زمان.. أيام ما كان في القلب متسع للدهشة كانت إذاعة البرنامج العام تذيع مسلسلاً اسمه "المماليك" تدور أحداثه حول معركة "عين جالوت" وما كنت أتابع حلقاته إلا لأضبط "إيقاع" مراهقتي علي ضحكات بطلته "جنة" أو "عايدة كامل".
وذهب زمن الاستماع إلى الراديو ومضت أيام المراهقة ــ ليتها دامت ــ وبقى لي من المسلسل شيئان.. الأول هو "بحة" صوت عايدة كامل. أما الثاني فهو الشيخ "عبدالعال" أحد أبطال المسلسل، هذا الرجل المتبحر في علوم الدين العارف بخصائص الشعوب المجادل لعلماء عصره، المتفوق على الجميع بعلمه وشجاعته الشيخ "عبدالعال" كما قدمه المسلسل ضاق بهزائم العرب أمام التتار فهجر دنيا الناس ولجأ إلي إحدى مغارات جبل المقطم لكي يتخلص من شواغل الدنيا ويعبد الله بقلب خالص..
ولما طال ليل الهزائم تلمس المصريون الطيبون شمس علم الشيخ فبحثوا عنه حتى عثروا عليه في مغارته وراحوا يطالبونه بالعودة إلى مصر المحروسة لكي يقود بعلمه وشجاعته كتائب الدفاع عن الوطن ضد التتار الغزاة.. رفض الشيخ مطلب أهله المصريين لأن جسده لا يتحمل أكثر من إقامة الصلاة.. فما كان من المصريين إلا أن قالوا للشيخ: طالما أنك لن تقودنا فارسم لنا خطة الدفاع عن الوطن.. فأجابهم الشيخ منتحبًا: يا أهلي المساكين آه من التتار الكفرة إنهم أقسى من الصخور وأقوى من النيران وأكثر من الرمال.. إنهم يشربون دماء الأطفال ويبقرون بطون الحوامل وظل الشيخ يردد التتار.. التتار.. التتار حتى استولى الرعب على قلوب المصريين وراح كل رجل يقول لصاحبه: سيدنا الشيخ مكشوف عنه الحجاب وتأكيداً هو يعلم مدى قوة التتار وعلينا الآن البحث عن وسيلة نصالح بها التتار.
كلام الشيخ جعل "فيران" الشك تلعب فى صدور أولاد البلد فراحوا ينبشون في تاريخ الرجل ويخلعون عنه ثياب القداسة ولم يتوقفوا حتى كشفوا عن مفاجأة تشقق لها قلبى الطفل.
الشيخ لم يكن سوى جاسوس جنده التتار لينشر الرعب في قلوب المصريين. والآن لا أدري لماذا كلما أجبرتني الظروف علي الاستماع إلى الشيخ التليفزيوني وهو يحض ويحرض الناس على "احترام" الجهل.. أو وهو يخطب فيهم عن علماء الغرب الذين سخرهم الله لنا كما سخر الحمير لنقل السباخ.. أو وهو يصرخ اتركوا اليهود يهاجرون إلي فلسطين لكي يتحقق وعد الله لنا ونقضي عليهم بضربة واحدة في معركة واحدة.. أو وهو يصرخ ــ مراراً ــ أنه سجد لله شكرًا على هزيمة بلده.. أو وهو يصرخ ــ مؤخرًا ــ أن أعظم علماء القرن تلميذ خائب .
لا أدرى ــ والله أعلم ــ لماذا أتذكر "الشيخ عبدالعال" وأصرخ أين راحت "فيران" الشك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 7 مايو 1997
الشيخ لم يكن سوى جاسوس جنده التتار لينشر الرعب في قلوب المصريين. والآن لا أدري لماذا كلما أجبرتني الظروف علي الاستماع إلى الشيخ التليفزيوني وهو يحض ويحرض الناس على "احترام" الجهل.. أو وهو يخطب فيهم عن علماء الغرب الذين سخرهم الله لنا كما سخر الحمير لنقل السباخ.. أو وهو يصرخ اتركوا اليهود يهاجرون إلي فلسطين لكي يتحقق وعد الله لنا ونقضي عليهم بضربة واحدة في معركة واحدة.. أو وهو يصرخ ــ مراراً ــ أنه سجد لله شكرًا على هزيمة بلده.. أو وهو يصرخ ــ مؤخرًا ــ أن أعظم علماء القرن تلميذ خائب .
لا أدرى ــ والله أعلم ــ لماذا أتذكر "الشيخ عبدالعال" وأصرخ أين راحت "فيران" الشك ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الدستور ــ 7 مايو 1997
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق