مذكرات الفاجومى.. الشارع الذى علم عم نجم وعلمنا
مرة كنت مدعو لأكلة عدس سيكا عند أحمد فؤاد نجم مضى الوقت ولم يأت العدس السيكا ولا النهاوند، ولكى لا أرجع بخفى حنين قلت أجرى حواراً مع أبو النجوم، الحقيقة لم أسأله إلا سؤالاً واحداً وهم "عم أحمد ما هى مصادر ثقافتك"، بعيد عنك أنا سألته السؤال من هنا وكأن ألف عفريت ركبوا دماغه لقيت رجله مدفوسة فى صدرى وهب مسك زمارة رقبتى وهو يصرخ: "مصادر.. وكمان ثقافتك إيه عايزنى أموت قتيل.. مصادر ثقافتك.. أنت حد مسلطك عليا والله العظيم خسارة فى بدنك العدس السيكا اللى كنت هتطفحه خلاص غور من وشى.. وأنا اللى استاهل أنى بعرف واحد يقولى وفى وشى مصادر ثقافتك".
فين وفين لحد ما هدى عم أحمد ورجعت أنا للسؤال مرة ثانية ولكن بصيغة.. يا عم أحمد أنا قصدى مين اللى علمك.. رد على أهو كدا اتعدل وخلى كلامك موزون.. شوف يا سيدى بعد ما توحد الله وتصلى على سيد الخلق نبينا الكريم.. أنا اللى علمنى وربانى وعرفنى رأسى من رجلى هو الشارع.. أول ما سمعت كلمة "الشارع" قلت الراجل رجع للهلوسة تانى يا عم أحمد شارع إيه بس اللى علمك طيب ما أنا طول النهار فى الشارع ومع ذلك ما تعلمتش منه غير الشتيمة.
مرة تانية رجعت العفاريت ترقص فى عينى عم أحمد يا بنى أنت ناوى تقتلنى شوف لآخر مرة هجاوب على سؤالك الشارع هو اللى علمنى هو وبس ومش ذنبى أن فيه حمير زيك الشارع مرضيش يعلمهم لأنهم ما بيسمعوش كلامه.
خرجت من بيت عم نجم صفر اليدين فلا عدساً أكلت ولا إجابة مقنعة سمعت.. ومرت سنوات تشاجرت فيها مع نجم ألف مرة وصالحته ألف مرة ولعنت جدوده ألف مرة وقبلت تراب قصائده ألف مرة وأنا بعد غير مقتنع بإجابته "الشارع بس هو اللى علمنى،" حتى جاء يوم الخميس 17/5/1993 وفيه اشتريت كتاب "مذكرات الشاعر أحمد فؤاد نجم الفاجومى" ساعة واحدة كانت كافية لقراءة الكتاب ومع الورقة الأخيرة منه ابتسمت فى خجل وأنا أهمهم فعلاً أنا حمار وعم نجم كان على حق لما قال لى الشارع بس هو اللى علمنى، ولكى لا أظهر أمام نفسى بمظهر "الحمار قوى" أحكمت وضع النظارة فوق أرنبة أنفى وقلت عموماً الشارع الذى علم نجم ليس هو الشارع الذى أعيش فيه الآن.
الحقيقة أنا لا أعرف سبباً واحداً يقف وراء تسمية نجم لسيرته الذاتية بالمذكرات، وأغلب ظنى أنه فعل ذلك نكاية فى كل الكذبة من أصحاب الذكريات والمذكرات وكأنه يريد أن يقول لهم هكذا تكون المذكرات وإلا فلا – أول صفحة من مذكرات نجم كتب فيها "الفاجومى" تاريخ حياة مواطن شايل فى قلبه وطن" أما الإهداء فهو قصة وقمة بلاغة الشاعر، كتب نجم "إلى بناتى عفاف ونوارة وزينب يمكن ما تلاقوش فى حياة أبوكو شىء تتعاجبوا بيه ولكن أكيد مش هتلاقوا فى حياة أبوكو شىء تخجلوا منه".. الله على الشارع الذى علم نجم فأحسن تعليمه.
بعد الإهداء يحكى نجم كل مشوار حياته فى قصيدة قصيرة قال فيها:
زى النهاردة من زمان من كام سنة
مافيش لزوم للعد أو للحسبة
أصل الحكاية عد عمرك يا جحا
قال يوم فلس وخمس ستة عكننة
فلس فلس يحيا الفلس والجدعنة
زى النهاردة الست "هانم"
حزقت وقالت بالقليل يا دهوتى
واتجمعوا نسوان حارتنا
يسمعوا صرخة قدومى ويستباركوا بطلعتى
قلة عقول طبعاً وحركات نسونة
لأ والمصيبة إن الجماعة ماشورونيش
ولا حد قال لى إن كنت آجى أو ما أجيش
قال ليه وليه بابا ناغش والدتى
قام شىء حصل بعد المناغشة ما يتحكيش
ولابن العرب فى الشىء دا فن وحرفنة
ليلتها كان الحظ آخر نغنشة
وكلمتين فى ضحكتين بعد العشا
كان القدر جاهز مجهز خبطته
خبط عبط شوفوا العجينة المدهشة
سنين عذاب تمعمها لحظة سلطنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الجيل 24 يناير 1999
رحمة الله عليه كان راجل صادق مع نفسه وهبه الله المقدره على التعبير عن نفسه و من حوله
ردحذفصدقت يا سيدي.. رحمة الله على جميع الصادقين
حذف