بعضهم يُهدّف بعد ضربة البداية مباشرة ، هل يبدو إسراعهم بالتهديف صراعًا
ضد زمنٍ يعلمون أنه لن يكون طويلًا ، هل في الأمر نبوءة ما ؟.
علي رأس هؤلاء النادرين يقف أحمد زكي ، هدّف عندما قدم نفسه للعالم بوصفه
أحمد زكي عبد الرحمن ، ليس ثمة واسطة وليس ثمة اعتماد علي اسم فني رنان ، هو أحمد
زكي وفقط ، بسمرته وبشعره المجعد الذي غادر به مدينته الريفية الصغيرة .
ولأنه نادر ، فلم يستطيعوا له كسرًا ، كان المرشح الأول بل الأوحد ليقف
أمام السندريلا سعاد حسني بطلًا لفيلم الكرنك ، رحب الجميع به بطلًا خاصة وقد
شاهدوا علامات تميزه وتفرده ، ثم فجأة وقبل أن تدور الكاميرا ، أكتشفوا ويا للعجب
سمار بشرته !!
وقال فظ منهم :" إنه أسود ، وليس لأسود ذى شعر مجعد أن يقف أمام
الفاتنة سعاد !!!!!!!!!!!".
تلكم ضربة تقصم ظهور العاديين من البشر ، وهم الأغلبية من بني آدم ، ماذا
سيصنع الإنسان بلون بشرته ؟ كيف يقشر الإنسان نفسه وروحه وتضاريس قلبه لكي يرضي به
الأفظاظ .
أسئلة كهذى لا يطرحها الفرد الفذ علي نفسه ، إنه سيعض علي شفتيه ويرسل
عينيه لتقرأ ما هو آت ، سيقف أمام سعاد ليس مرة واحدة بل مرات ، وفي بعض الأفلام
وقفت هي أمامه لتقتبس من وهج تفرده .
كان الزمان زمان ارتباك ، الوطن كله وبأمر مباشر وصريح من حاكمه يخلع عباءة
الستينيات المنسوجة من المعاني والأحلام ليدخل عاريًا إلي نفق انفتاح "
السداح مداح ".
أيامها كان كل شيء له معني ومذاق ونكهة ورائحة يتراجع ، نبت في ذلك الزمان
نجمان ، الشيخ كشك بشرائطه الصوتيه وبشتائمه الشعبية التي كان يطلقها من فوق
المنبر تجاه الفن وكل الحياة ، وأحمد عدوية بصوته الأجش وبكلمات أغانيه المفارقة
لما هو مألوف ، كان زكي يستطيع أن يكون النجم الثالث ، لو أعتمد علي سمرته وشعره
المجعد ، لو قدم نفسه بوصفه الفحل الأسود الذي يقبل الشقروات ، لوصنع كارت بوستال للريفي
الذي يعاني من البلهاريسا ثم يتسيد القوم .
زكي كان صاحب بصيرة مضيئة ولذا قدم سمرته وتفرده إلي الذين يتذوقون النكهات
النادرة من مخرجين ومنتجين ، صعدوا به وصعد بهم إلي سموات من الفن العالي الذين
يناطح الزمان ، وستمر السنوات وتبقي جملته الخالده في " أحلام هند وكاميليا
" مصيرها تروق وتحلي ، تبقي الجملة شارة نصر تلوح في الافاق وأن توارت بفعل
رياح معاكسة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير بتاريخ 28 مارس 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق