الخميس، 23 أبريل 2009

قرية صغيرة!





منذ سنوات، شاع مصطلح «العالم أصبح قرية كبيرة» ولم ينافسه فى الشيوع سوى مصطلح من جنسه وهو مصطلح «عصر السموات المفتوحة». 



والمصطلحان سادا بطريقة جعلت مناقشتهما للتثبت من صحتهما عملا يكاد يكون أحمق، إذ إن أدلة كثيرة تسند من يروجهما، ويكفى أن البشرية ولأول مرة فى تاريخها أصبحت تشاهد «الحروب» فى بث حى مباشر وكأنها تشاهد مباراة فى كرة القدم، وهذا ما جعل الأكثرية تؤمن بأنه لا يمكن العمل سرا، فكل عمل أصبح علنيا يخضع لمراقبة صارمة كاشفة من عدسات الفضائيات وأقلام الصحفيين، لم تلتفت الأكثرية إلى حوادث يشيب لهولها الولدان، تبدأ وتتفاعل وتنتهى دون أن يشعر بها أحد، فأين ذهبت نظرية القرية الكبيرة والسموات المفتوحة؟ 

إن كشف «الشروق» لعملية قصف القوافل السودانية يصلح مدخلا مناسبا وصحيحا لتفنيد مقولة القرية الكبيرة، فالسودان التى هى على مرمى حجر منا لم نعلم بقصفها إلا بعد قرابة الشهر ولولا «الشروق» ما علمنا عن ذلك شيئا، بل إن أطرافا سودانية فاعلة لم تعرف بما جرى إلا من خلال «الشروق»، ويوما بعد يوم تتكشف أبعاد جديدة للقصة حتى أن الرئيس السودانى اعترف بها، وإن كان قد أنكر كون القافلة كانت تحمل سلاحا. هذا عن السودان امتدادنا الطبيعى، فماذا عن باقى دول العالم وما أكثرها وما أبعدها، لا شك أن العالم وإن كانت تداخلت حدوده، إلا أنه لا يزال كبيرا جدا، ومعقدا جدا، وغامضا جدا، وسريا جدا، فليس صحيحا بحال من الأحوال أنه قد أصبح قرية وأن السماء أصبحت مفتوحة لا تكتم الأسرار، الصحيح أن هناك «متحكم» له قدرات كونية بيده المنح والمنع، فمهما اجتهد الإعلاميون تظل هناك مناطق مثل الرمال المتحركة تبتلع لا الرجال فقط بل الحقائق قبلها، وكثيرا ما دفع الإعلاميون حياتهم ثمنا لجرأتهم على محاولة كشف قصص يرى «المتحكم الكونى» أنها يجب أن تظل فى الخفاء، وهكذا يمضى الصراع بين من يريد أن يصبح العالم قرية كبيرة على سبيل الحقيقة لا المجاز، وبين من يريد أن يظل العالم جزرا معزولة يسمح لها بالتواصل إن كان فى تواصلها مصلحة له، ويبقيها على حال من الانفصال متى أراد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق