الاثنين، 4 أغسطس 2014

إلى متى




أعجبنى تصريح المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، الذى قطع به قول كل خطيب، إذ أكد أن كارثة انقطاع التيار الكهربائى عن معظم قطاعات الجمهورية، لن تُحل قريبًا، وجه الإعجاب بتصريح كهذا يأتى من شجاعة الرجل فى قول الحقيقة، وعدم لجوئه إلى تصريحات وردية جرَّبناها على مدار عقود، ثم انتهت بنا إلى ما نحن فيه الآن.

الكهرباء مشكلة قديمة تفجَّرت منذ عام 2009، وتعود أساسًا إلى غياب أبجديات البنية التحتية، تلك البنية التى أذلَّ حسنى مبارك أعناقنا بها على مدار ثلاثين عامًا من حكمه الكئيب الفاشل، فكثيرًا بل كثيرًا جدًّا ما تفاخر وتباهى بأنه أول مَن أدخل خدمات الإنترنت والهاتف المحمول إلى مصر، ولكنه دائمًا ما كان ينسى أو يتجاهل أنه أول رئيس مصرى يحرق أبناء وطنه فى القطارات ويغرقهم فى العبّارات، ثم لا يجدون مشارح تكفى جثامينهم، من تلك النقطة تفجَّرت أزمات البنية التحتية، فقد أقمنا الأبراج الشاهقة وحفرنا أنفاق المترو، ونسينا أن كل ذلك قائم على تواصل التيار الكهربائى، فما معنى تأسيس أى مشروع دون وجود كهرباء ودون ضمان عدم انقطاعها؟

البناء على تصريحات رئيس الوزراء ضرورى للغاية، من هنا نبدأ من لحظة مواجهة الحقيقة، حقيقة أننا بلد فقير فى الماء والكهرباء، وهما معًا من ضروريات الحياة، وبوجودهما تنبت النهضة، وبغيابهما يكثر الكلام عن النهضة وتنعدم الأفعال.

الذى ينقص تصريحات رئيس الوزراء هو الإجابة عن أسئلة محدَّدة، على أن تكون الإجابات شجاعة وصريحة.

إلى متى سننتظر انتهاء هذه الكارثة التى تشل حياتنا جميعا، حتى فى جريدتنا هذه، وهى تقع فى أحد أرقى أحياء الجيزة تنقطع الكهرباء مرات فى اليوم، ولولا المولدات الخاصة بنا ما تمكنا من إصدار الجريدة، الانتظار فى المطلق جريمة لا تفوقها بشاعة سوى جريمة الانقطاع المفاجئ المتتالى للتيار، على معالى رئيس الوزراء أن يكون جادًّا وصادمًا وحاسمًا ويحددّ سقفًا لزمن الانتظار، كأن يقول بعد خمس سنوات أو بعد عشر سنوات أو حتى بعد مئة عام لن تنقطع الكهرباء ثانية، ثم نحن لنا حق اختيار بقاء هذه الحكومة أو الذهاب بها إلى حيث تستحق.

ثم هل لدى المهندس محلب خطة يضمن بها وجود استثمارات هائلة وضرورية لا بد من ضخّها فى شرايين قطاع الكهرباء؟

كل الخبراء يتحدَّثون عن حتمية ضخ مليارات الدولارات لا الجنيهات، لبناء ما نحتاج إليه حقًّا من محطات لسد الفجوة بين ما ننتجه وما نستهلكه، فهل السوق المصرية الآن وفق ما نعيشه تعد سوقًا جاذبة لاستثمارات من هذا النوع؟ إنها منظومة متكاملة، اختلال أى جزء منها سيؤثِّر دون أدنى شك على بقية الأجزاء، نحتاج فورًا إلى إصلاح تشريعى خاص بقوانين الاستثمار، وبعض تلك القوانين أعرج، وبعضها بلا معنى سوى التنطّع والمزايدة على خلق الله، الذين يريدون تقديم يد العون لنا، وبعضها موضوع لتطفيش المستثمرين أصلًا.

ثم لماذا لم يحدثنا المهندس محلب عن الصيانة التى هى خير من العلاج، لقد قدمنا هنا من خلال جريدتنا هذه عشرات التقارير المصورة التى تثبت أن معظم محطات الكهرباء وصلت إلى حالة متدنية جدًّا من الفوضى والإهمال، حتى إن محطة انفجرت مكوناتها الرئيسية بعد مرور أشهر قليلة من بدء تشغيلها، وبعدها دخلنا فى جدل بيزنطى مع الشركة المصنعة للمحطة حول الجهة الواجب عليها تحمُّل مسؤولية إصلاح أعطال المحطة.


للأسف ليس أمام محلب وقت كثير لكى يبتر الماضى بكآبته ثم يبدأ العلاج الفوري
ـــــــــــــــــــــــــــــ
نشر بجريدة التحرير بتاريخ 25/6/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق