الاثنين، 17 نوفمبر 2014

إنها مجرد زمالك




عندما قررت الدولة قبل أكثر من عشرين عامًا إنشاء مترو الأنفاق، وجدتْ ترحيبا لافتا من كل طوائف المجتمع، وحصدتْ تضحيات من الذين أضيروا من مسار المترو على مختلف مراحله، وظل الأمر كأنه من المعلوم من الدين بالضرورة لا يختلف عليه اثنان، حتى قررتْ الدولة «لا الحكومة» إنشاء المرحلة الثالثة من الخط الثالث التى ستربط بين حى إمبابة ومطار القاهرة الدولى، هنا قامتْ الدنيا ولم تقعد بعد، وذلك لأن مسار المرحلة يتطلب مرور المترو بأرض حى الزمالك.


جماعة لافتة من سكان الحى قالوا مرارًا وتكرارًا: «المترو لن يمر بأرضنا إلا على جثثنا!!!!!!!!!».


بل تطوعتْ سيدة من ساكنات الحى، وقالت: «الذى سيحفر فى أرضنا سندفنه فيها!!!!!!!!!!!!!».


سخونة التصريحات إضافة إلى الحشد الإعلامى، الذى نجح الزملكاوية «نسبة إلى الحى وليس فريق كرة القدم» جعلا الحكومة تهتم بالأمر بشكل استثنائى، فقامتْ مشكورة بعقد جلستى استماع مع السكان، وشرحتْ لهم أهمية مسار المترو فى تلك البقعة تحديدا، واستمعت بصدر رحب إلى كل حجج السكان، لكن تصلب السكان أدى إلى فشل الجلستين.

مر المترو بكل أراضى وسط العاصمة، ولم يعترض أحد، رغم ما قيل يومها من أن مرور القطارات قد يهدد أساسات المبانى التاريخية، ومر المترو من أمام مبانى جهات سيادية، ولم يعترض أحد، بل هناك تفكير جاد من الدولة لكى يصل المترو إلى مدينة 6 أكتوبر، وقد تمر القطارات بالقرب من الأهرامات وأماكن سياحية وحضارية غاية فى الحساسية والخطورة، ولم يعترض أحد.


لكن سمعنا الاعتراضات الحادة التى وصلت إلى حد التهديد العلنى من سكان الزمالك «أكثريتهم للإنصاف» الذين يتصرفون وكأن على رأسهم ريشة، بل بعضهم يتحدث وكأن قلبه قد طبعت عليه شارة العنصرية، فهو يتكلم من منطلق أن الزمالك شىء، وباقى أرجاء الوطن شىء آخر، وما يجوز على بولاق وإمبابة ووسط العاصمة لا يجوز فى حق المنطقة الراقية المسماة بالزمالك.


هذا المنطق العنصرى المختل، فضلا عنه أنه لا يراعى مصلحة الوطن، فهو يزعم لنفسه طائفة من الأكاذيب العريضة التى لا يسندها ولو حجر من الحقيقة.


من قال إن الزمالك هو أرقى أحياء مصر؟

أين هو هذا الرقى المزعوم فى أى بقعة من بقاع مصر؟

كلنا فى الهم شرك، وأكوام القمامة كما تجدها فى أى حى من أحياء الفقراء ستجدها فى أفخم شارع من شوارع الزمالك، فبأى حق يتفاخر الزملكاوية برقى حيهم؟


ثم «وهذا عجيب جدا» اقترح سكان الحى الراقى حلًّا وسطًا «سيحل ظهر الدولة لو أخذت به»، وهو قبولهم مرور القطار أسفل أرضهم دون أن تكون هناك محطة للركاب!

هل هناك غطرسة وتحد للدولة أشد وأقسى من هذا؟

حجة الزملكاوية أن منطقتهم ذات طبيعة خاصة وعلامات متميزة!

وهذه الطبيعة تحتم عليهم منع أبناء الشعب من الصعود أو الهبوط بأرض الزمالك المقدسة «وكأنهم يقولون هى الزمالك هتّلم!!».


حجة الطبيعة المختلفة لو قمنا بمد الخيط إلى منتهاه قد يستند إليها كل الشعب لمنع الدولة من إقامة مشروعات لا تروق لجماعات الضغط فى أى منطقية كانت، فمن الذى سيمنع السيناوى مثلا وتحت نفس الشعار من أن يحول دون إقامة مطار عسكرى فى سيناء؟


على الدولة أن تنظر حولها فتجد كل عواصم العالم بها مناطق متميزة، ومع ذلك لا تتكبر ولا تتغطرس بدعوى عنصرية ضد شعبها، وعلى الدولة أن تكف عن رخاوتها، وتقيم محطة مترو الزمالك رغم أنف فلان وفلان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة التحرير في 17 سبتمبر 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق