عندما وقعت الواقعة فى صبيحة الخامس من يونيو 1967 خسرنا كل شىء، جملتى هذه ليست مجازية، نعم لقد خسرنا سلاحنا ورجالنا، عبدالناصر بلسانه اعترف بحجم الخسارة التى جعلت بعضًا من كبار المسئولين فى ذلك الوقت يقترحون حلولًا عجيبة لمواجهة العدو.
أحدهم عرض الاستعانة بـ«نبابيت» الصعايدة، فى إطار حرب شعبية شاملة، وغيره قال بتجهيز مليون قنبلة من قنابل المولتوف.
عبدالناصر القائد الذى أعلن تحمله منفردًا لعبء الهزيمة استمع لتلك الحلول البائسة، ثم أعلن قفزه فوق لحظة الهزيمة، مؤكدًا أن الهزيمة فى معركة ليست قدرًا سيطوق أعناقنا مدى الحياة.
رؤية القائد صاحب البصيرة راهنت على صلابة شعبنا وعلى مكونه الحضارى الراسخ، وقد انتصرت رؤية القائد، فبدأت من الصفر تقريبًا عمليات إعادة بناء الجيش على أسس علمية.
هنا تحضر وبقوة معانى الأمل، إنها تلك المعانى التى تحرك الإنسان لكى يمضى فى طريق الحياة الكريمة، فقدان الأمل يجعل الإنسان- أى إنسان- مجرد خرقة لا تصلح لشىء.
الأمل فى رد الاعتبار والأمل فى تحرير الأرض قاد عمليات بناء الجيش.
تلك العمليات كانت أسطورية بكل ما تحمله الكلمة، لقد كانت السماء المصرية مكشوفة أمام طيران العدو الذى راح يوجه أخس الضربات لكل الأهداف المدنية، سنظل نذكر مذبحة مدرسة بحر البقر، عندما دك طيران العدو جماجم أطفال المصريين.
فى تلك الساعة العصيبة بدأ بناء حائط الصواريخ، كانت الفلاحات المصريات يشاركن فى البناء، فى مشهد لم يجد بعد من يخلده ليكون عبرة لحفيدات لا هم لهن إلا توافه الأمور.
وبعد إتمام البناء بدأت مرحلة انقلاب السحر على الساحر، لقد بدأ الدفاع الجوى المصرى يصطاد الفانتوم فخر الطيران الصهيونى.
فى تلك الأيام بدأ جنين النصر فى النمو، لقد أصبحت مسألة كسر غطرسة العدو مسألة أيام لا أكثر.
وقد جاءت الأيام بعد مرور ست سنوات فقط على النكسة، نعنى أيام أكتوبر الخالدة التى يريد بعضهم طمسها عبر سلسلة من الأكاذيب كأن يشيعون تلك المقولة الوضيعة: «نحن لا نصلح لشىء»!
والحق أننا نصلح للمعالى والمكارم، وقد فعلنا مرات وليس مرة واحدة، فمن يوم نصر أكتوبر لم يربح العدو معركة واحدة خاضها ضد العرب، كل معاركه تنتهى وهو لم يحقق هدفًا واحدًا من أهدافه، فروح أكتوبر لم تصعد إلى بارئها، بل ما زالت تسكن أجسادنا وهى ستلبى النداء متى أردنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق