحديدية والطرق، وتفكيك المصانع، بل لقد أوغل المنتصرون فى عقاب الألمان، وقاموا بتفكيك القضاء نفسه من خلال إقالات فورية لقضاة عهد هتلر، وجرى إغلاق المدارس ودور النشر بزعم تطهير العقلية الألمانية من رجس النازية.

بل قام الحلفاء بـ "حرث" شوارع المدن الألمانية لتعويق المواصلات، لأن المواصلات في زعمهم قد تنقل الفكر النازي بين المدن والقرى !!

إذن نحن أمام حالة مستعصية على الشفاء، بل أمام حالة لا تستطيع المشي على قدميها لخمسة أمتار، ولكن الألمان فعلوها وغادروا انهيارهم ولم يستسلموا للهزيمة التي كانت مذلة، وأخرجت الأمة الالمانية قائدها «لودفيج إرهارد»، الذي أعاد بناء الأمة تحت عنوان عريض هو "تمويل ديون الحرب وإعادة هيكلتها"،  ذلك العنوان سيعمل تحته الألمان  من خلال ترسيخ فكرة «السوق الاجتماعية» التى تقوم على حرية السوق مع الاهتمام الفعلي والجاد بالعدالة الاجتماعية.

الآن ألمانيا هي  رابع أقوى اقتصاد على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان بناتج محلى يبلغ   3.518 تريليون دولار، وذلك وفق ما بيانات تعود إلى العام 2011.

هل ما حققه الألمان هو معجزة غير قابلة للتحقق مرة أخرى؟

وغير ألمانيا هناك الدول المهزومة في ذات الحرب، إيطاليا واليابان وتركيا، وكلها نهضت بعد هزائم مدوية وأصبحت الآن ملء السمع والبصر، ونحن لم نُهزم كما هزموا، وجيشنا واحد موحد، وأرضنا ليست محتلة، ومواردنا تبحث عن مًنْ يستثمرها استثمارًا جادًا وحقيقيًا، ولا نعاني ـ بحمد الله ـ من أي صراع طائفي أو عرقي، ولغتنا واحدة وكذا عاداتنا وثقافتنا، وأمتنا يمثل الشباب عنصرها الأكبر، وفي المجمل نحن  لا نحتاج سوى لقطيعة مع الماضي القريب البائس، لا نحتاج سوى لجملة واحدة هي "نقطة ومن أول السطر".

تلك النقطة الحاسمة ستجعلنا نبدأ التدوين على صفحة نظيفة أو على الأقل على سطر جديد غير ملوث بمخلفات عهود سابقة لم تفعل بنا سوى الخراب ولا تترك لنا سوى مرارة الفساد الممنهج، ولقد فعلتها دولة مثل البرازيل التي كانت تعيش لقرون تحت وطأة ظروف، تبدو ظروفنا قياسًا عليها نوعًا من الترف، البرازيل بلد عملاق تبلغ مساحته فوق الثمانية ملايين كيلو متر مربع، وبه أكثر من ألف نهر، والأنهر تفيض وتدمر الزراعات والمباني وتخلف الأوبئة والأمراض، وفوق تلك الأرض الشاسعة يعيش أكثر من مائتي مليون مواطن، وتلك الملايين لا يجمعها جامع من كثرة  تعدد الأعراق  والشرائع والديانات.

وقد بلغت ديونها الخارجية قبل حكم "لولا دا سيلفا" أكثر من مائتين وخمسين مليار دولار !!.

ديوننا نحن الخارجية هي لا شيء مقارنة بديون البرازيل، مجمل معيشتنا الآن هو أحسن ألف مرة من مجمل معيشة البرازيل قبل نهضتها، المعجزة لم تهبط من السماء على رأس البرازيل ، لقد نبتت من جوف أرضها، وما كانت المعجزة سوى في تبني سياسة واضحة وحاسمة ضد الفساد بكافة صوره، إضافة إلى التوسع في استغلال كافة الموارد وتسويقها للخارج، مع دعم حقيقي ومؤثر للتعليم ، بهذه العوامل الثلاثة أصبحت البرازيل دائنة بعد أن كانت غارقة في ديون لا تعد ولا تحصى.

متى نؤمن أن زمن المعجزات انتهى ثم لن يعود؟

ومتى ندرك أن السوبر مان لم يًخلق أصلًا؟

إما عمل جماعي جاد ومنظم وإما الطوفان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بجريدة "صوت الأمة"  فى 27 - 2 - 2017