الخميس، 5 يونيو 2014

رغم أنه عن خالد بن الوليد ورغم أن كاتبه هو العقاد

عبقرية خالد.. كتاب رقيق عن رجل قوى


لماذا كتب العقاد عبقرياته؟؟

أزعم أنه كتبها ليبرهن عن صحة مقولة آمن بها هى "إن الأمة لا تخلق البطل، البطل هو الذى يخلق الأمة". ومهما اختلفنا مع رأى العقاد فإن اختياره لأبطال عبقرياته سيظل دائمًا موضع ترحيب واتفاق.

ومن بين أبطال العقاد يبرز اسم خالد بن الوليد لأنه وببساطة الاختيار الصعب لقدرات العقاد، وذلك لأن العقاد وليس كغيره من الكتاب أنه رجل صاحب كبرياء يصل إلى حد الغطرسة، وكذلك خالد بن الوليد ليس كغيره من الصحابة إنه القوة والبراعة فى أعنف صورها.. فتأمل معى "قويا" مثل العقاد يكتب عن قوى مثل خالد.

الطبيعي أن يكتب العقاد عن خالد كلمات من صخور وبراكين وسيوف ودروع وزلازل.. إنهما العقاد وخالد قوى يكتب عن قوى.. ألم يكن خالد يقول دائمًا "إن ضرب أعناق الأعداء أشهى عنده من معانقة الحسان".

إنه خالد الذى لم يهزم فى معركة قط.. ثم إنه العقاد الذى ظل يبحث عن بطله حتى اهتدى إلى خالد.. إذن "الفخ" محكم وجاهز وما على العقاد من ذنب إن هو تدفق وانهمر "كجملود صخر حطه السيل من عل"، ولكنه ببصيرة نيره نجا من فخ "القوة" واختار أن يكون هادئًا مثل جدول ماء ومتأملاً مثل شيخ بدوى ورقيقاً مثل فراشة، فراح يرسم بإشفاق "نكبة" آل مخزوم أسرة خالد.

فهذه الأسرة التى اجتمع لها مجد الدنيا دفعت ثمنه كاملاً من لحم أولادها وأكبادهم يقول العقاد: "إن هذه الأسرة الكريمة تكثر فيها عوارض الاختلاف عن جملة الناس فى تركيب الأعصاب خاصة ويشاهد فيها فرد وأفراد تتجمع فيهم عللها حتى تسلمهم إلى الاختلال والاضطراب كأنهم ضحايا الأسرة كلها فى سبيل إنجاب العبقرية منها".

ويضيف العقاد إن الوليد بن الوليد شقيق خالد كان يروع فى منامه وأن خالداً نفسه كان مصاباً بذات الداء وأن عمارة بين الوليد كان مولعاً بالنساء فضلاً عن كبريائه الشديد لدرجة أنه لم يعلن إسلامه وهو أسير بين يدى الرسول بعد موقعة بدر وأعلنه وهو محاط بمشركى قريش بعد فك أسره، ولما سئل عن ذلك قال "كرهت أن يقال أنى جزعت من الإسار"!!

ويقال إن خالد فقد أربعين ولداً له فى طاعون أصاب الشام "هل هناك نكبات أشد من ذلك".

ثم يمضي العقاد متأملاً حياة خالد حتى يصل إلى الفصل الأصعب فيها "عزل خالد" وتخيلوا معى خالد بن الوليد الذى ما جاء إلى الدنيا إلا ليكون قائداً وفجأة يصدر أمر من عمر بن الخطاب يحول إلى مجرد "عسكرى"، بعد أن صدر قرار الإقالة توجه خالد إلى المدينة المنورة وعندما قابل عمر قال له كلمة واحدة "لقد شكوتك إلى المسلمين وبالله إنك فى أمرى غير مجمل يا عمر". قال هذه الكلمة وعاد إلى ميدان القتال مجرد جندى يؤتمر فيطيع.

لم يكن هناك أصعب من خالد أما فى هذا الموقف "الكارثة" فلم يكن هناك من هو أسهل منه، وكذا كان العقاد صعباً أما فى عبقرية خالد فليس هناك أحلى وأسهل منه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت فى جريدة الجيل 24 يناير 1999

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق