الاثنين، 30 مارس 2015

في عيد الأم قدموا التهاني للأم الاستثنائية .. مريم عليها السلام





سيدتي ، كانت المعجزة  تشملك حتي وأنت نطفة تتخلق في بطن أمك :" رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".

استجاب  الرب الخالق لدعاء أمك التي كانت تشتهي ولدًا يجد كامل حريته في خدمة البيت المقدس ، ولأنه تعالي يعلم كيف ستمضي الأمور فقد جعلك أنثي ، تري هل منيت آمال أمك بالخيبة ؟.

لحظة إشراقك الأولي علي أرضنا قالت أمك :" رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ".

هل في الأمرة نبوءة ما نطق بها وجدان أمك ؟ هل كشف الرب الخالق عنها حجب الغيب فرأت كيف ستصير ذريتك ؟.

من مهد طفولتك  تنطلقين يا سيدتي إلي البيت المقدس ، تعلم أنك لست كغيرك ، أنت بنت الصالحين وبنت بيت النبوة ، أنت منذورة للحصول على كامل الحرية في الخضوع للرب الخالق ، مشفق أنا عليك يا سيدتي ، أعرف عنك ما لم تكوني تعرفينه عن نفسك في زمن حضورك علي أرضنا ، أعرف غمز ولمز كهان البيت تجار الدين الذين يريدونها تجارة لا عبادة ، يرون سموك وترفعك ، يغيظهم انصرافك عن الدنيا كل الدنيا ، سيحاربون ولدك وحبيك حتي الرمق الأخير ، سيكذبون عليه ويزورون شريعته ، سيتحالفون مع عدوه ويقتلون شيعته .

هل جال شيء من هذا في خاطرك سيدتي ورزق السماء يأتيك بغير حساب ؟.

لقد تعجب من حالك زكريا وهو من هو فكيف بهؤلاء غلاظ القلوب ؟.

سيدتي بعد ذهابك عن دنيانا بمئات السنيين سيخلدك قرآن الرب الخالق ، سنعرف منه كم أنت استثنائية ، سنعرف منه وجعك من الفضيحة وخوفك من غلاظ القلوب مفتتي اليقين :"

وَاذكُر فِي الكِتابِ مَريَمَ إِذِ انتَبَذَت مِن أَهلِها مَكانًا شَرقِيًّا ﴿١٦﴾ فَاتَّخَذَت مِن دونِهِم حِجابًا فَأَرسَلنا إِلَيها روحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا ﴿١٧﴾ قالَت إِنّي أَعوذُ بِالرَّحمـنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا ﴿١٨﴾ قالَ إِنَّما أَنا رَسولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا ﴿١٩﴾ قالَت أَنّى يَكونُ لي غُلامٌ وَلَم يَمسَسني بَشَرٌ وَلَم أَكُ بَغِيًّا ﴿٢٠﴾ قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحمَةً مِنّا وَكانَ أَمرًا مَقضِيًّا ﴿٢١﴾ فَحَمَلَتهُ فَانتَبَذَت بِهِ مَكانًا قَصِيًّا  ".

أرى الآن خوفك ووحشتك ، أنت الطاهرة ، الأطهر من ماء السماء ، أنت خادمة الرب الخالق ، لا أم ولا خالة ، وحدك تعانين ألم طلق الولادة ، لا تشكين من ألم الولادة قدر شكواك من مهانة الفضيحة ، تتمنين الموت يا طاهرة :" فَأَجاءَهَا المَخاضُ إِلى جِذعِ النَّخلَةِ قالَت يا لَيتَني مِتُّ قَبلَ هـذا وَكُنتُ نَسيًا مَنسِيًّا ".

لم تجرب أنثي قبلك ما جربته ، ولن تذق أنثي بعدك ما ذوقته ، أنت الاستثناء يا طاهرة.

أنثي بمفردها تواجه العالم ، كل العالم ، شابة بلا رجل ولا زواج تلد طفلًا ، ليس لها سوى الرب الخالق ، تؤمن أنه لن يدعها فريسة للكهان ، تسير إليهم حاملة طفلها النوراني ، هي فقط تصدق أنه نور ، سيصرخون في وجهها :" يَا مَريَمُ لَقَد جِئتِ شَيئًا فَرِيًّا﴿٢٧﴾ يا أُختَ هارونَ ما كانَ أَبوكِ امرَأَ سَوءٍ وَما كانَت أُمُّكِ بَغِيًّا ".

تعود المعجزة القديمة لتشملها ثانية :" فَأَشارَت إِلَيهِ قالوا كَيفَ نُكَلِّمُ مَن كانَ فِي المَهدِ صَبِيًّا ﴿٢٩﴾ قالَ إِنّي عَبدُ اللَّـهِ آتانِيَ الكِتابَ وَجَعَلَني نَبِيًّا ﴿٣٠﴾ وَجَعَلَني مُبارَكًا أَينَ ما كُنتُ وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا  ".

رغم أنوفهم سيسكتون عنك زمنًا ، لكنهم لن يتركوا ابنك حبيبك ، سيشنون عليه حربًا لن تهدأ ساعة من ليل ولا من نهار ، هل تمزق قلبك شفقة عليه وأنت ترضعينه وتبثين فيه معجزتك القديمة ، هل رأيتهم وهم يتأمرون علي دعوته الإلهية ؟ .

هل رأيته يخاطب بني إسرائيل لكى تلين قلوبهم :" أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49) ".

ثم رفع الله ولدك الحبيب فكيف مضت حياتك بدونه ؟

كل عيد أم وأنت  يا مريم الطاهرة سيدة نساء العالمين  ، أنت لست أم المسيح وحده ، أنت أم كل يتيم و كل حر وكل شريف وكل ثائر وكل صالح وكل مضطهد وكل سجين وكل مُعَذَب ، أنت سيدة نساء العالمين  الاستثنائية ، عليك وعلي ولدك الحبيب السلام .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير بتاريخ 21 مارس 2015

هناك تعليق واحد:

  1. صحيح؛ سيدة ساء العالمين؛ بعدها أذكر ستنا هاجر التي تركها أبو الأنبياء وحيدة بالصحراء: "آالله أمرك بهذا؟ إذا لا يضيعنا"!

    ردحذف