الأحد، 23 فبراير 2020

هل ينام لاعب كرة القدم المصري؟



فى البدء كانت لعبة كرة القدم لعبة شأن غيرها، يُراد بها الترفيه والمتعة الخالية من الحسابات المعقدة، ولكن ابن آدم مفطور على تعقيد البسيط وخلق ألف مشكلة لكل حل، فتدخل وفق حساباته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وجعل من لعبة كرة القدم، صناعة ثقيلة مثل صناعة الأسلحة المعقدة.
انظر إلى علم دولة البرازيل، ستجد علامته البارزة هى كرة القدم، والبرازيل ليست دولة عابرة، إنها دولة كبرى، مساحتها تزيد على الثمانية ملايين كيلو متر مربع، وعدد سكانها تجاوز المائتى مليون نسمة، واقتصادها يُعد سابع أقوى اقتصاد على مستوى العالم، لكنها عندما تأكدت من مكانة لعبة كرة القدم، خارجيًا ومحليًا، وضعتها فى قلب علمها الوطنى، والأمر ليس أمر شغف بالكرة، أو رد جميل لمتعتها، إنه فى البرازيل أصبح أمر صناعة ثقيلة، يشترك المجتمع كله تحت رعاية الدولة فى الاستثمار فيها، وغير البرازيل سنجد دولة عريقة مثل إسبانيا كانت شيئًا قبل أن تقام على أرضها بطولة كأس العالم فى كرة القدم، ثم أصبحت شيئًا مختلفًا بعد البطولة، وكذا كان حال الأرجنتين وغيرها من الدول.
ونحن فى مصر نمارس اللعبة منذ أجيال، وننفق عليها مليارات الجنيهات سنويًا، ثم ـ وهذا مضحك جدًاـ ما زلنا نتعامل معها كأنها لعبة للترفيه أو «لفش» الغل أو لإطلاق العنان للمناكفات بين جماهير الزمالك والأهلى، وليست صناعة معقدة تحتاج إلى نظام صارم، شأن أى صناعة .
اللاعب الماهر القديم السيد الضظوى، الذى لعب للمصرى البورسعيدى وللأهلى، ظهر فى أحد برامج التليفزيون قبيل رحيله فى بدايات التسعينيات، فقال من واقع خبرته العريضة: إن الأمر عندنا أمر تهريج وهزل لا جد فيه، ووضع الرجل الخبير خطة علاج مشاكل كرة القدم المصرية، فقال: إن الحل يبدأ من اللاعب نفسه، اللاعب المصرى لا ينام، فهو يدخل غرفة نومه فى العاشرة صباحًا بعد أن يسهر الليل كله فى أماكن ليست فوق مستوى الشبهات، ويصحو قبيل المران الذى يكون عصرًا، يصحو وهو متهالك، فيذهب إلى ساحة التدريب وهو مرهق ولا طاقة له على القيام بواجباته، ولأن الأمر هزل لا جد، يغض المدرب بصره عن اللاعب، وتحدث عمليات تواطؤ معقدة بين جميع الأطراف، وكل واحد يسكت عن مخالفات الآخر، ليربح الجميع ولا يخسر سوى الجمهور والدولة راعية اللعبة.
وواصل الضظوى فقال: على اللاعب أن ينام مبكرًا، وينام ليلًا وليس نهارًا، ثم يأكل جيدًا، ويكون طعامه تحت إشراف طبيب متخصص، ثم يتمرن جدًا، وينفذ أوامر مدربه، فلو التزم بهذه الخريطة سيكون له شأن آخر.
عندما تشاهد لاعبينا وهم يجرون أقدامهم جرًا، ستتأكد أن وصايا الضظوى لم يلتزم بها أحد، وما يقال عن ضغط المباريات وعن الإمكانيات الجسدية للاعب المصرى، هو محض هراء وشماعة يعلق عليها الفاشلون فشلهم، فأمامنا مصرى مثل محمد صلاح، الذى يشبهنا فى كل شىء، وظنى أنه قد مارس السباحة فى ترع بلدهم، ولكنه عندما اختار العيش فى سياق منضبط جاد، ألتزم بكل قواعد ذلك السياق الجاد، فأصبح أحد العالميين الذين يتنافسون على كبريات الجوائز، صلاح يلعب لفريقه فى جميع البطولات التى يخوضها، ثم يلعب كل مباريات المنتخب الوطنى المصرى، وهذا يعنى أن عدد المباريات التى يشارك فيها أكبر بكثير من عدد مباريات زميله المقيم فى مصر، ولكن صلاح يسابق الريح ولم نسمعه يومًا يشكو من ضغط المباريات وذلك لأنه ينام جيدًا، فمتى يقلده زميله المصرى، ويعترف بأن النوم فضيلة عظمى؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق