الاثنين، 13 مارس 2017

صدّق أو لا تصدق .. نحن أحسن من المانيا




لن نختلف حول كوننا نعيش الآن ظروفًا صعبة على كافة الأصعدة ، ولكن هل صعوبة ظروفنا حالة استثنائية لم تمر بها بلد من قبل؟

ثم نستسلم للصعوبات ونفقد أمل تجاوزها ونركن لراحة اليأس والرضا بالقنوط والتلذذ بالعديمة؟

أسئلة يجب أن يطرحها كل منا على نفسه، وبناء على الإجابات يقوم الواحد منا بتحدد توجهه العام في الحياة كلها.

بدايةً ظروفنا الصعبة ليست استثنائية، بل تكاد لا توجد دولة على ظهر الكوكب لم تمر بظروف أشد وأقسى، فالفارق هو في التوجه وفي القبض على الأمل البنَاء الذي يعني مزيدًا من المقاومة والمزيد من العمل.

نحن الآن، وفي عامنا هذا أحسن ألف مرة على الأقل من ألمانيا عشية نهاية الحرب العالمية الثانية.

يقول التاريخ: إن ألمانيا التي كانت قوة عظمى بين الحربين الأولى والثانية قد انهارت فى العام 1945 واحتلت قوات الحلفاء المنتصرة العاصمة برلين، وجرى  تدمير غالبية المدن الالمانية  وبعثرة الجيش وتفكيكه، ثم قام المنتصرون بتقسيم الدولة الواحدة الموحدة إلى دولتين «ألمانيا الاتحادية» و«ألمانيا الديمقراطية»، وبعد التقسيم قاموا بتجزئة البلاد، وضموا جزءا من أراضيها إلى بولندا والاتحاد السوفيتي وفرنسا، وقد وصلت الخسائر الألمانية البشرية إلى أرقام مفزعة لم تذقها الإنسانية من قبل، تشريد نحو 12 مليون ألمانى، إضافة إلى 8 ملايين أسير فى معتقلات قوات الحلفاء، والعجيب فى هذا السياق أن الاتحاد السوفيتي قد احتفظ بأسراه الألمان حتى بعد مرور أحد عشر عاما على نهاية الحرب.

 أما عن النكبة الألمانية على الصعيد الاقتصادي فقد تم تدمير السكك الحديدية والطرق، وتفكيك المصانع، بل لقد أوغل المنتصرون فى عقاب الألمان، وقاموا بتفكيك القضاء نفسه من خلال إقالات فورية لقضاة عهد هتلر، وجرى إغلاق المدارس ودور النشر بزعم تطهير العقلية الألمانية من رجس النازية.

بل قام الحلفاء بـ "حرث" شوارع المدن الألمانية لتعويق المواصلات، لأن المواصلات في زعمهم قد تنقل الفكر النازي بين المدن والقرى !!

إذن نحن أمام حالة مستعصية على الشفاء، بل أمام حالة لا تستطيع المشي على قدميها لخمسة أمتار، ولكن الألمان فعلوها وغادروا انهيارهم ولم يستسلموا للهزيمة التي كانت مذلة، وأخرجت الأمة الالمانية قائدها «لودفيج إرهارد»، الذي أعاد بناء الأمة تحت عنوان عريض هو "تمويل ديون الحرب وإعادة هيكلتها"،  ذلك العنوان سيعمل تحته الألمان  من خلال ترسيخ فكرة «السوق الاجتماعية» التى تقوم على حرية السوق مع الاهتمام الفعلي والجاد بالعدالة الاجتماعية.

الآن ألمانيا هي  رابع أقوى اقتصاد على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان بناتج محلى يبلغ   3.518 تريليون دولار، وذلك وفق ما بيانات تعود إلى العام 2011.

هل ما حققه الألمان هو معجزة غير قابلة للتحقق مرة أخرى؟

وغير ألمانيا هناك الدول المهزومة في ذات الحرب، إيطاليا واليابان وتركيا، وكلها نهضت بعد هزائم مدوية وأصبحت الآن ملء السمع والبصر، ونحن لم نُهزم كما هزموا، وجيشنا واحد موحد، وأرضنا ليست محتلة، ومواردنا تبحث عن مًنْ يستثمرها استثمارًا جادًا وحقيقيًا، ولا نعاني ـ بحمد الله ـ من أي صراع طائفي أو عرقي، ولغتنا واحدة وكذا عاداتنا وثقافتنا، وأمتنا يمثل الشباب عنصرها الأكبر، وفي المجمل نحن  لا نحتاج سوى لقطيعة مع الماضي القريب البائس، لا نحتاج سوى لجملة واحدة هي "نقطة ومن أول السطر".

تلك النقطة الحاسمة ستجعلنا نبدأ التدوين على صفحة نظيفة أو على الأقل على سطر جديد غير ملوث بمخلفات عهود سابقة لم تفعل بنا سوى الخراب ولا تترك لنا سوى مرارة الفساد الممنهج، ولقد فعلتها دولة مثل البرازيل التي كانت تعيش لقرون تحت وطأة ظروف، تبدو ظروفنا قياسًا عليها نوعًا من الترف، البرازيل بلد عملاق تبلغ مساحته فوق الثمانية ملايين كيلو متر مربع، وبه أكثر من ألف نهر، والأنهر تفيض وتدمر الزراعات والمباني وتخلف الأوبئة والأمراض، وفوق تلك الأرض الشاسعة يعيش أكثر من مائتي مليون مواطن، وتلك الملايين لا يجمعها جامع من كثرة  تعدد الأعراق  والشرائع والديانات.

وقد بلغت ديونها الخارجية قبل حكم "لولا دا سيلفا" أكثر من مائتين وخمسين مليار دولار !!.

ديوننا نحن الخارجية هي لا شيء مقارنة بديون البرازيل، مجمل معيشتنا الآن هو أحسن ألف مرة من مجمل معيشة البرازيل قبل نهضتها، المعجزة لم تهبط من السماء على رأس البرازيل ، لقد نبتت من جوف أرضها، وما كانت المعجزة سوى في تبني سياسة واضحة وحاسمة ضد الفساد بكافة صوره، إضافة إلى التوسع في استغلال كافة الموارد وتسويقها للخارج، مع دعم حقيقي ومؤثر للتعليم ، بهذه العوامل الثلاثة أصبحت البرازيل دائنة بعد أن كانت غارقة في ديون لا تعد ولا تحصى.

متى نؤمن أن زمن المعجزات انتهى ثم لن يعود؟

ومتى ندرك أن السوبر مان لم يًخلق أصلًا؟

إما عمل جماعي جاد ومنظم وإما الطوفان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بجريدة "صوت الأمة"  فى 27 - 2 - 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق