الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

أختي المواطنة .. لا تدخلي بيت المتحرش

 جاء في الذكر الحكيم آيتان تفضحان الذي يخدع ذاته ويتبع هواه تحت أي ستار وزعم، تقول الآية الأولى:" كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ".

مَنْ المخطئ في هذه الآية؟

ـ الشيطان.

ـ يا رجل كن منصفًا، ليس هناك آدمي لا يعرف أن الشيطان هو عدوه الأزلي الأبدي، فلماذا يسمع الآدمي للشيطان وينفذ مخططاته ثم يشكو؟

الخطأ مشترك بين شيطان عدو وآدمي يتبع هواه، ولذا جاء العقاب رادعًا للاثنين، لأن التحايل إن جاز على أحد فلا يجوز في حق الخالق وهذا هو نص الآية:" فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ".

أرى أنه يصلح الاستشهاد بالآيتين في سياق كارثة اجتماعية بدأت تضربنا بقوة، أعني بها كارثة " العلاقات غير المنضبطة".

على هوامش الكارثة وأحيانًا في متنها تنبت عدة مغالطات عجيبة جدًا.

ولكي يكون الكلام في سياق منسجم نبدأ من بداية الشريط.

التحرش أو العلاقات غير المنضبطة ليس عيبًا مصريًا مقصورًا على بلادنا، هو مرض اجتماعي منتشر في كل زمان ومكان، ومعدلاته في مصر ـ رغم كل الضجيج ـ تعد قياسًا على عدد الشعب، متدنية.

الأكذوبة الأولى التي تنبت من قلب هذه الحوادث، هي أكذوبة، ضرورة التخلي عن التعليمات التربوية بزعم أنها كلام قديم أكل عليه الدهر وشرب!

لقد ولدنا جميعًا في مجتمع لم يكن يعرف مصطلح " أعيش علاقة معقدة" ما الذي يدفع الإنسان لأن يرضى بعلاقة معقدة؟

ثم ما هي تلك العلاقة المعقدة؟

ولدنا جميعًا على تعليمات تقول: لا تذهب إلى بيت لا تعرف ساكنيه جيدًا، لا تصعد لسيارة لا تعرف قائدها جيدًا، بل لا تقف في عرض الطريق متحدثًا ومتبسطًا مع أحد لا تعرفه جيدًا، معرفة الفيس بوك وتويتر هي بالأساس معرفة افتراضية، يتجمل فيها الجميع ويكذب فيها الكثيرون.

أليست تلك هي التعليمات التي تربينا عليها؟

ألم تحمنا تلك التعليمات في فترات مهمة من طفولتنا ومراهقتنا وأول شبابنا؟

الآن يفتري بعضهم الكذب على تلك التعليمات ثم عندما يسقط يجلس على قارعة الطريق يبكي ويستجدي التعاطف.

لست ـ بطبيعة الحال ـ مع لوم الضحية، فلوم الضحية هو خسة نعوذ بالله منها، ولكن التعاطف والدعم" عمّال على بطال" شيء مريب ولا أقول عجيب.

هل الضحية هي حقًا ضحية؟

هذا سؤال مسكوت عنه، لماذا لا نتحدث عن كل حالة وفق ظروفها، حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الأسود.

التي تذهب بقدميها طاعة مختارة إلى بيت رجل لم تختبر أخلاقه، ثم يقع من الرجل تجاهها فعل مشين، ثم تصبر هي سنة وسنتين ولا تبادر بمقاطعته فورًا، بل تواصل التعاطي معه على أي مستوى كان، ثم بعد كل ذلك: تصرخ فلان تحرش بي!

هل هذه ضحية؟

هل نعود لقصة الشيطان مع أبناء آدم؟

هل نعود للبكاء على تعليمات تربوية يركلها بعضهم بقسوة بزعم أنها من تراث التخلف والزمن القديم؟

القصة يا خلق الله واضحة وضوح شمس الظهيرة، فلماذا يفعل أحدنا فعل هذا الذي قال:" اللهم أدخلنا بيت الظالمين وأخرجنا سالمين"

فرد عليه عاقل:" وإيه اللي يجبرك تدخل بيت الظالم وأنت واقف برة؟"

إن الكذب بدون قدمين وليس أسوأ من الكذب على النفس، فليصارح كل منا نفسه لكي يصالح ذاته، أما المراوغة والتدليس والعش والخداع فكل أولئك لن يكونوا جزءًا من الحل بل سيكونون جزءًا مهمًا من المشكلة، فلنبدأ بالعودة إلى التعليمات وعدم التعالي عليها (فلا يقع سوى الشاطر أو مدعي الشطارة) ثم فلتبادر التي تتعرض لأي عنف بفضح المعتدي، وكشف سوء أخلاقه لكيلا يخدع غيرها، لأن السكوت والصبر لسنوات ثم الانفجار بعد طمس الأدلة لن يقدم ولن يؤخر، وسيضع الحق وتتكرر الكارثة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة / السبت 26 ديسمبر 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق