شاعت أجهزة التسجيل
فى النصف الأول من سبعينيات القرن الماضى، وشأن أى تطور كانت هناك ضحايا لهذا الشيوع،
وكان على رأس قائمة الضحايا «فن تلاوة» القرآن الكريم، فبعد أن كانت شهرة قارئ القرآن
مرهونة بإجازة الإذاعة له، أصبح متاحًا لأى كان أن يملأ شريط كاست بأى تلاوة كانت،
دون رقيب ولا حسيب.تلك السنوات كانت
بداية انهيار دولة التلاوة المصرية بمدرستها الرائدة التى أسسها بالعرق والعلم جماعة
من أفذاذ القراء الذين وهبهم الله حلاوة الصوت، ورهافة الحس، ثم فرغوا هم أنفسهم لصيانة
مواهبهم الإلهية، وتعلموا كل قواعد التلاوة، والتزموا بها فى صرامة قل نظيرها، حتى
أصبحت المدرسة المصرية فى التلاوة صرحًا لا يطاوله صرح.فى الفترة التى
أشرت إليها هبت علينا أصوات تتاجر بالتلاوة، ولكى تكسب أرضًا جديدة وتربح أنصارًا،
فقد عمد هؤلاء إلى التفنن فى التلاوة، معتمدين على أشذ القراءات، والعجيب فى تلك الأيام،
أن انهيار دولة التلاوة قد تزامن مع صعود نجم الجماعات المسلحة، التى كان الإعلام يطلق
عليها الجماعات الإسلامية.تلك الجماعات لم
تكن تترك شيئًا إلا وحرمته على المصريين، ولكن الغريب، بل قل المريب أنها وقفت صامتة
وهى ترى شواذ القراء يتلاعبون بالتلاوة الكريمة. أيامها لم يكن يواجه طوفان التلاعب
بالتلاوة إلا عصبة من الأزهريين.ثم مرت السنون،
وفشت ظاهرة المتلاعبين حتى سادت، فلم نعد نسمع لغيرهم إلا فى القليل النادر، ولأن الحديد
لا يفله غير الحديد، فقد تصدى لهؤلاء نفر من العارفين بالقراءات الناشطين على مواقع
التواصل الاجتماعى التى جعلها المتلاعبون منصة ينطلقون منها.قد يأتى اليوم
الذى يذكر فيه التاريخ جهود الكاتب الصحفى هيثم أبو زيد، الذى حمل منفردًا عبء التصدى
لهؤلاء.ولمن لا يعرف الأستاذ
هيثم، فهو قد حفظ القرآن، وجوده وبدأ دراسة القراءات وهو دون العشرين من عمره، ولم
يكف عن دراستها إلى يومنا هذا. التحق بمعهد القراءات عام 1998، ونال شهادة عالية
القراءات عام 2003 من معهد قراءات المنصورة، حفظ الشاطبية فى القراءات السبع، وقرأ
تقريبا كل شروحها، كما اهتم بتاريخ التلاوة وأعلام القراء، وانغمس فى هذا الأمر منذ
عام 1988.. أى من 30 عاما كاملة، والأستاذ هيثم مهتم أيضا بالغناء الكلاسيكى والموسيقى
الشرقية، ودرس مقامات النغم، والتحق لفترة ببيت العود فى القاهرة، وتعلم العزف على
آلة العود.وقد سألت الأستاذ
هيثم عن المؤيدين لحملته الداعية لانقاذ دولة التلاوة، فقال لى: يقف معى بكل قوة فى
هذه الحملة أستاذ كبير، وعالم جليل، هو الشيخ محمد على بحرى، الموسيقى الحلبى، الذى
هو ودون مبالغة موسوعة تمشى على الأرض، وأخبر الناس على وجه البسيطة بالموشحات ومقاماتها
وإيقاعاتها، وهو مرجع كبير ومهم يعرفه المختصون فى العالم.. وقد تعرض حسابه على الفيسبوك
للإغلاق ربما عشر مرات من قبل المنزعجين من الحملة.وأيضا يساندنا
الأستاذ الشاعر الناقد عبدالرحمن الطويل، وقد كتب دراسة فى هذا الباب، أزعم أنها غير
مسبوقة، وهى فى غاية الدقة والقوة والإحكام.وأضاف الأستاذ
هيثم: بدأت الحملة يوم 15 أكتوبر.. أى من نحو شهر.. بمقال بعنوان «كلمات.. فى وصف تلاوة
ابن الشحات».. وفوجئت بردود فعل واسعة جدا.. وحقق المقال عشرات الآلاف من القراءات..
وتلقيت نحو 1000 طلب صداقة.. وألف رسالة.. واتصل بى عشرات القراء مساندين ومباركين.
فقام المتلاعبون
بالتلاوة، وأغلقوا حسابى على فيسبوك.. واستعدته.. وأرسلوا رسائل شتائم بشعة.. ثم وصل
الأمر لتهديدات بالتليفون، ومن المهم أن أقول لك إننى لا أستهدف المتلاعبين بهذه الحملة،
فلا رجاء لى فيهم، إننى أستهدف توعية المستمعين، بعدما رأيت كثيرا من أصدقائى ينخدعون
بالعناوين الكاذبة والألقاب المزورة.الكرة الآن فى
ملعب نقابة محفظى القرآن الكريم، ومشيخة عموم المقارئ المصرية، ولجنة مراجعة المصحف
الشريف بمجمع البحوث الإسلامية، فهذه الجهات وغيرها يجب أن تساند حملة انقاذ دولة التلاوة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة السبت 17 نوفمبر 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق