لحظة حدوث محاولة اغتيال الرئيس مبارك تلفت عادل حمودة نائب رئيس تحرير روزاليوسف يبحث عمن يفتش معه عن بقعة ضوء في ظلام لحظة ارتجف لها بدن الوطن لم يكن حمودة يبحث عن «هتيف» يصرخ سيسقط الخونة» كما لم يكن يبحث عن «حاوي» يخرج من قبعة التاريخ «كتكوتًا» ملونًا يلهى به الأبصار ويضلل البصائر وينتزع «بصوصوته» التصفيق.. كما لم يكن حرج اللحظة يسمح بترف الجلوس إلى أكاديمي يغوص في «برك» الأكاديمية راميًا علينا طالب مصطلحات كذوب لا يفهمها هو ولا نحن.
ولأن اللحظة استثنائية فلابد من الذهاب إلي رجل استثنائى لايزال يعمل عقله ويقدر لرجله قبل الخطو موضعها.. ولم يكن الرجل سوي إمام كتاب عصرنا محمد حسنين هيكل.. وعليه فقد حمل حمودة منصبه كنائب لرئيس تحرير روزاليوسف «على كفه» وذهب لمحاورة هيكل.. لا مبالغة هناك.. فما أن بدأت روزاليوسف تنشر أولى حلقات الحوار الثلاث حتى هبت العواصف من كل جانب فكتب عبدالعظيم رمضان مقالات «ردح» فيها كعادته لهيكل وعبدالناصر وكل شىء وكل أحد وقامت «أكتوبر» و«الأهرام» بنشر المقالات ثم أخرجتها الهيئة العامة للكتاب في كتاب فخم قبل أن تنتهى «أكتوبر» و«الأهرام» من نشرها!!
وتوالت ردود الأفعال من داخل الوطن وخارجه كل حسب موقعه.. فالذين «مع» الجمود أقلقهم «عقل إجابات «هيكل» و«مشرط أسئلة حمودة» وأزعجتهم محاولة حمودة وهيكل صياغة موقف عقلاني يليق بقوة ما حدث في أديس أبابا والذين هم «ضد» الجمود والثبات وبقاء الوضع كما هو عليه جدد الحوار آمالهم في استيقاظ ضمير الأمة لتعرف كيف كانت وإلى ما صارت ولم يكن غريباً في هذا السياق أن يكتب الإرهابى شمعون بيريز وزير خارجية العدو الصهيونى رداً على الحوار.. وما أن جاءت الحلقة الثالثة والأخيرة من الحوار حتى انتشرت في الوسط الصحفى شائعة عن اقتراب ميعاد رحيل حمودة عن مؤسسته عززها ما نشرته جريدتا العربي والأهالى عن الموضوع نفسه، فقد قالتا إن ثمة مسئولين أغضبهم الحوار لما به من جرأة فى الأسئلة والإجابات معاً.. ولأنهم أي المسئولين لا يملكون تحجيم «عقل هيكل» فإنهم يستطيعون إقصاء «مشرط حمودة» عن مجلة «روزاليوسف».
والآن.. ماذا جاء في الحوار الذي أزعج الجميع وأصدره مؤخراً حمودة في كتاب مضافاً إليه ما سبقه من حوارات مع هيكل؟
في الحقيقة نظلم الرجلين لو أسمينا ما كان بينهما «حواراً»، فقد كبر كلاهما عن ثوب الحوار الضيق.. وامتد ليصبح محاولة جادة للفهم ولتقييم ما جري ولاستشراف آفاق تبدو ضبابية كانت أسئلة حمودة من نوع «الوزن الثقيل» فهو يسأل هيكل: هل يمكن أن تتخيل شكل السيناريو لو قدر الله ونجحت محاولة أديس أبابا؟ سؤال كهذا لم يطرحه قبل حمودة أحد.. ولم يجب عنه أحد قبل هيكل الذي قال في إجابته: سيدخل الجيش ويأخذ السلطة.. فليس هناك نائب رئيس.. والحكومة الموجودة لا تتمتع بمصداقية.. الوضع المتوقع أن يمد الجيش ذراعه ويأخذ السلطة.. والجيش منطقة محرمة لا نتكلم فيها ولا نعرف ما فيها، ومن ثم صورة الحكم القادمة في هذه الحالة.. مجهولة.. وهذه هي الكارثة.
ويعود عادل حمودة للسؤال: المثير للدهشة أن نتيجة الهزيمة في 1967 كانت التحدي، نتيجة الانتصار في 1973 السلبية والانكسار.. ويجيب هيكل: لأننا ببساطة غيرنا مجموعة القيم التي كانت تحكمنا ولأننا لا نتوقف للفرز ولا للقراءة.
وترتفع حرارة الأسئلة ويبحث حمودة عن مواقف «مصر الرسمية» من حكومة السودان وعن توصيف دقيق لمن دقوا طبول الحرب.. ويجيبه هيكل: الذين يطالبون بأن نقاتل السودان ألا يعرفون أنك حتي تقترب من الخرطوم ستقطع حوالي 1500 كيلو متر في العراء على مجري النيل.. وتصبح عرضة لحرب عصابات ليس لها حل.. ثم.. دم بينك وبين السودانيين.. مستحيل.. ثم هناك شروط للحرب مع السودان أولاً: الشعب المصرى لن يقبل أخلاقياً بالحرب مع السودان ولا الشعب السودانى سيقبل - ثانياً: العالم لن يتركك.. وستكون كارثة - ثالثاً: هذه حرب فوق وسائلك لأنه ببساطة أراضى السودان شاسعة جداً والسيطرة عليها وتأمينها مسألة مستحيلة وإذا قررت أن تضرب ضربة عقابية وتعود فهذا سيؤدي إلي تهديد دائم لمصالحك.. رابعاً: ما الذي تريده من هذه الحرب؟.. إذا تصورنا أن الحرب فرقعة سلاح فهذا خطأ وإذا كانت الحرب انتقاماً للكرامة فالثمن سيكون فادحاً هل تستطيع احتلال السودان؟.. هل تستطيع الوصول للخرطوم وتمسك به هو والبشير.. لا أحد يعرف ما الذي يمكن أن نجنيه من هذه الحرب.. ومن ثم فهي حرب تفتقد شروطها.
ويواصل هيكل إجابته عن السؤال المؤلم: لقد كانت مصر قادرة بتأثيرها ونفوذها المعنوى علي الوصول لكل قلب في الخرطوم.. فماذا جرى لنا؟ إجابة هيكل فتحت الباب أمام سؤال طرحناه جميعاً عن دور الصهاينة فيما جري ويجري ومرة أخرى يحلل هيكل الموقف نفسه دون الوقوع في فخ الإجابات الجاهزة. يقول هيكل: في كتابي «الحل والحرب» قلت إن موشى ديان كان يرى أن الحفاظ علي أمن إسرائيل لا يتحقق إلا بدخول العرب في تناقضات أمنية بعيداً عن إسرائيل وهذا ما حدث.. مصر الآن مشغولة بالسودان، وسوريا مشغولة بالعراق، والعراق مشغولة بالكويت، والكويت مشغولة بالأردن، والأردن مشغولة بقطر، وقطر مشغولة بالسعودية، والسعودية مشغولة باليمن، وهكذا...
ويبقي من «الحوار الكتاب» الكثير من القضايا التي فجرها حمودة مع هيكل في رحلة بحثهما عن إجابة لأسئلة من نوع «الوزن الثقيل» على نفوس بعض المسئولين!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نشرت بجريدة الأحرار - 11 أكتوبر 1995
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق