الخميس، 1 أغسطس 2013

أين اختفى الطفل المعجزة؟

لم يدلل الرسول أحدًا كما دلل أسامة بن زيد بن حارثة. تقول عائشة: «عثر أسامة على عتبة الباب، فشج جبهته»، فقال الرسول: «يا عائشة أميطى عنه الدم» فتقذرته (شعرت السيدة عائشة بقذارة الدم) فقام الرسول وراح يمص شجته (جرحه) ويقول: «لو كان أسامة جارية (فتاة) لكسوته وحليته».
ويصف أسامة نفسه تدليل الرسول له فيقول: «كان نبى الله يأخذنى فيقعدنى على فخذه ويقعد الحسن بن على على الفخذ الأخرى ثم يضمنا ويقول: اللهم ارحمهما فإنى أرحمهما اللهم أحبّهما فأحبّهما».
وفى يوم النصر الأعظم، فى يوم عودة الحق لأصحابه، يوم عودة الرسول إلى وطنه مكة، كان أسامة رديفه (يركب خلفه الحصان أو الجمل حتى يمس جسده جسد الرسول)، وعندما دخل الرسول إلى الكعبة بعد رحلة شوق دامت سنوات لم يصطحب معه غير أسامة بن زيد وبلال بن رباح.
وحدث أن أفتقد الرسول أسامة فأخر الإفاضة من عرفات وظل ينتظر والناس معه ظهور أسامة، فلما ظهر أسامة قال بعض أهل اليمن: «إنما حبسنا من أجل غلام أسود أفطس».
ولبس الرسول يوما عباءة فاخرة، وخطب الجمعة وهو يرتديها فلما هبط من على المنبر خلعها وأهداها لأسامة.
ثم كبر أسامة شيئًا ما فعَهِد إليه الرسول بقيادة فرقة من الجيش (كان أسامة وقتها فى نحو الثامنة عشرة من عمره) وعندما عاد من أرض المعركة دخل على الرسول فوجده متهلل الوجه، فقال له الرسول: «حدثنى فحدثه أسامة عن مجريات المعركة حتى قال له: لما انهزم القوم (قوات العدو) أدركتُ رجلًا منهم وأهويتُ إليه بالرمح فقال الرجل: لا إله إلا الله فطعنته فقتلته».
فتغير وجه الرسول وقال: «ويحك يا أسامة فكيف بك بلا إله إلا الله، ويحك يا أسامة فكيف بك بلا إله إلا الله «
وظل يرددها حتى لوددتُ أنى انسلختُ من كل عمل عملته واستقبلت الإسلام يومئذ جديدًا».
هذه الحادثة ستجعل أسامة يخشى كل قتال لأى مسلم حتى لو كان فى إسلامه نوع من الخداع، ثم كأن الرسول أراد أن يصحح موقف أسامة بطريقة عملية، فأسند إليه القيادة الكبرى للجيش (كان من بين جنوده الصديق والفاروق) فبلغ الرسول أن أناسًا لا يرضون بقيادة هذا الشاب أخضر العود ليِّنه، فصعد الرسول المنبر وخطب قائلا: «أيها الناس، أنفذوا بعث أسامة (حركوا الجيش) فلعمرى إن قلتم فى إمارته (شككتم فيها) فلقد قلتم فى إمارة أبيه، وإنه لخليق للإمارة (يستحقها عن جدارة) وإن كان أبوه لخليق بها».
ثم مات الرسول وتحرك الجيش وكان سيحارب الروم (كأنها أمريكا الآن) وانتصر أسامة نصرًا مبينًا ولم يخسر جنديا واحدًا من جنوده.
ثم ماذا؟ لقد اختفى هذا القائد الطفل المعجزة من التاريخ الإسلامى، لا نلمح اسمه بين أسماء القادة أو المتصدرين للمشهد العام، والعجيب أن عمره قد امتد حتى توفى فى آخر عهد معاوية بين أبى سفيان (نحو سنة 60 هـ). لقد اعتزل كل شىء وأقام فى منطقة بجوار المدينة خائفًا من لعنة دم الرجل الذى قتله بعد أن نطق بالشهادة.
هل تصل الرسالة إلى هؤلاء الذين يعسكرون فى ميدانى رابعة والنهضة ويحرضون على قتل المصريين، بل يقتلون ضباط وجنود الجيش والشرطة، ثم نراهم يتحدثون ليل نهار عن تقواهم وتعظيمهم لحرمة الدم؟
________________________________
نشرت بجريدة التحرير -  1 أغسطس 2013
لينك المقال بموقع التحرير:

هناك تعليقان (2):

  1. نعم . ذاك قول صدق
    فماذا عن أخيه القاتل الموشى كتفه بالنجوم والنسور وقد طلب من الدم ماطلب صاحبه وحرض على ماحرم الله كما حرض صاحبه
    فلماذا نهيت الأول وغضضت الطرف عن الثانى وماعهدناك إلا منصفا ؟!

    ردحذف
    الردود
    1. الكريم نور الدين
      أولاً جعلنى الله أهلًا لثنائك .. ثانيًا .. ليسوا سواءً يا أخى .. أنت تشير من طرف خفى إلى أن الجيش المصرى أو الشرطة المصرية قد تورطا فى دم المعتصمين .. هذا يا أخى ليس صحيحًا بحال من الأحوال .. الجيش لم يشارك فى فض الاعتصام .. والشرطة بل كل الدولة ناشدت المعتصمين على مدار أكثر من شهر أن يفضوا اعتصامهم المسلح بطريقة سلمية ، لكنهم أبوا وركبوا مركب العناد والغرور ثم بادروا لحظة الفض باطلاق النار على الشرطة .. والباقى كلنا نعرفه ..من قتل عشوائى للمصريين إلى نحر لضباط الشرطة فى كرداسة وإلى قنص لضباط الجيش فى سيناء .. هل بعد كل ذلك نطالب الدولة بأن ترعى دم الذى أهدر دمها وكفذر أهلها ؟
      أظن أن الإنصاف يقتضى غير ما ذهبت أنت إليه .

      حذف