الخميس، 28 مايو 2015

عشيق الليدى تشاترلى وأبناء الزبالين المصريين (2 - 2)


















المسكوت عنه

بشهادة السيدة عضو لجنة الخبراء تم الإفراج عن الرواية التى عرفت طريقها إلى جميع الأسواق العالمية، محققة لكاتبها ولأدب بلاده مجدًا لا يزال يناطح الزمان.

والآن، ما الذى أغضب الإنجليز من رواية ابنهم حتى طاردوها على مدار ثلاثين سنة؟

دعك من حجج الأخلاق، فالرواية وإن أرّخت لخيانة زوجة فهى رواية أخلاقية بامتياز (العبرة دائمًا فى التناول والمعالجة وما خلف السطور يا صاحبى).

الحرب العالمية الأولى (أو قُل الحرب التى فرضتها أوروبا على العالم) هى السبب الأولى فى مطاردة رواية عشيق الليدى تشاترلى.

بريطانيا العظمى تعرف الجرائم التى ارتكبتها فى تلك الحرب، كليفورد، أحد ضحايا تلك الحرب، لقد فقد ذكورته وقلبه وروحه، بل ورجولته بالمعنى العام والنبيل للرجولة فى تلك الحرب المجنونة، قذيفة واحدة حوَّلته إلى حطام يخفى أحزانه تحت قناع من الغطرسة البغيضة!

بريطانيا لا تريد مَن يذكرها بـ«الأجساد المشوهة، المذابح التى جرت فى الخنادق والفقر والبؤس والفراغ التى خلفتها الحرب».
بريطانيا لا تريد أن يتحدَّث أحد عن الذين «عبروا» والذين «هبروا» الجنود الذين عادوا إلى الوطن، عادوا محطمين، بينما الغنائم حصدها الذين لم يمس أحذيتهم غبار المعارك.

الرواية تدين كل ذلك، وتفضح بأدق وصف وأنصع بيان جنون الحرب وخبل قادتها الذين لا يروى عطشهم سوى الدم، ما دام الدم هو دم الآخرين وليس دم أولادهم أو أقربائهم أو حتى أبناء طبقتهم.

بريطانيا راعية الديمقراطية وناشرة التحضُّر تريد دفن عورتها تحت تراب النسيان، ولذا لا تريد أن يكشف سترها أحد، حتى لو كان هذا الأحد من أبنائها، وحتى لو كانت آلة الكشف رواية.

أبناء الزبالين الإنجليز

قبل أسبوعين، تجرَّأ وزير العدل المصرى السابق وتكلَّم فى المسكوت عنه، عندما أكد فى مقابلة تليفزيونية، أن أولاد الزبالين لن يصبحوا قضاة، هاجت الدنيا وتقدّم الوزير باستقالته.

أبناء الزبالين فى بريطانيا كانوا هم أولاد المناجم، يا لجنون وقسوة وعتمة وظلم مناجم الفحم الإنجليزى.
منهم عشيق الليدى شخصيًّا، حارس الغابة والأب الحقيقى لوريث آل كليفورد.

الرواية فى عمقها تتحدَّث عن هؤلاء، عن نظرة السادة لهم، عن اختفاء الطبقة الوسطى بعد الحرب، هناك طبقتان فقط، السادة المالكون وعمال المناجم.

القصة أعقد وأشد مرارة من نظيرتها المصرية، فى مصر تطفو العنصرية والتمييز فوق السطح أحيانًا، ولكن فى عمق الشخصية المصرية لن تعثر بسهولة على برجوازى مصرى يقسم بالمصحف أو الإنجيل على أن السائل الذى يجرى فى عروق أولاد الزبالين اسمه المازوت، هذا النموذج ليس موجودًا فى مصر، لكنه فى بريطانيا، لورانس كان مكدسًا على الطرقات، المالكون كانوا فى دخيلة أنفسهم يؤمنون بأنهم إن جرحوا واحدًا من عمال المناجم فلن يسيل منه الدم، سيسيل منه شىء ما، لكنه حتمًا ليس الدم المعروف، وذلك لأنهم يؤمنون بأن عمال المناجم كائنات من مخلوقات الله مثل الفئران والصراصير وباقى الهوام والزواحف، ولكنهم ليسوا بشرًا على صعيد كان، حتى ولو كانت لهم أسماء البشر وملامح البشر.

كانت كونستانس ترى كل ذلك وتخافه، وكانت تسأل زوجها كليفورد، وهو من ملاك المناجم: إلى متى؟
كان فى كل مرة يراوغها ولا يقدّم إجابة شافية.

لكنها ذات ليلة نقلت إليه خوفها من انتفاضة عمالية تهدم بريطانيا من أدناها إلى أقصاها، خصوصًا والزمن كان زمن الثورة البلشفية، فما كان منه إلا أن صرخ فى وجهها وهو الهادئ دائمًا: هذا سيتمر ويتواصل إلى نهايات الحياة، هؤلاء لن يتقدّموا ولن يترقّوا حتى لو تعلّموا، هؤلاء خلقوا لكى يعيشوا الحياة التى يعيشونها، هكذا عاش أجدادهم وهكذا سيعيش أحفادهم.

تترك كونستانس كليفورد وتحاول مع باركين، عشيقها وأبو جنينها، تغريه بأن يهربا معًا إلى عالم جديد وإلى بداية جديدة، لكنه يرفض بإصرار ويضحك بمرارة، شارحًا أصل القضية.

هو لا يحس معها بأنه رجلها إلا فى اللحظات الخاصة، بعدها تعود الأمور إلى طبيعتها، هى المالكة وهو ابن المناجم، الموضوع ليس موضوع ثراء وفقر، إنه أعقد من ذلك، طبقة كونستانس سحقت بل محقت على مدار أجيال طبقة باركين، تحوَّلت طبقة باركين إلى نوع من الصراصير التى لها ملامح بشرية، لكن الصرصار يدرك أنه صرصار وليس له الخروج من كومة النفايات التى يعيش بداخلها.

هذان هما السببان اللذان جعلا بريطانيا العظمى تطارد رواية على مدار ثلاثين سنة، ولكن بفضل نضال ومقاومة عمال المناجم أصبحت بريطانيا ما هى عليه اليوم، نحن هنا نشكّل لجان خبراء مثلهم لقتل الكتب، وقد تشرق شمسنا ذات صباح فنجد ابن زبال على مقعد وزير العدل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق