السبت، 17 ديسمبر 2011

التحرير أصغر من القاهرة وأكبر من مصر





تختطف آلة الإعلام الجهنمية (تمثلها مذيعة غالبا) أحد الثوار أو المعتصمين أو المحتجين أو المتظاهرين من قلب دفء ميدان التحرير وتقذف به فى قلب صقيع الأستديو المكيف، تحدق الآلة (التى هى مذيعة غالبا) فى وجه المختطف، ثم ترفع حاجبا وتنزل الآخر ثم تزمجر كأسد عضه الجوع وتقذفه بالسؤال اللعين: «لكن حضرتك هل تعتقد يعنى، أقصد هل ترى سيادتك أن ميدان التحرير هو مصر».

المختطف المسكين ينظر حوله لعل أحدا ينقذه من بين أنياب الآلة التى ترتدى باروكة صفراء فلا يجد سوى الصقيع، يبتلع المسكين ريقه مرة وعشر مرات ثم يفتعل سعالا وقد يخلع نظارته الطبية لا لشىء ولكن لكى يكسب وقتا يرتب خلاله أفكاره، ثم يعود لوضع النظارة على أرنبة أنفه ثم يقول بصوت متردد: «لم يقل أحد منا أن التحرير هو كل مصر ولكننا نقول إن التحرير».
لا تمهله الآلة ليكمل كلامه، تنقض عليه صائحه: «ها قد قالها.. التحرير لا يمثل مصر، ومصر أكبر من أن يمثلها أحد وهناك الملايين من الأغلبية الصامتة التى تعارض الاعتصام فى الميدان وتعطيل عجلة الانتاج وخلق حالة من الانفلات الأمنى والتعدى على المنشآت العامة والعدوان على الممتلكات الخاصة وتعطيل سيولة المرور والتشكيك فى نيات المجلس العسكرى الذى حمى الثورة».
تظل الآلة ذات الباروكة الصفراء والرموش المستعارة تلوك بعنف هذه الجمل البائسة التى لم تخرج من فم الثائر.
لم يحدث يوما أن صرخ أحد الثوار فى وجه الآلة بالحقيقة التى يؤمن بها. الثائر مسكين لم يتدرب يوما على مواجهة آلة الإعلام ذات الباروكة الصفراء والرموش المستعارة والشفاة المحقونة بالسيلكون، آه لو كان الثائر مدربا على مواجهة آلة الإعلام المفترسة ساعتها كان سيرميها بالحقيقة التى تجرى فى عروق التحريريين مجرى الدم.
كان سيقول بملء فمه : نعم نعرف أن ميدان التحرير أصغر من القاهرة، هو ميدان لم نكن نحبه، وكنا نعتقد أن الذى صممه هو مخبر فى أمن الدولة وليس مهندسا، فما أسهل إغلاقه على من فيه حتى يموتوا جوعا وعطشا، نعرف كل هذا ولكننا نؤمن بأن ميدان التحرير هو أكبر من مصر بل من كل أرض العرب، هو أكبر من المدى المفتوح على الأحلام المؤجلة، هو خلاص الروح من حكم العسكر، هو قلب الثورة وعقلها المفكر، هو الثورة ذاتها، هل للثورة حد أو مساحة، نحن الذين قدمنا أرواحنا وقدمنا حبات أعيننا وهتفنا فى وجه المخلوع يوم خرس الجميع وغادرنا بيوتنا وطائر الموت يرفرف بأجنحته السود فوق رؤوسنا. نعم نحن مصر بل نحن العالم القادم من تحت ركام الاستبداد بل نحن جنة المشتاقين لغد أكثر عدلا وأكثر جمالا، أيتها المذيعة ذات الباروكة الصفراءوالرموش المستعارة أنت لن تفهمى من نحن لأنك تحسبين الأمر بحسابات البقالين بينما نحسبه نحن بحسابات الثوار وما أبعد ما بين البقالة والثورة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق