الاثنين، 27 مارس 2017

شائعة الـ 600 مليار دولار بين المتآمرين والساخرين والمصدقين



البيان الرسمى تحدث عن 300 ألف جنيه بجبل الحلال فنفخ فيها الإخوان وجعلوها 600 مليار دولار.
 
متى ندرك أن للحرب النفسية تأثير القنابل والصواريخ ؟






تقول الطرفة المصرية إن ولدًا رأى أباه منكبًا على كتابة ما فسأله متعجبًا : ماذا تفعل ؟.
فرد الأب: أكتب خطابًا لعمك.
فقال الابن: لكنك لا تعرف الكتابة.
فقال الأب: اطمئن، فعمك لا يعرف القراءة.
تلك الطرفة التى تسخر من مزاعم الجهلاء أراد بعضهم فرضها علينا بوصفها حقيقة ثابتة، السخفاء أرادوا التلاعب بالعقل المصرى كأنه لم يعرف فى حياته القراءة والكتابة، وأصل القصة أن بيانًا رسميًا صدر يوم السادس والعشرين من فبراير الماضى تحدث عن المعارك الضارية التى يخوضها الجيش ضد عصابات الإرهاب فى جبل الحلال بسيناء، وجاء فى سياق البيان أن قوات الجيش قد عثرت على ثلاثمائة ألف جنيه كانت بحوزة الإرهابيين.

البيان الرسمى كان واضحًا جدًا ولا لبس فيه، والرقم المالى الذى ذكره هو رقم معقول جدًا بل وعادى تمامًا، فلو أن الإرهابيين كانوا ثلاثين فالواحد منهم لديه عشرة آلاف فقط لا غير، يعنى أقل من سبعمائة دولار.

ومع هذا الوضوح الذى تحلى به البيان الرسمى ومع معقولية الرقم الذى ذكره فقد حدث ما يشيب له الغراب.
فجأة وبدون مقدمات قفز الرقم فى الفراغ وعندما عاد إلى الأرض وجدناه قد تضخم وتعاظم وتكاثر ليصبح ستمائة مليار دولار.

بهذا التضخيم بدأت لعبة قصف عقول المصريين والتلاعب بها، بدأ الهجوم من جماعة الإخوان، وهم كما خبرناهم يكذبون كما يتنفسون، لكنهم هذه المرة تصرفوا بذكاء أو قل خبث يحسدون عليه.
ظهر خبثهم بثلاثة وجوه، الأول: تثبيت الرقم الخرافى وترويجه كأن البيان الرسمى قد نص عليه.
الثانى: السخرية منه ومن مطلقيه مع الإشارة العابرة إلى أن الجهات الرسمية هى التى أطلقت الرقم.
الثالث: تأليب الشعب على الدولة وتحريض الجماهير بزعم أن الدولة سوف تأكل المال بمفردها وستحرم منه الشعب.

هذا الخبث بدأه "محمد الجوادى" بتغريده بثها على حسابه الشخصى بموقع تويتر، وظاهر التغريدة هو السخرية من الرقم والقول بأن المال مطبوع فى شارع "محمد على" وفى ذلك إشارة سخيفة إلى العوالم والقائمات على أمور الزفة.
أما الهدف الذى أراد الجوادى تسجيله فهو تثبيت الرقم ووصم البيان الرسمى به، وكأن البيان قد تباه أو أكد عليه.

بعد الجوادى بدأت قناة الجزيرة فى ممارسة سخافاتها بأن تعاملت مع الستمائة مليار دولار المزعومة وكأنها حقيقة، فقامت باستكتاب مصرى يدعى "عبد العزيز مجاهد" الذى راح يبكى على تلاعب الدولة المصرية بعقول بنيها.
إنه الخبث ذاته الذى يريد به صاحبه التأكيد على دورٍ للدولة فى هذه الملهاة، وهو يعلم أن الدولة بريئة من هذا العبث براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

وبعد تسجيل الأهداف الخفية جاء دور تسجيل الأهداف العلنية، وهذا ما تورطت فيه مواقع عديدة نذكر منها مواقع "الحق والضلال" و"123 نيوز" و"عرب ميرو" و"الأهرام الكندى" وكل هؤلاء روجوا لأكذوبة العثور على ستمائة مليار دولار فى جبل الحلال.

ذلك القصف المرّكز المتعمد للمصريين ومشاعرهم جعل الناس ينقسموا فى تناولهم للأمر إلى أربع فرق.
فريق عاقل لم يتورط فى القصة كلها لأنه أدرك خبث معناها، وفريق يهوى جلد ظهره وتعذيب ذاته فراح يسخر ثم يسخر ثم يسخر، وكأن الأمر يستوجب السخرية وكأن الأمر شائعة لها ظل من الحقيقة، لم يدرك هذا الفريق الساخر أن سخريته تسخف وتقلل من حجم المواجهة التى يخوض الجيش غمارها دفاعًا عن الأرض والهوية، لقد فقدت سخريتهم بريقها خاصة والجيش لم يتورط ولو بكلمة واحدة فى هذه الشائعة العبثية، التى هى والهراء سواء.
وفريق متآمر بتكوينه ومعتقده يقوده الإخوان ومعهم كل الذين يقولون إن علم الوطن ليس أكثر من قطعة قماش ملونة.
ثم وللأسف ظهر فريق مسكين أراد أن يكحلها فأعماها، وأعنى به الفريق الذى صدّق فرّوج، وقد حلقت بهم الأوهام والآمال الخادعات فقاموا بقسمة الستمائة مليار دولار على التسعين مليون مصرى!!
بل أوغل بعضهم فى صحراء السراب وراح يتفنن فى كيفية إنفاق المال.

والآن لا يهمنا الفريق الأول فقد أنجاه عقله ولا يهمنا فريق المتآمرين فهؤلاء لن يعرفوا استقامة المنهج ولا طهارة الهدف، يهمنا باقى الفرق التى تورطت بحسن نية أو بضيق صدر من عبث يحيط بنا، فعلى هؤلاء أن يعلموا أن الحرب النفسية لها على القلوب والعقول وقع حروب الصواريخ والطائرات والدبابات، فعل كلمة يلقى بها أحدهم تكون سببًا لأن تهوى أمة إلى الحضيض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة السبت 11 مارس 2017

الخميس، 23 مارس 2017

كلهم أبرياء.. فمَنْ قتل المتظاهرين!


                                     



# مَنْ الذى وجه ضربة طيران صاعقة لقوات العدو فى معركة رمضان الخالدة؟
- الرئيس مبارك.

 # مَنْ الذى أدخل مترو الأنفاق إلى مصر؟
- سيادة رئيس الجمهورية الأسبق السيد حسنى مبارك. 

# مَنْ الذى جاء بخدمة الاتصالات المتقدمة من إنترنت وهواتف محمولة إلى البلاد؟
- إنه سيادة الرئيس مبارك.

# مَنْ الذى أنشأ الجسور والطرق العملاقة؟
- هو الرئيس مبارك.

# مَنْ الذى توسع فى بناء المدن الجديدة وفى تعميرها؟
- لا أحد سوى الرئيس مبارك.

# هل رأيت بعينيك سيادة الرئيس مبارك وهو يقود طائرة ويصب قنابلها على رأس العدو؟ هل رأيته وهو يحمل معولًا ويحفر الأنفاق؟ هل وقعت عيناك عليه وهو يهندس الجسور ويعبّد الطرق ويبنى المدن؟
- طبعًا الإجابة هى لا، فليس من مهام منصبه أن يحفر بيده ويحارب بمسدسه الشخصى.

# إذن كيف جاز لك أن تنسب إليه جلائل الأعمال السابق ذكرها؟
- هذا طبيعى جدًا، فسيادته كان القائد الآمر الناهى، وكل الأعمال العظيمة التى ذكرتها ما كان لها أن تكون لو لم يأمر سيادته بتنفيذها.

# يعنى كان مسئولًا عن تنفيذ كل عمل خطير؟
- نعم والتاريخ شهد له بذلك، ونحن الذين عاصرنا حكمه نشهد له بذلك.

#  حسنٌ، هل ترى أن قتل الشباب من الأعمال الخطيرة؟
- نعم، بل كل قتل هو عمل خطير.
- جيد جدًا، وأنا أوافقك تمامًا فى أن كل قتل هو عمل خطير، وأزيد فأقول إنه عمل يحتاج لشدة خطورته لآمر ومنفذ وشبكة حماية، وجماعات تغطية.
-  وأنا أيضًا أوافقك فى كل ما ذهبت إليه.

# مّنْ كان على رأس البلاد عندما قُتل شباب ثورة يناير؟
- الحقيقة..
 - أرجوك لا تبدأ معى بهذه الكلمة، فقد خبرتها كثيرًا وتأكد لى أن ما سيأتى بعدها سيكون مخالفًا لها.
- أقصد يعنى أن موضوع الثورة هو موضوع ملتبس.
- يا سيدى أنا لا أريد رأيك فى الثورة، أنا أسألك عن حوادث قتل جرت عمدًا مع سبق الإصرار والترصد.
- ها، لقد فهمتك الآن أن تريد جرجرتى لصفك لكى أتهم الرئيس بقتل المتظاهرين، الرئيس مبارك لم يقتل المتظاهرين والقضاء قال كلمته وحصل القائد على براءة عليها توقيع القاضى، ثم هل رأيته أنت بعينيك وهو يهبط إلى ميدان التحرير حاملًا مدفعه الرشاش حاصدًا أرواح الشاب؟ أجب! هل شاهدته؟
- لا لم أشاهده ولم يقل واحد منا إن مبارك قد قتل بيديه.

# إذن كيف تجيز لنفسك أن تتهمه بما لم يفعله بيديه؟
- كما جاز لك أنتَ أن تنسب إليه حفر أنفاق المترو مع أن يديه أنعم من أن تحمل حجرًا فضلًا عن أن تحفر نفقًا، أنتَ ولستُ أنا مَنْ وصفه بالقائد الآمر الناهى.
- توقف ثانية واحدة لو سمحت عن طرح أسئلتك المراوغة، هل لديك ورقة أو تسجيلًا يحمل أمر مبارك بقتل المتظاهرين، حتى نتهمه بالمشاركة فى القتل؟
- لا ليس لدى دليل، فلستُ جهة تحقيق أو تحرى، أنا مواطن رأى بعينيه الرصاص وهو يذبح جماعات فوق الحصر من الشباب.
 هكذا أنت تلف وتدور لتلفق تهمة للرجل الذى حصل على براءة من القضاء.
#  ألستَ القائل بأن القائد مسئول؟
- كنت أقصد المسئولية عن الأعمال الشريفة، القتل يا سيدى فعل فردى، قتيل وقاتل، فما دخل مبارك فى الأمر؟
- يا أخى لماذا لا توافقنى على أنه مسئول ولو مسئولية سياسية إذا عز علينا إثبات مسئوليته الجنائية؟

- هل أوافقك وأجلب للرجل الطيب مصيبة برَّأه القضاء منها؟
- يا سيدى براءة القضاء كانت لنقص الأدلة وليس لعدم وقوع الفعل. 
هذا الكلام لا يدخل فى ذمتى بمليم، برأه القضاء، يعنى برأه القضاء ولا كلام آخر.
الجميع أبرياء فمن الذى قتل الشباب؟
 إذا كان الموضوع يهمك لهذه الدرجة فابحث عن القاتل.
 ليست بيدى سلطة البحث.
 إذن انس الأمر.

# هل تعلم أن القتل لعنة تطوق عنق القاتل وشركائه؟
- نعم، سمعتهم يقولون ذلك.

# هل تعلم أن الدم لا يذهب هدرًا؟
- نعم، سمعتهم يتحدثون عن أرواح القتلى إذ تصبح أشباحًا تطارد قاتليهم.

# هل تعلم أن السكوت عن القتل، قتل؟
- يقولون ذلك أيضًا.

#  هل تعلم أن هذا البلد لن يهنأ له عيش ما لم تتم محاكمة القتلة؟
- ليس هناك قتلة وليس هناك مجرمون، وكل الذين اتهمتموهم بأنهم قتلة حصلوا على براءة القضاء.

أقسم بالله، عندما تغلى دماء الشهداء صارخة بالقصاص سأتهمك بأنك شاركت ببرودك وسكوتك فى قتلهم.
دعنى أضحك قبل أن أرد عليك قائلًا، فيما لو فار الدم سأتهمك بأنك مجنون .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منشور بجريدة صوت الأمة السبت 11 مارس 2017

الخميس، 16 مارس 2017

أستاذ مرسي عطا الله .."صح" النوم




حمدي عبد الرحيم
شريف علي


للكاتب الروائي مجيد طوبيا رواية قديمة عنوانها "دوائر عدم الإمكان" ذكرني بها الكاتب الكبير مرسى عطا الله عندما سقط في فخ دوائر عدم "الإتقان" وآية ذلك أن الكاتب الكبير، جعل عموده  "كل يوم" الذي نشرته جريدة العرب الأولى الأهرام العريقة، يوم الثلاثاء 21 فبراير 2017 عن حوار أجرته المجلة الفرنسية الشهيرة "جون أفريك" مع الرئيس السيسي.

المدهش أن الأستاذ عطا الله وقد عمل لسنوات في الديسك المركزي للجريدة الكبرى، كما تولي رئاسة تحرير العديد من الإصدرات إضافة إلى توليه رئاسة مجلس إدارة الأهرام لم ينبه قارئه لمعلومة رآها هو هامشية بينما هي غاية في الأهمية والخطورة، نعم المجلة الشهيرة حاورت الرئيس السيسي وجعلت صورته على غلافها، ولكن هذا حدث ونشر في فبراير من  العام 2016 أي من عام مضى، ويومها تناولت كل وسائل الإعلام المصرية بل والعربية الحوار بالنقاش والتحليل خاصة وقد قال الرئيس فيه: "إن مصر تحدد مصير العالم"..

فهل لم يقرأ الأستاذ عطا كل ما نشرته وسائل الإعلام من عام مضى؟

تقرأ ما كتبه الكاتب الكبير الداعي دائمًا وأبدًا للمهنية والتأكد من صحة المعلومات وثبوتها فلا تجد ولو أدني إشارة إلى أن الحوار قديم، بل على العكس ستجد كلامًا يؤكد أن الحوار طازج، لم تمر على نشره سوى ساعات، وعلامة ذلك أن الأستاذ عطا الله قد استشهد بزياة الرئيس إلى كينيا التي جرت قبل أيام معدودة  وجعلها في صلب عموده الذي تناول فيه الرؤية الفرنسية للرئيس.

كان يجدر بالأستاذ أن يؤكد المرة تلو المرة أن الحوار الذي انفردت به المجلة الفرنسية قديم، وساعتها من حقه أن يدير حوله نقاشًا أو يستشهد به لأي غرض كان وفي سياق بحثنا عن حقيقة ما نشرته المجلة من مواد ننشر للقارئ صورا لسبعة أعداد من المجلة.

1- صورة الغلاف للرئيس التشادى أدرسي ديبى وحوار بعنوان "حوار الحقيقة"، وعناوين فرعية على الغلاف وهى "الجزائر وماذا تريد القبائل" و"ملف التعدين: الصين تحفر أوردتها"
صادر بتاريخ 29 يناير – 4 فبراير 2017

2- صورة الملك محمد السادس عاهل المغرب وعنوان رئيسى "المغرب – الأتحاد الأفريقي: أسرار العودة"  وعنوان فرعى عن الجزائر بعنوان "عندما تجسست وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على المرادية" والمقصود قصر المرادية وهو قصر الرئاسة.
صادر بتاريخ 5-11 فبراير 2017

3- صورة إيتيان تشيسكيدى السياسى الكونغولى وزعيم حزب أتحاد الديمقراطية والتطور الأجتماعى وهو حزب المعارضة الرئيسى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك بمناسبة وفاته فى الأول من فبراير.
صادر بتاريخ 5-11 فبراير 2017

4 - صورة لإيسياكا واتاو قائد الحرس الجمهورى الجديد فى ساحل العاج وكان فى السابق من قادة المتمردين بين عامى 2002 و2011 وعنوان فرعى "ليبيا: لغز خليفه حفتر"
صادر بتاريخ 12-18 فبراير 2017

5 - صورة نعش إيتيان تشيسكيدى زعيم حزب المعارضة الرئيسى فى جمهورية المونغو الديمقراطية وعنوان فرعى عن الأفارقة الذين عملوا لصالح مرشحى الرئاسة الفرنسية.
صادر بتاريخ 19-25 فبراير
6 - إصدار خاص عن أفريقيا عام 2017 وعنوان الغلاف الفرعى "كل المفاتيح لفهم الثورات والتطورات فى القارة" وأخر بعنوان "شمال أفريقيا: خمس سنوات بعد الثورات.
إصدار خاص رقم 45 - 2017
7 - صورة الغلاف للرئيس عبد الفتاح السيسى والعنوان "مصير العالم يتحدد فى مصر" – لقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسى" والعنوان لجملة قالها الرئيس السيسى فى الحوار ولهذا وضعتها المجلة بين علامتى تنصيص على الغلاف.
صادر بتاريخ 14-20 فبراير 2016


____________________________________
نشر بجريدة "صوت الأمة" فى  27- 2 - 2017

الاثنين، 13 مارس 2017

صدّق أو لا تصدق .. نحن أحسن من المانيا




لن نختلف حول كوننا نعيش الآن ظروفًا صعبة على كافة الأصعدة ، ولكن هل صعوبة ظروفنا حالة استثنائية لم تمر بها بلد من قبل؟

ثم نستسلم للصعوبات ونفقد أمل تجاوزها ونركن لراحة اليأس والرضا بالقنوط والتلذذ بالعديمة؟

أسئلة يجب أن يطرحها كل منا على نفسه، وبناء على الإجابات يقوم الواحد منا بتحدد توجهه العام في الحياة كلها.

بدايةً ظروفنا الصعبة ليست استثنائية، بل تكاد لا توجد دولة على ظهر الكوكب لم تمر بظروف أشد وأقسى، فالفارق هو في التوجه وفي القبض على الأمل البنَاء الذي يعني مزيدًا من المقاومة والمزيد من العمل.

نحن الآن، وفي عامنا هذا أحسن ألف مرة على الأقل من ألمانيا عشية نهاية الحرب العالمية الثانية.

يقول التاريخ: إن ألمانيا التي كانت قوة عظمى بين الحربين الأولى والثانية قد انهارت فى العام 1945 واحتلت قوات الحلفاء المنتصرة العاصمة برلين، وجرى  تدمير غالبية المدن الالمانية  وبعثرة الجيش وتفكيكه، ثم قام المنتصرون بتقسيم الدولة الواحدة الموحدة إلى دولتين «ألمانيا الاتحادية» و«ألمانيا الديمقراطية»، وبعد التقسيم قاموا بتجزئة البلاد، وضموا جزءا من أراضيها إلى بولندا والاتحاد السوفيتي وفرنسا، وقد وصلت الخسائر الألمانية البشرية إلى أرقام مفزعة لم تذقها الإنسانية من قبل، تشريد نحو 12 مليون ألمانى، إضافة إلى 8 ملايين أسير فى معتقلات قوات الحلفاء، والعجيب فى هذا السياق أن الاتحاد السوفيتي قد احتفظ بأسراه الألمان حتى بعد مرور أحد عشر عاما على نهاية الحرب.

 أما عن النكبة الألمانية على الصعيد الاقتصادي فقد تم تدمير السكك الحديدية والطرق، وتفكيك المصانع، بل لقد أوغل المنتصرون فى عقاب الألمان، وقاموا بتفكيك القضاء نفسه من خلال إقالات فورية لقضاة عهد هتلر، وجرى إغلاق المدارس ودور النشر بزعم تطهير العقلية الألمانية من رجس النازية.

بل قام الحلفاء بـ "حرث" شوارع المدن الألمانية لتعويق المواصلات، لأن المواصلات في زعمهم قد تنقل الفكر النازي بين المدن والقرى !!

إذن نحن أمام حالة مستعصية على الشفاء، بل أمام حالة لا تستطيع المشي على قدميها لخمسة أمتار، ولكن الألمان فعلوها وغادروا انهيارهم ولم يستسلموا للهزيمة التي كانت مذلة، وأخرجت الأمة الالمانية قائدها «لودفيج إرهارد»، الذي أعاد بناء الأمة تحت عنوان عريض هو "تمويل ديون الحرب وإعادة هيكلتها"،  ذلك العنوان سيعمل تحته الألمان  من خلال ترسيخ فكرة «السوق الاجتماعية» التى تقوم على حرية السوق مع الاهتمام الفعلي والجاد بالعدالة الاجتماعية.

الآن ألمانيا هي  رابع أقوى اقتصاد على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان بناتج محلى يبلغ   3.518 تريليون دولار، وذلك وفق ما بيانات تعود إلى العام 2011.

هل ما حققه الألمان هو معجزة غير قابلة للتحقق مرة أخرى؟

وغير ألمانيا هناك الدول المهزومة في ذات الحرب، إيطاليا واليابان وتركيا، وكلها نهضت بعد هزائم مدوية وأصبحت الآن ملء السمع والبصر، ونحن لم نُهزم كما هزموا، وجيشنا واحد موحد، وأرضنا ليست محتلة، ومواردنا تبحث عن مًنْ يستثمرها استثمارًا جادًا وحقيقيًا، ولا نعاني ـ بحمد الله ـ من أي صراع طائفي أو عرقي، ولغتنا واحدة وكذا عاداتنا وثقافتنا، وأمتنا يمثل الشباب عنصرها الأكبر، وفي المجمل نحن  لا نحتاج سوى لقطيعة مع الماضي القريب البائس، لا نحتاج سوى لجملة واحدة هي "نقطة ومن أول السطر".

تلك النقطة الحاسمة ستجعلنا نبدأ التدوين على صفحة نظيفة أو على الأقل على سطر جديد غير ملوث بمخلفات عهود سابقة لم تفعل بنا سوى الخراب ولا تترك لنا سوى مرارة الفساد الممنهج، ولقد فعلتها دولة مثل البرازيل التي كانت تعيش لقرون تحت وطأة ظروف، تبدو ظروفنا قياسًا عليها نوعًا من الترف، البرازيل بلد عملاق تبلغ مساحته فوق الثمانية ملايين كيلو متر مربع، وبه أكثر من ألف نهر، والأنهر تفيض وتدمر الزراعات والمباني وتخلف الأوبئة والأمراض، وفوق تلك الأرض الشاسعة يعيش أكثر من مائتي مليون مواطن، وتلك الملايين لا يجمعها جامع من كثرة  تعدد الأعراق  والشرائع والديانات.

وقد بلغت ديونها الخارجية قبل حكم "لولا دا سيلفا" أكثر من مائتين وخمسين مليار دولار !!.

ديوننا نحن الخارجية هي لا شيء مقارنة بديون البرازيل، مجمل معيشتنا الآن هو أحسن ألف مرة من مجمل معيشة البرازيل قبل نهضتها، المعجزة لم تهبط من السماء على رأس البرازيل ، لقد نبتت من جوف أرضها، وما كانت المعجزة سوى في تبني سياسة واضحة وحاسمة ضد الفساد بكافة صوره، إضافة إلى التوسع في استغلال كافة الموارد وتسويقها للخارج، مع دعم حقيقي ومؤثر للتعليم ، بهذه العوامل الثلاثة أصبحت البرازيل دائنة بعد أن كانت غارقة في ديون لا تعد ولا تحصى.

متى نؤمن أن زمن المعجزات انتهى ثم لن يعود؟

ومتى ندرك أن السوبر مان لم يًخلق أصلًا؟

إما عمل جماعي جاد ومنظم وإما الطوفان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بجريدة "صوت الأمة"  فى 27 - 2 - 2017