الثلاثاء، 28 أكتوبر 2025

فلنحتفل بشاعر المقاومة


تحل الذكرى الأربعون على رحيل الشيخ الإمام فؤاد حداد وفلسطين كالعهد بها تقاوم.

ولد شاعر الشعب، الشيخ الإمام الأستاذ فؤاد حداد في اليوم الثلاثين من شهر أكتوبر من

 العام1927م، ورحل إلى رحمة ربه في يوم قريب جدًا من يوم ميلاده، فقد رحل عن دنيانا

في اليوم الأول من شهر نوفمبر من العام 1985، رحل وهو في الثامنة والخمسين من 

عمره (انتبه معي إلى أن كل ما أنجزه الأستاذ هو كثير جدًا أنجزه في أقل من عشرين عامًا، فهناك عشر سنين  أمضاها في الزنازين).

بمناسبة اقتراب الذكرى الأربعين على رحيله والثامنة والتسعين على ميلاده، فقد كتب 

ابنه الشاعر الكبير الأستاذ أمين حداد: "يوم الخميس ٣٠ أكتوبر هو عيد ميلاد

 فؤاد حداد الثامن والتسعون والسبت ١ نوفمبر هو

ذكرى وفاته الأربعون. لا أذكّر أحدًا من القائمين على الثقافة والأدب فلن يجدي معهم الكلام،

ولكن أذكّر نفسي دائمًا بأن شاعرًا عظيمًا كان هنا وكان فضل الله علي كبيرًا إذ عشت معه

وكنت بجانبه وابنه وصديقه. وأقول إن شعره سيعيش ويرى ما يستحقه من اهتمام ودراسة

وانتشار".

اكتب كلمتي هذه منتظرًا مع الأستاذ أمين الاحتفال بذكرى شاعر الشعب الشيخ الإمام

 فؤاد حداد.

منذ تعرفت على شعر الشيخ الإمام قبل سنين بعيدة وأنا أعود إليه دائمًا فأجد الجديد، ولكن

الثوابت في شخصيته وفي قصيدته واحدة لا تعرف التبديل، فهو رجل متواضع جدًا عرف

مبكرًا أن زمانه لن ينصفه، فيباغتك بصيحة مدوية، اخترقت الزمان والمكان وظل صداها

يتردد إلى يوم الناس هذا، بل سيتردد إلى أن تدع العرب الشعر، ولن تدع العرب الشعر حتى

تدع العرب الحنين.

في صرخته قال الشيخ الإمام:"

 

أنا والد الشعراء فؤاد حدّاد

أيوه أنا الوالد وياما ولاد

قَبلِسّة رَبِّيتهم بكل وداد

بَعدِسّة تلميذ أوّلِي وإعداد".

ومن تلك الصرخة المباغتة جاء لقب "والد الشعراء"، ثم رثاه الأبنودي فقال: 

"أنت الإمام الكبير.. وأصلنا الجامع..

وأنت اللي نقبل نصلى وراك فى الجامع

بسيط يا مولاي، والضحكة فى صدرك.. قوت

فقير يا مولاي.. ورازقنا حرير.. وياقوت

ونشيد عشان الأرض

ودعوة.. للى يموت

وخريطة لفلسطين

وكُم.. للدامع".

ومن افتتاحية قصيدة الأبنودي جاء لقب "الإمام".

بالعودة إلى ثوابت الإمام نجده ألوفًا وفيًا، كأن روح جده المتنبي قد سكنته فقد قال الجد

المتنبي:

"خُلِقتُ أَلوفاً لَو رَحَلتُ إِلى الصِبا

لَفارَقتُ شَيبي موجَعَ القَلبِ باكِيا".

مع ثورة يوليو تفجر شعر فؤاد جداد، ومع تفجر شعره جاء سجنه لمرتين، الأولى من

عام 1953 إلى 1956، والثانية من عام 1959 إلى 1964.

غادر الإمام سجنه فلم ينعزل ولم يعتزل، بل بادر بالمشاركة في احتفالية مرور ألف سنة 

على بناء القاهرة، وكان ديوانه "من نور الخيال وصنع الأجيال في تاريخ القاهرة

" يذاع على أثير

 محطة البرنامج العام بعد أن قام الموسيقار سيد مكاوي بتلحينه.

قال الشيخ الإمام:

"أول كلامي سلام

وتزققينى الكلام

أيام فى حضنك أنام

القلب الابيض هنا

يا مصر يا أمنا

واطلع فى نور الأدان

إذا دعا الوالدان

المدرسة والميدان

والإنسانية هنا

يا مصر يا أمنا".

ثم يرحل عبد الناصر الذي سُجن الإمام في عهده مرتين، ولكن لأنه كجده المتنبي فقد 

عاد إلى صباه موجع القلب باكيًا كتب قصيدة استغرقت ديوانًا كاملًا جعله في رثاء 

عبد الناصر ونشره

تحت عنوان "استشهاد جمال عبد الناصر".

يقول الشيخ الإمام مخاطبًا عبد الناصر:

"يا حضن مصري يا طلعة فجر يا ريّس

مع السلامة يا والد يا أحنّ شهيد

آدى الرقابى ودي الأعلام بتتنكـّس

فين طـلـّتك في الدقايق تسبق المواعيد

والابتسامة اللى أحلى من السلام بالإيد

يامعانا في كل فرحة ومعركة وجديد

أؤمر لى بحقوقى وهدوم الولاد في العيد

 

والمجانيّة ومرايل بيضا والأناشيد

والصبر ما يغلبهش الذلّ والتنهيد".

ولد فؤاد قبل النكبة (1948) بواحد وعشرين سنة، كان في ريعان شبابه وفي فتوة شعره،

 ثم توالت الضربات فقد عاصرها كلها، من زمن النكبة حتى زمن غزة لبنان واحتلال بيروت،

وهنا يبرز الثابت الثالث من ثوابت فؤاد حداد، إنها المقاومة، الرجل لم يفقد إيمانه بالمقاومة، ولو للحظة واحدة، إنه يقاوم ليل نهار ويدعو إلى المقاومة ويبشر بها، وكلما زاد عنف

الضربات ازداد إيمانه بالمقاومة وفي القلب منها فلسطين التي وهبها أصفى شعره.

قال الشيخ الإمام:

"ازرع كل الأرض مقاومة

ترمي في كل الارض جدور

إن كان ظلمه تمد النور

وإن كان سجن تهد السور

كون البادئ كون البادئ

كُل فروع الحق بنادق

غير الدم محدش صادق

من أيام الوطن اللاجئ

إلي يوم الوطن المنصور

ازرع كل الأرض مقاومة

خلي الاصل وخلي الدين

والحق الواحد شاهدين

خلي سلاحنا في كل يمين

ولا يضعف ولاعمره يلين

خلي الصبر شهور وسنين

يسند ظهر معديين

خلي عرقنا يلاقي جبين

يقطر منه على فلسطين".

تحل الذكرى الأربعون على رحيل الشيخ الإمام ، وفلسطين كالعهد بها تقاوم، فهلا احتفالنا به

وبالمقاومة؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منشور بجريدة صوت الأمة الأحد الموافق 26 أكتوبر 2025م.

الخميس، 23 أكتوبر 2025

لا ضمانة سوى نيران مدافعك


أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن حماسًا وكيان الاحتلال قد وافقا على وقف إطلاق النار(لاحظ أن المعلن الأول كان ترامب وليس غيره)، بعدها عمت الفرحة قلوب الجميع، حتى قلوب مواطني كيان الاحتلال، فلم يعد في طاقة أحد تقديم المزيد، فلا قوى المقاومة مرشحة للسحق والانتهاء ولا هي قادرة على تحرير شبر من الأرض، والكيان لم يعد بمقدوره سوى تدمير المزيد من البيوت وقتل المزيد من الأطفال والنساء، ثم ها هو يقف عاجزًا عن تحقيق أهدافه الرئيسية الكبرى، فلا هو حرر الأسرى بالقوة المسلحة ولا هو ضم الضفة ولا هو قام بتهجير أهل غزة، كل ما حققه الكيان كان نجاحه في أن يجعل غزة مدينة غير صالحة للعيش، وهذا انتصار كبير ولكنه ليس من الأهداف الاستراتيجية التي تقلب موازين القوى.

أعلم على وجه القطع واليقين أن الكيان إن كان يكره حماسًا مرة فهو يكره مصر ملايين المرات، فلولا رفضها الحاسم القاطع لفكرة التهجير لانتهى كل شيء في أقل من ساعة ولتم دفن القضية الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد، ولكن شاء ربك أن تقف مصر بكل قوة متحملة أثمانًا باهظة في وجه التهجير، فقد أعلنت رفضها له تحت أي مسمى وتحت أي مبرر.

تواصلت الفرحة وكان حق لها أن تتواصل، حتى جاء مشهد مؤتمر شرم الشيخ المبهر، قادة العالم جاءوا من كل فج عميق ليشهدوا على أن صمود أهل غزة ومقاومتها وإدارة مصر للملف في أمتاره الأخيرة الحاسمة هي التي حققت وقفًا لإطلاق النار وتبادلًا للأسرى.

ثم وكالعادة تروح السكرة وتأتي الفكرة وتطرح قلوبنا قبل عقولنا السؤال المؤلم: ما الضمانات ومن الضامن؟

يحزنني أن أكون صريحًا، لكن لا مفر من صراحة تنسف أوهامًا وطرقًا ودروبًا من الخيال.

مع كيان محتل يؤمن بأنه شعب الله المختار ويؤمن بأن حدود كيانه قد حددها الرب الخالق قبل آلاف السنين ويؤمن أن الفلسطيني الطيب هو الفلسطيني الميت لا تتحدث عن ضمانات ولا تبحث عن ضامن.

 في نوفمبر من العام 2024 وقع كيان الاحتلال اتفاقًا لوقف إطلاق النار مع لبنان، وكانت الوساطة الأمريكية حاضرة بقوة، ثم في الثامن من شهر مارس مع العام 2025 يقول مصدر عسكري لبناني، لسكاي نيوز عربية: إن عدد الخروقات الإسرائيلية منذ دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بلغ 3112 خرقا!

فكم خرقًا قام به الكيان من مارس 2025 وإلى شهرنا هذا أكتوبر 2025؟

الله أعلم، لقد بحثت حتى تعبت ولكن لم أجد مصدرًا يطمئن إليه قلبي.

ولك أن تسأل نفسك عن الأسبوع الذي يمر دون أن يرتقي من لبنان الشهيد والشهيدان بل والشهداء، لن تجد أسبوعًا ليس به حوادث قنص لشهداء يمرون بقدر الله في مرمى نيران مسيرات الكيان، ولن تجد سوى التبرير ذاته: هؤلاء من عناصر قوة الرضوان التابعة لحزب الله!

فأين ذهبت الضمانات وأين تبخر الضامن؟

إن قوات اليونيفيل وهي قوات تعمل تحت علم الأمم المتحدة لم تفلت من هجمات الكيان وأحدثها كان قبل ثلاثة أيام، فهل ضباط اليونيفيل من عناصر قوة الرضوان؟

صدقني لا ضمانات ولا ضامن، فقبل ليلة من انعقاد مؤتمر قادة العالم في شرم الشيخ يقف رئيس وزراء الكيان أمام كاميرات التلفزيونات ليقول بلغة توراتية:” أقول لكم إن المعركة لم تنته، ما زالت أمامنا تحديات أمنية كبيرة جداً. البعض من أعدائنا يحاولون التعافي لضربنا من جديد. لكننا.. سنتولى أمرهم".

وقبل ناتنياهو بساعة يظهر وزير حربه يسرائيل كاتس، ليقول: إنه أصدر تعليماته للجيش بالاستعداد لتدمير الأنفاق والبنية التحتية لحركة "حماس" في غزة تحت إشراف أمريكي ودولي.

والحال كما ترى هل لا تزال تبحث عن ضمانات؟

لا ضمانات سوى القوة، لا ضمانات سوى أن تدرك أنك متى ضربتني ضربتك فأوجعتك. ما حصلنا عليه هو حجمنا في موازين القوة.

فلنترك الأوهام جانبًا لنستمع إلى الحكمة الخالدة التي أطلقها وزراء بريطانيا العتيد، ونستون تشرشل: "أنت لا تستطيع أن تفاوض لمدى أبعد مما تصل إليه نيران مدافعك".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

منشور بجريدة صوت الأمة يوم الأحد الموافق 19 أكتوبر 2025م.