الاثنين، 9 مايو 2016

كشف حساب الرئيس






                                   
وقف السيد رئيس الجمهورية ، يوم الخميس الماضي في الفرافرة أمام حشد من الإعلاميين وكبار رجال الدولة وقال : إنه سيقدم في مطلع يونيو القادم كشف حساب عن السنتين الماضيتين اللتين تولى فيها رئاسة الجمهورية .

عزم الرئيس على تقديم كشف الحساب خطوة محمودة نشكرها له ، ونتمنى لو قدم كل مسئول كشف حسابه لكي تعرف الأمة ليلها من نهارها .

وإسهامًا منى في إثراء كشف الرئيس وتغذيته بالمعلومات التي أراها مهمة سأقدم كشفًا لحساب فخامته من واقع كوني مواطنًا يعيش تحت حكم نظامه .

تمتع الرئيس بشعبية فوق الخيال ، حتى من قبل ترشحه للرئاسة ، فقد طلب من الجماهيرـ عندما كان وزيرًا للدفاع ـ  النزول إلى الشوارع لكي تفوضه في محاربة الإرهاب ، وقد استجابت الملايين لمطلبه وفوضته فعلًا.

أزعم أن الرئيس قد أساء فهم التفويض ، وتعامل معه بوصفه شيك على بياض ، فإن كنا ـ بفضل الله ـ ثم بجهود الجيش والشرطة قد شهدنا تراجعًا جيدًا جدًا في معدل  العمليات الإرهابية إلا أننا حتى الساعة لم نشهد تصفية بؤر ما تزال تعمل ضد حاضر الأمة ومستقبلها .

إذن مضمون التفويض يكاد يفقد معناه الحقيقي ، خاصة والرئيس لا يستمع لأغلب الذين فوضوه .

فاز الرئيس بالرئاسة بأغلبية كاسحة لم يتمتع بها رئيس قبله .

فهل حافظ الرئيس على جماهيريته وشعبيته ؟.

لست مركز أبحاث لكي أقدم أرقامًا ولكنني رجل شارع يسمع ويرى ويناقش ويشعر بما يجري حوله ويمتلك قراءته الخاصة لمجمل الشأن العام ، وعلى ذلك يظهر لي أن شعبية الرئيس قد تراجعت بمعدل خرافي ، وسيكون الأمر طيبًا للغاية لو كان يتمتع الآن بنسبة 10% من مجمل الذين صوتوا له .


لم يسبق في التاريخ المصري أن دعا الحاكم شعبه إلى اكتتاب بالمليارات لإقامة مشروع عام واستجاب الشعب ، فعلها السيسي وقدم له الشعب في تسعة أيام أكثر من ستين مليار جنيه .

إذن التأييد كان جارفًا والثقة كانت مكتسحة والمحبة أظهر من أن يشير إليها أحد ، ومع ذلك جرى إنفاق المال على مشروع  ظهر بعد البدء في تنفيذه أنه لم يكن ملحًا وإن ثمة مشاريع أخري كانت أولى وأجدر بالإنفاق عليها ، ولكن يحسب للسيسي في كل الأحوال أنه استطاع انجاز مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس ولعل الريح تأتي بما تشتهي السفن ويثبت المشروع جدارته في دفع الاقتصاد المصري إلى الأمام .


  ضاق الرئيس بالإعلام الذي لا يطمح لأبعد من سقف النقاش والمشاركة في طرح وجهات نظر غير التي يتبناها الرئيس ، وقد ظهر ضيقه واضحًا في مناسبات عديدة ، مما جعل نظامه بأكمله يشن حربًا غير مسبوقة على كل ما هو إعلام ، فرأينا مناخًا عامًا طاردًا وعدائيًا لمعظم الوجوه الإعلامية التي تتشوق إلى مجرد النقاش ، بدأت الحملة ضد باسم يوسف ثم تواصلت فطالت أسماء ريم ماجد ويسري فودة وصولًا ليوسف الحسيني ، وقد أصبح الوضع صعبًا حتى أن بعضهم قد تجنب عناء المحاولة ومكث في بيته من تلقاء نفسه مبتعدًا عن شاشته أو جريدته .


منذ جري تأسيس نقابة الصحفيين قبل خمسة وسبعين عامًا لم تتعرض لمهانة كتلك التي تعرضت لها علي يد نظام حكم السيسي ، فلأول مرة في تاريخ مصر يتم حصار النقابة بجماعات من البلطجية المستأجرين المدعومين بحماية الأمن ، ثم يجري اقتحام النقابة والقبض على صحفيين كانا معتصمين بها .

السيسي هو أول حاكم في تاريخ مصر يباغت شعبه بأنه قد أعاد ترسيم حدود الوطن البحرية ، مما أسفر عن وقوع جزيرتي تيران وصنافير تحت الملكية السعودية .


لم يشاور الرئيس أحدًا في هذا الإجراء الخطير جدًا ، بل تبرع نظام حكمه وقدم ما يزعم أنه مستندات تؤكد ملكية السعودية للجزيرتين ، بل خطا خطوة لا سابق لها عندما شن حملة اعتقالات وتشويه وتخوين لكل الذين قالوا إن الجزيرتين مصريتان ، وأحدث اسم جري تخوينه  كان المحامي مالك عدلي المقبوض عليه بتهمة الترويج لمصرية الجزيرتين.


منذ كان لنا اقتصاد وطني  لم يكسر الدولار الأمريكي حاجز السبعة جنيهات ونصف الجنيه ، ولكنه كسره في حكم السيسي وظل يكسره حتى حطمه تحطيمًا قافزًا إلى قرابة الاثني عشر جنيهًا مقابل الدولار الواحد ، ولقد أصبحنا نهلل فرحين عندما تبشرنا جرائد الصباح أن الدولار قد تراجع أمام الجنيه مسجلًا عشرة جنيهات وستين قرشًا .


لم يحدث في تاريخ الإعلام أن أذاعت قناة تسجيلات خاصة لمواطنين بدون حكم قضائي ، ولكن هذا حدث في زمن السيسي في خرق فاضح لأبسط مبادئ الدستور ، ولم يتم ـ ولو عتاب ـ لمذيع التسجيلات .


9 ـ الإخوان الذين يجب على مصافحهم عد أصابعه بعد مصافحته لهم  يشيعون أن عدد المعتقلين يتجاوز الأربعين ألف معتقل ، ولم نسمع تكذيبًا مدعومًا بالأدلة من أي جهة رسمية ، حتى أن كاتبًا صحفيًا هو الأستاذ حمدي رزق كتب مرات يناشد المسئولين تكذيب أرقام الإخوان بأدلة قاطعة ولكن لم يلبي أحد مناشداته ، هذا رغم وجود اعتراف رئاسي بأن هناك بعض المظلمين في الحبس .


10 ـ  الرئيس هو أول رئيس مصري يخترع لغة ملغزة لا يعرف الشعب فك شفرتها ، فنحن لا نعلم على وجه القطع واليقين من هم أهل الشر الذين يكيل لهم الهجوم في كل خطاب من خطاباته .

11ـ لغة الرئيس الملغزة هذه تغذي أكذوبة المؤامرة الخارجية التي تقودها أمريكا ، ثم نري الرئيس وهو يستقبل خمسة من أكابر الدولة الأمريكية خلال شهر أبريل الماضي ، ونسمع التصريحات الدالة على حيوية العلاقات ومتانتها وأهميتها.


12 ـ توحشت في عهد الرئيس جماعة شرطية ، هي طائفة أمناء الشرطة ، بحيث لا يكاد يمر أسبوع حتى يرتكب أمين شرطة جريمة في حق أحد المواطنين ، بداية من ظلمه ونهاية بإطلاق الرصاص على صدره .


13ـ كل حاكم مصري يكون معنيًا في المقام الأول بأمرين ، الوحدة الوطنية بين طرفي الأمة ، والحفاظ على تدفق النيل .

في الأمر الأول نلاحظ نجاح نظام الحكم في الحفاظ على حدود معقولة يمكن البناء عليها في منظمة الوحدة الوطنية ، ولكن في الأمر الثاني وهو أمر حياة أو موت ، لم نشهد سوى الفشل المرعب ، فحتى اللحظة يتواصل بناء السد الأثيوبي الذي ينذرنا بالموت لا بالعطش فحسب ، متى تم تخزين مليارات الأمتار من المياه التي حتمًا ستخصم من الموارد القادمة إلينا من المنبع .

13 ـ الارتباك الرسمي تجاه معالجة أي حادث كان ، ولو رجعنا إلى حادث مهم وخطير مثل مقتل الباحث الإيطالي ريجيني ، سنجد روايات متضاربة ومتناقضة وبعضها مضحك لا يصمد لأي نقاش جاد ، وهذا الارتباك  يجعلنا نظهر أمام الآخرين بمظهر الدولة الفاشلة الفاشية .

14ـ يتحدث الرئيس دائمًا عن انجازاته لمشاريع قومية عملاقة في عامين فقط بينما نحن المواطنين لا نرى ثمرة تلك المشاريع ولا نحس تجاهها بأي أمل حقيقي في أن تصبح عملاقة فعلًا وتأخذ بأيدينا  إلى الأمام  .

وبعد هذا هذه المساهمة السريعة يبقي التأكيد على أن أول الشفاء لا يكون إلا بعد الاعتراف بوجود المرض ، وبالحق نحن مكبلون بأمراض شتى ، فاللهم اشفنا برحمتك ولطفك .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر فى جريدة المقال بتاريخ 9 مايو 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق