الثلاثاء، 25 يوليو 2000

فكري الخولي : السجن عقوبة حبى لضوء الشمس (3-3)


 


من ضمن ما يميز "الشغيلة" والفقراء عن باقي البشر أنهم أبداً لا يعيشون سنوات "المراهقة، الأحلام، التوهان، السرحان، اللعب لوجه اللعب، الشقاوة، العفرتة، وأخيراً الروشنة" إنهم وبحكم ظروفهم يخرجون بسرعة طلقة رصاص من زمن الطفولة إلي مكابدات الرجولة.

وهكذا غادر سريعاً طفلنا العزيز فكري الخولي طفولته ليكتب مبكراً جداً مع رفاقه السطور الأولى في تاريخ الصناعة في مصر الحديثة وليكون شاهداً رأي كل شيء وأودع قلبه كل "الحكاية" من أول كرباج مزق وجه عامل إلى "كلابش" قيد الأحلام والأشواق قبل أن يكبل المعاصم.

والآن يجب أن أعترف أني قرأت كثيراً جداً عن لحظات استقبال الشعوب لمحرريها ولكني أبداً لم أرتجف مثلما ارتجفت وأنا أقرأ ما خطه العم فكري عن لحظات استقبال عمال شركة المحلة لمن ظنوه "المخلص" ماذا كتب العم فكري؟

هيا نقرأ أو نرتجف معاً.

عباس حليم

حصل اجتماع وراه اجتماع بين العمال، وكان الكلام كله يدور حول حضور عباس حليم إلي المحلة لإنقاذ العمال من طغيان الشركة. الكل قال إن عباس حليم رجل ولا كل الرجال، فهو من العيلة المالكة وبعدين هو لا يخاف من أحد. مضت الأيام ومع كل يوم تكبر آمالنا في عباس حليم. وكل العمال كانوا مؤمنين أنه أول ما ينزل المحلة هيروح ماسك كرباجه وينزل بيه على ظهر كل الريسا والمديرين اللي خلوا عيشتنا مرار في مرار. يوم والثاني والمحلة اتملت بصور عباس حليم. كنا بنشتري الصورة بخمسة تعريفة، عن نفسي اشتريت ثلاث صور، شوية والعمال اتشجعوا وراحوا معلقين الصور فوق المكن، طبعاً الريسا غضبوا وقطعوا الصور فالعمال اشتروا صور غيرها، عشنا ننتظر حضور عباس حليم اللي هيخلصنا من الذل والسل والموت اللي بنشوفه كل يوم على إيد الريسا. ثم جاء اليوم الموعود وباتت المحلة ساهرة إذ لم ينم العمال ليلتها. وفي الصباح وأذكر أنه كان يوم أحد خرجنا إلي الشارع. كل العمال كانوا في الشارع وتوجهنا جميعاً إلى الصوان الضخم الذي ضم آلاف العمال.

وإذا بصوت يقول أيها العمال فلنتجه إلى محطة السكة الحديد.

وبالفعل توجهنا إلي محطة القطار، وإذا برجل يطل من شباك القطار رجل أبيض له عينان زرقاوان وجسد ضخم حليق الذقن والشارب ساعة ما شفناه ألقينا بأنفسنا على عربات القطار وتعالت الهتافات عاش المنقذ عاش الزعيم عاش قاهر الظلمة عاشت العمال.

اختطفناه اختطافاً وحملناه فوق الأعناق. ووصل الموكب إلي الصوان في أكثر من ساعتين مع أن المسافة لا تستغرق أكثر من دقائق قليلة. وداخل الصوان وجدنا أولى المفاجآت إذ وجدنا الميكانيكية هم الذين يتصدرون الصوان رغم أنهم هم أنفسهم الذين مزقوا الصور التي كنا نعلقها فوق المكن. بعد طول انتظار تكلم عباس حليم فإذا به يتهته بكلام ليس معروفاً ولا مفهوماً. فراحت العمال تضرب كفاً بكف في استغراق ودهشة، واحد يقول يا عم دا بيتكلم باللاوندي وواحد يقول يا عم دا بيكلم الميكانيكية المتعلمين. وقال آخر ما تسمع يا جدع أنت وهو فرد عليه أحد العمال قائلاً يا عم دا أنت لو دخلت الأزهر عمرك ما تفهم لا أنت ولا اللي خلفوك كلمة من كلامه، فجأة انتهى كلام عباس حليم دون أن نعرف ماذا قال فرحنا نصرخ يا جماعة حد يفهمنا الراجل دا قال إيه؟ واحد من اللي كانوا جنب عباس حليم وقف وقال لنا يا أيها العمال النبيل عباس بيحبكم وبيقول لكم إنه راح يفتح نقابة لكم هنا نقابة يشترك فيها كل العمال.

صورة للنقابة

أربكتنا هذه المفاجأة لقد كنا ننتظره لكي يجلد بكرباجه ظهور الظالمين ولكنه خيب آمالنا وتكلم كلاماً لم نفهم منه شيئاً وها هو يتحدث عن شيء يسمى "النقابة" الحقيقة كانت صدمتنا عظيمة وراح العمال يسخر بعضهم من بعض، انتهي هذا اليوم ورجعنا إلي منازلنا مرهقين وحزانى.
 بعدها بأيام بدأت فكر النقابة تسيطر علينا وبعد طول مناقشات واجتماعات اتفق العمال على أن النقابة مثل العيار الناري الذي لو لم يصب فهو على الأقل قادر على تخويف أعدائنا. سألت أحد زملائي علي النقابة فقال لي النقابة هتحمينا من الظلمة ودا كان كفاية لكي نسارع جميعاً بالانضمام إليها، وبالفعل دفعنا الاشتراك واتصورنا علشان نطلع الكرنيهات كانت أول مرة أتصور فيها في حياتي وبرضه كانت أول مرة معظم العمال يتصوروا فيها فرحنا بالصور جداً وكل واحد قعد يبص علي صورته ويضحك. مضت الأيام زيها زي بعض حتي حدثت الطامة الكبرى عندما سمعنا أن الشركة هتعين بنات في الشغل.
 العمال قالوا حيفصلونا وبالذات كل من اشترك في النقابة هيتفصل ويعينوا البنات مكاننا طبعاً إحنا كنا مستغربين إزاي البنات تشتغل وسط الرجالة وذات يوم ونحن متجهون إلي المصنع وعلي الباب الخارجي كانت الشائعات قد تحققت. مئات من العاملات كن واقفات ملتصقات بجانب السور بتاع المصنع بنات من مختلف الأعمار منهن من لا تتجاوز العاشرة ومنهن من هي في الساعة عشرة معظمهن من الفلاحات ذات الوجوه السمر بملابس شيت ملونة واصلة للأرض مغطيات رؤوسهن بطرح سوداء، وأخريات بملابس حتي الركبة ليست جديدة ولكنها نظيفة وأحذية بكعب عال وعيونهن خضراء من علي بعد وقف العمال وقد أعماهم الحقد على البنات والغضب منهن واتفق العمال على ضرب البنات وطردهن من المصنع ولكن ساعة الجد لم يقدم أحد على ضرب البنات إلا أنا والواد الغريب والواد سيد الصفتي فقد أمسكنا بألواح خشبية وثبتنا فيها مئات المسامير وانتظرنا البنات بين المكن وما إن خرجنا حتي تقدمنا إليهن وغرسنا الألواح ذات المسامير في أجسادهن فعلت الأصوات "يا خرابي" "يا دهوتي" آه ياما" "آه يابا" "يا ولاد الكلب" واندفعت إحداهن نحوي بقوة وأمسكت بجلبابي وشعرت بالمصيبة قائلاً لنفسي رحت في داهية مالم أتخلص منهن ولكن أتخلص إزاي؟ أمسكت باللوحة في يدي واستجمعت قواي قائلاً سيبوني سيبوني يا ولاد الكلب سيبني لفتح بطنكم.
 كن يغرزن أظافرهن بجسدي (اللهي يحرق قلب أمك عليك يا ابن الكلب هو انت إيه عفريت) استجمعت شجاعتي ودفعت باللوحة بكل قوتي في جسد إحداهن وإذا بي أسمع صرخات عالية كانت اللوحة قد أصابت إحدى البنات في مقتل رأيت الدم ينزف من البنت المصابة من أماكن متعددة في جسدها، اقشعر بدني وأنا أرى جسد البنت الأبيض مغطي بالدماء وإذ بي أنا الآخر تتساقط الدموع من عيني دون أن أبكي حزنت جداً لما فعلت قائلاً لنفسي: "هاروح فين من ربنا؟ كان مالي..؟ لو أصابتني دعوة من الدعوات المقززة التي سمعتها أبقي أعمل إيه..؟ أقول إيه لأمي..؟ أعمل إيه لما تروح الواحدة منهن دي الوقت لأمها وتوريها الدم..؟ حيدعوا عليّ.. وحيقولوا يحرق قلب أمه عليه.. أنا خالفت كلام أمي.. أمي كانت موصياني أن أكون في حالي.. كثيراً ما سمعت منها (الخلف الخرا يجيب لأهله النعيلة) وكان مالي.. ما تنحرق الشركة على أصحابها.. هو أنا حاعدل الكون..؟‍‍! الأرزاق بيد الله.. وهي أختي حُسن مش كانت رخره بتشتغل..؟ إيه الفرق بين شغل الفاعل والشغل في المصنع..؟ كانت بتشتغل ليه مش علشان تربيني..؟ ساعدت أمي.. ياما شالت الطين علي دماغها.. ياما طلعت السقالة وراء البنايين واشتغلت بعد موت أبويا.. اشتغلت مع الرجالة.. وأمي كانت عارفة ما حاشتهاش.. وماحاشتهاش ليه؟ من الجوع والاحتياج.. مش أحسن ما كانت تمد إيدها لحد..؟ ما هو أبويا مات وماسبلناش حاجة ناكل منها.. ليه ما يكونوش أبهات دول ماتوا رخرين وجم الشغل علشان يساعدوا أخواتهم.
 أختي كانت بتجيب لي حاجات وهية جاية من طنطا" وبعد ذلك كنا نستخبي وسط العمال علشان البنات لا يتعرفن علينا وفي يوم من الأيام كانت المفاجأة عندما وقفت البنات يتأملن وجهي ويصرخن هوه ده هوه بعينه وكدت أجري ولكني خشيت أن تضحك البنات عليّ فوقفت ناظراً للبنت التي سبق لي أن ضربتها كانت ذات عيون خضراء، ورموش مدببة وحاجباها مكسوان بشعر ثقيل أسود ووجهها أبيض وخدودها حمراء ورقبتها طويلة مثل رقبة الغزلان التي رأيتها في الصور كان اسمها "محاسن" البنات أول ما شافوني واقف ومش خايف قعدوا يندهوا على العمال بلدياتهم اللي من المحلة وفجأة العمال الرجالة جم علشان يضربوني ولكن أنا والواد الغريب والواد الصفتي مسكنا الألواح وهجمنا على العمال فخافوا مننا وجروا من قدامنا فصاح الولد الغريب في البنات جبتوا عجولكم علشان يضربونا طيب أهم جريوا.
العمال لما عرفوا إن إحنا مش خايفين اصطلحوا معانا وقالوا لنا إحنا مش هانخلي البنات تفرق بيننا والبنات لما لقيوا الرجالة اصطلحوا معانا.. بطلوا مناكفة فينا وبعد يومين جاء لي أحد العمال وقال لي تعالى اتفرج على البنات وهن يعملن دخلت معاه، إلى العنبر فوجدتهن مثل العصافير يعملن بكل نشاط وجدية وعدت وقلت لنفسي بنت زي "محاسن" تطلع وتتبهدل ولو كنت من أهلها أديها زي ما هي عاوزة.. وأنا كنت ليه باعمل كده؟

مشكلة محاسن

بنت زي دي أضربها ؟ همه أهلها ودوها الشغل ليه؟ وماودوهاش إلا للاحتياج، بنت زي دي تتلف في الورق.. وتصعبت في نفسي: "أختي ياما شالت طين فوق دماغها".. ياما طلعت وراء البنايين اشتغلت علشان أمي وعلشاني، هي كانت أكبر مني، وأخويا الكبير إبراهيم سابني ومشي، اتجوز وخد مراته ومشي يمكن تكون دي أبوها مات وأمها مشغلاه زي أختي ما اشتغلت.. خلصنا من مشكلة محاسن وبقيت أنا وهيه أصحاب خصوصاً بعد ما عرفت أنها بتساعد أمها في بيع عيدان القصب وكمان أنا في مرة أدخلت عند الملاحظ ورفعت عنها الخصم اللي كان عليها، بعدها خلصت من مشكلة محاسن بدأت مشكلة النقابة والحكومة والعائلة المالكة ضغطوا على عباس حليم وقالوا له ما لهش دعوة بالعمال، وعلى ذلك تم إغلاق النقابة، وكانت أتعس لحظة في حياتي اللحظة التي رحت فيها النقابة، ولقيت بابها مقفول واليافطة متقطعة ونوره مطفي، وفي يوم من الأيام جاء خطاب من أمي كانت المرة الأولى التي أتسلم فيه خطابها، قالت أمي في خطابها:

ابني الحبيب..

إلى من أحبه وأهواه في الحب دائمًا لن أنساه.

ابني..

منذ فترة ونحن في قلق.. لم تصلنا أخبار مطمئنة. بل وصلنا أخبار أنك تدور على حل شعرك.. وكم يوم يمر ولا نراك وكأنه سنة كاملة خاصة عندما أسمع أصوات من كانوا يلعبون معك في الشارع.. إنني كلما سمعت هذا وكنت وقتها باكل ــ انصدت نفسي عن الأكل ــ صورتك لم تبرح خيالي كلما ذهبت إلى الغيط أو نمت.

الأخبار التي سمعتها أقلقتني وأقلقت أخواتك ولا مجال للكتابة عنها هنا.. أخواتك بخير والحمد لله.. معزة أختك خسكية ولدت أربعة.. أما من جهتي فأنا كل يوم جمعة باطلع م الفجر على الطرب كما كنت أفعل دائماً لزيارة المرحوم والدك وأقعد من الفجر على الطربة "عشان أوريه نفسي وأقرأ عليه الفاتحة نيابة عنك" وباكسر العيش وبافرده على الطربة، وبادي للعيال الصغيرين قراقيش.. رحمة ونور على روحه.. وأنا يا ابني العزيز في انتظارك على شوق.

إنني أخشي أن أموت وأتركك تتبهدل، كل أخواتك اتجوزوا ومابقاش إلا أنت.. إنني لا أستريح إلا إذا تزوجت.. احضر حالاً لتزيح عن قلبي المخاوف والأحزان.

أمك.

بعد أن تلقيت الخطاب سافرت إلى بلدنا وبعد السلامات والتحيات سألت أمي عن سر الخطاب فقالت لي حاقولك حاجة تفرحك.

أنا بعت لك علشان أفرح بيك.. عاوزة واحدة تساعدني بعد ما أخواتك اتجوزوا.. وأختك خسكية هاتدخل في الشهرين الجايين.. وأنا عاوزاك تتجوز معاها.. هاجوزك واحدة كويسة.. بنت على قد حالنا وجزت على شفتيها.. فسألت من جديد:

إنتي ليه عايزة تجوزيني دلوقتي؟.. أنا لسه صغير.. فقال محمد: علشان كده بعتنا لك.. من زمان الفرح ما دخلش لنا بيت، ما عندناش في الحجر غيرك.. وعادت أمي تقول:

واحدة تنفعك.. تعيش مع الزمن وياك.. وانتظرت، وانتظرت بفارغ الصبر تنطق باسمها، وتجسدت أمام عيني صور عديدة.

زاوج فكرى

.. رقية.. محاسن.. امتثال.. وقلت لنفسي "مين دول يا ترى" هاتختار دول تلاتة والتلاتة أحسن من بعض" وترددت بينهن "محاسن.. فقيرة ومن أصل.. ورقية من عيلة الواحد يستند عليهم وقت الضيق" وعادت صورة امتثال تظهر أمام عيني وهي تقول: "يا خاين.. أنا بحبك.. قول لأمك أنا بحبك قول لها عني" ولكن صوت أمي كان مخيباً لك، أمالي.. قالت بصوت حاكم المحكمة وهو يزعق على المتهمين:

ــ زينب إبراهيم غرابة.. وكان ذلك أغرب من الخيال بالنسبة لي.. وأضافت أمي: قوم يا واد يا محمد.. قوم أما نخطبها له.. ما حدش عارف الزمن هايجيب له إيه.. وأذهلتني المفاجأة ودارت بي الدنيا وأنا لا أحس بأمي وهي تتكلم ولم أدر ماذا أقول.

أواجهها بالرفض؟.. إيه؟.. أقول أنا صغير.. أقول لها أنا عايز واحدة من التلاتة.. إنها لم تتعود مني المناقشة.. وزينب دي تبقي مين؟

صحيح دي تبقى بنت خالتي.. إنني لم أرها منذ متي؟ منذ أن دخلت المصنع.. ماذا أقول لامتثال التي في انتظاري.. ماذا أقول لها؟ بعد أن سمعت من أمها: إياك تكون من نصيبك.. وتجسد لي وجهها المشرق وهي تقول لي: مع السلامة تجسدت لي وهو ترفع خصلات شعرها بينما تفسح لي مكاناً فقلت لأمي وأنا مرتجف "مش هاتجوز إلا اللي أنا أعرفها.. أخطبوا لي واحدة من التلاتة.. محاسن أو امتثال أو رقية، انت عارفهم.. لم أكن قد حددت من منهن سأختار وفوجئت أمي وشحب وجهها، ونظرت إلىّ مبهوتة فأعدت لها ما قلت.. وإذا بصفعة تنزل على وجهي.. بتقول إيه؟ كمان بترد.. هو علشان ما رحت المحلة بتعمل كده.. باقول: فكري.. فكري.. فكري.. تعمل كده11 بتحب إيه حبك برص.. فاكر إنك حتدور على حد شعرك؟ وأحسست بالمهانة.

وخشيت صفعة أخرى فاندفعت هارباً من البيت.. وأخذت أجري وأتعثر في الظلام الدامس، وهواء لافح يصفعني.. لا صوت ولا حركة.. والنجوم تملأ السماء، وكلب يعوي من بعيد، وأخيراً لم أجد بدا من الزواج من زينب بنت خالتي ويوم تزوجتها لم أكن أعرف أنني سأحبها كل الحب ولم أكن أعرف أنها ستقف معي في كل أزمات حياتي بعد زواجي منها أدركت أن أمي كانت على حق، فرشت لي أمي غرفتي بفرش لم يدخل بيتنا من قبل.. سرير.. دولاب.. ومرتبتين حاجة آخر عظمة.. بعد الزواج بأسبوع عدت إلي المصنع لأجد الحالة غير الحالة كانت مظالم الرؤساء قد زادت بشكل لا يحتمل وراحت شكاوي العمال تتزايد وفجأة مات الملك فؤاد، فانتهز العمال الفرصة وحولوا جنازة الملك إلي مظاهرة تهتف بحقوق العمال وأمام ضغوط العمال أقرت الحكومة قانون إصابات العمال كان أسعد يوم في حياتنا صرخ العمال من الفرحة قائلين: صبرنا ونلنا اللي هيموت فينا هياخد دية، وبرغم فرحنا بقانون إصابة العمال رحنا نطالب بتقليل ساعات العمل، وبالفعل أصبح العمل تمن ساعات يومياً ولكن ليس لكل العمال، الأمر الذي جعلنا نضرب عن العمل ونشتبك في معارك مع الرؤساء ومدير المصنع في هذه الأيام وأنا أعاني من البطالة ظهر معدن زوجتي زينب الحقيقي أبداً لم تشتك من الفقر ولا من الجوع بل كانت تبيع الحلل من ورائى وتصرف علي المنزل وكنت كلما عاتبتها قالت لي بكره ربنا يفرجها عليك وتشتري أحسن منها.

القبض على الزعماء

قبض البوليس على زعماء الإضراب، وتم تحويلهم إلي المحاكمة وكانت النيابة كالعادة ضد العمال وكذلك المحكمة وحكم بالسجن على زعماء الإضراب وأنا وباقي العمال لن نسكت روحنا نواصل الإضراب ونواصل النضال من أجل تقليل ساعات العمل، كل أملنا في الحياة تركز في نقطة واحدة، وهي أن نري ضوء الشمس لأننا كنا نخرج من بيوتنا والشمس لم تطلع بعد ونعود إليها وقد غربت، مطالبنا البسيطة هذه واجهتها الحكومة بكل عنف، وتم إلقاء القبض علينا ووضع الكلبشات في أيدينا إن أول سجن جربته في حياتي كان بسبب حبي لضوء الشمس.

هكذا سيدي القارئ وصلنا إلى ختام الرحلة بأجزائها الثلاثة المطبوعة، بقي جزء رابع مازال مخطوطاً محفوظاً لدي أسرة المناضل الراحل "فكري الخولي" وأنا وإن كنت أدعو أسرة المناضل الراحل "فكري الخولي" إلى المسارعة بإصدار الجزء الرابع فإنني نيابة عن كل عارفي فضل هذا المناضل الكبير أدعو السيد وزير الإعلام، إلى إخراج هذا العمل إلي النور من خلال تقديمه في مسلسل تليفزيوني.. علي غرار مسلسل "الوسية" كما أدعو السيد الدكتور سمير سرحان رئيس الهيئة العامة للكتاب والمشرف العام على مكتبة الأسرة إلي طبع الرحلة لكي يحظي الجميع بقراءة هذه الوثيقة النادرة والفريدة وإن لم تسمح ظروف هيئة الكتاب بإصدار هذا العمل فإن العبء ملقي على عاتق الناقد الفنان الأستاذ على أبو شادي رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة لكي يُشرف إحدى سلاسل الهيئة بنشر الرحلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة القاهرة ــ 25 يوليو 2000

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق