الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

طبل السيسي في خمس دقات






تعد مشكلة الرئيس السيسي مع الإعلام بمختلف وسائله من المشاكل القديمة جدًا ، فمنذ خطابات شهر العسل ولقاءات التودد كان الرجل يقول :" إن الإعلام هو الذي ساند عبد الناصر لكي ينجز ما أنجزه ".


كثيرًا ما ألح السيسي على تلك الرؤية بألفاظ وطرق تعبير مختلفة ، ولكن بقي جوهر الرؤية واحدًا ، هو لا يريد معارضة إعلامية من أي نوع كانت هو يؤمن أن الإعلام المؤيد سيحقق الانتصارات ويؤمن أن الإعلام المعارض سيفكك البلد !!.

ثم تفاقمت الحالة  حتى وصلت إلى الكراهية الواضحة وعبر هو عن تلك الكراهية بأسلوبين يظنهما المتعجل متناقضين .


الأول هو تسخيف الإعلام ـ خاصة المرئي ـ منه وتشويه رسالته وذلك بفتح الباب لكي من هب ودب لكي يخوض في أعراض الناس وشرفهم الوطني ، وراجع أنت قائمة طويلة إن بدأت بريهام سعيد فلن تنتهي بمرتضى منصور .


الأسلوب الثاني كان غضبه المعلن من أدني نقد يوجه إليه أو إلى سياساته .


والمثال الحاضر الآن هو غضبه من كلمة عابرة قالها خالد أبو بكر المحامي الذي يعمل في برنامج يذاع على قناة مشفرة .


غضبة السيسي كشفت عن أمور مرعبة  .

1ـ أفق السيسي السياسي بل الإنساني ضيق للغاية ، يكاد لا يتسع إلا لتصوراته هو عن نفسه ، وذلك لأن أبا بكر من أكابر مؤيديه وكان في جملته العابرة يمارس تطبيلًا مقنعًا، وذلك كأن تقول مثلًا :" فلان مقصر في الحرب لأنه لم يقتل بمفرده سوى ألف من جنود العدو، وذلك لأنه كان يحارب بمفرده، ولكن رغم كونه يحارب بمفرده فقد كان أملنا أن يقتل ألفين أو ثلاثة !!".


السيسي لا يريد كلمة مقصر حتى ولو كانت غطاءً لنفاق فج وتطبيل أعلى من طبل كل الدنيا .

فإن كان سمع كلمة خالد ولم يلاحظ تطبيلها فتلك مصيبة، وإن كان الذي نقلها له لم يستوعبها فالمصيبة أعظم .


والمضحك بل المحزن في تلك النقطة أن جريدة الشروق نشرت في عددها الصادر صباح الثلاثاء الثالث من نوفمبر الجاري تعقيبًا لأبي بكر علي خطاب السيسي ، وكان تعقيب أبي بكر مضحكًا جدًا وآية من آيات التطبيل ، فقد قال ما ملخصه :" إن الخطاب كان يهدف إلي تعليم الشعب المصري طريقة التفكير السليمة وكان خطابًا سهلًا مفهومًا ولعله أنجح خطابات الرئيس ". ضع ما شئت أنت من علامات التعجب !!


2ـ السيسي يريد إعلامًا على مزاجه الخاص وقد ضرب هو المثل الذي يريده في خطابه الأخير، وذلك عندما تحدث عن كارثة غرق الإسكندرية، لقد هوّن منها حتى كأنها لم تكن وقال إن الأمر قد عاد إلى طبيعته بعد أقل من 24 ساعة !!

يعني هو لا يعد بأكثر من نزح المياه كلما غرقت البلاد، ويريد من الإعلام أن يطبل للقوات التي تقوم بهذا العمل الذي يقدم حلًا مؤقتًا لكارثة مقيمة، وليس مسموحًا لأحد بأن يتحدث عن بنية تحتية منهارة ولا عن فساد ممنهج ومنظم يخرب المحليات.


ثم وسبحان العلي القدير عادت الإسكندرية لتغرق مجددًا صباح الأربعاء الرابع من نوفمبر !!

فهل سيعتذر السيسي عن تهوينه واستخفافه بالأمر ثم يبدأ في إصلاح جاد لبنية أساسية منهارة أم سيأمر القوات برفع المياه انتظارًا لغرق جديد ؟؟


3ـ السيسي فقد الثقة بنفسه وبجماهيره وبمؤيديه ولذا لا يريد سماع كلمة اعتراض واحدة لأنه يدرك أنه لن ينجز شيئًا حقيقيًا ينهض بالبلاد .

4ـ  كل خوض في أعراض الناس وفي شرفهم الوطني يتم تحت عين وسمع الرئاسة، والرئاسة لن توقفه ولن تحرك ساكنًا، ولكن إذا أظهر أحدهم شيئًا من التطبيل الخفي المقنع جرتْ مهاجمته على الملأ لكي يكون رأس الذئب الطائر ويكون عبرة لمن يعتبر .


5ـ السيسي مقتنع جدًا بأن سياسة تكميم الأفواه ستصرف الأنظار عن فشل سياساته التي لم تقدم حتى الآن دليلًا واحدًا على أنها جادة في اتخاذ أي خطوات إصلاحية حقيقية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر المقال بموقع البداية بتاريخ 4 نوفمبر 2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق