خرجت من بيتى يوم الجمعة الماضي للمشاركة فى مظاهرة «تصحيح المسار»، كان ميدان التحرير مبهجا كعادته، المشاركون كانوا قلة قياسا على مظاهرات سابقة، بعيد العصر تدفق «الألتراس» فامتلأ الميدان ببهجة أغانيهم، مع انكسار حرارة الشمس زاد عدد المشاركين،كانت كل اللافتات والشعارات والهتافات مندرجة تحت بند «المتوقع» اللهم إلا لوحة رسمها فنان فطرى لفت نظرى إليها الصديق الصحفى خالد عبدالرسول، كانت اللوحة تصور جملاً مقطوع الذيل يبكى وهو يصيح: «بعد براءة الجميع واضح إنى أنا اللى هشيل الليلة». بعد صلاة العصر رفع أحدهم شاكوشاً وصاح: «إلى السفارة لهدم الجدار» تبعه حوالى خمسمائة من الثوار، أنقسم الواقفون بجوارى إلى ثلاث فرق، فرقة ترى أن الذهاب إلى السفارة كارثة، والثانية تؤكد أن هدم ولو جزءاً من السور هو عمل رمزى عظيم يجب إشهاره، الثالثة ترى أن الذاهبين لهدم السور ما هم إلا مجموعة من شيعة المجلس العسكرى يوحى إليهم بارتكاب الحماقات لكى يثبت للعالم أن الشعب المصرى لن يستقيم حاله إلا بحكم ينتهج سياسات حديدية.
غادرت موقع المختلفين ورحت أفكر فى خطوة هدم السور. أطمأن ضميرى إلى أن الهادمين ما هم إلا جماعة من شباب الثورة الذين يريدون مد الخيط إلى منتهاه، هم يرون أن الثورة لن تكتمل إلا بإنهاء علاقاتنا بكيان العدو، إنهم هم أنفسهم الذين غادروا بيوتهم صباح الخامس والعشرين من يناير وأعلنوا اعتصامهم فى ميدان التحرير حتى يرحل الرئيس ولم يتراجعوا قيد أنملة عن هدفهم رغم دمائهم النازفة ورغم تراجع السلطة أمامهم ورغم الابتزاز العائلى الذى وقعوا تحت وطأتهم. هؤلاء يؤمنون بأن الثورة ما هى إلا مظاهرة ثم تكبر وتتعاظم وتكتسب أنصاراً وتحدد أهدافاً جامعة ويصبح فيها الجميع على أتقى قلب رجل واحد. السيطرة على هؤلاء إن لم تكن مستحيلة فهى فى غاية الصعوبة، لقد جربوا التفاوض مرات عديدة، وجربوا رفع الشعارات المنددة بعلاقاتنا بكيان العدو، جربوا كل فعل سلمى ولكنهم لم يربحوا شيئاً ولم يستمع إليهم أحد من المسئولين فقرروا فى وجدانهم أن الحقوق تؤخذ عنوة وأنهم إن سكتوا اليوم فمن يدرى فقد يصبح السور الخرسانى سوراً فولاذياً ولذا فقد قرروا الهجوم الآن وليس غداً. فى تمام السادسة بعد العصر هاج الميدان وارتفعت التكبيرات معلنة أن الثوار قد حطموا الجزء الأكبر من السور. جماعة من الثوار المرابطين فى الميدان قالت: «هذه فرصتنا لكى ندمر السفارة بمن فيها حتى نتخلص بضربة واحدة من الوجود الصهيونى على أرض وطننا» وعلى ذلك اندفع حوالى ألفى ثائر لمساندة هادمى السور. بعد أقل من ساعة جاءت الأخبار مؤكدة أن بعض الثوار قد أنزلوا مجددا علم العدو وقد اقتحموا مكاتب تابعة للسفارة ووضعوا أيدهم على أوراق تخص السفارة، راحوا يقذفون بها من النوافذ.
بقية القصة نعرفها جميعا لكن فصلها المهم يجب ألا يغيب عن أعيينا وأذهاننا.. الشعب لا يريد سفارة للكيان الصهيونى فى مصر وهو مرحب بأن يدفع الثمن.. دعوا الشعب يدفع ثمن إرادته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق